اخبار اليمن | كاشفًا تفاصيل مهمة.. الرئيس علي ناصر يتحدث عن مشروع الوحدة اليمنية قبل ثورة سبتمبر
وفي الشمال كانت القوى التي تتخوف من النظام الجديد لا تريد وحدة طوعية وندية ومدروسة، أكان ذلك بسبب المناخ العام الذي كنا نعيشه ويعيش فيه الشعب، ومناخ الفرح الطاغي بالاستقلال والنصر، أم بسبب الظروف الصعبة والتحديات المتواصلة والاختناقات والإخفاقات التي عرفتها وتعرّض لها النظام في صنعاء، حيث كانت صنعاء، عاصمة الجمهورية والثورة، تواجه حصار الملكيين والقوى المعادية، فيما كان أبناء الثورة المخلصون يستميتون في الدفاع عنها، كما أشرنا آنفاً. أم كانت هناك أمور أخرى؟ فما هي؟ وهل كان من بينها أنّ القيادة الجنوبية التي تسلمت السلطة عقب رحيل الإنكليز فضلت الاستقلال لأنها كانت تنظر بعين الشك والريبة إلى السلطة القائمة في الشمال، باعتبار أن حركة 5 نوفمبر 1967 جاءت بقوى تقليدية ومحافظة، كشيوخ القبائل والبعثيين وضباط اتفقوا على تعيين القاضي الإرياني رئيساً للمجلس الجمهوري في صنعاء، ويومها لم يكن خافياً ما بين حركة القوميين العرب وحزب البعث من تنافس وعداء على المستوى القطري والقومي. ذلك العداء لم يخفِه حزب البعث في علاقته بالجبهة القومية طوال فترة الكفاح المسلح 1963-1967. وفي حقيقة الأمر، لم تكن الدولة هي الغاية الوحيدة من الاستقلال بالنسبة إلى الجبهة القومية.
التخوف من الوحدة
ويضيف الرئيس ناصر في حديثه :”هل كان هذان سببين للإحجام عن الدخول في وحدة فورية بين عدن وصنعاء في ذلك التاريخ، أي يوم استقلال الجنوب ورحيل آخر جندي بريطاني عن عدن؟ الجواب ــ بصراحة ــ نعم، لأن وحدة أداة الثورة وتحقيق الوحدة بلغة ذلك الوقت كانت شرطاً ضرورياً لإقامة الوحدة، وكان عمر الجاوي الذي تفرّد بموقف لا نظير له يريد الوحدة، ولو قادها الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. وبعد إنشاء مجلس التعاون العربي مؤلَّفاً من جمهورية مصر العربية وجمهورية العراق والمملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العربية اليمنية، كان من ضمن قليلين تساءلوا عن مصير الوحدة بعد إنشاء هذا المجلس الذي استعاضت به صنعاء عن الوحدة اليمنية. وبهذا الصدد سأل السفير علي محسن حميد مسؤولاً في صنعاء عن الوحدة التي أهال عليها هذا المجلس التراب، فكان ردّه أنّ الجنوب سيتخلى عن الماركسية وسيتوحد مع عُمان.
بيت الطاعة الشمالي
ويقول الرئيس ناصر :” من جهة ثانية، لماذا لم يكن لدى صنعاء مشروع للوحدة بعد قيام ثورة سبتمبر، ولماذا لم تبادر باعتبارها دولة سابقة تاريخياً على دولة الجنوب الوليدة، وتقدم مشروعها للوحدة عند الاستقلال؟ ولماذا لم تتشاور مع الجبهة القومية قبل ذهابها إلى جنيف، ولماذا لم تطلب أن تكون طرفاً في التفاوض من أجل الاستقلال في جنيف، ما دمنا في وطن واحد ونؤمن بوحدته الترابية وبحتمية قيام الوحدة؟ ليس من قبيل السفسطة أنّ الشمال كان يرى في الجنوب ملحقاً وذيلاً له عليه الدخول طواعية، ومن ذات نفسه، إلى بيت الطاعة الشمالي. وحقاً لم تتعامل صنعاء منذ البدء مع دولة الاستقلال كندّ، وتطلب التفاوض معها لتحقيق الوحدة الفورية. وطبعاً لا مناص من تقدير الظرف السياسي الانتقالي الذي كان يعيشه الشمال بعد حركة نوفمبر مباشرة، ونشوة السلطة التي سعت إليها القوى التقليدية وحزب البعث منذ قيام الثورة لتحلّ محلّ ضباطها، وكان مؤتمرا عمران 1964 وخمر 1965 من تجلياتها. وفي الواقع، لم يكن النظام في صنعاء يملك مشروعاً أو حتى شبه مشروع، أو يملك أفكاراً مدروسة للوحدة منذ عام 1962. لقد كان انحياز النظام في الشمال سياسياً وإعلامياً إلى صف جبهة التحرير، وترك إدارة شؤون الكفاح المسلح للقيادة العربية المصرية (عملية صلاح الدين) في مدينة تعز يثير ريبة الجبهة القومية ومخاوفها، وكانت تلك أسباباً كافية لكي لا تتسرع الجبهة بتحقيق الوحدة مع نظام عاداها وانحاز إلى كيان آخر وتجاهل نضالاتها ونجاحاتها الميدانية ونسبتها إلى غيرها منذ نهاية 1965، ولو تغيرت رموزه وشخوصه التي كانت أيضاً جزءاً من تركيبته قبل نوفمبر.
حكومة صنعاء ومنع طرح الوحدة
وواصل الرئيس ناصر قائلا:” إذا افترضنا أنّ الأمر كان كذلك، أقصد التوجه الوحدوي، لدى القيادة الجديدة في عدن، فما الذي منع حكومة صنعاء من طرح مشروع مبكر ومعلن للوحدة يمكن التفاوض بشأنه مع قيادة الجبهة القومية قبيل الاستقلال بعد أن أعلنت بريطانيا أنها ستنسحب من الجنوب في كانون الثاني/ يناير 1968 قبل أن تقدم موعد الانسحاب إلى 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1967 لتتجنب المزيد من الخسائر التي ألحقتها بها ثورة 14 أكتوبر، ولتنقذ سمعتها الدولية التي تردت بسبب استخدامها المفرط للقوة ضد ثوار أكتوبر ونتيجة الحملات الإعلامية المصرية وبما يحقق السيادة اليمنيّة على كامل الأرض اليمنية، خاصة أنها لم تكن تعترف بشرعية الاحتلال والوجود البريطاني في عدن والمحميات الشرقية والغربية ومختلف المناطق الجنوبية، وتراها جزءاً لا يتجزأ من اليمن ككل، أي إنها كانت صاحبة مصلحة أصيلة في الاستقلال ونوع دولته.
لا مندوحة من القول إنّ صنعاء كانت مشغولة بأولوية مصيرية ووجودية لا تضاهيها أولوية أخرى. فقد كانت الجمهورية معرضة للفناء، ومن المؤكد أن المملكة العربية السعودية زمّنت الحصار باستقلال الجنوب لكي لا تتيح لدولة الجنوب التفكير في دعم أشقائه في الشمال، ولكي تشغله منذ أول وهلة عن السير في طريق بناء الدولة، ولكي تقول للجنوب إنّ الدور القادم في عدن. كانت الشكوك إذاً متبادلة بين الطرفين، فأحجم كلاهما عن إعلان الرغبة في قيام فوري للوحدة، مفضِّلَين التريث ريثما تنشأ ظروف أفضل. وبهدوء نقول اليوم إنّ الأمر برمته كان نقصاً خطيراً في الإرادة السياسية اليمنية في كل من صنعاء وعدن اللتين لم تمتلكا رؤية استراتيجية مسبقة لتحقيق الوحدة، واكتفتا بترديد شعارات للاستهلاك والإلهاء. فصنعاء لم تُولِ الثورة في الجنوب الاهتمام المتوقع، واكتفت بتعيين وزير لشؤون الوحدة، كان قد غاب عن إحدى التشكيلات الحكومية في عهد الرئيس السلال، والرئيس السلال نفسه لم ينطق بكلمتي “الوحدة اليمنية” في خطاباته مرة واحدة طوال فترة رئاسته (1962-1967)، واكتفى بترديد كلمتي “الوحدة العربية”. من جهة ثانية مهمة، لم يكن الكفاح المسلح وثورة 14 أكتوبر في جدول أيّ اجتماع وزاري طوال ذات الفترة، ولم يتواصل نظام صنعاء من عام 1963 وحتى الاستقلال عام 1967 مع الجبهة القومية. والحقيقة أنه لو كان المبدأ الخامس من مبادئ الثورة قد عنى فعلاً “الوحدة اليمنية”، لتُرجم بأيّ شكل من الأشكال في سياسات منفصلة يمنية الهدف أو متناسقة على الأقل مع سياسة مصر الداعمة للكفاح المسلح. ليس هذا فقط، بل كان يجب أن تحوز الوحدةُ ترتيباً أعلى في المبادئ الستة لثورة سبتمبر. صنعاء تركت هذا الملف لمصر ولعملية صلاح الدين في تعز، ومصر هي التي كانت تقدّم المال والسلاح وتدرّب الفدائيين حتى هزيمة 1967. ثمَّ يأتي، ويا للغرابة، من يلوم الجبهة القومية على عدم تسليمها الجنوب على طبق من فضة لنظام 5 نوفمبر لتحقيق الوحدة! هؤلاء تعاملوا مع قضية وطنية مقدسة كالوحدة ومع السياسة معاً بسذاجة مفرطة وسطحية مُنفّرة، لأنهم فقط في وقت الحصاد تذكروا الوحدة والجنوب، ونظروا إلى ثوار 14 أكتوبر من منظار أنهم شقاة (عمال) عليهم في نهاية العمل تسليم عهدتهم والذهاب للبحث عن عمل آخر. هذه النظرة والسياسة تجسدتا بعد الوحدة عام 1990 مباشرة بعبارة “الفرع يعود إلى الأصل”، وثورة سبتمبر هي “الثورة الأم”، و”ثورة سبتمبر خالدة وثورة أكتوبر مجيدة”، والاحتفال بعد الوحدة بثورة أكتوبر في صالة مغلقة، بينما استمر الاحتفال بثورة سبتمبر في ميدان السبعين، وبعرض عسكري وشبابي… إلخ.
الخلافات الفكرية والسياسية
وتابع حديثه وقال :” أسئلة كثيرة عن الاستقلال تفرضها مجريات الأمور، ومنها:أكان من قبيل المصادفة البحتة أن يأتي البعثيون والقوى المحافظة من قضاة وشيوخ قبائل إلى حكم صنعاء في 5 نوفمبر 1967، قبيل بدء انسحاب القوات المصرية من الشمال، ثم يأتي انسحاب القوات البريطانية من الجنوب في نهاية الشهر نفسه؟ لقد كانت الخلافات الفكرية والسياسية على المستوى القومي واختلاف المنهج النضالي والقرب أو البعد من القاهرة من بين ما يفرقهما ويزيد من بُعد أحدهما عن الآخر. وانعكست هذه الفجوة على علاقتهما في اليمن ورؤيتهما مثلاً للدور المصري في دعم الثورة اليمنية. مثلاً، كان بعض القيادات في البعث يرون في دعم مصر استعماراً، ليس عسكرياً فحسب، بل اقتصادي، لأنهم لم يكونوا يطيقون رؤية سلع منتجة في مصرفي الأسواق الشمالية، بينما كان القوميون العرب يدعمون الموقف المصري دعماً كاملاً، ولم يكن ذلك قاصراً على الساحة اليمنية، بل دُعمَت سياسات مصر العربية وغير العربية. ولم يكن موقف البعثيين من ثورة أكتوبر مختلفاً، إذ غلّبوا حزبيتهم القطرية والقومية وخلافهم مع القاهرة على قضايا وطنية كثيرة، منها الكفاح المسلَّح. وخلاصة القول أن مجيء التنظيمين على رأس السلطة في كل من صنعاء وعدن قد يكون حدث إما بتخطيط مسبق أو بمصادفة فرضتها الأحداث والمفاجآت وموازين القوى بعد خروج القوات المصرية. هذه الحقيقة التي تبدو اليوم مؤلمة جعلت القوى الوطنية تدفع ثمناً باهظاً لخلافات ثانوية، لأن نبوءة الإمام أحمد بأنّ المشايخ إذا ما أمسكوا الحكم لن يتركوه، أصبحت واقعاً بعد 5 نوفمبر، ومعها أيضاً تحذير اللواء حمود الجايفي بعد اعتذاره عن عدم قيادة ثورة سبتمبر من القبائل التي تطوق صنعاء عندما ذهب إليه الضابطان علي قاسم المؤيد وأحمد الرحومي إلى الحديدة محمَّلَين بعرض تنظيم الضباط الأحرار… ولا شك في أنّ هذا أسهم في زرع العقبات الكأدأ أمام تأسيس دولة يمنية حديثة تجسّد الجمهورية روحاً ومضموناً.
ويمكنني الإشارة إلى سؤال مهم لم يتبادر إلى ذهن أحد من قبل عن دور ربما قامت به حركة القوميين العرب في بيروت، التي كانت الجبهة القومية ذراعها العسكرية وفرعاً من فروعها. هل أوحى “المركز” إلى فرعه في عدن بتأسيس الدولة في الجنوب، حتى يكون للحركة دولة تساير مبادئها وتطبق أفكارها، وتقدم إليها السند والدعم لتعزيز مركزها في الوطن العربي؟ ألم يكن هذا الهاجس قريباً من تفكير بعض قيادات الحركة على الأقل؟ مشروعية السؤال أنه، لظروف تاريخية وذاتية، لم تستطع الوصول إلى السلطة في أيّ قطر عربي، رغم ما كان لها ولمبادئها من تأثير في أجزاء عديدة من الوطن العربي. ولعل ما عزّز هذا الهاجس (هاجس الدولة) لدى بعض قيادات الحركة، أنها كانت في منافسة مع حركة البعث العربي، وتلك المنافسة التي كانت فكرية في الأصل، لم تعد متكافئة بعد أن وصل البعثيون إلى السلطة في سورية، وكانوا يتطلعون إلى الاستيلاء عليها في العراق الأكثر أهمية من سورية. ولهذا، قد يكون مشروع الدولة “الوطنية” في جنوب اليمن، أو حتى قيام دولة في حضرموت، كما كان ينظر إلى ذلك نايف حواتمة، مطلباً للحركة حتى تقوم الحركة من خلال هذه الدولة بدورها القومي بشكل أكثر فعالية.
(للحديث بقية)
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن الغد , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن الغد ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.