من يؤسس للمستقبل بأدوات الماضي فهو واهم

حين نعود إلى التاريخ الجنوبي، لا يمكن أن نتجاوز محطة أكتوبر 1963، تلك الثورة العظيمة التي فجّرت طاقات الشعب الجنوبي ضد الاستعمار البريطاني، ووضعت الجنوب على طريق الحرية.
لقد كانت ثورة أكتوبر أكثر من مجرد ثورة مسلحة؛ كانت مشروعًا وطنيًا جامعًا، التف حوله الشعب بكل فئاته، وقدم التضحيات الجسام حتى تحقق الاستقلال الناجز في 30 نوفمبر 1967.
ذلك اليوم لم يكن مجرد انسحاب آخر جندي بريطاني من عدن، بل كان إعلانًا عن ميلاد دولة جنوبية جديدة، تحمل آمال الناس في السيادة والكرامة، وتؤكد أن إرادة الشعوب قادرة على صناعة التاريخ.
من ثورة أكتوبر المجيدة إلى الاستقلال في نوفمبر 1967، ومن محطات الماضي إلى تحديات الحاضر، تظل القضية الجنوبية مسارًا ممتدًا لا يمكن اختزاله في لحظة واحدة.
إنّ المبادئ التي أفرزتها ثورة أكتوبر – وحدة الجنوب، تماسك الجبهة الداخلية، رفض الظلم، تقديس الحرية، استقلال القرار، نبذ النعرات القبلية، واحترام العدالة والمساواة – ليست مجرد شعارات، بل هي أسس حيوية لبناء دولة قوية ومستقرة.
إنّ الحفاظ عليها والدفاع عنها ليس واجبًا فحسب، بل هو استثمار في مستقبل الأجيال القادمة.
استخلاص دروس
القضية الجنوبية هي مسيرة ممتدة عبر الزمن تحمل في طياتها الماضي والحاضر والمستقبل.
فمن لا ماضي له لا حاضر له، ومن لا حاضر له لا مستقبل له ؛ وعليه فهي ماضي ناخذ من الدروس والعبر وحاضر يتطلب منا رص الصفوف لمواجهة تحدياته وانجاز استحقاقاته؛ ومستقبل جميعنا معنيين برسم معالمه .
إن ماضي القضية الجنوبية مليء بالدروس والعبر التي ينبغي الاستفادة منها، وان الزمن يمضي إلى الأمام، وعلى الجميع أن يدرك أن مسؤولية اليوم هي تجاوز أوهام الماضي ورسم معالم مستقبل يليق بتضحيات الناس وآمالهم.
ومن يظن أن أدوات الماضي تكفي لبناء الغد، فهو واهم؛ فالمستقبل يحتاج إلى أدوات جديدة، إلى وعي متجدد، وإلى صفوف موحدة.
ان القضية الجنوبية هي مخزون من التجارب التي تُظهر أن التماسك الداخلي عنصر مهمة وشرط ضروري لمواجهة التحديدات وتحقيق االانجازات الوطنية ، وان إدارة التنوع، والاعتماد على الذات هي مفاتيح المستقبل.
خاض الجنوب منذ الاستقلال تجارب سياسية واجتماعية متباينة، من بناء الدولة الحديثة إلى الدخول في وحدة 1990 وما تلاها من أزمات.
– هذا الماضي ليس عبئًا، بل هو رصيد معرفي يجب أن يُقرأ بعين ناقدة:
أهمية الوحدة الداخلية
• تجربة الجنوب أظهرت أن الانقسامات السياسية والفكرية بين القوى الجنوبية كانت سببًا في إضعاف الموقف أمام التحديات الكبرى، خصوصًا خلال حرب 1994 فالانقسام الداخلي أضعف الصفوف وفتح الباب أمام التدخلات.
• تجاهل البعد الشعبي والاقتصادي أدى إلى فجوة بين القيادة والقاعدة.
• أحداث الماضي أكدت أن أي صيغة سياسية أو وطنية لا يمكن أن تستمر إذا فُرضت بالقوة العسكرية، بل تحتاج إلى توافق شعبي وسياسي حقيقي.
• الصراع الطويل حول الهوية في الجنوب (1839– 2025) يوضح أن الحفاظ على هوية جامعة مع احترام التنوع الثقافي والسياسي هو الضمانة لبقاء أي كيان سياسي مستقر.
• اثبتت تجربة الماضي أن الجمود أو التشبث بخيارات غير واقعية يؤدي إلى خسائر طويلة الأمد، بينما المرونة والتفاوض قد تفتح فرصًا جديدة.
• أن المواقف الإقليمية والدولية قد تتغير بسرعة وفق مصالحها، لذلك يجب أن يكون الداخل متماسكًا أولًا.
ساحة اختبار الإرادة
ان الحاضر الجنوبي اليوم هو لحظة اختبار حقيقية لمدى قدرة القوى على تجاوز الماضي والانطلاق نحو المستقبل.
ومن هذا المنطلق يجب التركيز على الحاضر والمستقبل، بدلاً من التفكير في ما كان يمكن أن يكون فالحاضر يتطلب توحيد الصفوف لمواجهة التحديات وإنجاز الاستحقاقات، بينما المستقبل مسؤولية جماعية نشارك جميعًا في رسم معالمه بما يضمن الكرامة والحقوق والعدالة.
التحديات الراهنة تتوزع على مستويات عدة
• سياسيًا نحن بحاجة إلى توحيد الصفوف وتجاوز الانقسامات الداخلية.
• اقتصاديًا واجتماعيًا يجب لمواجهة انهيار الخدمات، البطالة، والفقر.
• التعامل بحزم وصرامة مع التهديدات المستمرة التي تستهدف امن استقرار الجنوب والعمل مع الشركاء الدوليين على مكافحة الارهاب بشتى صوره .
المستقبل مشروع جماعي لا يُمنح بل يُصنع
المستقبل الجنوبي ليس هدية من أحد، بل هو مشروع جماعي يتطلب مشاركة كل الأطراف من خلال :
•السياسيون تقع عليهم مسؤولية رسم رؤية استراتيجية واضحة.
• المثقفون بدورهم في نشر الوعي وتحصين المجتمع.
• الشباب عبر المشاركة الفاعلة في العمل الوطني وصياغة خطاب جديد.
• المواطن البسيط عبر التمسك بالأمل والمطالبة بحقوقه.
ان أي مستقبل لا يمكنةان يكون قابل للحياة اذا لم يقوم على:
• العدالة والمساواة بين المواطنين.
• بناء مؤسسات حديثة وفاعلة.
• احترام التضحيات وتحويلها إلى إنجازات ملموسة.
إن بناء المستقبل يتطلب منا أن نكون مستعدين للتغيير، وأن نتقبل الجديد، وأن نكون قادرين على التكيف مع التطورات السريعة التي يشهدها العالم وقبل هذا وذاك ان نكون مستعدين لقبول بعضنا وان نوطن انفسنا على الحوار باعتبار وسيلة مثلى لتقريب وجهات النظر .
إننا لا نستطيع أن نبني مستقبلًا أفضل بأدوات قديمة، ولا يمكننا أن نتقدم بأفكار ماضاوية متقادمة.
ان رسم معالم مستقبل مشرق تحتم علينا كجنوبيين مكونات وافراد التعاطي بمسؤولية مع المعطيات التالية :
• ان الوحدة الوطنية الجنوبية الحقيقية تمثل الطريق الأمن لأستعادة الوطن الجنوبي.
• ان السياسة فعل متحرك، يتغير باستمرار مع تغير الظروف والاحداث ؛ ان وعلينا الانتقال من مربع ردة الفعل الى مربع الفعل والاستعداد للتعامل ما مالاته ؛ وانا ما هو صالح اليوم تاتي احداث فتتجاوزه ولن يكون صالح في الغد وكذلك الحال ما هو مقبول اليوم من حلول يتم تبنيها من قبل بعض الاطراف ومرفوضة من اطراف اخرى تاتي متغيرات تجعلها مقبولة من القوى التي رفضتها وغير مقبولة من القوى التي سبق وان تبتنها فهي من وجهة نظرها جزء من الماضي.
• السياسة لا تعرف الجمود، بل تتطلب المرونة والتكيف مع التغيرات.
• السياسة لا تعترف بالخط المستقيم، بل خطها متعرج، ومن لا يجيد السير في تعرجاتها يتوه في دهاليزها ولذا يتطلب من السياسيين التكيف مع التغيرات.
• يجب النظر إلى الماضي بمنظور زمانه، مع الأخذ بعين الاعتبار الوقائع والمعطيات التي كانت موجودة في ذلك الوقت وتقيبمه على هذا الاساس.
• يجب عدم تطبيق معايير اليوم على الأحداث الماضية، لأنها قد تكون غير مناسبة أو غير دقيقة.
• يجب التركيز على الحاضر والمستقبل، بدلاً من التفكير في ما كان يمكن أن يكون.
• ان الخطاب الشعبوي والتفكبر الرغبوي القائم على نظرية فكر كما افكر انا اثبتت التجربة عدم واقعيتها.
• تقييم الواقع كما هو وليس كما نود ان يكون وان اختزال المراحل وبناء مواقف بناء على فرضيات لا تنسجم مع الواقع على الارض سلوك مدمر .
لذا، علينا أن نعمل على تطوير أنفسنا، وأن نتسلح بالمعرفة والمهارات الحديثة، وأن نكون قادرين على مواجهة التحديات التي تواجهنا. علينا أن نبني مستقبلًا أفضل بأدوات المستقبل، لا بأدوات الماضي.
إن من يؤسس للمستقبل بأدوات الماضي، فهو واهم. فالمستقبل يتطلب منا أن نكون أكثر تقدمًا، وأكثر ابتكارًا، وأكثر استعدادًا للتغيير.
علينا أن نبني مستقبلًا أفضل، بأدوات المستقبل، لا بأدوات الماضي لإن التشبث بالماضي، والاعتماد على ما هو قديم، لن يؤدي إلا إلى التخلف .
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.








