إذاعة عدن.. مدرسة إعلامية صنعت أجيالًا من الكفاءات الصحفية
![](https://7adramout.net/wp-content/uploads/2025/02/401f7052-e7a9-4fa6-9e02-4061bcdc9588.jpg)
ولعب عدد من الرموز دورًا بارزًا في مسيرة الإذاعة، حيث كان المستر مارساك أول مسؤول بريطاني يشرف على إدارتها، بينما تولى أحمد زوقري منصب أول مدير لها، وساهم كلٌّ من صالح علي عفارة، كأول مهندس بالإذاعة، وسالم أحمد بامدهف، كأول ضابط صوت، في تطوير أدائها الفني. كما برزت أسمهان بيحانية كأول موظفة تُعيَّن رسميًا في الإذاعة.
وتألق العديد من الأسماء الإعلامية التي انطلقت من إذاعة عدن إلى فضاء الإعلام العربي والدولي، حيث عمل منوَّر الحازمي وعبدالرحمن ثابت في إذاعة “BBC”، وعبدالرحمن باجنيد ومحمد عمر بلجون في إذاعة هولندا، وجميل مهدي ومحمد شيخ في إذاعة أبوظبي، وفيصل باعباد في إذاعة دبي، ووديع عبدالله في تلفزيون وإذاعة “BBC.
كما تميزت الإذاعة بوجود كوكبة من الشخصيات البارزة التي أسهمت في ترسيخ هويتها الإعلامية، منهم محمد سعيد جرادة، لطفي جعفر أمان، محمد عبده غانم، حسين الصافي، جمال الخطيب، فوزية باسودان، عبدالله عمر بلفقيه، عمر عبدالله الجاوي، ومحمد علي لقمان، إلى جانب نخبة من الأصوات الإذاعية التي حفرت أسماءها في ذاكرة المستمعين.
* مدرسة إعلامية
لم تكن إذاعة عدن مجرد محطة بث إذاعي، بل كانت مدرسة إعلامية وصحفية متكاملة، ساهمت في تخريج أجيال من الكفاءات والخبرات الإعلامية، حتى قبل تأسيس أي قسم أو كلية للإعلام في جامعة عدن. فمنذ انطلاقتها عام 1954 شكلت منبرًا تنويريًا ساهم في تطور المشهد الإعلامي في دولة الجنوب والمنطقة بأسرها.
*منبر لصناعة الكفاءات
لعبت إذاعة عدن دورًا أساسيًا في تزويد تلفزيون عدن، عند تأسيسه عام 1964، بأفضل الكفاءات الإعلامية، حيث كان معظم العاملين فيه من خريجي هذه المدرسة الإذاعية. ولم يقتصر تأثيرها على المستوى المحلي، بل امتد ليشمل العديد من الإعلاميين الذين انتقلوا للعمل في وسائل إعلام عربية ودولية في مختلف التخصصات.
إلى جانب دورها في تكوين الإعلاميين، امتلكت إذاعة عدن أكبر مكتبة وثائقية تاريخية لا تضاهيها أي مكتبة أخرى، ما جعلها مصدرًا غنيًا للمعلومات والمواد الأرشيفية التي يستفيد منها الباحثون والصحفيون.
*ارتباط وثيق بالجمهور
تميزت إذاعة عدن ببرامجها المتنوعة التي استطاعت بناء علاقة وثيقة مع جمهورها داخل الوطن وخارجه. فكانت جسرًا يربط المغتربين بأهلهم في الوطن، حيث كانوا ينتظرون برامجها المسائية بفارغ الصبر ليشعروا بالقرب من أسرهم وأحبتهم. كما شكلت برامجها الصباحية والمسائية جزءًا من يوميات المواطنين، حيث كان كبار السن والمتابعون في مختلف المحافظات والمناطق يحملون أجهزة الراديو الصغيرة لمتابعة برامجها وأخبارها.
لم تقتصر برامج الإذاعة على الترفيه والتثقيف، بل شملت أيضًا برامج توعوية وخدمية وثقافية وفنية، استهدفت مختلف الفئات، بما في ذلك الأطفال. أما البرامج السياسية فكانت علامة فارقة، حيث قدمت نشرات إخبارية وتحليلات سياسية متميزة، مثل “خبر وتعليق”، و”كلمتين اثنين”، و”أنباء وتقارير”، و”ما يطلبه المستمعون”، و”صباح الخير يا وطني”، إلى جانب نشرات باللغتين الإنجليزية والفرنسية.
*صرح إعلامي بمعايير صارمة
لم يكن العمل في إذاعة عدن متاحًا للجميع بسهولة، بل خضع العاملون فيها لمراحل تأهيل صارمة قبل أن يصبحوا محررين أو مذيعين. فكان على المتدرب أن يمر بمرحلة الاستماع السياسي لمدة تتراوح بين عام وعامين، ليتقن المعلومات والأسماء والشؤون السياسية، قبل أن ينتقل إلى مرحلة “مساعد محرر”، التي قد تستمر أكثر من عامين حسب استيعابه. وبعد اجتياز هذه المرحلة، يصبح المحرر مؤهلًا للعمل لسنوات قبل أن يتدرج إلى مناصب أعلى مثل مدير تحرير ورئيس تحرير ومدير أقسام.
لم يكن الخبر يُبث كما يرد من الوكالات الإخبارية، بل كان يُعاد تحريره وتصحيحه بما يتلاءم مع المعايير المهنية، حتى الأخبار الرئيسية كانت تخضع للمراجعة والتدقيق من قبل مدير أو رئيس التحرير المناوب. وكان هناك أيضًا مصحح لغوي دائم يراجع المواد قبل بثها، ما منح الإذاعة مصداقية عالية وجودة تحريرية متميزة.
*بين الأصالة والتكنولوجيا
مع التطور التكنولوجي، أصبح الوصول إلى المعلومة أسرع، ولكن في المقابل، تراجع الاهتمام بصناعة الصحفيين المهنيين كما كان الحال في إذاعة عدن. فاليوم، تعتمد وسائل الإعلام الحديثة على السرعة والتقنيات الرقمية، لكنها تفتقر إلى التدقيق والتمحيص الذي ميز العمل الصحفي في الماضي.
ورغم أهمية التكنولوجيا في تسهيل العمل الإعلامي، فإن الأساس الحقيقي يظل في العقول والخبرات التي تقف خلف هذه الأدوات. فلا يمكن لأي جهاز، مهما كان متطورًا، أن يحل محل الكفاءة الصحفية والخبرة المتراكمة التي كانت سمة الإعلاميين في إذاعة وتلفزيون عدن.
* مدرسة لا تُنسى
لطالما كانت إذاعة عدن وجهة للخريجين الجدد من كلية الإعلام لاكتساب الخبرة العملية، حيث وجدوا فيها بيئة تدريبية حقيقية أهلتهم ليصبحوا صحفيين محترفين خلال فترة قصيرة. وكثيرون ممن التحقوا بها لم يكونوا قادرين على كتابة خبر أو تقرير عند وصولهم، لكنهم بعد شهور من التدريب والممارسة، أصبحوا قادرين على صياغة الأخبار والتقارير بأسلوب احترافي.
*نشر الثقافة الاجتماعية
وكانت إذاعة عدن تقدم رسالتها الإعلامية بقالب اجتماعي في معظم برامجها المباشرة والمسجلة وكانت مساهمة في نشر الثقافة الاجتماعية المختلفة من خلال وضع الحلول للمشكلات الاجتماعية في البرامج الجماهيرية الموجهة وتقديم الخدمة البرامجية التربوية التعليمية ونشر الثقافة الصحية والبيئية من خلال البرامج التنموية وتشجيع المواهب الفنية والأدبية، إضافة إلى نشر ثقافة الأمن والقانون والتسامح الأخلاقي بين أفراد المجتمع.
إن إرث إذاعة عدن لا يزال حاضرًا رغم التغيرات التي شهدها الإعلام، وستظل هذه المؤسسة إحدى أهم المدارس الإعلامية التي خرجت أجيالًا من الصحفيين الأكفاء الذين أثروا المشهد الإعلامي في الداخل والخارج .
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة 4 مايو , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من 4 مايو ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.