هوّة بين الشرق والغرب.. جدلية العطاء والتقدير الفني في “مرحلة الشيب”

لا تزل الهوّة واسعة بين فلسفة الفن في العالم العربي ونظيرتها في هوليوود وأوروبا، وهي فجوة تتجاوز حدود التقنيات وعوامل الإبهار البصري، لتغوص أعمق في أيديولوجيا التقدير والتوظيف للفنانين، لا سيما أولئك الذين تقدمت أعمارهم وظلت ذاكرتهم الفنية متوهجة.

ففي الغرب، يظل الفنانون يمارسون إبداعهم حتى الرمق الأخير، معتبرين الفن رسالة لا يحدّها زمن، فيما تتلاشى أسماء عربية لامعة من المشهد عند أول ملامح الشيخوخة، إما اعتزالًا طوعيًا أو عزوفًا قسريًا.

عطاء لا ينضب في الغرب

ميريل ستريب

من أبرز النماذج التي تجسد روح العطاء الفني المتواصل ببريق فني متوهج، النجمة الأمريكية ميريل ستريب، ذات الستة والسبعين عامًا، التي شاركت، مؤخرًا، في الموسم الرابع من مسلسل “Only Murders in the Building”، ويُنتظر لها عملان بارزان في 2026: Narnia وThe Devil Wears Prada 2.

كذلك، يُعد آل باتشينو، أحد أيقونات السينما العالمية، مثالًا صارخًا على هذا النمط، إذ يواصل تألقه في عمر الـ85، مع 6 أفلام مرتقبة في 2026، أبرزها Captivated، إضافة إلى ظهوره في The Ritual عام 2025.

آل باتشينو

ويستمر العطاء مع أسماء مثل مورغان فريمان، 88 عامًا، وميل جيبسون، 69 عامًا، والمخرج البريطاني ريدلي سكوت، 87 عامًا، الذي أخرج، مؤخرًا، Gladiator 2، هؤلاء وغيرهم يعكسون فلسفة تقدير الفنان مهما تقدّم به العمر، وتوفير أدوار تتناسب مع مرحلته الزمنية دون أن تُجرده من بريقه.

تجارب عربية خجولة

على النقيض، لا نجد في العالم العربي وفرة في النماذج التي استمرت في عطائها حتى الرمق الأخير. من بين الاستثناءات البارزة، الفنانة أمينة رزق، التي بقيت حاضرة بأدوار مهمة حتى وفاتها العام 2003 عن 93 عامًا، وكان من آخر أعمالها مسلسلا “أدهم وزينات والثلاث بنات” و”فارس الرومانسية”.

كذلك، كريمة مختار، التي توفيت العام 2017، حافظت على حضورها حتى العام 2014 بمسلسلي “المرافعة” و”دلع بنات”، والفنان الراحل عبد الله غيث توفي أثناء تصوير مسلسل “ذئاب الجبل” العام 1993، مؤكدًا التزامه بالفن حتى اللحظة الأخيرة.

ومضات حالية

أخبار ذات علاقة

الممثل المصري يحيى الفخراني

بعد سنوات.. يحيى الفخراني يعود إلى المسرح بـ”الملك لير”

برغم القلة، ما زالت بعض الأسماء تحافظ على توهجها حتى اليوم. من بينها، يحيى الفخراني، 80 عامًا، الذي يواصل عروضه الناجحة بمسرحية “الملك لير”، وميرفت أمين (78 عامًا)، الحاضرة فنيًا حتى اليوم دون انقطاع.

أما رشوان توفيق وسميرة عبد العزيز، فما زالا يظهران، وإن كانت أدوارهما لا تعكس تألقهما السابق. في المقابل، يغيب عادل إمام منذ آخر أعماله “فلانتينو” العام 2020، بسبب ظروف صحية، كما تبتعد بوسي عن التمثيل منذ 2019، وتغيب الفنانة سميرة أحمد، 86 عامًا، منذ 15 عامًا، منذ مسلسل “ماما في القسم”، فيما لم تشارك لبنى عبد العزيز، 90 عامًا، في أي عمل منذ فيلم “جدو حبيبي” العام 2012، برغم حالتها الصحية الجيدة التي ظهرت بها، مؤخرًا، في ندوة تكريمها بالجامعة الأمريكية في الثُلث الأول من شهر أغسطس الجاري.

الغياب لأسباب مُتعددة

على النقيض، شهدت الساحة الفنية أيضًا، في فترات سابقة، غيابًا مطولًا لفنانين اختاروا الابتعاد طواعية، مثل فاتن حمامة التي لمعت في “وجه القمر” العام 2000، ثم اختارت الصمت حتى وفاتها في 2015. 

الفنانة الراحلة فاتن حمامة

وتختلف الأسباب بين اعتزال بإرادة شخصية أو ضعف في جودة الأدوار المعروضة، وهو ما يدفع كثيرين للعزوف حتى لا يخدشوا إرثهم الفني.

أزمة فكر لا تقنية

ما يكشفه هذا التباين بين الغرب والعالم العربي، ليس افتقارًا للإمكانات، بل خللًا في الرؤية؛ ففي هوليوود، تُكتب الأدوار للفنانين الكبار خصيصًا، في حين يُهمّش في العالم العربي الممثل المخضرم أو يُعرض عليه دورٌ باهت لا يليق بتاريخه، وهكذا، تضيع فرصة استثمار تراكم الخبرة في تقديم أعمال ذات قيمة مجتمعية أو تاريخية، وتفقد الشاشة وجوهًا كان يمكن أن تظل حاضرة ومؤثرة.

إنها ليست مسألة عُمر، بل أيدلوجيا في فهم الفن ذاته! 

فجوة ثقافية عميقة

أكدت عزة هيكل، أستاذة الأدب المقارن، في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز” أن النظرة إلى العمر ترتبط بالثقافة العامة، مشيرة إلى أن المجتمعات الغربية لا ترى التقدم في السن عائقًا، بل ينظرون إليه على أنه مُجرد رقم لا يمنع الإنسان من الإنجاز أو الحضور العام، موضحة أن كبار السن هناك يحصلون على جوائز عالمية، ويشغلون مناصب سياسية، ويتزوجون حتى في الثمانين، كما يواصلون أدوارهم الفاعلة في الأدب والسياسة والعلم والفن دون توقف، على حد قولها.

وقالت هيكل إن الوضع مختلف تمامًا في مصر والعالم العربي، حيث تُختزل حياة الفنان بعد الخمسين في فكرة “حسن الختام”، وتُرفض فكرة استمرارية العطاء بعد هذا العمر، وأضافت أن هذه النظرة السلبية تشمل غيابًا شبه تام للأعمال الفنية التي تتناول حياة كبار السن، برغم دورهم وتداخلهم المستمر في المجتمع، مشيرة إلى أن التقدم في العمر يُعامل كعبء لا كمرحلة طبيعية لها حضورها.

أخبار ذات علاقة

آل باتشينو

آل باتشينو يستذكر تجربته “المرعبة” مع كوفيد-19

وبينت أن هذه الثقافة المجتمعية تنعكس بشكل سلبي على الفنون والعادات والتقاليد، حيث يُنظر إلى كبار السن نظرة دونية يرافقها سخرية أحيانًا، وكأن التقدم في السن نهاية طبيعية للعطاء في كل المجالات، وليس في الفن فقط، في تهميش واضح يختلف عن تعامل المجتمعات الغربية مع المسنين، من وجهة نظرها.

واختتمت هيكل حديثها بالتأكيد على أن غياب الأعمال الأدبية والثقافية التي تُعالج هذه المرحلة العمرية يعود إلى نظرة مجتمعية تعتبر العمر المتقدم نهاية التجربة الإنسانية، وهو ما يخلق فجوة ثقافية عميقة تُقصي كبار السن من المشهد العام، وتحرمهم من التمثيل والتوثيق في الثقافة والفن.

أدوار هامشية

في هذا السياق، قالت الناقدة الفنية المصرية محاسن الهواري في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز” أن المسألة وإن كانت لها ظروف مُختلفة نسبيًا في حالات عدة، إلا أنها في المقام الأول أزمة فكر وأيدلوجية لا شيخوخة أو  عوامل التقدم في العمر بالنسبة لمجتمعاتنا العربية، على حد قولها.

وأوضحت أن أبرز أسباب غياب نجوم التمثيل في مصر والعالم العربي، يعود لعدم منحهم الأدوار التمثيلية البارزة التي تليق بمكانتهم الفنية المحفورة في ذاكرة الجمهور، ما يدفع غالبيتهم إلى تفضيل الغياب عن حضور لا قيمة له بأدوار قد تبدو هامشية، من وجهة نظرها.

الفنانة المصرية لبنى عبد العزيز

وأكدت الناقدة الهواري أن استغلال وجود أسماء فنية لامعة من الجيل الذهبي، الذي أثرى الحياة الفنية والثقافية في مصر خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مثل: الفنانة لبنى عبد العزيز، وسميرة أحمد، وآخرون، في الحضور بأدوار تمثيلية ليست سطحية على غرار بطولاتهن السابقة، دون تهميش، أو تصدير صورة عن متغيرات الفن في الوقت الحالي، التي قد لا تتناسب مع أفكارهم الكلاسيكية، مُشددة على ضرورة أن يحتوي الفن جميع الفئات العمرية في قصص تتماه مع الواقع الحياتي، ودون إخلال بنجومية نجوم كبار، همشهم غبار الزمن، على حد تعبيرها.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارم نيوز , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارم نيوز ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليق

[DCRP_shortcode style="4" image="0" excerpt="0" date="0" postsperpage="12" columns="1"]
زر الذهاب إلى الأعلى