كيف يوازن المجلس الانتقالي بين الضغط الشعبي وكسب الثقة الإقليمية والدولية
ومع تصاعد مطالب الشارع، يتزايد الخطر من دفع المجلس للجوء إلى خيارات عسكرية قد تُشعل فتيل صراعات داخلية طويلة الأمد.
في هذه السطور نستعرض الواقع الراهن، أدوات الضغط المتاحة، خطورة التمزق الداخلي، وخطورة التحول نحو العنف، داعيًا إلى الوحدة والعقلانية للحفاظ على المكتسبات ومصير الجنوب.
* أبعاد الضغط الشعبي
مع اشتداد معاناة الشعب الجنوبي وتزايد المطالب الشعبية، قد يجد المجلس الانتقالي نفسه تحت ضغط متصاعد يدفعه إلى خيارات قاسية، منها اللجوء إلى القوة العسكرية كوسيلة لحماية المكتسبات أو ردع الخصوم. لكن هذه الخطوة تحمل في طياتها مخاطر جسيمة؛ إذ إن اللجوء إلى السلاح لن يزيد الأمور إلا تعقيدًا، وسيزيد من قائمة الأعداء الذين يحيطون بالجنوب، مما قد يوحّد كل القوى المعادية في جبهة واحدة ضد المشروع الجنوبي.
كما أن التصعيد العسكري قد يؤدي إلى انقسامات داخلية ويزيد من احتمالية الفوضى والاقتتال الأهلي، ما يهدد النسيج الاجتماعي والاستقرار السياسي الذي كُدّ على بنائه بشق الأنفس.
إن القوة العسكرية ليست بديلاً عن السياسة والحوار، بل هي سيف ذو حدين، قد يؤدي إلى احتراق الجنوب بأكمله، وهو ما لا يتحمله شعبٌ يعاني أصلاً من أزمات متشابكة ومعقدة.
لذلك، يظل الرهان على الحكمة والتروي، وعلى العمل السياسي المنظم والضغط المدروس بوعي، هو السبيل الأمثل لتجاوز الأزمة، مع الحفاظ على الوحدة وتجنب الفتنة. فالجنوب في حاجة إلى قيادة تعي مسؤوليتها التاريخية، وتدرك أن الانتصار لا يُصنع بالسلاح وحده، بل بالوحدة والتخطيط والعمل المشترك.
*الجنوب في لحظة مفصلية
الجنوب اليوم لا يعيش أزمة عابرة، بل يمر بواحدة من أكثر لحظاته حرجًا وتعقيدًا منذ بداية مسيرته التحررية.
لا الجغرافيا تسعفه، ولا الاقتصاد يرحمه، ولا التحالفات الإقليمية والدولية تُنصف تطلعاته.
على امتداد الوطن، يُطحن المواطن الجنوبي بين رحى الانهيار الاقتصادي، وعبث المنظومة الفاسدة، وتجاهل الجهات المعنية لمعاناته اليومية. ومع ذلك، لا يزال الجنوب واقفًا، يتنفس بحذر، وينتظر انفراجة لا تأتي إلا بثمن.
في هذا المشهد الملبد، يقف المجلس الانتقالي الجنوبي كحامل سياسي لقضية الجنوب أمام معادلة بالغة الدقة تتمثل في كيف يمكن له أن يعبّر عن رفضه لهذا الواقع، ويدافع عن مصالح شعبه، من دون أن يشعل النار التي قد تلتهم الجميع؟ كيف يمارس الضغط دون أن ينساق إلى فخاخ الصدام؟ كيف يُسمع صوته دون أن يُتهم بإشعال الفوضى؟
الخيارات ليست كثيرة، ولكن الذكاء السياسي يكمن في أن تُحسن استخدام القليل المتاح. فالمجلس، بما يملكه من تأييد جماهيري، يستطيع أن يحشد الناس في الشوارع، لكنّه اختار أن يكون صوت العقل في زمن الغضب. اختار أن يُراكم الضغط بأساليب لا تُفجر الداخل، بل تُربك الخصوم وتُلفت أنظار الخارج. المظاهرات السلمية المنظمة، والتصعيد الإعلامي المنهجي، والتحرّك السياسي الخارجي… كلها أدوات يمكن أن تكون قنابل ضغط بلا دخان، إذا ما استُخدمت بوعي وتكتيك.
ومع ذلك، فإن أخطر ما يهدد الجنوب اليوم، ليس فقط انهيار العملة أو تدهور الخدمات، بل خطر التمزق الداخلي.
كل تشظٍ جنوبي سياسيًا أو مناطقيًا هو جرح جديد في الجسد الواحد، وكل انقسام يُفتح الآن هو باب يُدخِل العدو دون عناء.
الجنوب لا يملك ترف الصراعات الجانبية، لأن كل انقسام هو تأجيل لحلم الدولة، وكل خصومة صغيرة هي ربح صافٍ لأعداء الجنوب.
ما يحتاجه الجنوب الآن ليس صوتًا أعلى، بل كلمة موحّدة ليس تسابقًا على المواقف، بل تنسيقًا للمواقف.
لهذا، فإن المجلس الانتقالي رغم الضغوط يصر على التعامل بالعقل لا بالسلاح، بالحوار لا بالصدام، بالمبادرة لا بالردة وهو خيار شجاع، لا يُفهم إلا من قِبل من يعرف معنى بناء الدولة وسط الركام. فالصوت الذي يدعو للهدوء لا يعني الاستسلام، بل يعني امتلاك زمام الأمور. والمجلس لا يهادن خصومه، بل يختار توقيته بعناية، ويُبقي أوراقه قريبة من صدره، لأنه يعرف أن المعركة الكبرى ليست في تفاصيل يوم، بل في معركة مصير.
النضال الجنوبي اليوم لم يعد كما كان،لم يعد فقط مظاهرة أو بيان أو مواجهة مسلحة.
لقد دخل مرحلة أكثر عمقًا وأكثر نضجًا، حيث يتحول إلى نضال مؤسساتي، اقتصادي، إعلامي، وسياسي مركّب.
أن تُصمد في زمن الانهيار، أن تُقيم مؤسساتك رغم كل التآمر، أن تُخاطب العالم بلغة القانون والحق… هذا نضال من نوع آخر، نضال يليق بدولة تُبنى، لا بحركة تمرّد تُقمع.
وفي قلب هذا المشهد، يبقى الأمل معقودًا على وعي الناس على الجنوبي الذي لم تنكسر روحه رغم المعاناة، ولم يبع حلمه رغم الإغراءات.
*خطاب العقل
بين هدير البنادق وصوت العقل، يختار المجلس الانتقالي الجنوبي طريق الحكمة، وهو خيار لا يُملى من ضعف أو تردد، بل ينبع من فهم عميق لتعقيدات المرحلة وتشابك المصالح المحلية والإقليمية والدولية.
الجنوب اليوم ليس ساحة معزولة، بل جزء من لوحة إقليمية مضطربة، وأي اندفاع غير محسوب نحو المواجهة المفتوحة قد يؤدي إلى نتائج كارثية تتجاوز حدود ما يمكن إصلاحه.
وفي حين أن بعض الأصوات تنادي بالتصعيد وتلوّح بخيارات عسكرية أو شعبوية، يُدرك المجلس الانتقالي أن اللجوء إلى السلاح خيار بالغ الخطورة قد يحرق الأخضر واليابس، ويفتح أبواب الاحتراب الداخلي الذي لن يخرج منه أحد منتصرًا.
لذلك يصر المجلس على تبني خطاب العقل، باعتباره حجر الزاوية في مشروعه الوطني، ليس فقط لتحقيق أهدافه السياسية، بل لصون نسيج المجتمع الجنوبي ومنع انزلاقه إلى حافة الهاوية.
رهان المجلس لم يكن يومًا على مجرد استعراض القوة، رغم حضوره الميداني الوازن، بل على وعي الجنوبيين وإدراكهم بأن مشروع الدولة لا يبنى فوق الأنقاض، بل على أساس صلب من التفاهم والشراكة والاتفاق. وهذا الخطاب المتعقّل لا يعني التنازل أو القبول بالظلم، بل هو تعبير عن شجاعة سياسية ومسؤولية تاريخية، ترمي إلى كسب المعركة الكبرى معركة الاستقرار والبناء.
لا يُراهن المجلس الانتقالي الجنوبي، بموقفه هذا، فقط على البقاء في المعادلة، بل على أن يكون صانع التوازن ومهندس المستقبل.
فالمستقبل لا تصنعه البنادق وحدها، بل تصنعه الرؤى الواضحة، والإرادة الوطنية، والخطاب الذي يخاطب العقل والضمير، لا الغرائز والانفعالات. ولذلك، فإن الرهان الحقيقي ليس على من يصرخ أكثر أو يلوّح بالسلاح، بل على من يصمد في وجه العاصفة ويقود السفينة بحكمة نحو برّ الأمان.
*التوعية النضالية في زمن الأزمات
لم يعد النضال الجنوبي محصورًا في ميادين المواجهة أو الشعارات الثورية التي عرفها الناس في مراحل سابقة، بل بات يتخذ اليوم أشكالًا أكثر تعقيدًا ونضجًا، تفرضها تحولات الداخل وضغوط الخارج.
فزمن الأزمات يفرض إعادة تعريف أدوات النضال ووسائله، بطريقة تضمن الثبات على المبادئ مع تجديد الأساليب والرؤى. والمجلس الانتقالي الجنوبي، بصفته الحامل السياسي لقضية الجنوب، يجد نفسه أمام مسؤولية مزدوجة: الحفاظ على جذوة النضال متقدة، وفي الوقت ذاته، إعادة ضبط بوصلة الحركة بما يتماشى مع تطورات المشهد ومتطلبات اللحظة.
في زمن كهذا، يصبح النضال في شكل صمود اقتصادي، وابتكار حلول محلية للمعاناة المعيشية، نضالًا لا يقل أهمية عن أي مواجهة سياسية أو ميدانية. كما أن بناء المؤسسات الجنوبية، وفرض السيادة الإدارية على الأرض، وتقديم نموذج مختلف للحكم الرشيد، يدخل اليوم في صلب المعركة، بل ويشكل جوهرها الحقيقي.
إن قدرة المجلس على التكيف مع هذه التحديات، وتحويل النضال من مجرد حالة ثورية إلى مشروع وطني شامل ذي أبعاد سياسية واقتصادية ومجتمعية، هي ما سيحدد مصير الجنوب في المستقبل. فالأزمات لا تعني التراجع، بل تمثل اختبارًا للإرادة والوعي، وتمنح الفرصة لإعادة تشكيل المشروع الجنوبي بصورة أكثر عمقًا وواقعية.
وبهذا المعنى، فإن النضال الجنوبي اليوم لم يمت، بل يتطور من صوتٍ في الميدان، إلى عقلٍ في مراكز القرار، وإرادةٍ تصنع طريق الدولة المنشودة.
*إلى الشعب الجنوبي
حين تضيق الأفق وتشتد الأزمات، لا تنهض الأوطان إلا على أكتاف شعوبها الواعية. وفي الجنوب، حيث الألم طويل، والمعاناة لم تكن يومًا طارئة، بزغ النور من بين الركام، وأثبت الشعب الجنوبي أنه ليس متفرجًا على مأساته، بل فاعلًا في صناعة مصيره.
لم يكن الهامش قدره، ولا التبعية خياره، بل كانت الكرامة دومًا بوصلته، والإيمان بقضيته وقود صموده.
لقد صمد الجنوبيون في وجه الحروب، وواجهوا الإقصاء والتهميش، وارتقوا فوق الجراح، ليثبتوا في كل مرة أنهم ليسوا مجرد جمهور يتابع الأحداث، بل هم أبطالها الأوائل ومحركوها الحقيقيون.
وكلما اشتد الحصار، واشتعلت الأزمات، ازداد إيمان هذا الشعب بحقه في حياة كريمة، ودولة عادلة، ومستقبل يصنعه بيديه لا يُفرض عليه.
ما يواجهه المجلس الانتقالي الجنوبي من تحديات ومؤامرات تجعل من وقوف الشعب الجنوبي واصطفافه إلى جانبة ضرورة قصوى لأن قوته مستمدة من الالتفاف الشعبي حوله.
أما المرحلة القادمة، فهي لا تحتمل الانتظار أو اللامبالاة، بل تحتاج إلى وعي جماهيري يعيدم صياغة المشهد، ويمنح القضية الجنوبية شرعيتها المتجددة من قلب الشارع.
لن يُمنح لنا شيء ما لم ننتزعه، لا بالعنف، بل بالوعي والإصرار. وهذا الانتزاع لا يعني الفوضى، بل يعني التنظيم، والتكاتف، والانضباط، والإيمان بأن الدولة لا تُبنى فقط على أنقاض الصراعات، بل على إرادة الحياة. فلتكن رسالتنا اليوم: لا تراجع، لا تشظي، لا يأس… بل ثباتٌ على المبادئ، ومرونة في الأدوات، وإصرار على أن الجنوب الذي نحلم به لا يزال ممكنًا، إذا ما اجتمعت القلوب والعقول على كلمة سواء.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة 4 مايو , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من 4 مايو ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.