اخبار سوريا : من الظلّ إلى الضوء: عمّال النظافة في سوريا بين شقاء المهنة وتحديات الحياة


من الظلّ إلى الضوء: عمّال النظافة في سوريا بين شقاء المهنة وتحديات الحياة

في شوارع سوريا التي تبدو نظيفة ومنسّقة، قد لا يلحظ المارّة من يقف خلف هذا المشهد المرتب. إذ يقف عمّال النظافة في الخطوط الأولى لصناعة هذا الجمال اليومي، وهم يؤدون عملهم بهدوء وتفانٍ وسط ظروف معيشية صعبة، وإرهاق جسدي لا يظهر على الواجهة كما تظهر الأرصفة اللامعة والساحات النظيفة.

فمنذ ساعات الصباح الأولى، يبدأ عمّال النظافة يومهم بالتنقل بين الأحياء والشوارع، يحملون أدواتهم ويجمعون النفايات وينقلونها إلى الحاويات المخصصة، ليحافظوا على مشهد يومي اعتاده السوريون، دون أن يدرك كثيرون حجم الجهد المبذول خلفه. ورغم طبيعة عملهم الشاقة، يواصلون مهامهم بإصرار، متجاهلين نظرات الاستعلاء أحيانًا، أو الشفقة المؤلمة أحيانًا أخرى، مستمرّين في أداء دورهم في الحفاظ على بيئة المدينة.

عبء إضافي في زمن الانهيار
لم يكن عمال النظافة بمنأى عن التبعات القاسية للحرب التي مزقت البلاد. فمع تدهور الاقتصاد، وارتفاع الأسعار بشكل متسارع، باتت أجورهم لا توازي أدنى احتياجات المعيشة اليومية. وازداد العبء مع انهيار قيمة الليرة السورية، لتتحول رواتبهم الضئيلة إلى مجرد أرقام لا تصمد أمام متطلبات السوق، تاركة عائلاتهم في صراع يومي مع الفقر والحاجة.

تقول إحدى العاملات في مجال التنظيف بمدينة حماة: “الراتب لا يكفي ثمن الخبز، نعمل تحت الشمس أو المطر، ونعود إلى منازلنا بحاجات لا نقدر على تلبيتها”. هذا الصوت يتكرر في مختلف المدن، ليكشف عن واقع تتقاطع فيه الحاجة مع الواجب، وسط تجاهل رسمي طويل الأمد.

 مهنة شاقة ومخاطر يومية
إلى جانب الضائقة المعيشية، يواجه عمّال النظافة تحديات ترتبط بطبيعة عملهم اليومي. فهم يتعاملون بشكل مباشر مع النفايات، بما في ذلك المخلفات الطبية والزجاج المكسور والمواد الحادة، ما يعرضهم لمخاطر صحية مستمرة، في ظل غياب أدوات الحماية الكافية أو التأمين الصحي.

العمل المتكرر في ظل درجات حرارة مرتفعة أو أجواء باردة، والتعرض للروائح الكريهة والمخلفات المتحللة، يترك آثارًا صحية مزمنة على أجسادهم. وتنتشر بين كثير منهم مشكلات في الظهر والمفاصل بسبب ساعات العمل الطويلة وحمل الأكياس الثقيلة دون أدوات مساعدة.

وصمة اجتماعية تلاحقهم
رغم أهمية الدور الذي يلعبه عمال النظافة في الحفاظ على البيئة والصحة العامة، لا يزال بعض أفراد المجتمع ينظر إليهم بنوع من الدونية. وتُسجَّل حالات تنمّر واستهزاء تطال أبناءهم في المدارس، ما يترك جراحاً نفسية عميقة لا تلتئم بسهولة.

أحد العاملين في مدينة دمشق روى كيف تعرض ابنه لحملة تنمّر في مدرسته، حين أطلق عليه زملاؤه لقب “ابن الزبّال”، ما اضطره إلى نقله لمدرسة أخرى في حي مختلف. وفي حادثة أخرى، ذكر عامل آخر أنه سمع فتاتين تتهكمان عليه خلال عمله في الشارع، عندما قالت إحداهن مازحة للأخرى: “هذا خطيبك”، لتردّ الثانية: “لا لا، خطيبك إنتِ”، في مشهد بسيط ظاهرياً، لكنه حمل له إهانة جارحة ظلّ صداها في ذاكرته طويلاً.

مهنة شريفة.. ورسالة توعية
على الرغم من تلك المعاملة القاسية من البعض، فإن كثيراً من عمال النظافة يعبّرون عن فخرهم بمهنتهم، ويؤكدون أنهم يؤدون عملاً نبيلاً يخدم المجتمع ويكسبهم لقمة العيش بالحلال. يقول أحدهم: “أنا لا أسرق، ولا أتسوّل، أنظف الشارع لأعيش، وهذا شرف لي”.

وينادي مراقبون بضرورة تعزيز ثقافة احترام العاملين في هذا القطاع، خاصة بين الأجيال الجديدة، من خلال المناهج الدراسية والإعلام، والتأكيد على أن كل عمل شريف يستحق التقدير. كما يطالبون بتأمين الحد الأدنى من الحقوق لهؤلاء العمّال، وتوفير التأمين الصحي، ورفع الأجور بما يتناسب مع تكاليف المعيشة.

 ما بعد سقوط النظام.. أمل بالتغيير
اليوم، وبعد سقوط النظام البائد في سوريا، يتطلع عمّال النظافة إلى أن تشملهم وعود التغيير. ينتظرون أن تُنصفهم الحكومة الجديدة، وأن تُعامل مهنتهم بقدر من الاحترام والرعاية، فيُعاد النظر في أوضاعهم المعيشية، وتُوفَّر لهم الحماية الصحية والاجتماعية، وتُزال الوصمة التي ظلت تلاحقهم لعقود.

ففي النهاية، عمّال النظافة ليسوا مجرّد أشخاص يكنسون الشوارع، بل هم جزء أساسي من دورة الحياة اليومية، وواجهة المدن التي نتباهى بنظافتها. هم العمّال الذين يعملون بصمت كي يبقى المشهد جميلاً، ويستحقون منّا كل احترام وتقدير.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة شام الإخبارية , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من موقع شام الإخبارية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى