تقرير عن الاستراتيجية الرقمية للجماعة بعد سقوطها السياسي

بين الحظر والخوارزميات.. كيف عاد الإخوان إلى الساحة عبر الشاشات؟
تقرير عن الاستراتيجية الرقمية للجماعة بعد سقوطها السياسي، وتأثيرها على الشباب العربي والأوروبي عبر المؤثرين، السرديات العاطفية، واللامركزية الرقمية.
رغم الحظر السياسي والملاحقة في أكثر من دولة عربية، لم تختفِ جماعة الإخوان المسلمين من المشهد. بل على العكس، أعادت تشكيل وجودها من موقع آخر — ليس في البرلمانات أو الوزارات، بل داخل خلايا الهواتف الذكية. في عالم تُكافئ خوارزمياته المحتوى العاطفي والسريع، أصبحت المنصات الرقمية ساحة جديدة للمعركة، لا شروط فيها سوى القدرة على جذب الانتباه وبناء التعاطف.
وفقًا لموقع “أتلنتيكو” الفرنسي، فإن الجماعة بعد هزيمتها السياسية لم تعد تستثمر في الحكم المباشر، بل في “السيطرة على الوعي”. لم تعد المعركة على الكراسي، بل على الشاشات. وفي هذا الفضاء المفتوح، تنتشر الرسائل بلا حدود جغرافية، ودون رقابة مباشرة، لتصل إلى جمهور شاب لا يشكّ في المحتوى طالما بدا إنسانيًّا أو ساخرًا أو صادقًا.
أدوات الجماعة واستراتيجيات النفوذ
لم تكن العودة الرقمية عشوائية، بل نتيجة شبكة متشابكة من المؤثرين، وسائل الإعلام البديلة، والجمعيات المدنية التي تعمل في الظل. وبفضل هذه البنية، كما يشير “أتلنتيكو”، “فرضت الجماعة رؤيتها للعالم داخل الفضاء الرقمي العربي والأوروبي”.
ما يميز هذه الآلية هو غياب الواجهة الواضحة. لا خطابات دينية صريحة، لا شعارات، لا دعوات منظّمة. بدلًا من ذلك، فيديوهات قصيرة، مونتاج حركي، موسيقى تثير الحماس، وبث مباشر يوحي بالعفوية. وخلف كل ذلك، سرديات شخصية عن الظلم أو البحث عن الهوية أو الفقدان، تُقدّم وكأنها شهادات حياة لا خطابًا أيديولوجيًّا.
الأهم أن الشبكة لا تعتمد على مركز واحد. بل تتفرّع عبر مؤثرين مستقلين، صفحات مجهولة، قنوات على يوتيوب، حسابات على تيك توك، ومنظمات تدّعي الحياد. هذه اللامركزية تجعل من الصعب حصارها، لأنها لا تُقتل بحظر قناة أو منع شخصية. هي كائن رقمي قادر على التجدد بمجرد أن يُغلق أحد أذرعه.
الجيل الجديد من المؤثرين
لم يعد للجماعة حاجة إلى الخطب المنبرية أو الكتب المطولة. فجيل اليوم لا يصغي إلا لمن يتحدث بلغته، ويشاركه قلقه اليومي. ولذلك، صنعت الجماعة جيلًا جديدًا من المؤثرين — بعضهم لا يعلن انتماءه صراحة، والكثير منهم لا يحملون أي سمات دعوية واضحة.
يقول “أتلنتيكو”: “هذه الشخصيات ليست دائمًا معلنة الانتماء، وبعضها لا يرتدي صبغة دعوية صريحة، بل يقدم محتوى اجتماعيًا، وإنسانيًا، وساخرًا، أو تحليلاً سياسيًا غير مباشر.”
بهذه الطريقة، ينجح المحتوى في اختراق الفقاعات الرقمية للشباب، دون أن يُصنّف كـ”دعاية”، مما يمنحه حماية غير مرئية: فالرقابة لا تطال ما لا يبدو مشبوهًا.
الإعلام التقليدي والرقمي: تكامل تحت السطح
رغم هيمنتها الرقمية، لم تهمل الجماعة أدواتها التقليدية. القنوات الفضائية، المواقع الإخبارية، والمنصات الإعلامية البديلة لا تزال نشطة، لكنها لم تعد تعمل بمعزل. بل أصبحت تُكمّل دور المنصات الرقمية.
كما يشير المصدر الفرنسي: “الإعلام الإخواني يقدم رواية مضادة للحكومات، وقصصًا إنسانية مؤثرة، تغطيات مكثفة للأزمات السياسية أو الإنسانية، وشهادات وخطابات عاطفية.”
النتيجة هي نظام إعلامي متكامل: القناة تبث التقرير الطويل، والمؤثر يلخّصه في فيديو مدته 60 ثانية، والجمعية المدنية تنشر دراسة “محايدة” تعزز نفس السرد. كل قناة تؤدي وظيفتها، لكن الرسالة واحدة.
البنية اللامركزية: القوة التي لا تُمسك
اليوم، لم تعد الجماعة تعتمد على هرم قيادي أو منصة مركزية. شبكتها الرقمية، كما يوضح “أتلنتيكو”، “تضم مؤثرين مستقلين، وجمعيات مدنية، ومنصات إعلامية، وصفحات فيسبوك مجهولة المصدر، وناشطين متطوعين. وهذه اللامركزية تجعل من الصعب تفكيك الشبكة أو حظرها.”
هذا النموذج يمنح الجماعة مرونة هائلة. حتى لو سقطت قناة أو أُغلق حساب، فإن الرسالة تنتقل تلقائيًّا إلى غيره. وهي بذلك تتحول من تنظيم سياسي إلى قوة ناعمة عابرة للحدود، لا تُحارب بالقوانين وحدها، بل بالقدرة على تقديم سرد يجد فيه الجمهور نفسه.
عندما يصبح الهاتف ساحة الصراع
لم يعد الصراع بين الجماعة والدول يدور حول القوانين أو المؤسسات فحسب، بل انتقل إلى شاشات الهواتف، حيث تُبنى الآراء وتُهدم الصور دون أن يشعر الشاب أنه يُستهدف بأيديولوجيا. في هذا الفضاء، لم تعد الدعوة تُعلن عن نفسها بصراحة، بل تختبئ خلف قصص عن فقدان الوظيفة، أو نقد لاذع للواقع باسم الحرية، أو فيديو مؤثر عن معتقل يُقدَّم كضحيّة لا كعضو في تيار.
بهذه الوسائل، نجحت الجماعة في نسج علاقة غير مرئية مع جيل يشكّك في الخطابات الرسمية ويبحث عن الصدق في المحتوى. والنتيجة أن التأثير لم يعد لحظيًّا أو عابرًا، بل يترسّخ ببطء، داخل تفاعلات يومية تبدو بريئة، لكنها تحمل في طيّاتها رواية مضادة — رواية تصنع ولاءً لا يُهدّده حظر ولا تُضعفه ملاحقة.
سؤال بلا جواب سهل
بعد الحظر السياسي والهزائم الانتخابية، لم ينقرض الإخوان، بل تحوّلوا. من تنظيم يطمح إلى الحكم، إلى شبكة رقمية تملك أدوات التأثير على الوعي دون أن تُعلن عن نفسها.
استثمروا في لغة العصر — الخوارزميات، الفيديو القصير، السرد العاطفي، واللامركزية — ونجحوا في استهداف جيل جديد، لا يقرأ المنشورات الحزبية، لكنه يتفاعل مع كل ما يلامس همومه.
يبقى السؤال الأصعب: هل تستطيع الدول والمجتمعات مواجهة نفوذ لا مركز له، ولا وجه واضح له، ويقدّم نفسه كصوت المظلوم أو نقد الواقع؟ أم أن الفضاء الرقمي، بطبيعته المفتوحة، سيظل ساحة يتقاتل فيها الجميع — حتى من فقدوا الأرض؟
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.








