اخبار السعودية : قصر "المؤسس" بمرات.. حقبةٌ من تاريخ المؤسس تروي طفرة تَبِعَتها مأساة الهدم وشغفٌ ومناشدة

يُعتبر قصر الملك عبدالعزيز التاريخي بمحافظة مرات، أحد القصور الثلاثة التي شيدها المؤسس خارج مدينة الرياض، فقد أمر الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ببناء قصره في مرات في عام 1350هـ عند عودته من الحج، ليكون محطة توقف رئيسية أثناء تنقله بين الرياض ومكة المكرمة.

ووقف قصر الملك عبدالعزيز شامخًا متوهجًا ردحًا من الزمن يُذَكّر بحقبة من التاريخ الوطني العريق؛ الذي يربط الماضي الأصيل مع الحاضر الزاهر، ليذكّر الأجيال ببطولات المؤسس في بناء أسس الدولة وترسية دعائم الحكم وإرساء الأمن والازدهار والرخاء لأبناء هذه البلاد الطاهرة.

ووجّه الملك المؤسس ببناء القصر لا ليكون قصرًا ملكيًّا فحسب؛ بل ليكون منشأة حكومية متكاملة الخدمات متعددة الأغراض، ويكون محطة للملك لتفقد أحوال الرعية في المنطقة، وتهيئته ليكون مقرًّا لاستقبال رجال الدولة والضيوف والوفود من الأمراء وشيوخ القبائل والمواطنين بصفة عامة.

وفي هذه الأسطر، تُقَدم “سبق” تقريرًا عن القصر وتاريخ بنائه والمراحل التي مر بها، ولمحة تاريخية عن محافظة مرات.

مرات الموقع والمنشأ

مرات بلدة أثرية قديمة لا يُعرف زمن إنشائها، تبعد عن مدينة الرياض، إلى الشمال الغربي، 150 كم تقريبًا، يخترقها طريق الحجاز القديم، فقد كانت سوقًا تجارية كبيرة تقدم فيها جميع خدمات المسافرين في جميع الاتجاهات، ومحطة استرخاء للحجاج القادمين من الشرق.. وبعد تطور المدينة، أخذت في الاتساع والتمدد نحو الغرب والشمال والجنوب الغربي من موقعها القديم، حتى أصبحت تتكون من مخططات وأحياء جديدة مستكملةً المرافق من الشوارع والمدارس والخدمات الأخرى.

حدود المحافظة والمراكز والقرى التابعة لها

يحُد محافظة مرات من الجنوب محافظتا القويعية وضرماء، ومن الشمال محافظة شقراء، ومن الشرق محافظتا ثادق وحريملاء، ومن الغرب محافظة الدوادمي.

ويتبعها مركز ثرمداء، ومركز أثيثية، ومركز لبخه، ومركز حويته، والعديد من القرى، كقرية أم طلحة وروضة الفرس وأم سليم والمقتسم والهمجة والطويلة وبدائع ذوي زياد والثليمة.

طريق الحجاز وعلاقته بإنشاء القصر

ومنذ أن تولى الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الحكم في المملكة العربية السعودية؛ كان همه الأكبر توطيد الأمن في جميع مناطقها الشاسعة والمتباعدة؛ بما في ذلك الطرق الطويلة التي تربط بين هذه المناطق والتي كان لزامًا الاهتمام بأمنها وسلامتها، وخاصة تلك الطرق التي يسلكها الحجاج، ولعل أهم تلك الطرق (طريق الحجاز) الذي يربط شرق المملكة بغربها، والذي يسلكه حجاج شرق المملكة ووسطها، وكذلك الحجاج القادمون من شرق آسيا والعراق وإيران ودول الخليج العربي؛ فقد أولى -طيب الله ثراه- هذا الطريق عناية خاصة لأهميته؛ حيث اتخذه طريقًا رسميًّا لرحلاته من الرياض إلى مكة المكرمة، وقد كانت أول رحلة رسمية لجلالته على هذا الطريق عام 1343هـ على ظهور الجمال، وكانت على خمس مراحل: المرحلة الأولى من الرياض إلى مرات، والثانية من مرات إلى الشعراء، والثالثة من الشعراء إلى عفيف، والرابعة من عفيف إلى المويه، والخامسة من المويه إلى عشيرة فمكة المكرمة.

وكان الطريق في أول الأمر يمر بمدينة الشعراء جنوب الدوادمي ٣٠ كم، ونظرًا لكثرة الجبال في المنطقة، وجّه الملك عبدالعزيز عام 1348 بتغيير مسار الطريق جهة الشمال ليمر بمدينة الدوادمي بدلًا من الشعراء ليكون في منطقة مستوية بعيدة عن الجبال؛ وذلك بحثًا عن سهولة الطريق وحرصًا على أمن سالكي الطريق.

ولكون هذا الطريق طويلًا والملك عبدالعزيز يسلكه خلال زياراته للحجاز والمقدسات، وخلال ترؤسه وفود الحج كل عام؛ فقد رأى أن يشيد ٣ قصور على الطريق أحدها في مرات والآخر في الدوادمي والثالث في المويه، وهنا تحولت المدن الثلاث إلى محطة رئيسية للقوافل، ومن هنا بدأت نهضتها الحضارية في هذا العهد الزاهر.

أهداف إنشاء القصور الثلاثة

لم تكن القصور الثلاثة التي أنشأها الملك عبدالعزيز على طريق الحجاز قصورًا ملكية خاصة؛ بقدر ما كانت منشآت حكومية متكاملة الخدمات متعددة الأغراض؛ لأهداف كثيرة أهمها: جعل هذه القصور مكانًا لاستراحة الملك من عناء الطريق، ومن ثم الإقامة لتفقد أحوال الرعية في هذه المناطق؛ خاصة أن قافلة الملك كثيرة العدد والعدة فلا بد من تهيئة مكان مناسب لاستيعابها، وتهيئة مقر لاستقبال رجال الدولة والضيوف والوفود من الأمراء وشيوخ القبائل والمواطنين بصفة عامة، وتشكيل مكاتب للبريد والنقل ليستريح فيها الأفراد العاملون في نقليات الحكومة، والبريد بين الحجاز والعاصمة السعودية أو ما يسمى “البوسطة”، وتكوين نقاط ربط على الطريق وتزويدها بمحطات اللاسلكي لمتابعة أحداث الطريق والمسافرين وما يدور في المناطق المحيطة من مستجدات، وإيجاد محطات للإركاب ومراكز لتموين القوافل بالوقود والأكل والشرب وغيرها من الاحتياجات، وتزويد هذه القصور بقوة أمنية مرابطة بصورة دائمة وجعلها مقرًّا للإمارة في كل بلدة؛ وذلك لتنظيم العمل الإداري والأمني وضبطه.

الملك يأمر السبيعي بالإشراف على بناء القصر

في أواخر عام 1350هـ، أمر جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الشيخ عبدالرحمن السبيعي وكيل بيت المال بالوشم آنذاك، بالإشراف على بناء قصر الملك عبدالعزيز بمرات، فشرع في بنائه ليضم بداخله محطة البنزين وسورها، وجلب أمهر البنائين في المنطقة والذين يسمون في ذلك الوقت “الاستودية” ويجيدون البناء باللبن والطين، ويتميزون بالدقة والإتقان وسرعة الإنجاز؛ فبدأ العمل في القصر حتى اكتمل البناء بعد سنتين تقريبًا.

القصر محتوياته ومواصفاته

القصر كبير جدًّا ومَعلم من معالم المنطقة آنذاك، فهو بناء مربع الشكل بطول 150 مترًا من كل جهة، وبنيت جدران سوره بناء قويًّا سميكًا؛ إذ عرض جدار السور ١.٥م تقريبا، (٥ لبنات: ٣ لبنات بالطول، واثنتان بالعرض)؛ فيما بلغ ارتفاع السور، ٧ أمتار إلا أنه عند بلوغ ارتفاعه ٣ أمتار أكمل الجدار بسُمك لبنة واحدة فقط.

ويوجد في القصر ٤ مقصورات موزعة على أركانه الأربعة، وهي مقصورات بارزة عن بناء الجدار، ولها شكل هندسي محكم، ويبلغ ارتفاع كل مقصورة نحو ١٥م، وهي مكونة من طابقين، وبالطابق العلوي فتحات صغيرة للمراقبة.

وبني بداخل القصر مسجد وصالة استقبال وبئر، وكانت إحدى مقصورات القصر مخصصة كبيت للضيافة لكبار الشخصيات ومندوبي الدول.

كما يحتوي القصر على مبانٍ كثيرة أنشئت فيها عدد من الدوائر الحكومية، وكان أولى تلك الدوائر محطة اللاسلكي التي كانت موجودة في مرات منذ عام 1345هـ،، وكانت آنذاك خاصة بالرسائل الحكومية، وتعد هذه المحطة من أقدم المحطات اللاسلكية في المملكة.

وافتتح في القصر دائرة الشرطة، ودائرة السجن، ومركز البريد، ومحطة البنزين الخاصة بالسيارات الملكية والحكومية العابرة مع هذا الطريق التي قد أسست قبل بناء القصر.

وكان لافتتاح الدوائر الحكومية داخل القصر دورٌ في تدبير أمور المنطقة والأهالي، فكان يعج بالموظفين والمراجعين والسيارات، خاصة عند إقامة الملك في مرات واستقبال الضيوف والوفود المُسَلّمة على جلالته.

القصر وزيارات الملك.. عند الرحالة والمؤرخين

كتب عدد من الرحالة والمؤلفين عن قصر الملك عبدالعزيز بمرات وعن زيارة الملك عبدالعزيز للمحافظة، ومبيته فيها واستقبال الأهالي والمواطنين؛ حيث ذكر المؤلف والباحث في تاريخ مرات عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي في كتابه عن مرات، أن أمين الريحاني قال في كتابه “نجد وملحقاتها”: “وها هو ذا قد أناخ في مرات بلد امرئ القيس، فجاءته الوفود من الوشم وسدير مسلّمة عليه، وها هو جالس في فسطاطه يسمع أحد الشعراء يتلو قصيدة في مديح الإمام وانتصار جيوش التوحيد”.

وفي كتاب “رجال وذكريات” يقول مؤلفه الدكتور عبدالرحمن السبيت: ذُكر أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كان يجلس في مرات يومًا وليلة ويجتمع مع الأمير وأهالي البلدة”.

ويقول يوسف ياسين في كتابه “الرحلة الملكية”: وقد وَفَد على السلطان وهو في مرات وفدٌ من الروضة وفيهم محماس بن عجيري وعليان بن ضمنة وسلطان بن سلطان، وقد قدموا من مسيرة عشرة أيام للسلام على السلطان عبدالعزيز”.

وحصلت “سبق” على مخطوطة عن القصر قدّمها المهتم بتاريخ مرات عبدالعزيز بن عبدالله الضويحي، وهي عبارة عن مكاتبة بين مَن يطلق عليه آنذاك “أمير القصر” صالح الحجازي، وبين الشيخ عبدالرحمن بن ضويحي الضويحي وكيل الشيخ عبدالرحمن السبيعي مسؤول بيت المال بالوشم.

وجاء في المخطوطة: “المكرم ابن ضويحي، سلم حامل الورقة أربعة ريال عربي، على حسابنا، يكون معلوم.. صالح الحجازي أمير القصر6/ 3/ 1361”.

كما قدّم الضويحي عددًا من الصور التاريخية لقصر الملك عبدالعزيز بمرات، والتي توضح معالم القصر، ومقصوراته الأربع وسوره الشاهق.

هُدم القصر ليقام على أنقاضه مبانٍ حديثة!

يقول المؤرخ عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي في إحدى كتاباته: في التسعينيات الهجرية من القرن الماضي، وبالتحديد خلال سنوات الطفرة التي شملت أرجاء المملكة؛ تم هدم هذا القصر بما فيه من مبانٍ قديمة وبني على أنقاضه مركز حديث لشرطة مرات، وانتقلت جميع الدوائر الحكومية الموجودة بداخله آنذاك إلى مقار جديدة بين مخططات مرات الحديثة.

ويضيف: “لم يهُن على أهالي مرات إزالة هذا الصرح العظيم الذي طالما ألفوه شامخًا أمامهم، يصارع الزمن ويكتب التاريخ ويحكي قصة البطل، ثم يختفي فجأة فتبتلعه الطفرة في غفلة..”.

ويتابع: “ما زال أهالي مرات، والمهتمون بالتراث عمومًا، يشعرون بمزيد من الأسى والأسف على إزالة هذا القصر الأثري الكبير والمهم في مرات الذي ارتبط بمؤسس المملكة جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه”.

ويقول مناشدًا: “الأمل كبير في أن تبادر جهات الاختصاص في حكومتنا الرشيدة، وبخاصة دارة الملك عبدالعزيز، في إعادة بناء هذا القصر الأثري المهم في موقع قريب من مكانه الأول؛ ليظل شاهدًا حيًّا على إنجازات الملك عبدالعزيز رحمه الله”.

الملك سلمان يخيم في مكان تخييم المؤسس ويستقبل المواطنين

كان الملك عبدالعزيز يقيم مخيمًا مقابل قصره في مرات يستقبل فيه الأهالي والأعيان خلال مروره بالمنطقة قاصدًا مكة والحجاز، وموقع المخيم لا يزال موجودًا على حالته حتى اليوم؛ حيث يعتبر موقعًا محببًا لدى جميع الأهالي في مرات لأنه يحمل ذكرى عطرة وغالية ستبقى على الدوام”.

ومن محبة الأهالي لهذا الموقع وتعلقهم به؛ أقاموا فيه مخيم استقبال خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- حينما كان أمير منطقة الرياض؛ وذلك خلال زيارته التاريخية لمرات في عام 1392هـ؛ حيث نصبت الخيام وأقيم حفل كبير حضره الجميع”.

ويطمح الأهالي في أن يتم الاهتمام بهذا الموقع الذي يُعَد من الآثار المهمة، من قِبَل الجهات المختصة بالتراث؛ وذلك بتسوير الموقع وتطويره وبناء مركز حضاري بمسمى مركز الملك عبدالعزيز الحضاري”.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى