معركة الوادي المؤجلة .. من المستفيد من إشغال الساحل؟

تعيش محافظة حضرموت في جنوب اليمن واحدة من أكثر مراحلها السياسية والأمنية تشابكاً منذ سنوات، مع تصاعد تحركات قبلية وعسكرية وخطابات تعبئة، بالتزامن مع مشكلة قرار داخل البنية الرسمية لقيادة الدولة.
وبينما يتركز الجدل العام في الأيام الأخيرة حول مواجهات خطابية محدودة وبيانات تصعيدية صادرة عن “حلف قبائل حضرموت” التابع للشيخ عمرو بن حبريش، تتكشف صورة أوسع تعكس انحرافاً واضحاً في اتجاه الأزمة عن مركزها التقليدي في وادي حضرموت، حيث تتموضع قوات شمالية وتتحرك خلايا مرتبطة بالحوثيين وشبكات نفوذ أقدم وأكثر رسوخًا.
إعلان حلف قبائل حضرموت، يوم الخميس (27 نوفمبر)، تشكيل ما سماه “المقاومة الحضرمية”، ودعوته لقتال القوات الجنوبية المنضوية ضمن النخبة الحضرمية المتمركزة في المكلا وساحل حضرموت، مثّلا تحولاً خطيًرا أعاد طرح سؤال جوهري: من المستفيد من فتح جبهة في الساحل، بينما يبقى ملف الوادي – بعمق تأثيره الأمني والسياسي – خارج دائرة الأولويات؟
كما أن هذا التطور يشي بمسار عسكري وأمني لحلف قبائل حضرموت التابع لعمرو بن حبريش، بعيدًا عن المسار السياسي ومسار الخدمات والاقتصاد الذي تبناه خلال الأعوام الأخيرة.
هذه التطورات تحرك المخاوف من أن جهات متعددة تعمل على إعادة توزيع مسارات الصراع في حضرموت، درة الجنوب، التي تتجاذبها الأطماع الإقليمية والدولية، عبر فتح معارك بديلة تستنزف القوى المحلية وتشتت التركيز بعيدًا عن الملفات الأكثر سخونة وحساسية في حضرموت.
وفي مقدمة هذه الملفات المنطقة العسكرية الأولى، وحماية موانئ ومنشآت النفط التي هاجمها الحوثيون بالطائرات المسيرة في أكتوبر ونوفمبر 2022. فضلا عن الواقع الاقتصادي والخدمي المزري في المحافظة.
معركة الوادي المؤجلة
يشكّل وادي حضرموت منذ سنوات البؤرة الأكثر تعقيدًا في خارطة النفوذ الأمني والعسكري داخل المحافظة، بوصفه المنطقة التي تحتفظ فيها القوات الشمالية بوجودها الأقوى، رغم التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد منذ 2015.
وبرغم الإجماع الشعبي والرسمي في حضرموت على ضرورة إعادة هيكلة هذا الوجود وإخراج القوات الشمالية الموجودة منذ أكثر من عقد، لا سيما مع تجربة مؤلمة عاشها الحضارم في 2015 عندما سلمت هذه القوات مدينة المكلا وساحل حضرموت لتنظيم القاعدة، ظلّ ملف الوادي معلقًا، بلا حسم، وبلا مسار واضح حتى اليوم.
وعلى خلاف الساحل الذي تمكنت قوات النخبة الحضرمية من تأمينه منذ تحرير المكلا عام 2016 بدعم إماراتي، ظلّ الوادي محتفظًا بتركيبته العسكرية القديمة، مع بقاء وحدات “المنطقة العسكرية الأولى” وغياب أي تغييرات جوهرية في بنيتها أو مناطق انتشارها. عدا دخول قوات (درع الوطن) التي أنشأتها السعودية مؤخرًا على الخط، وانتشارها في منفذ الوديعة ومنطقة العبر بشكل محدود.
هذا الواقع الأمني والعسكري في وادي حضرموت، منح الأطراف المناوئة للجنوب مساحةً واسعة لإعادة التموضع، ووفّر بيئة مهيأة لتحركات جماعات متطرفة وخلايا مرتبطة بالحوثيين وتنظيم القاعدة الإرهابي، وفق ما تشير إليه مصادر محلية وتقارير أمنية مطلعة.
ويعد (تيار التغيير والتحرير) الذي أعلن عنه في أبريل الماضي في منطقة صحراوية بوادي حضرموت، بقيادة أحد زعماء القاعدة المنشقين يكنى بـ (أبو عمر النهدي)، أحد أبرز الأمثلة على تصاعد التهديدات الأمنية في هذه المنطقة.
وادي حضرموت.
الدعوة التي تضمنها البيان لالتحاق أفراد وقيادات النخبة الحضرمية بـ“أهلهم”، وعدم السماح باستخدامهم كأداة لتنفيذ ما وصفه بـ“مخططات تستهدف حضرموت”، عكست توجهًا صريحًا لخلق اصطفاف قبلي مقابل الاصطفاف المؤسسي، الأمر الذي يهدد بإحداث انقسام في المنظومة الأمنية، يهدد قوات النخبة الحضرمية نفسها.
وقد جاءت هذه الخطوة بالتزامن مع أنباء تداولها مقربون من بن حبريش بشأن وصول قوات عسكرية دفع بها المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مدينة المكلا خلال اليومين الماضيين. ولم يتسن لمركز سوث24 التحقق من صحة هذه الادعاءات من مصدر مستقل.
وكان حلف قبائل حضرموت قد تبنى منذ قرابة ثلاثة أعوام برنامجًا تصعيدًيا شمل قيودًا على حركة الوقود للضغط على الحكومة المركزية ومجلس القيادة الرئاسي لتحقيق مطالب اقتصادية وخدمية بشكل رئيسي، مع مطالب سياسية تطورت من إشراك مجموعته في العملية السياسية والقرار إلى السعي نحو الحكم الذاتي وتشكيل فرق للترتيب للوائحه.
لكن شرعية بن حبريش كقائد لحلف قبائل حضرموت محل شكوك مستمرة. اشتعلت شرارة الخلاف داخل حلف القبائل في نوفمبر 2023، بعد بيان لبن حبريش وصف بـ “المتهور” هاجم فيه النخبة الحضرمية والسلطة المحلية للمحافظة ودولة الإمارات.
وفي 22 مارس 2025، أعلن أعضاء مؤسسون في حلف قبائل حضرموت خلال اجتماع في منطقة (العيون) سحب الثقة من بن حبريش وعزله من قيادة حلف قبائل حضرموت. وتشكيل لجنة تحضيرية لاختيار رئيس جديد للحلف.
لكن بن حبريش مضى في أنشطته التي تصدرتها مليشيا غير شرعية تحمل اسم (قوات حماية حضرموت). وفي يوليو الماضي، حضر بن حبريش حفل تخرّج الدفعة الأولى لدورة الاستجداد من منتسبي اللواء الأول بقوات حماية حضرموت وسط تحذيرات مستمرة من المنطقة العسكرية الثانية من أي تشكيلات خارج نطاق القانون.
كما حضر في 12 أكتوبر الماضي حفل تخريج الدفعة الثانية.
واليوم (27 نوفمبر)، أعلنت اللجنة التحضيرية لاستكمال هيكلة وتدوير رئاسة حلف قبائل حضرموت عن انعقاد لقاء قبلي استثنائي يوم السبت القادم (29 نوفمبر)، مؤكدة أنها أنهت جميع الترتيبات اللازمة لإعادة تشكيل رئاسة الحلف بالتوافق وفقًا للنظام الأساسي.
ودعت اللجنة المشائخ والقبائل والأعيان ومختلف شرائح الطيف الحضرمي إلى حضور الاجتماع الموسّع الذي سيُعقد في منطقة رأس حويرة بهضبة حضرموت، بهدف “تصحيح مسار الحلف” عقب عزل عمرو بن حبريش في لقاء العيون.
من المستفيد؟
يرى رئيس مركز المعرفة للدراسات، د. عمر باجردانة، أن “الصراع الداخلي يخدم أعداء حضرموت التقليديين (الإخوان المسلمين والحوثيين) الذين يسعون لإعادة تموضعهم بعد فقدان حضورهم في الساحل”.
وأضاف لمركز سوث24: “هذا التركيز ليس وليد اللحظة، بل يأتي نتيجة سعي مستمر من بعض القوى لإثارة الفوضى وتقويض الأمن والاستقرار في ساحل حضرموت. هذه القوى، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، فقدت حضورها السياسي والعسكري منذ تحرير المكلا من تنظيم القاعدة، وهي تحاول استثمار حالة الضعف التي تعيشها السلطة المحلية والانقسام الحاد داخل مجلس القيادة الرئاسي لإعادة تموضعها”.
ويعتقد المحلل السياسي سالم المرشدي أن “هناك محاولات لجر حلف قبائل حضرموت لمواقف سياسية أكبر من حجمه القبلي، وربما استثماره من أطراف تبحث عن خلق توازنات جديدة”.
وقال لمركز سوث24: “سيناريو فرض الحلف لحكم ذاتي بقوة السلاح غير واقعي؛ فالحلف لا يمتلك مقومات خوض صدام مسلح يغير شكل السلطة، وأي تحرك كهذا سيجر حضرموت للفوضى”.
من جانبه يرى المحلل السياسي ناصر التميمي أن “الخطاب الإعلامي للحلف يؤكد وجود أجندات مدعومة من قوى يمنية معادية”. مضيفًا لمركز سوث24: “ممارسات الحلف على الأرض تتعارض مع ادعاءاته حول حماية الخدمات أو الاستقرار. فهم كانوا يمنعون وصول الديزل لمحطات الكهرباء”.
في المحصلة، تبدو حضرموت وكأنها تُقاد بعناية نحو معارك جانبية تُبقي مركز الثقل الحقيقي للأزمة – وادي حضرموت – خارج دائرة الضوء. فكلما ارتفع الضجيج في الساحل، تراجعت الأسئلة الأكثر إلحاحًا حول بنية النفوذ العسكري في الوادي، وشبكات التهريب والسلاح، وتموضع القوى الشمالية والجماعات المتطرفة، وكذلك ملفات الخدمات والاقتصاد والثروة.
ومع استمرار حالة الاضطراب، يصبح مستقبل المحافظة مرهونًا بقدرة القوى المحلية على تجاوز معارك الاستنزاف، واستعادة بوصلة الصراع نحو الملفات الجوهرية التي تحدد مصيرها.
وتتجه الأنظار إلى سيئون حاضرة وادي حضرموت التي من المرتقب أن تشهد حشدًا جماهيريًا بمناسبة ذكرى استقلال الجنوب عن بريطانيا في 30 نوفمبر 1967. وهذه التظاهرة الثانية التي يدعو لها المجلس الانتقالي الجنوبي بعد تظاهرة ضخمة حدثت في ذكرى ثورة 14 أكتوبر في مدينة شبام بوادي حضرموت.
ومساء اليوم الخميس، صدر قرار عن مجلس القيادة الرئاسي اليمني بتعيين سالم أحمد الخنبشي محافظًا لحضرموت بدلًا عن مبخوت بن ماضي بحسب ما نشرته وكالة الأنباء سبأ.
عبدالله الشاذلي
صحفي ومحرر لدى مركز سوث 24 للأخبار والدراسات
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.








