اخبار اليمن : مخترقين كـحزب الله وإيران .. نقاط الضعف الذاتية لدى الحوثيين .. إنتظار التصفية والموت
في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي تمكن الاحتلال الإسرائيلي من تفجير آلاف أجهزة النداء (البيجر) لدى عناصر حزب الله في سوريا ولبنان، ومعهم آخرين من الجنسية الإيرانية. وطوال النصف الثاني من الشهر ذاته، ومطلع شهر أكتوبر/ تشرين أول؛ تمكن الاحتلال من اغتيال معظم القيادة العسكرية والسياسية لحزب الله، بما فيهم أمين عام الحزب “حسن نصر الله”، وخليفته المتوقع “هاشم صفي الدين” (2 أكتوبر).
في المقابل؛ لم يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من اختراق قيادة حماس، رغم تدميره الهائل لقطاع غزة وسيطرته المطلقة على القطاع منذ سنة كاملة، والدعم المخابراتي والعسكري غير المحدود من الولايات المتحدة ودول الغرب، واعترف الاحتلال نفسه بأن استشهاد “يحيى السينوار” في رفح (قبل أسبوع تقريبا) مجرد مصادفة بعد اشتباكات معه، وليس نتيجة عملية مخابراتية، حيث لم يكن يعرف أنه “السينوار” سوى في اليوم التالي.
في مسلسل الاختراقات الإسرائيلية للمحور الإيراني، سواء المليشيات الشيعية العربية، أم القادة الإيرانيين، وصولا إلى اغتيال رئيس حماس “إسماعيل هنية” في قلب طهران، في 30 يوليو/ تموز بينما كان ضيفا عليها (بعد ساعات من حضوره أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني الجديد “مسعود بزشكيان”)، واغتيال القائد العسكري لحزب الله اللبناني “فؤاد شكر” في الليلة ذاتها. وما سبقها من قصف لمبنى السفارة الإيرانية في دمشق وقتل قيادات رفيعة الحرس الثوري الإيراني في أبريل/ نيسان الماضي، واغتيال نائب رئيس حركة حماس “صالح العاروري” أيضا في الضاحية الجنوبية ببيروت في يناير/ كانون الثاني، وغيرهم…؛ إنما يشير إلى اختراق واسع منبعه إيران والمليشيات العربية الشيعية التابعة لها.
وما حدث مع إيران وحزب الله في سوريا ولبنان، قد يعطي صورة بأن الحوثيين، ذراع إيران في اليمن، هم الأخرون أيضا معرضون للاختراق والاستهداف. وهو ما ألمح إليه القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية حين أكد، في تصريحات صحفية، أن الولايات المتحدة تستطيع وقف الهجمات الحوثية البحرية لو امتلكت الإرادة السياسية لذلك..
أسباب وعوامل اختراق “حزب الله”
في أسباب الاختراق التي تعرض لها حزب الله، يجادل الصحفي اللبناني “علي هاشم”، المتخصص في الشأن الإيراني والمقرب من حزب الله؛ بأن إحجام إيران عن الرد على التصعيد الإسرائيلي ضدها، شجع الاحتلال على التمادي في عملية الاغتيالات، وتبين أن إيران غير ممسكة بزمام التصعيد ولا تريد التصعيد من أساسه. وعند انهيار معادلة الردع، ورفع تكلفة الاغتيالات، بكل تأكيد تتصاعد العملية من قبل الاحتلال.
يعتقد الصحفي، الذي ينحدر من جنوب لبنان، أن حزب الله اللبناني حين دخل معركة الإسناد لغزة، كما يسميها محور إيران، أرادها أشبه بالعبور وسط غابة وحوش بعربة مكشوفة وأجراس مجلجلة، ومن دون ما يكفي من سهام للرحلة التي رسمها الحزب، وأراد إبقاءها محدودة ومكبلة بما حدث في حرب 2006، ومألات طوفان الأقصى في غزة. تماما، مثلما أن إيران مكبلة منذ اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” في العراق مطلع 2020، وما تلاها من اغتيالات ونفوذ أمريكي إسرائيلي عليها وعلى برنامجها النووي..
ويلخص الصحفي اللبناني الموقف الذي قاد إلى كل تلك الاختراقات، بأن إيران، ومحورها، حصرت نفسها في محور رد الفعل، وهو النقطة الرئيسة التي تمكنت من خلالها إسرائيل لاحقا من تنفيذ اغتيالاتها.
بعيدا عن الطريقة المباشرة التي تمكن من خلالها الاحتلال اختراق حزب الله من خلال تغول الحزب في سوريا، ووصوله إلى قائمة القيادات والمعلومات وسلاسل الإمداد والتوريد من هناك، وعبر روسيا وسوريا والولايات المتحدة، ووسائل التقنية الحديثة التي يمتلكها؛ فإن تلك الإجراءات- وفقا للصحفي نفسه- جاءت نتيجة لتحول حزب الله من حزب مغلق إلى قوة هائلة “وسعت الحزب كدولة، بجسم فيه الخليط من المدني والعسكري، إلى حد أصبح فيه البعض يأمل في أن يجد وظيفة في الحزب لضمان مستقبله على المدى البعيد. أصبح للحزب بطاقات مصرفية بشرائح ممغنطة لسحب الأموال من ماكينات الصرافة الآلية الخاصة بمنظومته المالية، وبطاقات حسومات في متاجر مخصصة، إضافة إلى حضور طاغٍ على منصات التواصل الاجتماعي، ومجموعات داخل هذه التطبيقات عامة وخاصة. هذا الانفلات الالكتروني على ما يبدو، شكّل كنزا من المعلومات الجاهزة لإسرائيل وغيرها من الدول التي تصنّف الحزب عدوًا، للجمع والتحليل”.
في نهاية تحليله، يربط الصحفي المقرب من حزب الله بين تلك الأحداث ومسبباتها ليجمعها في نتيجة واحدة متماثلة: “كل تحديات المحور (إيران وميليشياتها الشيعية العربية) قريبة ومتتالية. نتائج المعركة الميدانية (في جنوب لبنان) ستكون أكبر مؤثر في الصيغة المستقبلية القريبة للمحور بمختلف طبقاته”.
الطريق إلى ميليشيات الحوثي
تشير اغتيالات الاحتلال لقيادات حزب الله التي كانت في اليمن، على رأسهم: إبراهيم عقيل، والحاج سرور، وباسل شكر، وغيرهم من كبار قادة “كتيبة الرضوان”- وهي كتيبة النخبة لدى حزب الله- أن الاحتلال الإسرائيلي كان يتابع تحركاتهم بدقة. وتؤكد التقارير أن “الحاج سرور” قُتل بعد عودته من اليمن بثلاثة أيام فقط.
في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين أول، الجاري؛ شنت الولايات المتحدة غارات على خمسة مواقع لتخزين الأسلحة الصاروخية والطيران المسير تحت الأرض، في كل من صنعاء وصعدة. وأكدت واشنطن أن غاراتها دمرت المخزون تحت الأرض. كما تشير صور الأقمار الصناعية، التي نشرت لاحقا، إلى أنها دمرت أيضا عدد من الأنفاق.
من الناحية التقنية والعسكرية إذن، توجد هناك فجوات تُمكّن الولايات المتحدة من اختراق جماعة الحوثي. ولكن الأهم قد لا يكمن في الاختراق التقني؛ بل في الأسباب التي مهدت لهذا الاختراق. لأنه عبر التقنية وحدها فشل الاحتلال في توقع هجوم السابع من أكتوبر الماضي الذي شنته كتائب القسام. كما فشل لاحقا في العثور على قيادات حماس، أو استعادة أسراه من قبضة المقاومة الفلسطينية.
وبالنسبة لميليشيا الحوثي، الأهم هو توافر فجوات الاختراق قياسا بحزب الله. والتي تشمل تحول الجماعة من حركة مسلحة مغلقة إلى سلطة تدير معظم محافظات شمال اليمن، بما فيها العاصمة اليمنية المحتلة (صنعاء)، وما يعني ذلك من انكشاف واضح لأي متابع، خاصة متابعة قرارات الجماعة العسكرية وهرمها القيادي وأجهزة أمنها المختلفة، مثل: الأمن والمخابرات، الصمود الوطني، الأمن الوقائي، واستخبارات الشرطة، وغيرها، وصولا إلى الفراغ الذي يمثله مقتل قادة حزب الله على مستوى المجلس القيادي- كأعلى هيئة لصناعة القرار.
وعلى عكس حزب الله، وحده عبد الملك الحوثي الذي يجهل مكانه حتى من أتباعه، إلا أن الانشغال الإيراني بإدارة المعركة في جنوب لبنان، قد يشكل فرصة لنشوء فراغ من الصعب ملؤه، رغم تعيين طهران مؤخرا سفيرا جديدا لها في صنعاء، بعد قرابة ثلاثة أعوام من وفاة سفيرها السابق “حسن إيرلو” في ظروف غامضة أواخر العام 2021..!!

شره السلطة
بينما يوفر الشره الحوثي للسلطة، عبر العائلات الهاشمية، مدخلا واسعا لفهم بنية الحوثيين، سواء عبر المؤسسات الرسمية للدولة، أم عبر المؤسسات الخاصة القائمة على النظام الخاص بحزب الله، والمتمثل بالمشرفين. أولئك الذين توسعوا بشكل كبير، ولهم هرم قيادي واضح، مثل: المشرف الاجتماعي، والمشرف الثقافي، والمشرف الأمني، والمشرف الاقتصادي،…الخ، ولهم سلسلة تبدأ من المجلس الجهادي، وتنتهي بمشرفي الحارات والمؤسسات والطلاب والمدارس..
أدى التوسع هذا، بالرغبة في السيطرة والاستحواذ على السلطة، إلى نزاعات داخل الجماعة، سبق وأن اعترف بها زعيمهم عبد الملك الحوثي نفسه في خطاب له أواخر 2022، بعد ما ظهرت التصدعات داخل جماعته في أعقاب سريان الهدنة الأممية، التي ما تزال قائمة حتى اليوم رغم ما فيها من بعض الخروقات.
وعندما أعلن الحوثيون في سبتمبر/ أيلول الماضي عن تشكيل حكومتهم الجديدة (التي لا يعترف بها أحد سوى إيران)، وذلك بعد سنة كاملة من إقالة حكومتهم السابقة، ظهر وزير الخدمة المدنية المقال “سليم المغلس” ليقول لنا إن عبد الملك الحوثي أشرف شخصيا على تعيين أعضائها، البالغين قرابة 24 وزيرا، من بين ثلاثة آلاف مرشح. وقال إن القوى الاجتماعية والسياسية المعروفة، بما فيهم حليفهم في المؤتمر الشعبي العام برئاسة صادق أمين أبوراس، لم يشاركوا فيها..!
ما نريد قوله هنا، من وراء ذلك، هو: أن عملية التأخير الطويلة، وقائمة المرشحين الكثيفة، تشيران إلى وجود نزاع شرس، أفضى إلى إحداث مفاضلة داخلية معقدة وصعبة، لاختيار الأعضاء عن طريق تدخل مرجعهم الأول (زعيم الجماعة)، وفق ما أكده لنا “المغلس” آنفا. بمعنى أن عملية توزيع السلطة، وصناعة القرار، تعاظمت لدى الحوثي شخصيا، وبضعة ممن يعتمد عليهم في مكتبه.
قد لا توفر أسماء المسؤولين في المناصب الرسمية للحوثيين في مؤسسات الدولة، الطريقة المثلى لاختراق المليشيا بشكل فعال. لأن بعض الفاعلين الكبار مستترين على الأرجح، كما هو حال الجماعات الميليشاوية دائما. لكن السيطرة المالية، بما فيها من مصالح شخصية مغرية وكبيرة لا يمكن التنازل عنها من قبل كبار القادة “الهوامير”، توفر بلا شك معلومات مناسبة عن أبرز أصحاب القرار الحقيقيين.
صراعات المال والثروة
خلال السنوات العشر الماضية؛ أنشأ الحوثيون طبقة اقتصادية جديدة من التجار ورجال المال والأعمال، استولت بشكل مطلق تقريبا على قطاعات الاقتصاد المدرة للأموال، مثل: النفط، الاتصالات، المستشفيات، شركات الأدوية، النقل، العقارات، التعليم، الأسمنت، السجائر، وشركات الصرافة…الخ، وصولا إلى السيطرة على إدارة ومفاصل الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة. وهي صورة واضحة عن مصدر السلطة الحقيقي، ومراكز صناعة القرارات.
على سبيل المثال، ووفقا لتقارير سابقة منشورة، نجد القيادي الحوثي المدعو “علي الهادي”، مقتحم الغرفة التجارية بأمانة العاصمة ورئيسها بالقوة، كان حتى 2016، شخصا عاديا يعمل في النقل ويمتلك ثلاث شاحنات (تقريبا) مع بعض أشقائه. وبفضل استخدامه كغطاء من قبل هيئة الزكاة الحوثية وهيئة الأوقاف والقوة الصاروخية والطيران المسير والقوة البحرية؛ حصل على عقود من برنامج الغذاء العالمي وحده بأكثر من 150 مليون دولار في مجال النقل، خلال فترة وجيزة جدا.
كما أنه، بالنظر إلى سلسلة عمليات الاقتحامات الحوثية الواسعة للشركات والمؤسسات، والاستيلاء على القطاع الخاص بشكل منظم وبشع منذ العام 2018، أصبح التجار المتضررين يعرفون جيدا أسماء وكافة تفاصيل أولئك الذين اق
تحموا شركاتهم واستولوا على شركاتهم وأموالهم ومصالحهم، بل وكل من يقف ورائهم أو يعملون لصالحهم. وتوسعت حالة الشقاق والصدامات بين القادة الحوثيين الذين يريدون نصيبهم من تلك الأموال. وتوفر تلك الصراعات الداخلية بين القيادات مادة دسمة للمعلومات.
وعلى هذا الأساس؛ تحول معظم قادة الحوثيين، مثل عبد الله الرزامي، إلى مكاتب للقضاء والفصل بين الشركات التجارية، وأذكوا خلافاتها فيما بينهم البين في قضايا تصل إلى ملايين الدولارات. وتنتشر قوات أطراف متناحرة، مثل عبد الكريم الحوثي (وزير الداخلية)، على عقار متنازع عليه يمثل أحد الخصوم، بينما ينشر الرزامي قوات أخرى في الجهة المقابلة. وتمثل مثل هذه الصراعات المتفشية، والمعلومة، سببا جيدا للوصول إلى المعلومات.
فقدان التحالفات وانعدام الثقة
على مدى السنوات الماضية، التي أعقبت اغتيال الرئيس السابق “علي عبد الله صالح” في صنعاء على يد ميليشيا الحوثي أواخر العام 2017، تعرض ما تبقى من حزبه “المؤتمر الشعبي العام”، بقياداته وموظفيه وأنصاره، إلى استهداف متواصل على المستويين الرسمي وغير الرسمي، في معظم مناطق سيطرة الميليشيات. وبعد تحويله من حليف استراتيجي إلى مجرد حليف نظري، تم اقصائه كليا حتى من المشاركة في الحكومة مؤخرا، بعد أضعاف نفوذه الاجتماعي وتهميش دور مشايخه القبليين وكذا عقال الحارات والأحياء، وصولا إلى استهداف مصادر تمويلهم وشركاتهم والسيطرة عليها ومنعهم من ممارسة التجارة. الأمر الذي يفتح بابا واسعا للوصول إلى مصادر المعلومات الحساسة، بما في ذلك تفاصيل الشخصيات الحوثية الأكثر أهمية.
كما أدى فشل الحوثيين في تجنيد واستقطاب آلاف العناصر من العسكريين المقيمين في مناطق سيطرتهم، إلى انعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين. ووفقا لعدة مصادر تحدثت إلى “يمن شباب نت” تحت شرط السرية، بات أمثال هؤلاء يشكلون مصدر قلق ورهبة كبيرين للميليشيات. وقد توسعت فجوة عدم الثقة أكثر، وصولا إلى العاملين معهم في قطاعات الأمن العام والأمن المركزي والشرطة العسكرية. حيث تجلى ذلك بشكل واضح عندما نشر الحوثيون آلافا من عناصرهم الخاصة في صنعاء ومحافظات أخرى لعدة أيام بمناسبة تصاعد وتيرة الاحتفالات الأخيرة بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
الخلاصة
وفي المحصلة؛ فإن الأسباب التي أدت إلى اختراق حزب الله وإيران، نشأت من تعدد صناعة القرار ووجود مجموعات متوازية من المصالح في المجموعات الاستبدادية، وعوامل أخرى لتصميم تلك المجموعات لاستهداف المكونات المحلية.
وآخذا بالاعتبار الخلاصة التي توصل إليها الصحفي اللبناني “علي هاشم”: أن “نتائج المعركة الميدانية (في جنوب لبنان) ستكون أكبر مؤثر في الصيغة المستقبلية القريبة للمحور بمختلف طبقاته”، فإنه يمكن القول إن ما ينطبق على حزب الله، (ذي الخبرة العريقة، نتيجة وجوده إلى جوار الاحتلال الإسرائيلي المتقدم تقنيا، والدعم الإيراني السخي له)، قد ينطبق تماما على ميليشيات الحوثيين في اليمن.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مأرب برس , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مأرب برس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.