اخبار السودان : هل تقبل أمريكا بتعدد الأقطاب، أم تمضي نحو حرب عالمية، أم تواجه انفجارًا من الداخل؟

أعمدة رأي

هل تقبل أمريكا بتعدد الأقطاب، أم تمضي نحو حرب عالمية، أم تواجه انفجارًا من الداخل؟

بقلم: محمد الحسن محمد نور 

يبدو أن مشهد الرؤساء الثلاثة، شي جين بينغ وفلاديمير بوتين وكيم جونغ أون، وهم يستقبلون ضيوفهم على السجادة الحمراء في ذكرى الحرب العالمية الثانية  بكامل الاحترام والندية، قد شكّل صدمة للرئيس ترمب. فالمقارنة كانت قاسية مع سلوكه المتعجرف، حين أهان الرئيس الأوكراني زيلينسكي على الهواء مباشرة، أو حين عامل ضيوفه من القادة الأفارقة باستعلاء خلال استضافته لهم في البيت الأبيض. لقد أدرك ترمب فداحة المقارنة، كما أدرك أن هولاء الثلاثة الذين يمثلون رأس الرمح للخصم المرعب الذى ما كان له أن يكون لولا السياسات الأمريكية التى لم تعد تقيم وزناً لأى كيان أو قانون. فالسياسات الأمريكية العدوانية المتغطرسة قد أدت بالفعل إلى التقدم السريع لهذا المحور والذى تعزز بعد انضمام الهند بكل ثقلها الاقتصادي اليه، هذا الانضمام ايضاً ما كان له أن يحدث لولا أن مارست الولايات المتحدة عليها شتى أنواع الضغوط والتهديدات  الأمريكية تأمرها بوقف شراء النفط الروسي.

اليوم باتت بريكس تمثل تهديدًا حقيقيًا لزعامة الولايات المتحدة، فهي قد توسعت لتضم عشرة أعضاء، وتتحكم في 40% من إنتاج النفط العالمي، و75% من المواد الأرضية النادرة، وتجمع أكثر من 40% من سكان العالم. والأخطر أنها تطور الآن نظامًا ماليًا بديلًا لـنظام “سويفت”، الشىء الذى يشكل تهديدًا مباشرًا لهيمنة الدولار. هذه الحقائق مثلت احباطا كبيراً للرئيس ترمب الذى وجد نفسه محاصرًا بالفشل على كل الجبهات. لم ينجح في إنهاء حرب أوكرانيا ولا في إطفاء نار غزة، وتبخر حلمه بنيل جائزة نوبل للسلام.

الرئيس ترمب الذى عرف عنه الاستعراضية وعدم القبول بالهزيمة ، لم يجد بدًّا من الهروب إلى الأمام، فقرر أن يخوض أكبر وأخطر مغامراته وينفخ أخطر بالون اختبار فى منطقة الكاريبي مستندًا إلى مبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع.

 وكالعادة ودون مقدمات أعلن وبصورة درامية قرار  بتغيير اسم وزارة الدفاع”البنتاغون ” إلى “وزارة الحرب”، مؤكّدًا أن هذا هو الاسم الأنسب لهذه المرحلة، مضيفًا: نحن أقوى جيش في العالم، فلماذا ندافع إذا كنا نستطيع الهجوم؟ هذه المفارقة كشفت التناقض: فبينما أريد للقرار أن يوحى بالتهديد والهيمنة، فاإنه فى الواقع يؤكد بأن واشنطن تحاول الآن تثبيت هيمنتها بعد أن باتت محاصَرة وفاقدة لحلفائها، فى ظل تشكل القطب المنافس بقيادة الصين وروسيا، فازدادت عزلتها الناجمة أصلًا عن سياساتها المبنية على القوة والغطرسة.

لم تتوقف التهديدات عند حدود الكلام بل قامت بالتصعيد ضد فنزويلا فرفعت المكافأة المالية لرأس الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى خمسين مليون دولار، ونفذت ضربة بحرية أسفرت عن مقتل أحد عشر شخصًا، زعمت أنهم مهرّبو مخدرات، بينما اعتبرتها كاراكاس محاولة سافرة لتغيير النظام. ورد مادورو بإعلان “الكفاح المسلّح” للدفاع عن السيادة الوطنية، داعيًا إلى تعبئة الميليشيات والاحتياط الشعبي.

أما عسكريًا، فقد ترجمت واشنطن تهديداتها إلى حشد ميداني غير مسبوق في البحر الكاريبي، حيث أرسلت سبع سفن حربية تضم نحو 4,500 بحار ومارينز، مدعومة بأسراب مقاتلات «إف-35» وصلت إلى بورتوريكو. وفي المقابل، أعلنت كاراكاس عن اعتراض قوارب فنزويلية وتفتيشها من قبل سفن أمريكية، من بينها حادثة عبور عناصر من سفينة أمريكية لقارب تونة، ما زاد التوتر والاتهامات المتبادلة.

تحت شعار “مكافحة المخدرات”، بدا أن الولايات المتحدة تحاول تأمين حديقتها الخلفية لمنع تكرار سيناريو خليج الخنازير وتستعد لتفتح الباب لمواجهة عسكرية، قد تتسع إلى صراع دولي إذا ما قررت موسكو أو بكين التحرك دفاعًا عن حليفتهما أو حماية لمصالحهما. وهنا تصبح فنزويلا المرشّح الأخطر لأن تكون الشرارة التي تشعل مواجهة عالمية. ولعل ما يعكس خطورة الموقف أن بعض الدول الأوروبية بدأت بالفعل الاستعدادات الجدية، فأمرت بتشييد الملاجئ وأصدرت تعليمات طوارئ، تحسبًا لانفجار قد يجر القارة والعالم بأسره إلى حرب أوسع.

هذه حال جبهة الكاريبي، فكيف هو حال الشرق الأوسط؟

الرئيس ترمب، الذي جاء مبشّرًا بالسلام وإنهاء اوجد نفسه منقادًا بالكامل وراء رغبات ومخططات نتنياهو ومشروع “إسرائيل الكبرى”. غرق حتى أذنيه في وحل الإبادة التي يرتكبها نتنياهو في غزة: دمار شامل يسوّي المباني بالأرض، وتجويع حتى الموت كأبشع أشكال التطهير العرقى، والهدف معلن بلا مواربة، تهجير من يبقى على قيد الحياة واحتلال القطاع بعد إفراغه، كمرحلة أولى لإقامة إسرائيل الكبرى. لم يكتفِ ترمب بشحن مئات آلاف الأطنان من الذخائر إلى إسرائيل لتنفيذ هذه الخطة، بل تورط فعلياً وظل يكرر التزامه المطلق بأمنها، مهددًا سكان غزة جميعًا بالجحيم إن لم تطلق حماس الأسرى الإسرائيليين دون قيد أو شرط.

لكن هل توقف عند هذا الحد؟

الجواب، في تقديري، بلغ ذروته في حادثة محاولة اغتيال وفد حماس الذي جاء للتفاوض حول الأسرى وإنهاء الحرب. لقد جرى تناول الحادث وتداعياته في وسائل الإعلام، وكانت نتائجه السياسية واضحة: فشل ذريع بكل المقاييس. المغامرة، التي حملت بصمات القرارات الفردية والرغبة في تحقيق الأطماع بأي ثمن، خلّفت استياءً عارمًا ضد أمريكا وإسرائيل، ودَفعت معظم دول المنطقة بعيدًا عنهما، بعدما أدركت أنهما ينطلقان من منطق الغاصب. الأخطر أن هذه الجريمة ارتُكبت بانتهاك سيادة دولة حليفة لأمريكا، تُصنَّف في منزلة “الحليف الاستراتيجي الأول” خارج حلف الناتو. حاولت واشنطن التنصل من الجريمة لتفادي ردود الفعل العربية، لكن هيهات، فإن ردود الفعل ما زالت تتسارع، فها هي المملكة العربية السعودية قد وقعت إتفاقية للدفاع المشترك مع باكستان “الدولة النووية” تحتوى على بنود صارخة من قبيل (أن أى إعتداء على أى من الدولتين يعتبر اعتداء على الدولة الأخرى).

وما تزال استفزازات نتنياهو المباشرة بضرب قيادات حماس فى مصر تفرز رد الفعل الغاضب من الرئيس السيسى.

وفي خلفية المشهد، تظل إيران الشرارة الكامنة للصراع الكبير. فإسرائيل تصر على تصفية كل من يهدد نفوذها، وترمب لا يجرؤ على شق عصا الطاعة رغم المخاطر التي تهدد عرش أمريكا ذاته. الغارات الجوية على المنشآت النووية الإيرانية، والتهديدات المتكررة بدعم أمريكي، تجعل الحرب ضد إيران احتمالًا واقعيًا للغاية. أي مواجهة مباشرة ستكون مكلفة ومحفوفة بالمخاطر، لكنها مطلوبة من وجهة نظر واشنطن بسبب الضغوط الداخلية والحلفاء وصناعة السلاح. هذا الملف وحده يكشف هشاشة السياسة الأمريكية في عالم يتجه إلى التعددية القطبية.

أما حرب أوكرانيا، التي وعد ترمب بإنهائها خلال 24 ساعة، فما تزال حرب وكالة تستنزف أوروبا منذ 2022، وتفضح ازدواجية المعايير: دعم مطلق لكييف، مقابل تجاهل كامل لمآسي غزة والسودان.

تفكك الجبهة الداخلية الأمريكية: من وعود السلام إلى شبح الحرب الأهلية

دخل دونالد ترامب البيت الأبيض متسلحًا بشعار “أمريكا أولًا”، ومبشرًا بقدرات خارقة لإنهاء الحروب، خصوصًا الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي وعد بإنهائها خلال أربعة وعشرين ساعة. بدا وكأنه سيكرّس ولايته للسلام الداخلي، وحتى نيل جائزة نوبل للسلام. لكن سرعان ما انقلبت الوعود إلى سياسات اقتصادية فوضوية؛ إذ فرض رسومًا جمركية أضرت بالحلفاء والخصوم على السواء، وفشل في توطين الصناعة الأمريكية. ومع تراجع الثقة في سندات الخزانة، بدأ الذهب يصعد بديلاً آمناً، فيما أخذ الدولار يفقد جزءًا من مكانته كعملة مهيمنة.

الجبهة الاقتصادية بدورها تعاني من ضعف هيكلي عميق. فالدين الوطني تجاوز 36.2 تريليون دولار في مايو 2025، بنسبة 123% من الناتج المحلي، وهو مستوى غير مستدام. هذه الأرقام لم تتراكم صدفة، بل هي نتاج إنفاق عسكري متضخم، وحروب خارجية، وبرامج تحفيز تمول جميعها بالعجز. ومع تخصيص 65% من الأموال الفيدرالية للجيش مقابل 0.2% فقط للتطوير الصناعي والبيئة، تقلص الاهتمام بالإنتاج الحقيقي. ورغم أن وضع الدولار كعملة احتياط عالمية منح الولايات المتحدة هامشًا واسعًا للاقتراض، إلا أن تصاعد خدمة الدين يهدد مستقبل هذه الهيمنة، خصوصًا إذا اهتزت ثقة المقرضين.

ما يزال هناك ما هو أخطر على أمن الولايات المتحدة الأمريكية مما يجرى فى الخارج بسبب اشعالها الحروب حول العالم، وما هو أكثر خطورة من الوضع  الاقتصادي. فالوضع الداخلي يمثل الآن القنبلة وشيكة الانفجار. الاستقطاب السياسي بلغ مستوى غير مسبوق؛ الحزب الجمهوري يزداد محافظة، والديمقراطي يزداد ليبرالية، بينما “الحزبية السلبية” تجعل التصويت مدفوعًا بكراهية الآخر أكثر من الاقتناع بالبرامج. هذا الانقسام غذته الشعبوية، سياسات طرد المهاجرين، والتفاوت الطبقي الهائل حيث يملك 1% من الأمريكيين أكثر من 42% من الثروة، بينما يعيش الملايين تحت خط الفقر.

هذه التصدعات لم تبق في ساحة الجدل، بل انفجرت في أحداث عنيفة هزت صورة الديمقراطية الأمريكية. كان اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021 جرس إنذار حاد النبرة، أشبه بمقدمة لحرب أهلية جديدة حين رفع علم الكونفدرالية داخل الكونغرس، بعد 160 عامًا من الحرب الأهلية الأولى، أعاد إلى الواجهة أشباح العبودية والانقسام العرقي.

وجاءت حادثة اغتيال الناشط اليميني شارلي كيرك، الحليف المقرب لترامب بمثابة الإنذار لتفتح الباب على مرحلة لا يعرف قرارها فقد قُتل بالرصاص أثناء خطاب في جامعة بولاية يوتا، في مشهد يجسد تحول الانقسام السياسي إلى عنف دموي مباشر. قرار ترامب بتنكيس الأعلام أربعة أيام فجّر جدلاً واسعًا؛ ولايات مثل نيوجيرسي ونيويورك رفضت الامتثال، بحجة أن كيرك أمضى حياته في تهميش الأقليات. هذا الرفض الرسمي أظهر أن حتى الرموز الوطنية المشتركة لم تعد قادرة على توحيد الأمريكيين.

إن اقتران مشهد الكابيتول بظهور العنف السياسي المسلح في اغتيال كيرك، يكشف أن التهديد الأكبر للولايات المتحدة اليوم وليس الصين أو روسيا أو حتى أزمة الدولار، بل خطر الانفجار الداخلي. هذه الأحداث ليست مجرد وقائع عابرة، بل علامات على تصدع بنيوي قد يقود إلى سيناريو “حرب أهلية أمريكية ثانية” لا تقل دموية عن الأولى، وربما أشد، لأنها ستجري هذه المرة في قلب قوة عالمية مسلحة حتى النخاع ، 

فإلى متى يمكن لواشنطن أن تناور وتؤجل لحظة الحقيقة؟؟ أما آن الأوان لها أن تقبل بقية العالم شريكًا في العيش بسلام وعدالة؟

محمد الحسن محمد نور 

١٨سبتمبر ٢٠٢٥

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سودان تربيون , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سودان تربيون ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى