اخبار السودان من الشروق - أربعة رجال وحبل - قراءة أولى

0 تعليق ارسل لصديق نسخة للطباعة
"من مشارع المحبة إلى فضاءات القراءة"، هكذا ابتدر د. اليسع حسن أحمد استاذ النقد المشارك بجامعة ، دراسته النقدية حول مسرحية "اربعة رجال وحبل"، والتي عنونها ب "أربعة رجال وحبل.. هجرة النص واحتمالات العرض المشرعة – قراءة أولى". ((وصايا للأعزاء: لاتكره أحداً مهما أخطأ فى حقك، عش فى بساطة مهما علا شأنك، توقع الخير مهما كثر البلاء. ابتسم ولو أن يقطر دماً، إعط كثيراً ولو حُرِمت، صل من قطعك، واعف عن من ظلمك، وكن فى الدنيا كعابر سبيل؛ لاتقطع دعاءك لعزيز لديك أبداً))
ذو الفقار حسن عدلان
((نلتقي سوياً لننجز مشروعاً مسرحياً، لسببين أساسيين أنتم هنا، لأنكم الأفضل من وجهة نظري فى الدور المسرحي الذي حُدد لكم .. ولأخلاقكم ..))
قاسم أبو زيد: الإجتماع التمهيدي لفريق مسلسل السيف والنهار 2002م
فضاء النص
تمدد واتسع النص منذ مطالع الثمانينيات من القرن الماضي، كتبه ذو الفقار حسن عدلان فى زمن هجرة النص والخطاب الإبداعي من الحسي - المادي – إلى الرمزي التجريدي.
"
ذو الفقار (يرُص الحِكم) بسلاسة عصية على غير المشبع بالثقافة السودانية فى مظانها وحواجيرها الأصيلة ومنابتها الأولي وإنسانها البسيط ومعطياتها
"
فالخطاب الإبداعي حينها يحجل مكملاً للجمالي من الغزل ونشدان الآخر الحسي المباشر وملامسة القضايا الملحة والضرورية للبناء الإجتماعي والسياسي من صحة وتعليم وقضايا التحرر.
التحول الكبير – من وجهة نظري الخاصة – مابعد حركة هاشم العطا المفصلية فى تاريخ السودان الحديث – تصحيح التصحيح – بذات الآلية (إستلام السلطة بفوهة البندقية).
ومن ثم أيلولة رقاب قادة للمقصلة حتّم تحولاً عظيماً وكبيراً فى الخطاب – النص – والرؤيا.
فمثلاً الراحل محمد أبراهيم نقد عليه رحمة الله –فى حواره فى الرأي العام مع الصحفي ضياء الدين بلال ( أن حزبنا كفر بعدها بالإنقلابات ).
ومع الفارق جاء التحول شبيه بما حدث بعد إحباطات ثورة 1924م العودة للناس - للخطاب المستأنس – الفني – الغناء المسرح ومن ثم الرواية والقصة.
وهكذا سائر الطليعة المثقفة والمتعلمة – فكانت الغابة والصحراء وأبادماك وجمعيات الثقافة والكُتّاب والتجانى سعيد ومحجوب شريف.
عبر اكتمال دائرة الغناء الكلاسيكي فخامة ومبنى وأصوات جهيرة وأسيرة لوجدان المستمع.
وتمدد الفضاء الإذاعي والصحافة المقروءة واستدعاء الرمز والأسطورة والمرأة الفكرة والتراب والوطن لصالح الإنسان الناشد للتغيير.
وكان الراحل يوسف خليل وآخرين – يستدعي المأثور والميثلوجيا (المؤنسة) لتثوير الواقع وفق فضاءات مفتوحة ومشرعة – متزامناً مع مفردة حميد والقدال وآخرين أيضاً وبما يسميه " حسين مروة" التراث الفاعل.
وكان ذو الفقار حسن عدلان ابن تلك التحولات والنتاجات وعطبرة وعمالها وسكتها الحديد عجينة التمرد ضد السائد والمقولات المعلبة.
كتب النص (الشاعر) منتمياً لتيار هجرة نفس الشعر للمسرح – الدراما- هاشم صديق سعد الدين إبراهيم – هلالي – محمد محي الدين وآخرين.
ذو الفقار (يرُص الحِكم) بسلاسة عصية على غير المشبع بالثقافة السودانية فى مظانها وحواجيرها الأصيلة ومنابتها الأولي وإنسانها البسيط ومعطياتها؛
وسيماء النص المستل من خطاب اليومي ولغة الناس فى ( مباصرة) وترويض المعاش ومساءلة الماهيات الوجودية، وتلك هي معضلة ومغامرة الهجرة به عبر العرض لجمهور مغاير وجديد.
النص عند ذو الفقار غالباً بسيط العقد الدرامية يمشي باستيحاء مشبع على سراط جمال المفردة المستلة من عصب الحياة وعمقها البسيط وقراءتها لمجمل معطيات الواقع والطبيعة؛
وفق التداخلات الجسورة بين الدين – العُرف – الآيدليوجيا – والميثلوجيا ومقولات اليومي وتضاد الرسمي والشعبي؛
وتلك هي على مايبدو (عُقد) الصراع و(ثيماته) الأساس فى النص " ذو الفقاري" قارئاً لماهيات الوجود وتعقيدات الحياة عند غمار الناس المنتمي إليهم بالأصالة كاتبنا ذو الفقار.
(البير)- أربعة رجال وحبل
النص يبدو أنه تمدد عبر تجايله منذ مطالع الثمانينيات - كما ذُكر – ليلعب مع عنصر الحياة الأساس والمركزي الماء (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).
"
النص وكذا قاسم لايقدم حلولا ً ولا أجوبة وأحياناً لا أسئلة، إنما تعرية الواقع ومساءلته وفضيحته
"
الكتابة هنا (المقال) تحرص (من وجهة نظري) على تحاشي تفسيرات للنص وقهره وفق مقولات مدارس النقد (السلفية) إحتراماً للقارئ.
فما هذه الكتابة إلا قارئ (أولي ) للنص – العرض – لتكتمل دائرة القراءة وفق معطيات زمكانية – النص والعرض- وثقافة الفرجة وتقاطعاتها.
وهكذا شأن المسرح – الدراما –فى تفاعله الحي قبل وأثناء وبعد العرض وهذا سره العظيم وسيرورته وصيرورته الوجودية – وجدل اللقيا الحميم بين النص (الذو الفقاري) ومخرجه قاسم أبوزيد وممثليه.
والإشارة المهمة هنا أن كثير من النصوص الدرامية فى تلك الفترة لعبت على الأبعاد الآيدلوجية والميثلوجية للماء – قضية الحياة المركزية – ولعل أشهرها مسلسل السرف الإذاعي لأحمد قباني.
بذات الفكرة وبذات المرأة القائدة لتثوير الحياة وعلمنتها والدعوة (للإله) الحق كما فى نبتة حبيبتي لهاشم صديق وحكاية تحت الشمس السخنة لصلاح حسن أحمد وتلك النبوءات البازخة فى مسيرة النص المسرحي – الدراما –كما فعل ذو الفقار مع صديق عمره قاسم أبو زيد.
هنا تتقاطع الأسئلة والأجوبة وتتحايث وتشتبك مابين كبير الحفارين والمرأة فى خضم فوران تحولاتها والمتعلم والدرويش ونداء الطبيعة وصوت (البير) وخلفية الخشبة من أنسنة الأشياء والمرأة الشجرة وتماسها مع معطيات الوجود.
الحبل (وعروته الوثقى) معلق (فى) وبالسماء ممتد إلى عمق (الجب) البئر مشدود متنازع عليه بين مختلف الأراء والأفكار، كلٌ يريده لوجهته ولدروب اتجاهاته المغايرة للآخرين.
لذا تتعدد المشارب هنا والمدارس والرؤى والحلول – مابين التغيير والواقع وطلسم السحر وطقس الزار والأسطورة والعلم والتنوير والثورة، تصطرع كلها ابتغاءً للحق، وللحق فى عين كل فرد من شخوص المسرحية أوجه عديدة.
النص وكذا قاسم لايقدم حلولا ً ولا أجوبة وأحياناً لا أسئلة، إنما تعرية الواقع ومساءلته وفضيحته.
شفرات النص – العرض – تبدو عصية على من لم يجايلها- القيردون ورمزية العظم و(رميميته) والسكسك والودع ويا مطارق ويا عصي أغان باتعة فى دلالاتها الزمانية والمكانية تخاطب عقلاً جمعياً، تفرقت به السبل وتشظت عنده المفاهيم وبرزت أسئلة وجودية مغايرة وملحة.
إذاً جيل (النص) لم يورث جيل (العرض) تلك الثيمات وكيفية تفكيكها ومن ثم قراءتها لتمم بناء الإنسان السوداني المعاصر، وبالتالي تصبح ورطة العرض الكبرى فى كيفية التواصل مع قارئيه – مشاهديه -.
الرؤية والرؤيا هنا كونية وجودية كشأن الخطاب المسرحي نفسه ليظل قاسم وفياً لروح صديقه ذو الفقار، فى طرق نداءات الروح القصية فى مظانها البكر تنشد الخلاص.
ويبقى العرض كذلك مفتوحاً على مصراعيه لأزمة الإنسان المعاصر فى تشابك الروحي والمادي وتمرد الأسئلة وعصيانها وورطاتها الكبرى.
فمساءلات العرض دون إستصحاب هذه الفضاءات يستعصى على قراءته المعاصرة والآنية.
جدل عناصر العرض
قاسم جعل من السينوغرافيا (بمفاهيمها القديمة) عنصراً محايداً تجاه القارئ – صحراوية الديكور من أزياء وحبل وجفاف المكان وبئره الغاربة ومن ثم مؤثرات صوتية من أغان بإيقاع بجاوي عصي على القراءة والربط بمكونات العرض الأخرى.
ولعل تسرب شئ من (الملل) للصالة مرده لثيمات العرض المتشابكة وغلبة (التشكيلي) عند قاسم المتسربة على حساب سيمياء المكان جعلت هناك صعوبة فى انسجام أنظمة العرض ومقولاتها؛
فالخلفية المتحركة لوناً واتجاهاً وغرائبية، أضحي جدل الجمالي والتفكيكي عندها يقفز فوق أسئلة تفسير العرض التقليدية والمعتادة.
إلتزم قاسم بصرامته وانضباطه المعهوديين يتوسل للقارئ بمقولات مجانية وتابوهات ولا استدعاء لإعجابه (أي المشاهد) بكسر (تابو) أضحى (مكسوراً) أصلاً وفق شرائط منصات التواصل الإجتماعي؛
ولا بلغة جسد (مائعة) أضحت للأسف سمة بارزة فى العرض المسرحي المعاصر إستدراراً لتصفيق عارض من صالة تبحث عن متنفس كذوب. وقف قاسم ضد هذا وفياً لسيرته ومسيرته.
الممثلون
إستعان قاسم بممثلين جاهزين للقول بدءاً من خبرة الشبلي العميقة والثرة والممتدة وناهد حسن بمسيرتها البازخة؛
مروراً بنصر الدين وسيد أحمد أكثر الممثلين حضوراً فى العرض المسرحي السوداني المعاصر بمجايلة من الشابين سفيان ومحمد عبد المنعم كجيل حديث التخرج.
إذاً ممثلون جاهزون لكن مفردة النص تبدو عصية على من لم يتقنها فالحِكم والأمثال والمأثور تحتاج لذات مشهديتها ولاتحتمل النطق المدني والمغاير؛
وهذا الأمر يحتاج لتدريب وتدريب طويل ولمعرفة وثقافة بمكنونات القول الشعبي ويبدو أن العرض أُنتج فى ظروف عجولة خصمت كثيراً من تجربة ممثلين لايشك أحد فى مقدراتهم.
والأمر الثاني والذي أشرنا إليه سابقاً غُربة حوارية النص وسيميائيته عن قارئه وبالتالي تتم قطيعة مابين الخشبة وجمهورها وذاك يحتاج لمعالجات عصية ومتشابكة ومعقدة.
لاسيما وأن العرض ونصه يلعبان على سودانوية خالصة بتنا نفتقدها فى كثير من العروض المعاصرة والتى تستسهل حداثويتها غير المثقفة بادعاء معرفة جوفاء.
فقاسم بحكم تجاربه ومقدراته وشاعريته قادر على ردم تلك الهوة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سودارس ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت | اخبار اليمن وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سودارس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

0 تعليق