في حضرة البحر والتاريخ.. حكاية مسجد الإمام المسعود ابن هانئ (صور)

في الشمال من ريف اللاذقية، حيث تتعانق الطبيعة مع البحر، وتغفو الشمس على خاصرة المتوسط، هناك تجد أفخر المنتجعات السياحية التي تعانق ضفاف الموج وتتماوج المطاعم ما بين نكهات شرقية وغربية، حيث يتربّع مسجد صغير في حجمه، كبير في قيمته، على رقعة نادرة من الرمل والروح، كأنه شجرة ضاربة الجذور في أعماق التاريخ، لا تهزها ريح ولا تطالها موجة.
هو مسجد الإمام المسعود ابن هانئ، أحد أقدم المعالم الدينية في المنطقة، يجاوره البحر والسكان المحليون، الذين امتهنوا صيد الأسماك والحرف اليدوية المستلهمة من روح الحضارة الفينيقية التي نهضت يوماً من هذه الأرض.

مسجد ابن هانئ
يقع هذا المسجد على الشاطئ الشمالي لمدينة اللاذقية، على بُعد نحو 10 كم شمال الطريق العام المؤدي إلى مدينة أوغاريت الأثرية، وقد تم هدم المسجد القديم وبُني على أنقاضه مسجد حديث يعرف اليوم بمسجد ابن هاني، يحتفظ فقط بالمئذنة القديمة ومقام الإمام.
وكان المسجد في الماضي منارة طبيعية يهتدي بها البحّارة، خاصة المتجهين نحو الأراضي التركية أو جزيرة قبرص الواقعتين في الجهة الشمالية الغربية.
“أبو مصطفى”، أحد الصيادين المحليين من سكان المنطقة، تحدّث لـ “إرم نيوز” عن تلك الأيام، حين كان المسجد قبلة للزوار من كل مكان، تحيط به المقاهي الشعبية، ويجتمع الناس من كل الأعمار، بينما يتوزع الصيادون على الشاطئ بصناراتهم الطويلة، في مشهد يروي بنفسه قصة ارتباط الإنسان بالمكان والبحر.
وتُروى في المنطقة أسطورة قديمة، يؤمن بها البعض، تقول إن المسجد بُني لحماية مدينة اللاذقية من طوفان البحر. ولهذا، لا يزال البعض يقطع الطريق سيراً على الأقدام – وأحياناً حفاة – لزيارته والتبرك به. لكن، حيث يقومون برحلة الشتاء إليه سيراً على الأقدام، وهذه الرحلة من العادات القديمة التي يحافظ السكان المحليون عليها، وهي جزء من التراث الشعبي، من هو الإمام المسعود ابن هانئ؟.

الإمام المسعود ابن هانئ
هو صحابي جليل من آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والدته الصحابية أم هانئ، ابنة عم النبي وأخت الإمام علي بن أبي طالب، وبحسب المؤرخين، استشهد الإمام المسعود أثناء الفتوحات الإسلامية ودُفن في هذا الموقع، الذي تحول إلى مزار وقبلة للزوار من داخل سوريا وخارجها.
وقد ارتبطت أسماء عديدة بهذا المقام، منها: “المسعودية” – قرية الصيادين المجاورة للمزار، و”مسجد المسعود بن هاني”، و”رأس بن هاني” البحري، والتل الأثري القريب.

إرث في الوجدان
المهندس سامي عوض، عند سؤاله عن أهمية المكان، أخبر “إرم نيوز” أن رجلاً من دولة الإمارات، وتحديداً من الشارقة، تبرّع ببناء مسجد حديث بجوار المسجد الأصلي ليستوعب عدداً أكبر من المصلين، مضيفاً أن السير إليه وقت الغروب متعة لا تُوصف، خاصة أنه يتوسط منطقتي شاطئ الكرنك وشاطئ شعبي آخر يرتاده أبناء الطبقات الشعبية.
أما الوصول إلى هذا الموقع، فزيارة المسجد تبدأ من المدخل الحجري الكبير، ثم الوصول إلى الساحة الرئيسة، حيث تتفرع الممرات نحو أقسام متعددة، أحدها للعناية بالمسجد، وآخر لزيارة الضريح، وآخر للخروج نحو البحر حيث تتعانق الصخور مع الموج، وتهمس الطبيعة بأن هذا المكان محصن بالقداسة والرمز.

حكايات من الذاكرة
السيدة أم أحمد تحدّثت بفخر عن ذكريات الصيف، حين كان المكان عامراً بالزوار، كانت تصنع الفطائر على “الصاج” وتقدم الشاي للضيوف، وتبيع التذكارات البحرية المصنوعة يدوياً، مثل: السفن الخشبية، والصدفيات، والمرايا، والتماثيل.. وغيرها، لكنها أسفت بأن الزوار اليوم قلّ عددهم بعد الحرب، واقتصر الأمر حالياً على أبناء المنطقة فقط.
إن الساحل السوري كتاب مفتوح على الحضارات، تحكي أطلاله عن الإنسان ومسيرته، عن الجمال الذي قاوم الغياب، وعن أماكن، كمسجد الإمام المسعود ابن هانئ، لا تزال تقف كشاهد حيّ على الزمن والتاريخ والروح.. هذا المكان.. ليس مجرد مسجد، بل ذاكرة تتنفس، وحكاية لا تزال تُروى.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارم نيوز , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارم نيوز ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.