بين الطبشور والبندقية.. معلم يمني يكتب أسطورته بالدم والتضحية

تتشابه قصص الأبطال، تتكرر التفاصيل، ويسهل سرد البطولات، لكن ليست كل القصص متشابهة، خاصة حين يكون بطلها معلمًا حمل سلاحين في آنٍ واحد: الطبشور في يد، والبندقية في الأخرى.
قاتل على جبهتين، واحدة في الصفوف الدراسية، والأخرى في ميادين الحرب، ليكتب فصلاً جديدًا في أسطورة التضحية، مقدمًا ثلاثةً من أطرافه وإحدى عينيه فداءً لوطنه.
إنه المعلم اليمني طه حسن الشرعبي، رجلٌ جمع بين حب العلم والوطن، وقف منذ الطلقة الأولى في ساحة المعركة، مدافعًا عن أرضه، بينما لم يترك رسالته التعليمية التي عشقها لأكثر من ثلاثين عامًا.
القفز نحو الموت لإنقاذ الرفاق
في أول أيام رمضان، وبينما كان يقود رفاقه في جبهة مقبنة (غربي تعز) زرعت مليشيا الحوثي عبوة ناسفة أثناء عملية تسلل. لم يتردد طه، ألقى بنفسه فوق العبوة ليحمي رفيقيه، لينفجر جسده قبل أن تنفجر عزيمته، ويخسر رجليه، وإحدى يديه وعينه، لكنه أنقذ زملاءه من موت محقق.
لم تكن هذه أول مرة يواجه فيها الموت، قبل الحادثة بثلاثة أيام، تسللت المليشيا إلى موقعهم وزرعت عشرات الألغام. حينها، قرر طه أن يغامر بنفسه ليكتشف الحقل الملغوم، وعندما حذره رفاقه، قال لهم: “أنا رجل كبير في السن، إن حدث لي شيء، تكون الخسارة أقل، لكنكم أنتم شباب، ومستقبلكم أمامكم.”
يقول طه عن كشفه لحقل الألغام في “أردت أن أثبت للقيادة أننا صادقون. قلت لهم: أنا مشيت من هنا، ومشيت فعلًا. حاول زميلي أن يمشي معي، لكني منعته. قلت له: لا تمشِ بعدي، يا أخي، أنا كبير السن، حتى إن حصل شيء -لا قدر الله- تكون الخسارة قليلة. لكنه أصرّ أن يرافقني، ومشينا معًا.
وأضاف، “قطعنا الطريق للموقع، ثم دخل الشباب ليبحثوا عن الألغام، فوجدوا حوالي 15 لغمًا مزروعًا، وقاموا بنزعها”، لكن ذلك لم يكن سوى مقدمة للثمن الأكبر الذي دفعه لاحقًا.
“سأموت.. أنتم ارجعوا!”
في الليلة التالية، وبينما كان يخطط مع زملائه لإعادة تحصين مواقعهم، فوجئ بضوء العبوة يلمع أمامه، كان يعلم أنه الهدف، ولم يكن هناك وقت للتفكير. صرخ في رفاقه:”ارجعوا.. سأموت أنا، لا يجب أن تخسر الجبهة المزيد!”
يسرد طه تفاصيل الليلة التي فقد فيها أطرافه قائلًا:” كنا نخطط لوضع براميل مملوءة بالتراب لتحل محل تلك التي فجّرها الحوثيون، لحمايتنا أثناء العبور. جلسنا نتشاور حتى منتصف الليل، ثم قررنا النزول للمقر للسحور. مشينا في طريق جديدة تجنبًا للقناصة، وفجأة، وأنا أتقدم، رأيت ضوء العبوة الناسفة يشتعل أمامي”.
وأضاف، “كان الشباب خلفي، وكعادتي كنت أصرّ على أن أسير أولًا، حتى إذا كان هناك كمين، يكون أنا من يتلقاه. رميت بنفسي على الضوء وصرخت: ارجعوا، سأموت أنا الكبير في السن،… وانفجرت العبوة.” استفاق طه ليجد نفسه بلا قدمين، وبيد واحدة، وعين واحدة، لكنه كان ممتنًا لأنه أنقذ رفاقه من موتٍ محقق.
المعلم المحارب
وُلد طه حسن عام 1974 في شرعب الرونة، عشق القراءة والعلم، وعمل معلمًا منذ عام 1990. وفي عام 2003 تزوج واستقر في مديرية مقبنة.
حمل طه مشروعا ثقافيًا كبيرًا، حيث ألّف كتابًا يضم 7000 سؤال وجواب، مستوحى من مسابقة “من سيربح المليون”. لم يكن هدفه الشهرة، بل نشر المعرفة.
مع اندلاع الحرب بعد انقلاب مليشيات الحوثي الإرهابية عام 2014، لم يتردد في حمل البندقية، جنبًا إلى جنب مع الطبشور.يقول: “الرصاصة تدافع عن الأرض، لكنها لا تبنيها. لهذا كنت أحمل البندقية في يد، والكتاب في الأخرى”.
كان طه يقضي النهار بين طلابه، ويعود ليلاً إلى الجبهة، متمسكًا بواجبه في الميدانين معًا، مضيفا:”كنت أدخل الفصل بوجه بشوش رغم الإرهاق، لأنني أردت أن يرى طلابي فيّ الأمل لا التعب”.
“إما النصر.. أو الشهادة”
كان طه يدرك أن رحلته ليست سهلة، لكنه اختار طريقه بوضوح:”دائمًا كنت أحمل كفني معي.. كنت أقول لنفسي: إما النصر أو الشهادة، فلا طريق ثالث.”
ورغم المعارك، لم يكن يخشى الموت. عاد مع رفاقه، واستعادوا قريته من سيطرة الحوثيين، ليجد منزله قد تحول إلى أنقاض بسبب القصف. لكنه لم يحزن، بل كان يرى في ذلك ثمنًا طبيعيًا في سبيل الوطن.
اليوم، وبعد أن فقد أطرافه وعينه، يرقد المعلم طه حسن في مستشفى الثورة بتعز، يصارع الألم بصبر المقاتلين، بينما تعاني أسرته في صمت. لم تلتفت إليه السلطات، ولم يحظَ بالتكريم الذي يستحقه. “كم من الأبطال مثل طه، يقاتلون بصمت، ويُنسَون بعد أن يقدموا أرواحهم، بينما تُفتح الأبواب لمن لم يقدموا شيئًا!”
لكن حتى بعد كل ذلك، لم يفقد طه الأمل. قال وهو يرقد على سريره في المستشفى: “الإنسان الذي لا يستفيد من محنته، غبيٌّ. قد خسرتُ قدميّ ويدي وعيني.. لكنني ربحتُ الوقت، لم أعد أتنقل، وهذا يعني أنني سأقرأ وأراجع كل ما قرأته سابقًا. وكأن الله يقول لي: (أرح قدميك، وشغّل عقلك)”.
وبين البندقية والطبشور، كتب طه حسن أسطورته، هكذا كان، وهكذا سيظل.. معلمًا ومقاتلًا، بطلًا لم يكسر الموت عزيمته، ولم يسقط القلم من يده، حتى وإن لم يعد قادرًا على حمله، لكن هل ستظل قصته مجرد سطر في ذاكرة الوطن، أم أن الإنصاف سيجد طريقه إليه يومًا ما؟
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن الغد , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن الغد ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.