الحوثيون تحت نيران ترامب.. ماذا بعد؟

اخبار اليمن

تتزايد حدة التصعيد العسكري في المنطقة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إطلاق ما وصفها بـ”عملية عسكرية حاسمة وقوية” ضد الحوثيين في اليمن، وتحذير إيران من الاستمرار في دعمهم، قائلا إن أي هجوم حوثي سيعتبره هجوما إيرانيا، يتزامن ذلك مع عودة حرب الإبادة الإسرائيلية ضد سكان قطاع غزة والتوتر في جنوب لبنان، وأيضا عودة الحوثيين لإطلاق صواريخ على أهداف إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بذريعة إسناد قطاع غزة.

كما يعلن الحوثيون من حين لآخر إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على حاملة الطائرات الأمريكية “هاري ترومان” في البحر الأحمر، رغم اللهجة النارية التحذيرية التي خاطب بها ترامب الحوثيين، مثل توعده بإبادتهم تماما، وقوله “إن جهنم ستُمطر عليكم كما لم تروا من قبل” في حال لم يوقفوا هجماتهم في البحر الأحمر، كما هددهم بـ”الجحيم” واستخدام “القوة المميتة الساحقة” حتى تحقق واشنطن أهدافها.

ومع بدء هذه الجولة من التصعيد، بعد مدة قصيرة من الهدوء النسبي عقب اتفاق التهدئة وتبادل الأسرى بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي، تتجه الأنظار إلى ما سيفضي إليه هذا التصعيد، خصوصا أنه يأتي في ظل واقع جديد كان نتاجا للتصعيد الإقليمي السابق بعد عملية “طوفان الأقصى”، وهو ما يجعل من الصعب التكهن بمستقبل النزاع في المنطقة.

فهل ستكون نتيجة التصعيد هذه المرة القضاء على ما بقي من مكونات المحور الإيراني، مليشيا الحوثيين والمليشيات الطائفية العراقية، وصولا إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، كامتداد لما أسفر عنه التصعيد السابق من انهيار حزب الله اللبناني وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا وإذلال إيران؟ وكيف سيتأثر الوضع الداخلي في اليمن جراء هذا التصعيد، أم أن الملف اليمني سيظل في حالة استعصاء مزمن حتى وإن تغير الإقليم عن بكرة أبيه؟ وماذا لو اندلعت حرب إقليمية واسعة وطال شررها السعودية ودولا خليجية أخرى؟

– تصعيد مختلف

في أحدث تصعيد ضد الحوثيين، أقرت الولايات المتحدة إرسال حاملة الطائرات “كارل فينسن” إلى الشرق الأوسط، وتمديد فترة وجود حاملة الطائرات “هاري ترومان” الموجودة بالفعل في المنطقة لمدة شهر، بعد أن كان من المقرر أن تنهي مهمتها في نهاية مارس الجاري، وهي حاملة الطائرات التي شاركت مقاتلات منها في الهجمات ضد الحوثيين التي بدأت في منتصف مارس الجاري، بينما حاملة الطائرات الجديدة التي ستصل إلى المنطقة كانت قد اختتمت مؤخرا مناورة ثلاثية في المحيط الهادئ مع اليابان وكوريا الجنوبية.

هذه التحركات العسكرية، واللهجة النارية التي خاطب بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مليشيا الحوثيين وإيران، وانفجار الوضع في غزة والتوتر في جنوب لبنان، تحمل ملامح تصعيد أكثر عنفا وحسما، لاسيما في حال ظلت إيران تتلكأ بشأن المفاوضات المتعلقة ببرنامجها النووي، وواصلت مليشيا الحوثيين استهداف السفن في البحر الأحمر ومواقع إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والدخول في دوامة الرد والرد المضاد مع الولايات المتحدة.

إذن صراعات المنطقة هي الآن في مرحلة مفصلية، فالمحور الإيراني يحاول استعادة عافيته أو على الأقل إثبات أنه لا يزال موجودا والحفاظ على ما بقي منه، والكيان الإسرائيلي يحاول حماية مكاسبه وتعزيزها بمكاسب جديدة، وأقصى طموح له هو أن تدمر واشنطن البرنامج النووي الإيراني وإضعاف أذرع إيران في اليمن والعراق، بينما الولايات المتحدة تسعى لاستعادة هيبتها في المنطقة من خلال قوة الردع، وإنهاء الأخطار التي تهدد التجارة العالمية ومصالحها في المنطقة وأمن حلفائها.

وفي هذا الجو المشحون بالتوتر، تحاول إيران التبرؤ من هجمات الحوثيين والزعم بأنهم يتصرفون باستقلالية، لكن هذا التبرؤ لا يمكن أن ينطلي على الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، فلولا إيران لما امتلك الحوثيون أسلحة مخصصة لاستهداف السفن أو قادرة على استهداف مواقع للاحتلال الإسرائيلي، كما أن تحركات الحوثيين العسكرية، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تندرج ضمن ما يسمى “وحدة الساحات”، ويُقصد بذلك التحرك الجماعي لأذرع إيران في المنطقة كلما شعرت طهران بالخطر، لتجعل حرائق المنطقة بعيدة عن أراضيها.

– الهجمات على الحوثيين ودلالاتها

منذ 15 مارس الجاري، تتواصل الهجمات الأمريكية على مواقع للحوثيين يوميا، ويُلاحظ أن معظم تلك الهجمات تستهدف مواقع في خطوط التماس ومواقع بمناطق نائية في محافظات ومديريات مختلفة، أي أنها ليست كالهجمات السابقة التي كان يشنها الكيان الإسرائيلي أو الولايات المتحدة خلال رئاسة جو بايدن، التي كانت غالبا تستهدف مواقع عسكرية فارغة سبق أن هاجمتها السعودية طوال سنوات.

وهو ما يشير إلى أن المسار المختلف للهجمات الأمريكية على مواقع الحوثيين يعزز فرضية أن تلك الهجمات تستهدف بالفعل قيادات حوثية ومخازن أسلحة، كون أسلحة الحوثيين موزعة في مخازن بمناطق نائية لإبعادها عن أعين المخبرين وعن طائرات الاستطلاع والتجسس التي تركز عادة على المواقع العسكرية المعروفة.

تعتقد واشنطن أن التركيز على تدمير مخازن الأسلحة واغتيال القيادات سيمكنها من إضعاف مليشيا الحوثيين، في تكرار لسيناريو إضعاف الكيان الإسرائيلي لحزب الله اللبناني من خلال تدمير مخازن أسلحته واغتيال أبرز قياداته، لكن هذه الطريقة قد لا تكون فعالة كما هو الحال في لبنان المعروف بصغر مساحته، ومحدودية مساحة الحيز الجغرافي الذي يتواجد فيه حزب الله ومخازن أسلحته، فتكون عملية الرصد والتتبع سهلة ويسيرة ونتائجها سريعة.

وهذا على العكس من مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، التي تتميز بجغرافيتها الواسعة، وتضاريسها المعقدة، وتناثر التجمعات السكانية بنسب متفاوتة في مناطق متداخلة مع مساحات بلا سكان، وأيضا التنقلات المستمرة لقيادات مليشيا الحوثيين، فهذه كلها عوامل تجعل من مراقبة مساحات كبيرة من الأرض عملية شاقة ومكلفة ونتائجها محدودة.

يضاف إلى ذلك معضلة كبيرة تتمثل في غموض ما لدى مليشيا الحوثيين من أسلحة نوعية وكوادر بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على استخدامها، فمن الواضح أن المليشيا ليست بالقوة التي كان عليها حزب الله اللبناني من حيث كمية السلاح ونوعيته وكفاءة العنصر البشري، كما أن طريقة توزيع السلاح في مخازن متفرقة ومتباعدة جغرافيا أمر يلفه الغموض أيضا، وغياب هذه المعلومات سيجعل عملية الرصد والتتبع مرهقة ومكلفة، وستكون الهجمات الجوية على الحوثيين، دون عملية عسكرية برية، وكأنها حرب عبثية.

وحتى إذا افترضنا أن ما لدى الحوثيين من سلاح نوعي كميته محدودة، وتم تدمير أكثر من 95 في المئة منه، دون عملية عسكرية برية، فإن الحوثيين سيظلون يستعرضون بما بقي لديهم من كمية محدودة من السلاح للترويج لوهم القوة، وبالتالي ستكون الضربات الجوية ضدهم بلا جدوى حتى وإن استمرت لمدة زمنية طويلة.

ولذلك فالعملية العسكرية الواسعة، التي تشمل التقدم البري بالتزامن مع الهجمات الجوية على أرتال المقاتلين ونقاط تمركزهم في الجبهات، واستهداف ناقلات الأسلحة والجند قبل وصولها إلى خطوط التماس، هي الكفيلة بالقضاء على مليشيا الحوثيين، بعد أن تصبح قوتها مكشوفة في الميدان، واتخاذ خطط قتالية بما يتناسب مع حجم قواتها وخططها القتالية.

وفي حال كان لدى المليشيا الحوثية كميات كبيرة من الأسلحة النوعية، وعناصر بشرية مدربة ومؤهلة لاستخدامها، وتوزع قطع السلاح في مخازن كثيرة ومتباعدة وبكميات قليلة جدا في كل مخزن، سيكون من الصعب هزيمتها عبر الضربات الجوية فقط، لأن ذلك سيتطلب سنوات كثيرة من الاستطلاع والرصد والمتابعة المكثفة.

وحتى في هذه الحالة فقد لا تتحقق نتائج مثمرة، لأن طول المدة الزمنية سيمنح الحوثيين الفرصة الكافية لتعويض بعض ما تم تدميره من الأسلحة، سواء عبر التهريب من إيران أو التصنيع المحلي في ورش بدائية ومتنقلة.

ولعل هذا ما يراهن عليه الحوثيون لامتصاص أثر الضربات الأمريكية، ولذلك يعد التحرك على الأرض والمعارك البرية هي الوسيلة الوحيدة لهزيمتهم عسكريا، على أن تركز الضربات الجوية على تدمير الإمدادات العسكرية إلى الجبهات، مع تتبع التحركات المريبة التي قد تكشف عن مخازن الأسلحة السرية خلال المعارك البرية.

– الانعكاس على الوضع الداخلي

تنظر مليشيا الحوثيين لانخراطها في الصراع الإقليمي ومشاغبة القوى الكبرى في البحر الأحمر باعتباره فرصة ثمينة ورأسمال كبير يجب استثماره على أكمل وجه، من أجل تحسين صورتها في الداخل واكتساب شعبية محليا وإقليميا واستغلال تعاطف الشعوب العربية مع القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب خاصة، من خلال تقديم نفسها كطرف مدافع عن فلسطين ويمتلك شجاعة المواجهة، على العكس من الزعماء العرب الذين تخلوا عن فلسطين وذهاب بعضهم للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي المقابل، إذا استمرت الهجمات الأمريكية على مواقع الحوثيين ومخازن أسلحتهم مدة زمنية طويلة ودمرت بالفعل أهم مخازن الأسلحة، لا شك أن ذلك سيضعف المليشيا أمام خصومها في الداخل، لأنه سيؤثر على المعادلات العسكرية في البلاد، وسيخفف من كلفة معركة إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة، وسيقلل من إراقة الدماء في معركة الحسم المؤجلة، كما أن تدمير أسلحة الحوثيين سيجنب المدنيين ويلاتها، لأن المليشيا ستستخدمها مستقبلا في قتل المدنيين وقصف الأحياء السكنية في المدن والأرياف، لاسيما في مناطق التماس.

أما واشنطن، فهي لا تهتم بحسابات مختلف الأطراف اليمنية بشأن مآلات هجماتها ضد الحوثيين، كما هو واضح من تصريحات المسؤولين الأمريكيين بشأن تلك الهجمات، ووصفها بأنها لا تهدف إلى إسقاط حكم الحوثيين، وإنما تهدف إلى تدمير قدراتهم العسكرية وإجبارهم على وقف تهديداتهم للملاحة في البحر الأحمر، وممارسة سياسة الضغط الأقصى على إيران لتقدم تنازلات فيما يتعلق ببرنامجها النووي، ومع ذلك ليس مستبعدا أن تكون إيران الهدف التالي بعد إضعاف الحوثيين، وإطلاق عملية عسكرية واسعة لتدمير برنامجها النووي، وربما تدمير ترسانتها من الصواريخ والطائرات الحربية ومصانع السلاح.

وإذا افترضنا أن واشنطن أضعفت الحوثيين لدرجة شل قدرتهم تهديد على الملاحة في البحر الأحمر، فهذا لا يعني أن الحوثيين سيستسلمون مباشرة لخصومهم في الداخل، بل قد يستميتون في القتال حتى النهاية، وفي الوقت نفسه لا يمكن التعويل على أن تستغل الحكومة الشرعية والمكونات المناهضة للحوثيين الفرصة لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة، لأن تجارب إهدار الفرص السابقة تبعث على التشاؤم، وسيظل الشأن اليمني رهينة موقف السعودية من أزمة البلاد.

فالسعودية هي من بإمكانها تحريك السلطة الشرعية والمكونات الأخرى لخوض معركة الحسم ضد الحوثيين، وهي من بإمكانها إعاقة معركة الحسم، وهذا هو المتوقع، وسيتغير موقفها من الحوثيين في حال أنهم شنوا غارات مكثفة على أراضيها، أو في حال اندلاع حرب إقليمية واسعة وتعرض منشآتها الحيوية لهجمات إيرانية وحوثية، أو في حال إقدام الحوثيين على إشعال معارك واسعة في الداخل وتحقيق تقدم في بعض الجبهات، حينها ستضطر السعودية للعودة إلى التدخل العسكري ضد الحوثيين.

الخلاصة، يشعر الجميع بخطورة المرحلة الراهنة، خصوصا إيران ومليشيا الحوثيين، فإيران في وضع صعب على المستويين الداخلي والخارجي، وليست مستعدة لخوض مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، وستترك الحوثيين يواجهون مصيرهم بمفردهم، مثلما تخلت من قبل عن حزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد في سوريا.

من جانبهم، يدرك الحوثيون أن إيران ستتخلى عنهم حتما في حال تعرضهم لحرب وجودية، لكنهم لن يستسلموا إلا في حال وجدوا أن الضربات الأمريكية دمرت مخازن أسلحتهم بشكل سيضعفهم أمام خصومهم في الداخل، وحينها سيعلنون الاستسلام تحت لافتة السلام، للحفاظ على ما بقي من أسلحة لاستخدامها في معاركهم الداخلية.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن الغد , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن الغد ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى