النزوح بين المنطوق لأجله والمسكوت عنه

آلة الحرب لم تتسلل لها حرارة الصيف وانحطاط العملة وتدهور الاقتصاد فعلى أعتاب هذه المدينة بدأ التمكين الاجتماعي للنازحين يشكل ثقلًا ومنعطفًا خطيرًا إذ يعتبر هالة عميقة للتغيير الديمغرافي الذي يهدد نسيج المجتمع وهذا ما نراه يحدث بطريقة متسارعة .
إن التغيير الديمغرافي يشكل خطرًا مضاعفًا باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الجهود التي تعبث بالشأن الداخلي لصناعة واقع ديمغرافي يشكل ركيزة لمشروع جيوسياسي ومحاولة إلى تنامي هوية جديدة (الهوية اليمنية ) تبلورت إلى ملامح أزمة ديمغرافية يراها العالم من وجهة نظره طبيعية وتراها عدسة منطق واقع الجنوب على خلاف ذلك كحالات النزوح لكن الخطر الأكبر هو تغيير ممنهج تمارسه الأطراف المتربصة بالجنوب بهدف احداث أمر واقع من خلال التهجير والاحلال السكاني من المناطق الشمالية في ظل حدوث انزياحات سكانية واسعة الأفق وهذا ما برمجته الجهات المسؤولة ( الشرعية ) عن إدارة الأزمة وارتأت عن ذلك وتركها تُفرغ في حواضن ( الإنسانية والتكافل الاجتماعي والتآزر والمجتمع الواحد ) . ماكينة الديمغرافية نشطت منذ زمن لكنها لم تكن كهذه التي تحدث ربكة في المشهد العام اليوم حيث بات كل شيء مهددًا منها العادات والسلوكيات المجتمعية على رأس الهرم إذ يمتاز المجتمع الجنوبي بدءًا من عدن بخاصية وهوية خاصة.
النزوح ليس طارئًا أو حالة تحدث مصادفة بل هي تمكين اجتماعي ممنهج وليس وليد اليوم وإنما ظاهرة تحمل في طیأتها مآسي معاناة على مختلف الصعد السياسة والاقتصادية والاجتماعية .
إن البعد الديمغرافي للصراعات والحروب من مسببات استمراره وهذا ما نتج عنه نزوح المدنيين من مناطق متفرقة من خارج رقعة جغرافية الجنوب بشكل متخم وغير متوازن في ظل الركود الاقتصادي وتردي الخدمات نتيجة زيادة التعداد السكاني وذلك يعود ويرجح لحركة النزوح التي تنظمها الأطراف السياسية لدى السلطة متمثلة بالشرعية أو حزب الإصلاح . إ، النظر إلى نسبة السكان بالإضافة إلى القدرة على الادخار من نسبة الإنتاج والاستثمار الصافي والاقتصادي وحاصل نمو الدخل السنوي فإن زيادة نسبة السكان في ظل غياب القدرة على الادخار يرهق الكاهل فلو أنها تحولت إلى استثمارات نتيجة فعليا فإنها ستحسن من الأداء الاقتصادي .
ومن عمق فحوى مفهوم النازح بأنه الشخص الذي اكره أو أضطر على ترك محل إقامته المعتاد إلى مكان آخر داخل حدود دولته لتجنب آثار نزاع مسلح أو لتجنب حالات العنف العام أو انتهاك حقوقه الإنسانية أو نتيجة كارثة طبيعة أو بفعل الإنسان أو درء تعسف السلطة يتأتى السؤال الذي يفرض نفسه : كيف لجغرافيا الجنوب أن تكون ملاذًا آمنًا لهؤلاء وهي منطقة لم ترفع الحرب اوزارها عنها بعد ؟ ثم كيف يذهب هؤلاء النازحون في المناسبات الوطنية والدينية إلى مناطقهم التي بسببها نزحوا تحت ذريعة أنها ليست آمنة ؟ اهي آمنة أم غير آمنة .
الوضع الراهن وآفاق المسستقبل
الوضع الراهن
إن الوضع الراهن مثخن بالظروف التي تمر بها عدن كمجتمع مضيف للنازحين من محافظات الشمال لأنها ليست قادرة على استيعاب هذا الكم المأهول من أعدادهم كونه فوق طاقتها القدراتية على مستوى الخدمات والحياة بكل أصعدتها ، ناهيك على أنها تواجه جبهات مشتعلة من المؤامرات مفتوحة على مصراعيها من كل الاتجاهات كونها العاصمة الرسمية للمحافظات الجنوبية وفق تطلعات الشعب الجنوبي بما يجري مع استحقاق استعادة الدولة الجنوبية الذي صُدح به منذ 1994 وهو تاريخ الغزو الأول على الجنوب من نظام عفاش ، إذ يشكل النزوح في وقت صعب كهذا كارثة كبيرة وخطرا يهدد أمن واستقرار المدينة والجنوب كون سردية التاريخ مع ظاهرة النزوح للشماليين إلى الجنوب لم يكن يحمل في طيأته ثقلا إنسانيا كما يروج له بل منحى سياسي أصله الاستيطان وذاك تاريخ تفاصيله شاهدة عليه .
إن النظرة التحليلية للواقع اليوم لابد أن تستفيد من تجارب الماضي الأليم الذي على أثره عانى ولا زال يعاني الجنوب بكل أراضيه وعلى رأس القائمة العاصمة عدن ، إن حالة الواقع لا تلبي احتياجات السكان الأصليين مما غيب لديهم التكيف وجعلهم في حالة من القلق الدائم تجاه أي تدفق جديد للنازحيين ، مما يجعل المؤشر يتجه إلى أن ظاهرة كالنزوح تمثل قضية أساسية واولوية تحتم سرعة تشخيصها وإيجاد حلولا عاجلة لها ، ولابد أن يؤخذ فيها وضع المجتمع المضيف وليس النازحين فحسب الذي تتجه له أجندات المنظمات للأسف الشديد على خلفية الأزمة الإنسانية في اليمن ، إذ تهتم بالجانب الإغاثي والإنساني للنازحين دون مراعاة هشاشة مناطق المجتمع المضيف مما يعرضه لكوارث وأزمات هي واقع معايش اليوم يقتات منه كل مواطن جنوبي ، على سبيل المثال تردي ملف الخدمات وحالة اللاستقرار جراء ظواهر أخرى منها المخدرات وانتشار الجريمة ، علما بأن خصوصية المجتمع المضيف لا تتشابه البتة مع خصوصية مجتمعات النازحين وهناك فروق شاسعة في الثقافة والسلوكيات والعادات والتقاليد …. الخ .
إن رسم سياسة النزوح ككل يحتاج إلى الاعتراف أولا من كل الجهات المعنية بأحقية المجتمع المضيف من تقبل أو رفض عملية النزوح وتدفقه وتزايده لأن ذلك من حقوقهم الطبيعية كقدرة استيعابية ، والبدء بعمل أجندة واضحة تستوعب كل أطراف عملية النزوح علمًا بأنه يلاحظ أن النزوح لعدن تحديدا أخذ منحى لافت للنظر فاصبح سكان المجتمع المضيف في حالة عجز من ممارسة حياتهم الطبيعية مقارنة بالنازحين الذين أضحت حركتهم كأنهم في موطنهم الأصل ، ضف على ذلك أنهم يجدون فرصا أفضل من سكان المجتمع المضيف على أصعدة مختلفة وهنا لا ننسى الوضع السياسي الذي تمر به اليمن ككل والنزعة العرقية والقبلية التي تحاول أن تسقط على حضرية المجتمع المضيف .
إن النظر في مسألة كهذه بحجم كارثي من منظور انساني أيضا لابد أن يشمل حقوق المجتمع المضيف ، فالكثافة السكانية التي تزايدت انعكس أثرها السلبي على جوانب الحياة المختلفة منها الصحي إذ انتشرت أمراض الحميات والانفلونزا والأوبئة …. وغيرها بفعل التزاحم لأن البيئة لم تعد صحية وتسهل عملية نقل العدوى ، ويجدر الإشارة إلا أن نسبة البطالة في عدن كمجتمع مضيف في حالة تزايد مع أن أنها تعتبر خزين للقوة العاملة من فئة الشباب لكن فرص العمل أضحت ضئيلة لزيادة النازحين وبدوره أيضا ينعكس إثر ذلك سلبا لظهور سلوكيات دخيلة على المجتمع المضيف ، ضف على ذلك البنية التحتية المتهالكة جراء الحروب على عدن وعدم المصداقية في الإصلاحات من قبل السلطة ( حكومة اليمن ) ماتبقى منها قضى عله تدفق النازحين بشكل ملحوظ وعين ، علاوة على ذلك خدمات النقل والمواصلات في مناطق التركيب الداخلي للعاصمة عدن لا يمكن اجراء عملية توسيع للشوارع أو استحداث شوارع جديدة لعدة عوامل جغرافية منها الازدحام السكاني والمساكن العشوائية التي ضيقت الشوارع ، إذ لوحظ غياب الالتزام بالتخطيط الحضري إذ طغت تعزيز وظيفة حضرية على أخرى في ذاك التخطيط منها الوظيفة السكنية على وظيفة أخرى كالنقل والمواصلات ، الأمر الذي يجعلنا نقف على عتبة نقطة هامة للغاية أن معظم النازحين القادمون من مناطق الشمال جاءت رحالهم مع مركباتهم بالتالي القدرة الاستيعابية في عدن للسيارات ووسائل النقل المختلفة اصبح ضعيفا ….. وغيرها من ملامح غياب المدنية إلى ريفنة الحضر وتغيير الطابع العام لعدن حتى على صعيد اللهجة والبناء المعماري إذ بدت تتلاشى صبغة معالم عدن الأمر الذي يعزز سرعة الاستجابة لنداء المجتمع المضيف في إيجاد حلولا مستدامة لظاهرة النزوح .
آفاق المستقبل
لقد اثبتت وبشكل ملموس الفترة السابقة أن العمل يجري وفقًا لأفق ضيقة من قبل الجهات المعنية اهتماما منهم باستيطان النازحيين من قبل ساسة اليمن واسنادهم عملية النزوح المتدفقة بل وتقبلهم التزايد المأهول وذلك بسبب الصمت إزاء هذه الكارثة على المجتمع المضيف من المجتمع المستضاف ، ومن قبل الجهود التي تقدمها المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع الكدني التي تصب في اتجاه اغاثي انساني للنازحين دون وضع اعتبار للمجتمع المضيف ومن هذا المنطلق كل الجهود مثمنة ومقدرة إن وجدت من قبل أي جهة كانت حكومية أو غيرها لكن اليوم لابد من وضع نقطة على الحرف في سطر موضوع النزوح والعمل الفردي لن يجدي نفعا لذا لابد من تظافر جميع الجهود بما يصب في مصلحة الجميع بما لايضر أحدا وهو ديدن الشراكة الفعلية إن صدقت النية وعليه فإن التعامل مع ملف النزوح الذي لا ينأى بعيدا عن ملف الهجرة غير الشرعية وملف اللجوء المفتوح أيضا الذي يشكلا بدورها عبئًا آخرا ينهك ماتبقى من استعداجية وقدرة المجتمع المضيف وذلك يتطلب إرادة حقيقة وشفافية مطلقة ومحاكاة للواقع بشكل حيادي إن صح التعبير من ذات منطلق الشعارات التي صُرعنا بها حينما يكون الحديث عن انسان المجتمع المستضيف لا المجتمع المضيف فإن التخطيط الإنساني وتقييم الوضع الراهن وتقييم التدخلات والالمام بما يجب على جميع الأطراف من حكومة ومجتمع مدني ومظمات دولية وحده من سيجعل الرؤية واضحة نحو خطة عمل صحيحة مشتركة تلبي الاستجابة الطارئة للأزمة التي يمر بها الجنوب والعاصمة عدن خاصة كونه المجتمع المضيف الأكثر ضررا وهو محور الدراسة .
وعليه فإنه يجب :
تشخيص عملية النزوح بشكل واضح ودقيق للغاية لمعرفة وضع النازحين وقياس وتحديد مؤشرات واقع كلا من المجتمع المضيف والمستضاف لمعرفة آلية إدارة العمل على إيجاد الحلول ، والبدء بعملية المسح الميداني لحصر النازحين بكافة مناطق العاصمة عدن بتفعيل دور اللجان المجتمعية والسلطات المحلية في ظل تشكيل لجان اشرافية تتابع تسلسل العمل الفعلي للوصول لبر الأمان باستدامة للمجتمع المضيف مع الحفاظ على سبل إيجاد سبلا لمعالجة ملف النازحين خصوصا وأن موطنهم الأصل مستقرا مما يساع من إمكانية عودتهم لمواطنهم .
يجدر التنويه هنا إلا أن إطالة أمد ملف النزوح يهدد المجتمع المضيف وباقي محافظات الجنوب وهذا ما تثبته الوثائق الرسمية ( شهادات الميلاد ، البطائق الشخصية ) التي تصدر للنازحين وكأنهم السكان الأصلين دون حصرهم وتحديدهم وتسميتهم بمسماهم الصحيح( نازح ) بأن تصرف له بطاقة نازح فيه كل بياناته الأصلية وفي ظل وضع سياسي حساس كالذي نمر به نحن الجنوبيين فإن أمرا كهذا لابد الا يمر عابرا دون انتباه لخطره . وهو ما يسمى عادة بالاندماج ويمكن لفت الانتباه إلى أنه مسألة معقدة هو الآخر يؤثر على العوامل المكانية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والقانونية والثقافية وتكمن خطورته في محاولة انتاج واحد متجانس من هويات مختلفة ، وبه يعكس مدى التماسك الاجتماعي القوي بين المجتمع المضيف والمستضاف ، بدوره (الاندماج ) يعطهم وضعا قانونيا دون اشتراط وهنا مهم جدا عدم تحقق هذا الأمر وتأطير التدخلات بعبارات مغلفة تصنع وتقعا مغايرا . إن النظر لموضوع الاندماج في الوقت الحاضر قضية هي الأخرى لا تقل أهمية عن قضية النزوح وكلاهما على اتصال وثيق ببعضهما بل أن النزوح هو وعاء الاندماج نظرا لسياسات الواقع الذي يجب الا تغيب ليس فقط توضيح ما يبدو عليه الاندماج في المجتمع المضيف ، ولكن ما قد يساعد عىل تحقيقه.
ظاهرة النزوح ليست بجديدة على المجتمع الجنوبي وعدن بشكل خاص، بل شهد عبر حقباته الزمنية المختلفة تدفقا للنازحين وآخرها بعد أحداث 2015 مما ترك آثاراً سلبية على المجتمع المضيف . ووسط تفاصيل عملية النزوح في عدن فإن يجدر الإشارة بأن :
كل الجهود التي تُعنى بملف النزوح تقتصر فقط على الجانب الاغاثي والإنساني للنازحين دون الاهتمام بالمجتمع المضيف من قبل الجهات المهتمة بهم.
-أن مبادرات وجهود الحكومة والجهات التابعة ضعيفة وتكاد تكون منعدمة في إيجاد معالجات للتضخم السكاني على عدن جراء ازدياد عدد النازحين
-أن ارتفاع معدل سكان المجتمع المستضاف إلى انهاك ما تبقى من ملف الخدمات منها البنية التحتية مما أدى إلى عجز القدرة التشغيلية عن توفير ابسط مقوماتها لسكان المجتمع المضيف
وعليه فإن رؤية التأثيرات الديمغرافية على المجتمع المضيف جلية وواضحة وبينة ناتجة عن توافد النازحين بأعداد كبيرة يصعب استيعابها .
وربما أصبح من المهم :
-إعادة صياغة مفهوم النزوح طويل الأمد وذلك بدراسة القوى التنظيمية الفاعلة في إحداث النزوح طويل الأمد ، بعيدا عن نمطية المشهد المتكرر لعملية النزوح ، لأن تلك الديناميكية استراتيجية مشتركة بين القوى في الموطن الأصل وموطن المجتمع المضيفز
-اعداد قاعدة بيانات شاملة التفاصيل عن كل فرد نازح إلى العاصمة عدن بكل مناطقها
-إنشاء التزام سياسي نظرا لما تمر به المحافظات الجنوبية من وضع استثنائي ليضمن بذلك استقراره وأمنه ، وذلك لمعالجة التنقل البشري ، للالتزام بتطبيق السياسات والخطط المتعلقة بعملية النزوح بما يضمن سلامة المجتمع الميف والمستضيف .
-تشكيل لجنة أو فريق رصد خاص بالنزوح يُعنى بالمتابعة وجمع البيانات وتحليلها ورسم السياسات لإدارة ملف النزوح بشكل دقيق وعاجل وبشكل ديمومي تحسبا لأي حالة طارئة
-إذكاء الوعي بين صناع السياسات والجمهور عن تباين مسارات النازحين بدرجة كبيرة وذلك لاختلاف ديناميات النزوح
-عدم تجاهل حالات النزوح صغيرة النطاق في محافظات الجنوب منها القريبة من العاصمة عدن
-حصر النازحين في كل مناطق وذلك بعملية تشاركية تتظافر فيها كل الجهود لإعداد ملف شخصي شامل التفاصيل عن كل فرد نازح وخاصة الفئة المتعملقة في الجبال في ظل زحام ملفت
-العمل على نشر برامج التوعية و التثقيف من قبل الأعلام
-وضع آليات فعالة للتعامل مع فئات النازحين
-عقد ندوات ومؤتمرات علمية لبحث مشاكل النازحين باشراك جميع الوزارات ذات الصلة في قضية النزوح لوضع سياسات تنفيذية من خلال آليات تنسيق واضحة الرؤى
-التوصل إلى حلول مستدامة أهمها إعادة النازحين لموطنهم الأصل ، أو عمل مخيمات خارج عدن
-ضرورة الموازنة بين المجتمع المضيف والمستضاف لمنع حدوث توترات مؤثرة على كلا الطرفين وذلك لمستوى الدعم المقدم من قبل الجهات المانحة
-دور الحكومة والجهات التابعة في معالجة الأسباب الجذرية للنزوح للتعافي المبكر ثم الانتقال لمرحلة الانتعاش والتنمية وذلك بإعادتهم إلى مواطنهم الأصلية وتمكين المجتمع المضيف بالعودة للتعافي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.