أكاديمي بجامعة عدن يضع خطوات عملية لتوحيد السياسات المالية كأساس للاستقرار والتنمية في اليمن

اخبار اليمن

في سلسلة مقالاته العلمية خلال الأسبوعين الماضيين استعرض الدكتور/علي ناصر سليمان الزامكي، أستاذ الإدارة المالية المشارك في جامعة عدن، حزمة حلول علمية لنجاح السياسة المالية في اليمن، تطرق خلالها إلى الفرص والحلول الممكنة لتحسين هذه السياسة، وتعزيز الموارد غير النفطية، وإعادة هيكلة الإنفاق العام، وتعزيز التعاون الدولي، وكذا إصلاح القطاع النفطي كمحاور أساسية لنجاح السياسة المالية في اليمن، وامتدادًا لهذه الحلول يختتم الزامكي هذه المقالات برؤية شاملة لمعالجة هذه التحديات من خلال إدارة الدين العام والحلول الممكنة في السياق اليمني، وتوحيد السياسات المالية في اليمن كخطوة أساسية للاستقرار والتنمية.

**إدارة الدين العام* الأسس، التحديات، والحلول في السياق اليمني*

حيث أوضح إن إدارة الدين العام هي عملية تهدف إلى ضمان قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية بطريقة مستدامة، مع تقليل المخاطر المالية وتحقيق التوازن بين الاحتياجات التمويلية والتنمية الاقتصادية، وفي بلادنا يواجه هذا المجال تحديات كبيرة نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة، حيث يُعتبر تحسين إدارة الدين العام أداة حيوية لتحقيق الاستقرار المالي والتنمية.

*أهمية إدارة الدين العام*

مبينًا إن أهمية إدارة الدين العام تكمن في الحفاظ على الاستدامة المالية، من خلال تقليل مخاطر الانزلاق إلى أزمات ديون تؤدي إلى انهيار اقتصادي، وكذا في خفض تكاليف الاقتراض، بتقليل الفوائد المدفوعة على القروض، وأيضًا تساعد إدارة الدين العام في تعزيز ثقة المستثمرين والمانحين، بطريقة شفافة ومستدامة تعزز ثقة الأطراف الدولية وتزيد من فرص جذب التمويل الخارجي، وكذا تحفيز النمو الاقتصادي، بتوجيه الديون نحو تمويل مشاريع تنموية تساهم في تحسين البنية التحتية والخدمات العامة، فضلًا عن التحكم في التضخم وسعر الصرف، من خلال تقليل الاعتماد على طباعة العملة لتمويل العجز، مما يساعد على استقرار الاقتصاد.

*أنواع الدين العام*

واستعرض الزامكي نوعين للدين العام، الدين الداخلي الذي يشمل القروض المستحقة للحكومة من البنوك المحلية أو الجمهور، كسندات الخزانة، والقروض المباشرة من البنك المركزي والبنوك التجارية، أما النوع الثاني الدين الخارجي، الذي يتضمن القروض من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والدول الأخرى عبر الاتفاقيات الثنائية، أو عبر أسواق المال الدولية بإصدار السندات الدولية.

*الوضع الحالي للدين العام*

وأشار بإن هناك عديد من الصور حول الوضع الحالي للدين العام، إما ارتفاع مستويات هذا الدين، الذي يأتي بسبب تراجع الإيرادات العامة وارتفاع الإنفاق على الخدمات الأساسية وإدارة الصراع، أو من خلال زيادة الاعتماد على الدين الداخلي، الذي يكون بسبب تعذر الحصول على تمويل خارجي كافٍ نتيجة للوضع السياسي غير المستقر، أو عجز الحكومة عن سداد أقساط الدين الخارجي نتيجة لانخفاض الاحتياطيات من العملة الصعبة، ويؤدي ذلك إلى تقليل القدرة على تمويل الخدمات الأساسية ويزيد من الضغط على الموازنة العامة.

*استراتيجيات تحسين إدارة الدين العام*

وكشف الدكتور/ علي ناصر الزامكي عن عديد من الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها تحسين إدارة الدين العام، بوضع استراتيجية وطنية لإدارة هذا الدين، من خلال تحديد سقوف ووضع حدود واضحة لمستويات الاقتراض بما يضمن استدامة الدين، والعمل على مراجعة هيكل الدين العام لتحديد الأولويات وإعادة جدولة الالتزامات، كما إن تحسين إدارة الدين الداخلي يجب أن يكون هناك تنويع في أدوات الاقتراض، مثل السندات طويلة الأجل بدلًا من الاعتماد على القروض قصيرة الأجل، وتطوير سوق رأس المال المحلي لتوفير مصادر تمويل مستدامة، أما فيما يتعلق بإعادة هيكلة الدين الخارجي، فهناك مجموعة من الأسس التي يجب اتباعها أبرزها التفاوض مع الدائنين، لإعادة جدولة الديون أو تخفيض الفوائد، أو طلب إعفاءات أو تأجيل أقساط الديون من الدول والمؤسسات الدائنة، وكذا الاستفادة من المبادرات الدولية، مثل “مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون”(HIPC).

كما إن تحسين الكفاءة المؤسسية إحدى الاستراتيجيات الأساسية في تحسين إدارة الدين العام، من خلال إنشاء وحدة مختصة بإدارة الدين، تجمع البيانات وتحللها وتتابع الالتزامات المالية، والعمل على تعزيز القدرات البشرية، ونشر تقارير شفافة توضح مستويات الدين، استخداماته، وخطط السداد، والعمل أيضًا مع المؤسسات الدولية لتطبيق أفضل ممارسات إدارة الدين.

والعمل كذلك على تحسين الإيرادات العامة، بزيادة الإيرادات غير النفطية، لتحسين كفاءة تحصيل الضرائب والجمارك، وإعادة تفعيل الإيرادات النفطية والغازية، باستئناف إنتاج وتصدير النفط والغاز لتعزيز الإيرادات، وكذا التوجه نحو المشاريع الإنتاجية التنموية التي تحقق عوائد اقتصادية واجتماعية مستدامة، والتركيز على الإنفاق في القطاعات ذات الأولوية مثل البنية التحتية والتعليم والصحة.

*التحديات التي تواجه إدارة الدين العام

أما ما يتعلق بالتحديات التي تواجه إدارة الدين العام فقد كانت أبرزها استمرار الصراع السياسي والعسكري، الذي يحد من قدرة الحكومة على تطبيق استراتيجيات فعالة لإدارة الدين، وأيضًا ضعف الكفاءة المؤسسية، والمتمثل في نقص الكوادر المؤهلة لإدارة الدين وتحليل مخاطره، كما أن عدم استقرار الإيرادات العامة يمثل تحديًا كبيرًا مما يؤدي إلى تفاقم العجز المالي، وضعف الرقابة وغياب البيانات الدقيقة حول الدين العام واستخدامه، وأيضًا الاعتماد المفرط على الدين الداخلي، الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة المحلية وتقليل التمويل المتاح للقطاع الخاص.

*تجارب دولية ناجحة يمكن الاستفادة منها*

مستعرضًا عديد من التجارب الدولية الناجحة التي يمكن الاستفادة منها، كالتجربة الغانية، التي استخدمت برامج إصلاح اقتصادي مع دعم من صندوق النقد الدولي لتقليل مستويات الدين العام وتعزيز النمو، وكذا التجربة الأردنية، التي نجحت في إدارة ديونها الخارجية عبر التفاوض مع الدائنين وإعادة هيكلة الدين، والتجربة الرواندية، التي استثمرت الديون الخارجية في مشاريع تنموية ناجحة أدت إلى زيادة النمو الاقتصادي وتعزيز الإيرادات العامة.

فإدارة الدين العام تتطلب استراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار التحديات الحالية وتضع خطة واضحة لتحقيق الاستدامة المالية، من خلال تحسين الشفافية، تطوير القدرات المؤسسية، وإعادة هيكلة الدين بشكل مستدام، ويمكن لليمن تقليل أعباء الدين وتعزيز الاستقرار المالي، كما أن التعاون مع المجتمع الدولي والالتزام بالإصلاحات المالية سيعزز من قدرة الحكومة على تحقيق الأهداف التنموية وتخفيف معاناة المواطنين.

*توحيد السياسة المالية في اليمن: خطوة أساسية للاستقرار والتنمية*

إن توحيد السياسات المالية يعني صياغة وتنفيذ سياسات موحدة لإدارة الإيرادات والنفقات العامة، إعداد الموازنات، وتحديد أولويات الإنفاق بما يضمن تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، ويتطلب ذلك وجود سلطة مركزية قادرة على إدارة الموارد بشكل متكامل، وتحقيق التوازن بين الأطراف المختلفة، وهذا يمثل ضرورة ملحة في ظل الانقسام المؤسساتي والجغرافي الحالي الذي يعيق التنمية الاقتصادية ويزيد من الأعباء على المواطن والدولة، وأدى إلى تضارب السياسات المالية والنقدية بين السلطات المختلفة، مما أثر سلبًا على استقرار الاقتصاد الوطني وعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

*أهمية توحيد السياسات المالية*

إن توحيد السياسات المالية يمنع التضارب في القرارات المالية ويعزز من كفاءة استخدام الموارد، ومن ثقة المواطنين والمستثمرين والمؤسسات الدولية، وأيضًا تحسين كفاءة الإيرادات والنفقات، ويضمن توزيعاً عادلاً للموارد بين جميع المناطق، ويحد من العجز المالي ويسهم في استقرار الأسعار، ودعم تنفيذ المشاريع التنموية الوطنية الكبرى.

وانقسام البنك المركزي بين صنعاء وعدن أدى إلى تضارب السياسات النقدية والمالية، وإصدار عملتين مختلفتين (العملة القديمة والجديدة) أدى إلى تعقيد العمليات المالية، وتحصيل الإيرادات بشكل منفصل يعيق توزيعها العادل، كما أن غياب موازنة وطنية شاملة يؤدي إلى غياب رؤية واضحة لأولويات الإنفاق.

*خطوات توحيد السياسات المالية*

وأكد على ضرورة توحيد السياسات المالية بتشكيل هيئة مالية مركزية مشتركة، تضم ممثلين عن جميع الأطراف المتنازعة لضمان تحقيق توافق حول القرارات المالية، ووضع آلية عملية لتوحيد إدارة البنك المركزي وتنفيذ سياسات نقدية ومالية وإعداد موازنة وطنية موحدة، ووضع خطة تعتمد على احتياجات التنمية العاجلة في جميع المناطق، والعمل على شراك الخبراء المحليين والدوليين في إعداد هذه الموازنة تضمن توزيعاً عادلاً للموارد، وضمان تدفق الإيرادات من جميع المحافظات إلى خزينة موحدة، واستخدام التكنولوجيا لتقليل التلاعب في عملية تحصيلها.

كما يجب اعتماد معايير واضحة للتوزيع بناءً على الكثافة السكانية، مستوى التنمية، واحتياجات المناطق المختلفة، وإنشاء صندوق تنموي للمحافظات لدعم المناطق الأقل نمواً بمشاريع استثمارية خاصة لتعزيز التوازن التنموي، وأيضًا التنسيق بين وزارة المالية والبنك المركزي لضمان تحقيق أهداف مشتركة في استقرار الاقتصاد وتمويل التنمية.

*التحديات التي تواجه توحيد السياسات المالية*

وعن أبرز التحديات التي تواجه السياسات المالية في اليمن قال الدكتور/علي ناصر الزامكي إن الانقسام السياسي والعسكري واستمرار النزاع يعيق الوصول إلى اتفاق مشترك حول إدارة الموارد المالية، وأيضًا انعدام الثقة بين السلطات المختلفة يؤدي إلى صعوبة تحقيق التعاون، والبنية المؤسسية المتهالكة تجعل من الصعب تنفيذ سياسات مالية فعالة، ونقص الكفاءات البشرية لإدارة الموارد المالية بشكل محترف، وعن أهم التحديات الاقتصادية، يعتبر ارتفاع الديون، وانخفاض الإيرادات، وتدهور العملة، ابرز هذه التحديات التي تجعل مهمة التوحيد أكثر تعقيدًا.

*أمثلة وتجارب دولية ناجحة*

بعد توحيد ألمانيا نجحت في دمج النظام المالي للمناطق الشرقية والغربية من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية وتعزيز المؤسسات، وأيضًا رواندا نجحت في إعادة توحيد سياساتها المالية بعد نزاع داخلي عبر تعزيز الشفافية والعدالة في توزيع الموارد، والسودان رغم التحديات، نجحت في تنسيق السياسات المالية مع الجنوب بعد اتفاقيات سياسية واقتصادية مشتركة.

ختامًا يمثل توحيد السياسات المالية خطوة محورية نحو تحقيق الاستقرار والتنمية، ويتطلب الأمر إرادة سياسية قوية، واستراتيجية واضحة تشمل إصلاح المؤسسات المالية، وتعزيز الشفافية، وضمان توزيع عادل للموارد، كما أن إشراك المجتمع الدولي في دعم هذه الجهود سيكون عاملًا مساعدًا لتحقيق النجاح، ومن خلال تبني هذه السياسات يمكن لليمن استعادة الثقة في مؤسساته الاقتصادية وتحقيق التوازن المالي المطلوب لإعادة بناء الدولة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن الغد , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن الغد ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى