الحوثيون والاستهدفات البحرية : ذراع إيران البحرية في مواجهة العقوبات الأميركية

شهد البحر الأحمر و خليج عدن خلال العامين الأخيرين تحولات نوعية في ميزان الأمن البحري، حيث صعد الحوثيون إلى واجهة المشهد الدولي من خلال سلسلة من الهجمات على السفن التجارية والعسكرية، ما جعل هذا الممر المائي الحيوي واحداً من أكثر بؤر التوتر في العالم، فلا يمكن قراءة هذا التصعيد بمعزل عن التوتر الأميركي-الإيراني المتصاعد، خاصة بعد العقوبات الأخيرة التي استهدفت الاقتصاد الإيراني وقطاعاته الحيوية، وهو ما دفع طهران إلى تفعيل أذرعها الإقليمية، وفي مقدمتها الحوثيون، لاستخدام البحر الأحمر كورقة ضغط استراتيجية على الغرب.
في المشهد العملياتي، تتنوع سيناريوهات التصعيد الحوثي بين الاستهداف المحدود للسفن المرتبطة بإسرائيل، وتوسيع نطاق العمليات ليشمل شركات أميركية وغربية، وصولاً إلى التلويح بتهديد حرية الملاحة في واحد من أهم الممرات العالمية، الذي يربط آسيا بأوروبا عبر قناة السويس، حيث إن الهجمات الحوثية على ناقلات النفط، أو استخدام الزوارق المفخخة والطائرات المسيرة بحراً، ليست مجرد أعمال معزولة، بل تندرج في إطار ما يمكن وصفه بـ”الاستراتيجية البحرية الهجينة” التي تزاوج بين أساليب الحرب غير التقليدية والرسائل السياسية الموجهة.
الكارثة التي حدثت في استوكهولم، والمقصود بها اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2018 الذي فشل في تحقيق أهدافه المتعلقة بالسلام وإعادة الانتشار في الحديدة، كانت بداية التمكين للمليشيات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، إذ شكلت نقطة تحول سمحت للحركة بتوسيع حضورها البحري وتعزيز مكانتها كذراع إيرانية متقدمة في الممرات الاستراتيجية، وهذا يعطي درساً للجميع بوجوب الحرب وتحرير اليمن.
أما التوقيت السياسي لهذه التحركات فيبعث برسائل واضحة، فبعد تشديد العقوبات الأميركية على طهران او التحركات الأميركية بنقل طائرات التزود بالوقود في الجو الى منطقة العمليات في الشرق الأوسط، وجد الحوثيون أنفسهم في موقع يمكنهم من لعب دور الوكيل البحري لإيران، عبر نقل المواجهة من طهران إلى البحر الأحمر، حيث لا تحتاج إيران إلى الظهور المباشر، بينما تتحمل الحركة كلفة المواجهة وتستفيد في الوقت نفسه من ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية صاعدة. إن هذه الاستراتيجية تعيد إلى الأذهان نمط السلوك الإيراني في الخليج العربي عبر “الحرس الثوري”، لكن مع إغراق السفن وتهديد شركات النفط الأميركية وكما حدث من اغراق السفن كسفينتين في البحر الأحمر هما “ماجيك سيز” و”إيترنيتي سي”، وهذا الأسبوع تم استهداف السفينة الهولندية “مينافراخت”، وهو ما يضاعف التحديات أمام القوى الدولية.
الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة يدركون أن استمرار تهديد الملاحة الدولية سيؤدي إلى إرباك التجارة الدولية، ورفع تكاليف الشحن والتأمين، وهو ما سينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي. لذلك يمكن القول إن المرحلة المقبلة ستشهد تصعيداً مضاداً، يتمثل في تعزيز الوجود العسكري البحري الغربي في المنطقة، وربما شن ضربات انتقائية على منصات إطلاق الصواريخ الحوثية أو على البنية التحتية البحرية التي يستخدمونها، و في المقابل، يراهن الحوثيون ومعهم طهران على أن ارتفاع تكلفة حماية الممرات الدولية سيجبر القوى الكبرى على التفاوض، أو على الأقل إدخال ملف اليمن وإيران في حزمة التفاهمات الدولية.
جيوسياسياً، يتجاوز التصعيد الحوثي البعد المحلي اليمني و تحشيد الجماهير اليمنية وكسب مواقع تفاوضية مستقبلية في مواجهة الحكومة الشرعية، ليدخل ضمن صراع أوسع على الممرات البحرية الاستراتيجية، من الخليج العربي مروراً بخليج عدن والبحر الأحمر و باب المندب وصولاً إلى شرق المتوسط، فإيران تحاول عبر وكلائها رسم خريطة جديدة للنفوذ البحري تتيح لها التحكم في عنق الزجاجة للتجارة الدولية، تماماً كما يفعل “حزب الله” في لبنان عبر الضغط على إسرائيل، أو كما فعل النظام السوري في المتوسط خلال سنوات الحرب وقبل سقوطه المدوي، حيث إن هذه الاستراتيجية تعكس إدراك طهران أن الضغط البحري يشكل ورقة تفاوضية قوية أمام العقوبات الاقتصادية، خاصة أن الدول الكبرى لا تملك بديلاً سهلاً لممرات البحر الأحمر وقناة السويس.
السيناريوهات المستقبلية تبقى مفتوحة على ثلاثة مسارات: استمرار الاستهداف المحدود مع رسائل سياسية محسوبة، أو توسع التصعيد ليشمل مصالح أميركية مباشرة مما قد يفتح الباب لمواجهة مفتوحة، أو الدخول في تسويات سياسية تُعيد ضبط قواعد اللعبة، بحيث يُمنح الحوثيون دوراً تفاوضياً أكبر ضمن أي تسوية قادمة للصراع في اليمن والمنطقة.
لكن من المؤكد أن البحر الأحمر وخليج عدن لم يعد مجرد ممر تجاري دولي، بل أصبح ساحة صراع جيوسياسي بامتياز، يتقاطع فيه المحلي بالإقليمي والدولي، ويتحول فيه الحوثيون إلى أداة استراتيجية بيد إيران في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.
أ.د.عبدالوهاب العوج
أكاديمي ومحلل سياسي يمني
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.