إغاثة الغذاء العالمي.. مصدر الدخل الوحيد لعائلاتٍ تحت خط الفقر
كانت الساعة الثامنة صباحا، في اللحظة التي دخلت بها إلى تلك القرية، فوجئت بحالة الناس، والوضع المزري هناك، يبدو لمن يراه للمرة الأولى، كمشهد من رواية البؤساء، فرغم الفقر الذي يخيم على مختلف مناطق البلاد؛ بسبب الحرب المستمرة في عامها التاسع، إلا أن هذه المنطقة تبدو الأسوأ.
وأنا أقف على بعد (40) مترا، من أول بيت في قرية “الجاردية” التابعة لمديرية حبيل جبر، محافظة لحج جنوبي اليمن، وسط طقس شديد البرودة؛ نظرا لأرتفاع المنطقة الجبلية، رأيت السيدة الاربعينية تحت شجرة السدرة، بجانب منزلها المتهالك ذات الطراز القديم، كانت السيدة منحنية بظهرها المتقوس إلى الأرض؛ تقوم بجمع عيدان الحطب المتساقطة؛ لاستخدامها في الطبخ على الطريقة البدائية.
كلما أخذت خطواتي في الاقتراب منها يزداد المنظر سوء وحسرة، كانت ذات وجه شاحب، ترتسم عليه خطوط العمر طولا وعرضا، وعلى الرغم من آثار البرد التي طبعت الجفاف حول شفتيها، لم تخفِ لمسة الجمال من ابتسامتها.
سلمت عليها وبادلتني السلام بحرارة، وأخبرتني بأن اسمها “مريم”، كانت يداها مرتعشة، يبدو عليها أنها مستغربة ومفزوعة من مجيئي إليها.
على الجانب الأيسر من خلف شبابيك البيت، تحدق بنا أعين أطفال غائرة إلى الداخل، يخيّم عليهم صمت مخيف، يبدو من النظرة الأولى أنهم مصابون بسوء التغذية، وعلى الجانب الآخر نساء يتعثرن بالسيرِ على طريقٍ وعرة يحملن على ظهورهن القمح وعلب الزيت ذات الطبعة”WFP ” التي تشير الى برنامج الغذاء العالمي، بعد أن أتين به من نقطة التوزيع التابعة للقرية والتي تبعد أمتار قليلة من منزل السيدة.
بعد حديث طويل أذنت لي بالدخول إلى منزلها المبني من الطين، غرفتين ومطبخ تقليدي، ولا يوجد لديهم دورة مياه، رأيت القمح والعدس والزيت المقدم من منظمة الغذاء العالمي، ولا يوجد شيئ آخر سوى القليل من أدوات المطبخ القديمة، امتسح بريقها ولونها المعدني بلون الفحم الأسود المتراكم.
كان هناك أربع أطفال، على فراش اسفنجي مدروع بسلال القمح (WFP) مجتمعون بجانب دولاب خشبي قديم جوار النافذة المطلة على الطريق، يوجد أمامهم صحنه مملوءة بالعدس الأصفر. لم يجرؤ أحد منهم على الكلام أو الحركة، ربما لأنهم غير معتادون على قدوم الناس من خارج قريتهم.
التقاط صورة للأطفال كان مستحيلا، فالأم منعتنا من فعل ذلك، وقالت: “عمهم منع تصويرهم لأي ظرف، حالتهم متعبة، إنهم يتامى اهلكهم الجوع لولا تدخل منظمة الغذاء العالمي”.
كمية الفرح التي تظهر على ملامح الأطفال وهم يتناولون العدس بشراهة، لا توصف، قد يكون العدس أفضل ما تناولوه طوال الأعوام الماضية إلى هذه اللحظة.
حرقة الجوع بدأت تختفي بالتدريج في بطون أطفال “الجاردية” بعد أن تدخلت منظمة الوصول الإنساني بالشراكة مع الغذاء العالمي باغاثتهم بالأغذية المدعمة، وأحيانا أخرى بمبالغ نقدية. على حسب تعبيرهم.
المصدر الاساسي للغذاء
إحدى السيدات المنحدرة من جبال “وادي بناء” شمال القرية، والتي نزحت مع عائلتها؛ بسبب الجفاف في الجبال واستوطنت “الجاردية” ، تقول : ” لانعلم كيف كانت الأيام ستمضي بناء لولا تدخل منظمة الغذاء العالمي، فالناس هنا يعتمدون عليها كمصدر أساسي للغذاء، إنها المنقذ الوحيد لنا ولعائلتنا”.
انعدام الامن الغذائي
يقول ممثل برنامج الغذاء العالمي في اليمن “السيد ريتشارد راغان” : نؤمّن الغذاء لنحو 16 مليون يمني، منهم 3 ملايين في المدارس، إلى جانب الأمهات الحوامل اللاتي يحتجن تغذية أكبر، ولدينا برامج لمساعدة أولئك على الذين يعملون، ونؤمن لهم الغذاء، و13 مليوناً يعانون من الجوع وسوء التغذية، نؤمن لهم الدقيق والحبوب والزيوت والسكر والملح، لكننا لم نعد نستطيع تغطية كل هذا العدد بسبب شحّ الأموال».
وذكر “راغان” في تصريح سابق له بأنه يتواجد 10 مكاتب وطاقم عمل من 1000 موظف منتشرين في جميع أنحاء اليمن، مشيرا إلى أنه على الرغم من صعوبة العمل هناك فإنهم قادرون على العمل مع جميع السكان في مختلف المناطق، ما يضع البرنامج في وضع خاص جدا للانتقال من مرحلة العمل الإنساني ومرحلة إنقاذ الأرواح، إلى البدء في الانتقال للتنمية، وهو ما يهدف البرنامج إلى تحقيقه في اليمن خلال السنوات المقبلة.
اعانات لآلاف الاسر
وتعليقا على تدخل منظمة “الوصول الإنساني” في مديرية حبيل جبر يقول منسق البرنامج في المديرية ” عبد الله راجح الفطيسي” : إن منظمة الوصول الإنساني بالشراكة مع الغذاء العالمي WFP تعمل في المديرية منذ ُ شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2015 ، من خلال تقديم الأغذية المدعومة، والمبالغ المالية للأسر الأكثر فقرًا، واليتامى الذين فقدوا من يعيلهم.
ووفق بيانات ذكرها الفطيسي فقد قدم برنامج الغذاء العالمي المساعدة لعدد (3791) أسرة، ويستفيد من البرنامج (600) يتيم، و(950) أرملة، يندرجون تحت خط الفقر المدقع، في جميع مناطق المديرية.
مصدر الدخل الوحيد
وفي حديث مع مدير عام مديرية حبيل جبر “بديع القطيبي” أشار إلى أن برنامج الغذاء العالمي يعتبر مصدر الدعم و الغدء الوحيد للكثير من الأسر الفقيرة، حيث يقدم لهم الدعم الغذائي على مدار تسع أعوام على التوالي.
ويضيف القطيبي : ” برنامج أنقذ حياة الكثير، ومكن الكثير على البقاء بحياة كريمة، بعد أن اهلكتهم الجوع والغلاء.
بصيص أمل
أكد مدير مشروع منظمة الوصول الإنساني في محافظة لحج”عبد الله مقبل” في تصريح صحفي له” إن مشروع المساعدات الغذائية الطارئة الذي تنفذه منظمة الوصول الإنساني ويموله برنامج الأغذية العالمي WFP في محافظتي لحج و تعز جاء كإنقاذ لمجتمع يعيش تحت خط الفقر؛ من خلال تلبية الاحتياجات العاجلة للاستهلاك الغذائي لتتمكن الأسر المستهدفة من شراء الغذاء الضروري للحياة اليومية، ومنحهم بصيص أمل”.
وأوضح مقبل ” أن المشروع يهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي في محافظة لحج، وقد استهدف 11 مديرية هي: القبيطة، والحد، والمضاربة، والمقاطرة، والمفلحي، ويافع لبعوس، ويهر، وطور الباحة، والملاح، وحالمين، وحبيل جبر، وقد بلغ عدد المستفيدين 58684 مستفيد منذ فترة التدخل.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن الغد , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن الغد ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.