الأسرة الجنوبية ودورها في تحصين الأبناء ضد الحرب النفسية والإعلامية وغرس الهوية الجنوبية
فنحن في زمن صارت فيه الحروب تُخاض عبر الشاشات لا المدافع، وعبر الكلمة المسمومة لا الرصاصة، وبينما يقف المجتمع الجنوبي بمؤسساته الأمنية والسياسية في صف الدفاع عن المشروع الجنوبي، يبرز دور الأسرة الجنوبية كخط الدفاع الأول، والأكثر تأثيرًا وعمقًا، في مواجهة الحرب النفسية والإعلامية التي تستهدف أبناء الجنوب، وتعمل على خلخلة انتمائهم، وتشويه وعيهم، وزرع الإحباط والتشكيك في نفوسهم.
فالأسرة ليست مجرد بيت أو جدران تضم الأفراد، بل هي مؤسسة تربوية ووطنية متكاملة، مهمتها الأولى حماية الأبناء من الغزو الفكري والتشويش الإعلامي، وزرع جذور الانتماء الوطني في أرواحهم، وتنمية الشعور بالهوية الجنوبية الراسخة في عقولهم وقلوبهم.
فكيف تؤدي الأسرة الجنوبية دورها في ظل الحرب النفسية والإعلامية ضد الجنوب؟ وما التحديات التي تواجهها؟ وما الوسائل التي يمكن أن تعتمدها لتكون أكثر تأثيرًا في تحصين الأبناء؟ هذا ما نستعرضه في هذا التقرير.
-الحرب النفسية والإعلامية غزو ناعم بوجه شرس
لا تخوض الشعوب حروبها في ميادين القتال فحسب، بل أيضًا في الفضاء الإلكتروني، وعبر وسائل الإعلام، وفي معركة الوعي والعقول. وتواجه قضية الجنوب اليوم حربًا شاملة لا تقتصر على الجوانب العسكرية أو السياسية فقط، بل تشمل أيضًا حربًا نفسية وإعلامية خطيرة.
تعتمد القوى المعادية لقضية شعب الجنوب، وعلى رأسها قوى الاحتلال اليمني والمليشيات المرتبطة بمشاريع خارجية معادية، على وسائل حرب حديثة تتجاوز الرصاصة والانفجار. إنها حرب تتسلل إلى بيوت الجنوبيين دون استئذان، عبر إعلام موجه ومنصات مشبوهة تبث الشائعات الممنهجة، وتستهدف تشويه الإنجازات الجنوبية، والنيل من القيادات الوطنية، خصوصًا قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي.
تُمارَس هذه الحرب الإعلامية عبر التضليل وصناعة روايات مزيفة، والتحريض الطائفي والمناطقي من خلال منشورات مفبركة، وصور مركبة، ومقاطع فيديو مجتزأة. كما يتم الترويج لثقافة الانكسار واليأس، من خلال رسائل إعلامية تركز على الفشل، وتضخيم المشكلات، وتشويه صورة الجنوب ونضاله التحرري.
ويزداد خطر هذه الحرب باستهدافها المباشر لفئة الشباب وصغار السن، عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الألعاب الإلكترونية، والمحتوى الفني الترفيهي المسموم، الذي يُوظف لبث رسائل خفية تسعى إلى ضرب الثقة بالنفس، وزعزعة الإيمان بالقيادة الجنوبية، وبث الانقسام، وسلخ الأجيال الجديدة عن هويتهم الوطنية الجنوبية.
-الأسرة الجنوبية القلعة التي تحرس الوعي والانتماء الوطني
الأسرة الجنوبية الواعية تُدرك أن أبناءها اليوم ليسوا فقط عرضة للتهديدات الأمنية المباشرة، بل لهجمات فكرية وثقافية ونفسية ناعمة؛ لذلك تقف شامخة، فهي منبع التربية وغرس القيم، وهي المدرسة الأولى التي يتعلّم فيها الطفل معنى الوطن والانتماء والحق، ولذلك فهي مطالبة بلعب أدوار رئيسية منها:
-غرس الهوية الوطنية منذ الطفولة
تبدأ عملية غرس الهوية من اللحظة الأولى، عندما يروي الأب أو الأم للطفل حكايات من تاريخ الجنوب وبطولات الشهداء والمناضلين وقصص من بطولات المقاومة الجنوبية أو شخصياتها التاريخية بلغة مشوقة للأطفال، وعندما يسمع الطفل النشيد الوطني الجنوبي، ويرى صور القادة الشهداء على الجدران، فيبدأ تدريجيًا بفهم أن له وطنًا وتاريخًا وقضية. فالأبناء الذين يعرفون تاريخهم ويعتزون به، أقل عرضة للاختراق والتضليل.
-تحصين الأبناء من الإعلام المعادي
الأسرة الواعية تتابع ما يشاهده الأبناء، وتشرح لهم الأكاذيب التي يسمعونها، وتوضح لهم الحقيقة بلغة بسيطة. إنها لا تمنعهم من استخدام الإنترنت، لكنها تعلمهم كيف يميزون بين الإعلام الصادق والمضلل، وتشجعهم على التفكير النقدي، وتحليل الأخبار، واللجوء إلى المصادر الموثوقة، حتى لا ينخدعون.
-نشر الوعي النقدي داخل المنزل
تسهم الأسرة في نشر الوعي النقدي من خلال فتح حوارات عائلية حول ما يُنشر في الإعلام، وتعليم الأبناء أن ليس كل ما يُقال هو الحقيقة، وأن هناك جهات تريد زرع الفتنة وبث الكراهية. فالحوار المفتوح، وتقبل الأسئلة والنقاش، كلها عناصر تبني ثقة الأبناء بأنفسهم، وتجعلهم محصنين نفسيًا ضد الإحباط أو الخطاب العدائي.
-تعزيز الروابط الأسرية كحائط صد نفسي
الدعم العاطفي من الوالدين، يشعر الأبناء بالأمان داخل أسرهم، فالحب والدعم والحوار داخل البيت هو درع نفسي قوي أمام التلاعب والتضليل الإعلامي، ويجعلهم محصنين نفسيًا ضد الإحباط أو الخطاب العدائي. فيصبحون أقل عرضة للتأثير الخارجي.
-الأنشطة ذات الطابع الوطني
تستطيع الأسرة الجنوبية غرس الهوية الجنوبية من خلال تزيين المنزل في المناسبات الوطنية، أو حفظ النشيد الجنوبي، وتشجيع الأبناء حضور الفعاليات، والاستماع لخطابات القادة، والمشاركة في المناسبات الوطنية، أو إعداد عروض مدرسية عن رموز الجنوب، ورفع علم الجنوب فوق المنزل، وتقديم قدوات جنوبية ناجحة كنماذج، بدلًا من أن ينبهر الطفل بمشاهير فارغين، وعلى الأسرة أن تُعرفه على قادة جنوبيين ، أو رواد علم، أو فنانين من الجنوب ممن يمثلون القدوة الحسنة؛ مما يرسخ الشعور بالانتماء في وعي الأطفال والمراهقين.
-التحديات التي تواجه الأسرة الجنوبية
رغم وعي كثير من الأسر الجنوبية بضرورة القيام بهذا الدور الوطني، إلا أن هناك جملة من التحديات والصعوبات التي تعيق أداء هذا الدور:
-الانشغال بالهم المعيشي
كثير من الأسر تعاني من الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي تشتت تركيز الأسرة وتستهلك جهدها ووقتها في تأمين الاحتياجات اليومية، وهذا يضعف قدرتها على التفرغ للتربية الواعية، خاصة من انقطاع التيار الكهربائي المستمر وقلة المياه، وضعف الخدمات الصحية والتعليمية، والضغوط النفسية من الخوف والتوتر قد يؤثر على أداء الأسرة التربوي.
-ضعف الدعم المؤسسي للأسرة
قلة البرامج التوعوية من المؤسسات الإعلامية الجنوبية التي تستهدف دعم الأسرة في هذا الدور، وندرة المواد التثقيفية الموجهة لتربية الأطفال على حب الوطن ومواجهة الحرب النفسية. وسيطرة الإعلام الترفيهي الموجه من الخارج، الذي ينجح في جذب الأبناء بينما تفتقر الأسرة للوسائل الجاذبة البديلة.
-ضعف المحتوى الجنوبي الموجه للأطفال
الطفل الجنوبي لا يجد قصصًا أو برامج كرتونية أو محتوى جذاب يحمل قيم وطنه وهويته. إذ أن معظم المحتوى المتاح هو مستورد، وقد يحمل مضامين مغايرة أو معادية للهوية الجنوبية، قد يكون مُسيّسًا أو موجهًا ضد قضيته الجنوبية.
-نماذج إيجابية من الواقع الجنوبي
رغم التحديات، تُسجل العديد من الأسر الجنوبية مواقف رائعة في تربية أبنائها على الانتماء، منها:
بعض الأسر الجنوبية تُنظم جلسات أسبوعية لأبنائها لعرض مقاطع وطنية ومناقشتها، وخاصة في المناسبات الوطنية وتحرص الاسرة على أن لا يتلقوا أبنائها معلوماتهم من التيك توك أو الفيسبوك فقط.
وبعض الأهالي يروون القصص الشعبية التي تتحدث عن بطولات الأجداد في مقاومة الاحتلال، ويعلمون أبناءهم أهمية الأرض والكرامة. وكذلك بعض المعلمين والمعلمات في مدارس الجنوب يبادرن بتقديم فقرات بالإذاعة الصباحية عن أهم معالم الجنوب الوطنية ورموزه.
-تعزيز دور الأسرة الجنوبية
حتى تتمكن الأسرة من أداء دورها بكفاءة، لا بد من تعاون وتكامل جهود المجتمع بأسره، من خلال:
-إنتاج برامج مرئية وإذاعية مخصصة للأسرة الجنوبية، تشمل توعية ضد الحرب النفسية، وإرشادات تربوية بسيطة، وإطلاق قنوات أو تطبيقات موجهة للأطفال تحمل القيم النبيلة وتعاليم أخلاقيات ديننا الحنيف والهوية الجنوبية.
-تشجيع الإنتاج الإعلامي الموجه للأطفال الجنوبيين، من قصص، ورسوم متحركة، وألعاب تعليمية.
-إطلاق مبادرات مجتمعية لتمكين الأسرة، وتشمل ورش توعوية، وأندية أسرية، وتدريبات للأمهات.
-دمج مناهج دراسية تعزز الانتماء الوطني منذ الصفوف الأولى، وإدراج مفاهيم الهوية الجنوبية في المناهج، وتدريب المعلمين والمعلمات على إيصالها بلغة تربوية سليمة وشيقة.
-تشجيع القدوات الوطنية الجنوبية للظهور في الإعلام بلغة قريبة من الأطفال والشباب.
الأسرة الجنوبية هي خط الدفاع الأول والأخير، وهي الصخرة التي تتحطم عليها أمواج التضليل والتشويه والحرب النفسية. وإذا صلحت الأسرة، صلح الوطن.
وإذا أردنا للجنوب مستقبلًا مشرقًا، فعلينا أن نبدأ من جذوره، من البيت، من الأم التي تحكي لأطفالها عن “عدن ولحج والضالع وابين وشبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى”، من الأب الذي يجعل من علم الجنوب رمزًا مقدسًا، ومن الأسرة التي لا تُهزم رغم قسوة الظروف، لأنها تعرف أنها تحمل في أبنائها بذرة وطن.
فلنُعطِ الأسرة مكانتها، ولنمنحها الدعم والتوجيه، ولنجعل من كل بيت جنوبي قلعة وعي وحب وانتماء جنوبي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة 4 مايو , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من 4 مايو ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.