اخبار وتقارير – من ميادين النضال إلى عواصم صناعة القرار الدولي.. الجنوب على أبواب استعادة الدولة
رحلة هذا النضال بدأت منذ عام 1994، عندما تم توحيد الجنوب قسريًا مع الشمال في ظل غياب ضمانات حقيقية للشراكة السياسية، ليتحول بعدها الجنوب إلى طرف مهمل في المعادلة الوطنية اليمنية.
ورغم التهميش والظلم، ظل الشعب الجنوبي يرفع راية النضال، بدءًا من الحراك السلمي في 2007، مرورًا بالثورة الجنوبية المسلحة في 2015، وصولاً إلى مرحلة إعلان عدن التاريخي في 2017، الذي شكل نقطة تحول هامة في مشوار النضال الجنوبي نحو بناء الدولة.
اليوم، ورغم الظروف الصعبة والمعقدة، يقف الجنوب على أعتاب مرحلة جديدة، حيث بدأ المشروع الجنوبي في الانتقال من النضال إلى العمل السياسي المؤسسي الفاعل، الذي يتسارع على الساحة الدولية، من خلال خطوات مثل افتتاح بعثة المجلس الانتقالي الجنوبي في واشنطن.
هذه الخطوة تمثل تحوّلًا ملموسًا في مسار القضية الجنوبية، وتعزز من موقفها السياسي في المحافل الدولية، وتفتح أمامها آفاقًا واسعة من الدعم الدبلوماسي، الذي يساهم في إحياء أمل استعادة الدولة الجنوبية المستقلة.
*بعثة واشنطن:دبلوماسية جنوبية تخاطب العالم
في خطوة استراتيجية بارزة تعكس تصاعد الحضور السياسي والدبلوماسي للقضية الجنوبية على الساحة الدولية، دشّن الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بعثة المجلس في العاصمة الأمريكية واشنطن، وذلك خلال حفل رسمي حضره عدد من الخبراء والسياسيين والمهتمين، إلى جانب ممثلين عن الجالية الجنوبية في الولايات المتحدة.
وأكد الزُبيدي في كلمته أن هذه البعثة تمثل محطة مفصلية في مسار العمل الدبلوماسي الجنوبي، وتجسد الإرادة الراسخة في تمثيل شعب الجنوب وقضيته العادلة أمام المجتمع الدولي ومؤسساته السياسية والفكرية.
وتأتي هذه الخطوة في توقيت بالغ الأهمية، إذ تفتح آفاقًا جديدة أمام المجلس الانتقالي الجنوبي لبناء علاقات استراتيجية مع صناع القرار الأمريكي، والدوائر السياسية والفكرية المؤثرة في واشنطن، ما يمنح القضية الجنوبية مزيدًا من الزخم الدولي والاعتراف غير المباشر بواقع الجنوب ككيان سياسي فاعل ومتماسك. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تُعد تحولًا نوعيًا من العمل السياسي المحلي إلى الحضور الدبلوماسي الخارجي المنظم، في إطار رؤية المجلس لتدويل القضية الجنوبية وفتح قنوات رسمية للتواصل مع المجتمع الدولي.
كما عبّر الرئيس الزُبيدي عن تطلع المجلس إلى شراكات فاعلة تعزز مسار السلام والتنمية في الجنوب والمنطقة، مشيدًا بجهود فريق العمل في أمريكا والجالية الجنوبية، ومؤكدًا أن هذه الخطوة تُعد بداية لسلسلة من المكاتب التمثيلية المزمع افتتاحها في عدد من العواصم العالمية، مثل لندن، بروكسل، وجنيف، ما يعكس توجهًا مدروسًا لبناء شبكة دبلوماسية جنوبية تعبر عن تطلعات الشعب وتربط الجنوب بالمتغيرات الدولية.
ويرى محللون سياسيون أن افتتاح البعثة في واشنطن لا يحمل فقط أبعادًا سياسية، بل يُعد ردًا مباشرًا على الحملات الإعلامية والتضليلية التي سعت لتقزيم المجلس الانتقالي والتشكيك في مشروعيته، ليؤكد بهذه الخطوة قدرته على الحضور والتأثير من داخل أهم العواصم العالمية. كما يحمل ذلك دلالة واضحة على النضج السياسي للمجلس، وتحوله من قوة ميدانية مؤثرة إلى كيان سياسي مؤسسي يواكب تطورات المشهد الدولي.
واختتم الزُبيدي كلمته بالتأكيد على أن هذه الخطوات ستسهم في استعادة حقوق شعب الجنوب، قائلاً بثقة: “إن غدًا لناظره قريب”، في رسالة تحمل أبعادًا سياسية عميقة تعبّر عن إصرار القيادة الجنوبية على استكمال مشروع التحرير والاستقلال، والانتقال نحو بناء دولة جنوبية مستقلة ذات سيادة وشراكة دولية فاعلة.
*إعلان عدن التاريخي: محطة الإنطلاق نحو الاستقلال
يُعد “إعلان عدن التاريخي” محطة مفصلية في مسار النضال الجنوبي، ليس فقط باعتباره تعبيرًا عن إرادة شعب الجنوب، بل أيضًا كنقطة تحوّل استراتيجية في المشهد السياسي بعد سنوات من الحراك السلمي والمقاومة الشعبية.
جاء الإعلان في الرابع من مايو 2017، في لحظة فارقة، وسط ظروف سياسية وأمنية واقتصادية معقدة، ليعيد التأكيد على الثوابت الوطنية الجنوبية وعلى حق الجنوبيين في استعادة دولتهم المستقلة كاملة السيادة، التي جرى التوحد القسري معها في العام 1990 دون ضمانات حقيقية للشراكة.
وقد مثّل الإعلان نقلة نوعية من الحراك الجماهيري العفوي إلى الفعل السياسي المؤسسي، من خلال تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة اللواء عيدروس الزبيدي، ككيان سياسي يجسد تطلعات الجنوبيين ويضطلع بمهمة تمثيلهم سياسيًا في الداخل والخارج.
كما جاء الإعلان ليعزز من مفهوم التمثيل الشعبي القائم على تفويض جماهيري واسع، عبّرت عنه الحشود التي تجاوز عددها مئات الآلاف في ساحة العروض بخور مكسر بعدن، في واحدة من أكبر الفعاليات السياسية التي شهدها الجنوب منذ اندلاع الحراك في 2007.
وأكد الرئيس القائد عيدروس الزبيدي، في خطابه آنذاك، أن “المجلس الانتقالي الجنوبي هو صوت الشعب، وحامل لقضيته العادلة، وساعٍ إلى تحقيق تطلعاته المشروعة باستعادة دولته وبناء مستقبله السياسي والاقتصادي على أسس العدالة والمساواة.” كما حظي الإعلان بتأييد واسع من قبل مكونات سياسية ومدنية جنوبية، إضافة إلى دعم شعبي واسع النطاق، ما أكسبه قوة معنوية وسياسية على الصعيد المحلي والإقليمي.
لم يكن إعلان عدن التاريخي مجرد بيان سياسي، بل خارطة طريق نابعة من الإرادة الشعبية، أكدت على أولوية بناء مؤسسات جنوبية مستقلة، وتحقيق شراكة حقيقية في صنع القرار، بعيدًا عن التبعية أو التهميش. وهو بذلك رسّخ مرحلة جديدة في الكفاح السياسي السلمي المنظم، ووجّه رسالة قوية للمجتمعين الإقليمي والدولي بأن الجنوب يمتلك قيادة سياسية موحدة، ومشروعًا وطنيًا واضح المعالم، يطالب بالاعتراف والتمكين على طريق استعادة الدولة الجنوبية المنشودة.
*الجنوب يعيد خريطته السياسية
منذ إعلان عدن التاريخي في مايو 2017، والذي مثّل نقطة تحول محورية في مسار الثورة الجنوبية، حقق الجنوب سلسلة من المنجزات السياسية والعسكرية البارزة التي رسّخت موقعه كطرف فاعل في المعادلة اليمنية والإقليمية، وعززت حضوره كقضية عادلة ذات ملامح واضحة ورؤية سياسية متماسكة.
فعلى الصعيد السياسي، شكّل تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي أبرز هذه المنجزات، إذ مثّل كيانًا سياسيًا جامعًا حظي بشرعية شعبية واسعة، واستطاع أن يتحول إلى الحامل السياسي للقضية الجنوبية، معترفًا به كطرف رئيسي في العملية السياسية، وكممثل لطموحات شعب الجنوب في استعادة دولته.
شارك المجلس الانتقالي في محطات تفاوضية هامة، منها اتفاق الرياض عام 2019، الذي أضفى شرعية إقليمية ودولية على وجوده، ومهّد لتقاسم السلطة ضمن الحكومة المعترف بها دوليًا.
أما على المستوى العسكري، فقد شهد الجنوب تعزيزًا لوجوده الميداني من خلال بناء قوات جنوبية منظمة ومحترفة، أبرزها ألوية الدعم والإسناد، وألوية العمالقة، وقوات الحزام الأمني، وقوات دفاع شبوة، ودفاع حضرموت، وغيرها، والتي أثبتت فاعليتها في محاربة الإرهاب وتأمين المحافظات الجنوبية، وفي صد الميليشيات الحوثية والتصدي للتهديدات الأمنية. وقد أسهمت هذه القوات في ترسيخ الأمن والاستقرار في الجنوب، لتصبح بمثابة الدرع الحصين الذي يحمي مكتسبات النضال الوطني الجنوبي.
كما استطاع الجنوب خلال السنوات الماضية أن يوسّع من حضوره الدبلوماسي والإعلامي، وهو ما تُوّج بافتتاح بعثات خارجية للمجلس الانتقالي في عدد من الدول، وأحدثها بعثة واشنطن، ما يعكس انتقال القضية الجنوبية من مرحلة النضال الثوري إلى العمل المؤسسي والدولي.
هذه المنجزات مجتمعة تعكس نجاح القيادة الجنوبية في تحويل إعلان عدن من مجرد موقف سياسي إلى مشروع وطني متكامل، يسير بخطى ثابتة نحو الاستقلال واستعادة الدولة، في ظل واقع إقليمي ودولي بدأت ملامحه تتغير لصالح إرادة شعب الجنوب.
المجلس الانتقالي الجنوبي:شرعية الشارع التي تحولت إلى دبلوماسية رسمية
يُعتبر المجلس الانتقالي الجنوبي من أبرز منجزات شعب الجنوب في مسيرته النضالية، كونه جاء كتتويج لنضالات طويلة ومستمرة هدفت إلى استعادة الكيان السياسي الجنوبي وإبراز قضيته العادلة على المستويين الداخلي والدولي. فمنذ إعلانه في مايو 2017، بات المجلس الانتقالي يمثل الحامل السياسي الرسمي للقضية الجنوبية، والمعبّر الأول عن تطلعات الشعب نحو استعادة دولته المستقلة، بعد عقود من التهميش والاقصاء.
تأسس المجلس على قاعدة جماهيرية واسعة ومن خلال تفويض شعبي غير مسبوق، ما منحه شرعية سياسية ووطنية قلّ نظيرها، وأتاح له أن يتحرك بثقة على مختلف الأصعدة، السياسية والدبلوماسية والعسكرية.
وقد تمكّن من توحيد الطيف الجنوبي تحت مظلة واحدة، وخلق قيادة سياسية موحدة تدير العمل الوطني وتتبنى المشروع الجنوبي في المحافل الإقليمية والدولية.
ولعب المجلس دورًا أساسيًا في ترسيخ مؤسسات جنوبية سياسية وأمنية وخدمية، وأسهم بشكل فعّال في تعزيز الأمن والاستقرار في المناطق المحررة، كما كان طرفًا رئيسيًا في اتفاق الرياض الموقع مع الحكومة اليمنية عام 2019، ما مكّنه من تثبيت حضوره كقوة فاعلة لا يمكن تجاوزها في أي حل سياسي قادم.
كما مثّل المجلس الانتقالي مظلة جامعة للمقاومة الجنوبية وللقيادات السياسية والعسكرية، وهو اليوم يشكل إطارًا استراتيجيًا لتنظيم العمل الجنوبي، والتخاطب مع العالم بلغة سياسية واضحة، مبنية على مبدأ الشراكة والندية، والتأكيد على الحق المشروع لشعب الجنوب في تقرير مصيره.
إن المجلس الانتقالي لا يُعد فقط منجزًا سياسيًا، بل هو تعبير عن نضج الوعي الوطني الجنوبي، وتحول القضية من شعار إلى مشروع سياسي متكامل، يُدار برؤية وحنكة وبدعم شعبي عميق.
ومن هنا، تتأكد أهميته كرافعة سياسية للجنوب، وأداة رئيسية لبلوغ الهدف المنشود باستعادة الدولة الجنوبية وبناء مؤسساتها.
*القوات الجنوبية درع السيادة ومصدر الأمان الجنوبي
تُعد القوات الجنوبية الدرع الحصين للجنوب، وسندًا رئيسيًا في حماية مكتسباته الوطنية ومواجهة التحديات الأمنية التي تعصف بالمنطقة. فقد أثبتت هذه القوات، بمختلف تشكيلاتها، كفاءة عالية في حفظ الأمن والاستقرار، والتصدي للمخاطر التي تستهدف الجنوب أرضًا وإنسانًا، سواء من التنظيمات الإرهابية أو من قوى سياسية معادية تسعى لزعزعة الأمن وتقويض الإرادة الشعبية.
وقد نشأت هذه القوات من رحم المقاومة الجنوبية التي واجهت ميليشيات الحوثي وقوات صالح منذ العام 2015، وتطورت لتصبح قوة منظمة تمتلك خبرات ميدانية وقدرات قتالية متقدمة، يشهد لها الداخل والخارج.
ويعود الفضل في بناء هذه المنظومة الأمنية والعسكرية إلى الدعم الشعبي الواسع، والإرادة السياسية التي قادها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أولى ملف الأمن والدفاع أولوية قصوى ضمن مشروع بناء الدولة.
ولعبت القوات الجنوبية دورًا محوريًا في تطهير عدد من المحافظات الجنوبية من عناصر الإرهاب، خصوصًا في أبين وشبوة، كما ساهمت في تأمين الطرقات والمنافذ الحيوية والمنشآت السيادية، وعززت من حضور الدولة وهيبتها في المناطق المحررة.
إن ما يميز القوات الجنوبية ليس فقط قدرتها العسكرية، بل أيضًا انضباطها والتزامها الوطني، ما جعلها تحظى بثقة المواطنين وتأييدهم، لتشكل بذلك صمّام أمان لمشروع الاستقلال، وعامل توازن في معادلة الصراع اليمني المعقد.
بعثة واشنطن تنسف حملات الأعداء،وتفضح حملات التضليل
يشكّل افتتاح بعثة المجلس الانتقالي الجنوبي في واشنطن أيضًا ردًا مباشرًا وفعّالًا على الحملات التضليلية التي استهدفت المجلس والقضية الجنوبية خلال السنوات الماضية، خاصة من أطراف تسعى لتشويه صورة الجنوب في الخارج وتقديمه كطرف معرقل للسلام أو خارج عن إطار الشرعية. فقد عملت بعض القوى على تشويه الحقائق والتقليل من شرعية المجلس الانتقالي ومشروعه السياسي، مستخدمة أدوات إعلامية ودبلوماسية لتغييب صوت الجنوب عن دوائر القرار الدولي.
وجاء افتتاح البعثة ليفنّد تلك الادعاءات، ويقدّم صورة واضحة وشفافة للموقف الجنوبي القائم على أسس سياسية واقعية، تؤمن بالحوار والشراكة وتدعو إلى تسوية عادلة تحفظ حقوق شعب الجنوب. فوجود بعثة رسمية في العاصمة الأميركية يتيح للمجلس مخاطبة المجتمع الدولي مباشرة، وتفنيد الأكاذيب والدفاع عن المواقف الوطنية من منابر القرار الدولي، بدل أن يظل رهين روايات مضللة تُنسج من خارج الجنوب.
كما يُظهر هذا الوجود المؤسسي في واشنطن مدى جدية المجلس الانتقالي في بناء علاقات دبلوماسية قائمة على الوضوح والاحترام المتبادل، ويعزز من صورته كطرف مسؤول ومنفتح، يسعى لتحقيق الاستقرار، لا تقويضه، ويضع القضية الجنوبية في سياقها السياسي الصحيح كقضية شعب يسعى لتقرير مصيره عبر أدوات سياسية وسلمية.
هوية وطنية راسخة…ومشروع وطني على طاولة العالم
في سياق تدشين بعثة المجلس الانتقالي الجنوبي في واشنطن، تبرز أهمية هذه الخطوة ليس فقط على المستوى الدبلوماسي، بل أيضًا من حيث تعزيز الهوية الوطنية الجنوبية وترسيخ وحدة الانتماء والمصير الوطني المشترك لشعب الجنوب. فالانتقال نحو الحضور الدولي المنظم يعكس تطورًا لافتًا في وعي الجنوب السياسي، ويؤكد أن المشروع الوطني الجنوبي لم يعد مجرد نضال ميداني أو مطلب جماهيري، بل أصبح مشروعًا متكامل الأركان يحمل رؤية وهوية سياسية واضحة.
ويُعد تعزيز الهوية الوطنية جزءًا محوريًا في خطاب المجلس الانتقالي، إذ يتم العمل على ترسيخ مفاهيم الانتماء للجنوب كوطن وهوية جامعة لكل مكوناته، بما ينسجم مع تطلعات استعادة الدولة الجنوبية.
كما يشكل هذا التحرك الدولي رسالة بالغة الأهمية تؤكد أن الجنوب ماضٍ في مسار بناء مؤسسات دولته، بما فيها مؤسساته الدبلوماسية التي تمثل صوت شعبه، وتعبّر عن هويته ومشروعه في المحافل الخارجية.
ويرى مراقبون أن تعزيز الحضور الجنوبي في الخارج يعزز كذلك من تماسك النسيج الاجتماعي الجنوبي، ويبعث برسائل طمأنة إلى الداخل بأن القيادة السياسية للمجلس الانتقالي تمضي بثقة نحو تحقيق الأهداف الوطنية الجامعة، ما ينعكس على رفع الروح المعنوية وتعزيز الثقة الشعبية بالمشروع الجنوبي.
*الجنوب في معادلة الأمن الإقليمي
يلعب الجنوب دورًا محوريًا في معادلة الأمن الإقليمي والدولي، نظرًا لموقعه الجغرافي الاستراتيجي المُطل على أهم الممرات الملاحية العالمية، كبحر العرب ومضيق باب المندب، الذي تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية وناقلات النفط. هذا الموقع يجعل من الجنوب عنصرًا أساسيًا في معادلات الاستقرار البحري والأمن البحري، ويمنحه أهمية استثنائية في حسابات القوى الإقليمية والدولية المعنية بأمن الطاقة وخطوط الملاحة.
لقد أثبتت الأحداث خلال السنوات الماضية أن أي تهديد للأمن في الجنوب لا ينعكس فقط على الداخل اليمني، بل يتعداه إلى تهديد مصالح دولية وإقليمية واسعة، وهو ما أكسب الجنوب أهمية متزايدة في سياق الحرب على الإرهاب، ومكافحة التهريب، وضمان أمن السواحل والموانئ. وفي هذا السياق، لعبت القوات الجنوبية دورًا فاعلًا في التصدي للجماعات المتطرفة كتنظيمي القاعدة وداعش، ما جعلها شريكًا موثوقًا في جهود مكافحة الإرهاب على المستوى الإقليمي.
كما أن استقرار الجنوب يُعد شرطًا أساسيًا لإنجاح أي تسوية سياسية شاملة في اليمن، وهو ما بات يدركه المجتمع الدولي، خاصة في ظل فشل الحلول التي تجاهلت حضور الجنوب كقوة فاعلة على الأرض وكمكوّن سياسي له قضية وطنية عادلة.
من هنا، يبرز الجنوب ليس فقط كرقم صعب في المعادلة اليمنية، بل كعامل استقرار إقليمي، وشريك محتمل في بناء منظومة أمن جماعي في المنطقة، خاصة في ظل تطلعه لإقامة دولة مستقلة مستقرة وآمنة، تساهم في حماية مصالحها ومصالح شركائها الدوليين.
*من النضال الشعبي بناء إلى الدولة
يمر الجنوب اليوم بمنعطف تاريخي فارق، ينقله من مرحلة النضال المستمر إلى أفق بناء الدولة المنشودة، بعد سنوات طويلة من الكفاح السياسي والمقاومة الشعبية التي خاضها شعب الجنوب لاستعادة حقوقه وهويته الوطنية. فمنذ اجتياح الجنوب في صيف 1994، وحتى اندلاع ثورة الحراك الجنوبي السلمي في 2007، ظل الجنوبيون يرفعون راية النضال، بشتى الوسائل السلمية والعسكرية، من أجل استعادة دولتهم التي توحدت قسرًا مع الشمال دون ضمانات متكافئة، وأُفرغت لاحقًا من مضمونها.
ومع حرب 2015، تحوّل النضال الجنوبي إلى مقاومة مسلّحة شرسة، أثبت فيها الجنوبيون قدرتهم على دحر العدوان، وتحرير أرضهم، وبناء مؤسسات أمنية وعسكرية قوية، وضعت الأساس لمرحلة جديدة من الاستقرار والسيادة. وفي عام 2017، أُعلن “إعلان عدن التاريخي”، ليؤسس للمجلس الانتقالي الجنوبي كحامل سياسي للقضية الجنوبية، وممثل شرعي لتطلعات الشعب في الداخل والخارج، وهو ما شكّل انتقالًا واضحًا من الفعل النضالي العفوي إلى الفعل السياسي المنظّم والمؤسسي.
ومع توسع الحضور السياسي والدبلوماسي للمجلس الانتقالي، وافتتاح بعثاته الخارجية، وآخرها في واشنطن، بات الجنوب اليوم أكثر قربًا من حلم الدولة. فالقضية الجنوبية لم تعد صوتًا محتجًا في الشارع، بل مشروعًا سياسيًا متكاملاً تُطرح ملامحه في المحافل الإقليمية والدولية، كقضية تقرير مصير، قائمة على تطلعات شعب يملك الأرض، والهوية، والإرادة.
الجنوب اليوم يخطو بثقة نحو بناء دولته المستقلة، مستندًا إلى شرعية شعبية، وقوة سياسية وعسكرية منظمة، ورؤية وطنية تضع أسس الدولة المدنية الحديثة، القائمة على سيادة القانون، والحكم الرشيد، والتعددية السياسية. إن الانتقال من مرحلة النضال إلى الدولة ليس نهاية الطريق، بل بدايته الحقيقية، لبناء جنوبٍ يليق بتضحيات أبنائه، ويواكب طموحات أجياله المقبلة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة 4 مايو , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من 4 مايو ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.