الغارات على صنعاء : قراءة في استراتيجيات الردع وآليات التكيف

المقدمة: ضربة في حرب العقول
لم تكن الغارة الإسرائيلية على صنعاء مجرد عملية عسكرية معزولة، بل حلقة في سلسلة المواجهات غير المعلنة بين إسرائيل وشبكة الوكلاء الإيرانيين الممتدة من المتوسط إلى باب المندب. العملية حملت رسالة مزدوجة: للحوثيين بأنهم ليسوا بمنأى عن الاستهداف المباشر، ولإيران بأن أذرعها مكشوفة أمام “حرب العقول” التي تجمع بين الاختراق الاستخباراتي والضربات الجراحية (International Crisis Group, 2025).
أولًا: الآلية الإقليمية الموحدة – نمط استجابة متكرر
يتّبع الوكلاء الإيرانيون عادة ثلاث مراحل بعد كل ضربة:
1. الإنكار والتعتيم الإعلامي: إنكار الخسائر أو التقليل من حجمها.
2. التحويل الدعائي: صياغة خطاب “النصر المعنوي” أو “الشهادة”.
3. التشديد الأمني الداخلي: قمع المعارضين وتعزيز القبضة الأمنية.
أمثلة إقليمية:
سوريا: منذ 2013، تكررت الضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية، وكان الإنكار الإعلامي والتأقلم الميداني هو القاعدة (Carnegie Middle East Center, 2024).
العراق: بعد اغتيال قاسم سليماني 2020، تحوّلت الخسارة إلى حملة تعبئة سياسية ودينية (Al Jazeera, 2020).
لبنان: بعد حرب 2006، صاغ حزب الله خطاب “النصر الإلهي” رغم الدمار الواسع (UN ESCWA Report, 2007).
ثانيًا: الاستثناء اليمني – قمع في مجتمع منهك وموجوع، فالوضع
اليمني يمثل حالة خاصة داخل شبكة الوكلاء الإيرانيين:
غياب الحاضنة الطائفية الصلبة: الحوثيون لا يملكون قاعدة طائفية متماسكة مثل حزب الله باستثناء الهاشمية السياسية.
البيئة الإنسانية الكارثية: الشعب يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا (UN OCHA, 2025).
بديل الشرعية بالقوة: يعتمد الحوثيون على القبضة الأمنية كأداة حكم بدل الشرعية الشعبية.
النتائج المباشرة:
سياسة القمع تآكل شرعية الجماعة بدل أن تعززها.
الأزمة الاقتصادية تضغط على موارد الحوثيين بشكل غير مسبوق.
العزلة الدولية تجعل خيارات الجماعة أكثر ضيقًا (Chatham House, 2024).
ثالثًا: الاستهداف الإسرائيلي – بين المكر الاستخباراتي والثغرات الأمنية
الغارة على صنعاء كشفت:
1. ثغرات أمنية فادحة: اجتماع قيادات إدارية وو اجهة في موقع مكشوف امنيا.
2. تفوق استخباراتي وتقني: رصد تحركات عبر أجهزة اتصال ومرافقين (Haaretz, 2025).
3. استغلال لحظة حرجة: تنفيذ ضربة نوعية سريعة ذات أثر نفسي.
لكن بالمقابل
لم تُستهدف البنية العسكرية الأعمق مثل مخازن الصواريخ ومراكز القيادة.
لم تُصفّ القيادات الأهم مثل عبد الكريم الحوثي أو عبدالخالق الحوثي أو يوسف المداني أو محمد الغماري وغيرهم من القيادات الوازنة.
أي أن الضربة كانت رسالة رمزية أكثر من كونها تغييرًا استراتيجيًا لمعادلة القوة.
رابعًا: السيناريوهات المستقبلية – بين التصعيد والاحتواء
أمام الحوثيين وإيران ثلاثة خيارات رئيسية:
1. رد رمزي محدود: صواريخ ومسيرات لحفظ ماء الوجه.
2. تصعيد متحكم به: استهداف الملاحة البحرية للضغط إقليميًا ولكن بدون التوسع وضبط إيقاع التصعيد من خلال الحرس الثوري الإيراني وتواجده في الداخل اليمني (Reuters, 2025).
هل من الممكن
استغلال الفرصة إقليميًا من خلال فتح نافذة للتحالف العربي لدعم الشرعية و القوات المشتركة ومشائخ القبائل والقوى الفاعلة في المكونات العسكرية و تكثيف الضغط العسكري من خلال الدعم اللوجستي والمادي.
خامسًا: التقاطعات الدولية – اليمن كورقة في صراع القوى الكبرى
الولايات المتحدة: ترى في ضربات كهذه تعزيزًا لردع إيران وتأمين الملاحة في البحر الأحمر (US State Department Brief, 2025).
الصين: تنظر للأمر من زاوية “الحزام والطريق”، حيث الاستقرار شرط لنجاح مشروعها البحري (Xinhua, 2024).
روسيا: تحاول استثمار الوضع عبر لعب دور الوسيط، بما يمنحها أوراق ضغط في ملفات أخرى مثل أوكرانيا (Russian International Affairs Council, 2025).
اليمن هنا لم يعد مجرد ساحة محلية، بل مسرح تنافس دولي تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى.
الخاتمة: الضحايا الحقيقيون
وسط هذه التوازنات الجيوسياسية، يبقى الشعب اليمني هو الضحية الكبرى:
الشعب اليمني
يُستخدم وقودًا في صراعات الآخرين و
يعيش القمع والجوع والدمار و
يُغيب صوته من حسابات القوى الإقليمية والدولية.
المأساة اليمنية تؤكد أن ما يُسمى بـ”حرب العقول” لا يدفع ثمنها إلا الأبرياء، وأن كل ضربة عسكرية جديدة تُطيل أمد المأساة بدل أن تقرّب من الحل.
أكاديمي ومحلل سياسي يمني
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.