اخبار سوريا : كسر الحاجز: نحو فهم صحيح للعلاج النفسي في مجتمعنا


كسر الحاجز: نحو فهم صحيح للعلاج النفسي في مجتمعنا

في ظل التقدُّم الحضاري والتطوُّر التكنولوجي الذي يشهده العالم، ما تزال المجتمعات العربية – ومنها السورية – تُعاني من نظرة اجتماعية قاسية تجاه الطب النفسي، حيث يرفض البعض الاعتراف حتى بوجود مشكلات نفسية تستدعي العلاج أو الاستشارة المتخصصة. 

هذه الوصمة الاجتماعية لا تقف عند حدِّ إعاقة تلقّي المساعدة المناسبة، بل تمتدُّ آثارها السلبية إلى تفاقم المعاناة الفردية، مما ينعكس سلباً على الشخص المُصاب ومَنْ حوله على حدٍّ سواء. وفي حين تُظهر الدراسات أن الصحة النفسية جزءٌ لا يتجزأ من الصحة العامة، يبقى التحدي الأكبر هو كسر حاجز الصمت والخوف، وبناء وعي يجعل طلب العون النفسي خطوةً طبيعية نحو حياة أكثر توازناً وسعادة.

ليست المشكلات النفسية ظاهرةً جديدةً في المجتمعات، لكنّ الحرب السورية وما رافقها من أحداث مروعة – مثل مشاهد القتل والتهجير والقصف – أدّت إلى تفاقمها بشكلٍ كبير. فالظروف القاسية التي عاشها السوريون، والتي تجاوزت قدرة الكثيرين على التحمل، تسببت في انتشار اضطرابات نفسية واسعة النطاق، مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق المزمن.

 وتشير تقارير محلية ودولية إلى أن أعداداً كبيرة من الناجين عانوا من آثار نفسية عميقة غير مُعالَجة، أثرت سلباً على حياتهم وحياة مَن حولهم. يعود تردد الكثيرين في الإفصاح عن مشاكلهم النفسية أو السعي للعلاج إلى جملة من العوامل المتشابكة، يأتي في مقدمتها قلة الوعي العلمي بكون هذه الاضطرابات قد تنشأ عن أسباب عضوية كالخلل الكيميائي أو الوراثي، أو نتيجة صدمات نفسية تحتاج إلى تدخل متخصص. 

كما يلعب الخوف من الأحكام الاجتماعية دوراً محورياً، حيث تتحول مصطلحات مثل “مختل عقلياً” أو “مجنون” إلى وصمات جارحة تهدد مستقبل الفرد الاجتماعي والمهني. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتفاقم بسبب النظرة الجندرية التي ترى في لجوء الرجل للعلاج النفسي علامة ضعف، بينما تُختزل معاناة المرأة في كونها “مبالغة عاطفية”. 

هذه العوامل مجتمعة تُغذي حلقة مفرغة من الصمت والمعاناة، حيث يفضل الكثيرون تحمل آلامهم على مواجهة نظرة المجتمع القاسية وإطلاق الأحكام الجاهزة. في المقابل، يُؤدي تجنب العلاج النفسي أو التأخر في طلب المساعدة المتخصصة إلى عواقب وخيمة تبدأ بتفاقم الأعراض البسيطة وتنتهي بمضاعفات يصعب علاجها.

 فما يبدو في البداية قلقاً عابراً أو حزناً مؤقتاً قد يتحول إلى اكتئاب حاد أو اضطرابات نفسية مزمنة، تصل في بعض الحالات إلى التفكير في الانتحار، ولا يقف الضرر عند المريض وحده، بل يمتد إلى الأسرة والمحيطين، حيث تتفاقم المشكلات الزوجية والاجتماعية بسبب اضطرابات المزاج غير المُعالَجة، مما يُهدد تماسك الأسرة.

 كما يلجأ البعض إلى حلول وهمية خطيرة، مثل استشارة الدجالين أو تعاطي المسكنات العشوائية والمخدرات، ظنًا منهم أن هذه “مخارج سريعة”، بينما هي في الواقع مزلقٌ نحو الهاوية. بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية الكبيرة التي يُعاني منها الشخص الممتنع عن العلاج، مثل: تراجع الإنتاجية في العمل أو الرسوب الدراسي، مما يُثقل كاهل الفرد والمجتمع. فكلما طال انتظار العلاج، زادت التكلفة – نفسياً، واجتماعياً، ومادياً.

يُعدُّ العلاج النفسي موضوعاً يحتاج إلى توعية واسعة، حيث يحتاج الشخص الذي يعاني من اضطرابات نفسية إلى تشجيع ودعم لمراجعة الطبيب أو الأخصائي النفسي. من الضروري توفير مساندة شاملة له تشمل الدعم النفسي والمادي والمعنوي، بعيداً عن أي شكل من أشكال الإساءة أو التجريح.

وقد أثبتت التجارب السابقة خلال فترات الحرب فعالية برامج الدعم النفسي والاجتماعي التي تم تقديمها في المناطق المتأثرة بالنزوح والنزاع، حيث استطاعت هذه البرامج استقبال حالات عانت لسنوات من اضطرابات نفسية وساعدتها على تحسين حالتها. تُظهر هذه النماذج أهمية التدخل المبكر والاحترافي في إحداث تغيير إيجابي في حياة الأفراد والمجتمعات.

يُظهر الواقع الحاجةَ الملحَّةَ لتغيير النظرة المجتمعية نحو العلاج النفسي، وضرورة التعامل معه كأيِّ علاجٍ طبيٍّ آخر. فدعمُ المريض نفسياً ومعنوياً، وتشجيعُه على طلب المساعدة المتخصصة، قد يكون الفرقَ بين الشفاء واستمرار المعاناة. 

كما تثبت التجارب أن التدخلَ المبكرَ والدعمَ المنظَّمَ قادران على إحداث تحسُّنٍ كبير في حياة الأفراد والمجتمعات. الخطوة الأولى تبدأ بفهمٍ صحيحٍ وموقفٍ إيجابيٍ يُزيل الوصمةَ ويُسهِّل الوصولَ إلى الرعاية النفسية اللازمة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة شام الإخبارية , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من موقع شام الإخبارية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى