فساد الحوثيين وغسيل الأموال: حرب اقتصادية على المواطن اليمني

على مدار أكثر من عقد من الزمن، شكلت ميليشيات الحوثي في اليمن تهديداً ليس فقط على المستوى العسكري، بل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي أيضًا. منذ انقلابها على الدولة، مارست المليشيات فساداً مالياً هائلاً شمل النهب المباشر وتحويل الموارد المالية إلى خزائن قياداتها، بينما يعيش المواطن اليمني العادي في حالة فقر وجوع وانقطاع مستمر للخدمات الأساسية.

هذا الفساد المالي لا يقتصر على النهب التقليدي، بل امتد ليشمل غسيل الأموال، تهريب المخدرات، تزوير العملة المحلية، واستغلال الاقتصاد الموازي، ما جعل المواطن اليمني العادي تحت رحمة المليشيات وزاد من معاناته اليومية. كل عملية مالية أو تجارية تقع تحت سيطرة الحوثيين تمثل أداة للتحكم في حياة السكان وتحويل الثروات العامة إلى حسابات خاصة للقيادات.

1. نهب الأموال والتحصيل القسري

تقوم المليشيات الحوثية بتحصيل الخُمس والجبايات من المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها بالقوة. ويشمل ذلك موظفي الدولة، التجار، أصحاب المشاريع الصغيرة، وحتى العاملين في القطاعات الزراعية والصناعية. هذه الأموال تُحوّل مباشرة إلى حسابات قيادات المليشيات، بعيداً عن تحسين حياة المواطن أو دفع الخدمات الأساسية.

الآلية التي تعتمدها المليشيات تتضمن فرض رسوم إضافية على كل نشاط اقتصادي، سواء كان تجارياً أو زراعياً أو حتى خدماتي، كما يتم فرض جبايات على المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهو ما يجعل المواطن العادي يدفع ضعف ما يستحقه، فيما تعود الأرباح إلى القيادات. ويشير مراقبون اقتصاديون إلى أن هذا النوع من النهب يجعل المواطن اليمني رهينة للفقر المدقع ويمنع أي محاولة لتحسين مستوى معيشته.

من أبرز النتائج الاجتماعية لهذه السياسات، ظهور فجوة اقتصادية شديدة بين قيادات المليشيات والمواطنين، حيث يتحول الفقر في المناطق الخاضعة للسيطرة الحوثية إلى حالة شبه مستمرة، بينما القادة يمتلكون سيارات فارهة، ممتلكات عقارية، وشركات استثمارية صغيرة وكبيرة في المدن والمناطق المسيطر عليها من قبل الميليشيات.

2. غسيل الأموال وتهريب المخدرات

لم يقتصر فساد الحوثيين على الاستحواذ على الموارد الداخلية، بل شمل أيضاً تحويلها إلى خارج اليمن عبر عمليات غسيل الأموال المعقدة. تستخدم المليشيات هذه الأموال في تمويل حربها وتجويع المواطنين، كما تعتمد على تهريب المخدرات، وخاصة الحشيش، لتوليد أرباح إضافية ضخمة.

وفي تغريدة على منصة X، أكد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني أن المليشيات قامت بتحويل نحو 103 مليارات دولار أمريكي من موارد الدولة إلى أدوات لتمويل الحرب وتهريب المخدرات وغسيل الأموال. هذه المبالغ الهائلة، لو استخدمت في تحسين الخدمات العامة، كانت كافية لتغطية احتياجات ملايين اليمنيين، لكنها بدلاً من ذلك خدمت مصالح قيادات المليشيات فقط.

تؤكد تقارير محلية ودولية أن شبكات تهريب المخدرات التي تديرها المليشيات تشمل دولاً متعددة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ما يجعل اليمن مركزاً رئيسياً لغسيل الأموال وتمويل العمليات العسكرية الحوثية، بينما المواطن اليمني يدفع الثمن الأكبر من حيث غلاء المعيشة وفقدان الأمن الغذائي. العمليات لا تتوقف عند تهريب المخدرات فقط، بل تشمل تحويل الأموال من شركات خاصة وأصول حكومية إلى حسابات خارجية، ما يعمّق الأزمة الاقتصادية ويزيد الاعتماد على التمويل الخارجي.

3. تزوير العملة المحلية

أحد أبرز أساليب الحوثيين في تقويض الاقتصاد اليمني هو تزوير العملة المحلية. هذا التزوير يرفع معدلات التضخم ويخفض قيمة الريال بشكل كبير، ويجعل المواطن اليمني غير قادر على شراء السلع الأساسية. الأسواق الموازية التي تسيطر عليها المليشيات تستفيد بشكل كامل من هذا التزوير، حيث يتم شراء السلع بأسعار منخفضة ثم إعادة بيعها بأسعار مضاعفة.

تزوير العملة يهدف إلى تفريغ السوق من السيولة الرسمية، ما يتيح للمليشيات التحكم بالأسعار والتحكم بالاقتصاد المحلي. المواطن العادي يواجه صعوبة في تأمين المواد الغذائية الأساسية، بينما يتمكن القادة الحوثيون من شراء الأصول العقارية أو تمويل عمليات تجارية ضخمة بأسعار منخفضة، مما يزيد من تركز الثروة في أيدي أقلية صغيرة.

كما أن تزوير العملة يساهم في تقويض ثقة الناس بالمصارف المحلية، ويجعلهم يلجأون إلى الأسواق الموازية أو إلى العملات الأجنبية، ما يزيد من الأزمة الاقتصادية ويجعل المواطنين أكثر هشاشة أمام التضخم والفقر.

4. تجويع المواطن اليمني

نتيجة لممارسات المليشيات الحوثية، يعيش المواطن اليمني حالة مستمرة من الفقر والجوع وانقطاع الخدمات الأساسية. النهج الاقتصادي للمليشيات يجعل المواطنين يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية والأسواق الموازية، بينما تتحكم المليشيات في كل جوانب حياتهم اليومية.

في كثير من المناطق، يضطر المواطن اليمني إلى شراء الغذاء بأسعار مرتفعة للغاية مقارنة بدخله، وهو ما يفاقم الأزمة الإنسانية. كما يؤدي ارتفاع الأسعار إلى زيادة ظاهرة الهجرة الداخلية والخارجية، خاصة بين الشباب الذين يبحثون عن فرص عمل وحياة أفضل بعيداً عن سيطرة المليشيات.

5. أثر الفساد على الاقتصاد الوطني

يؤدي فساد الحوثيين ونهبهم للموارد إلى تدهور الاقتصاد الوطني. الموارد المالية التي كان من المفترض أن تُستخدم لتحسين حياة المواطن وتحفيز النمو الاقتصادي تم تحويلها إلى حسابات قيادات المليشيات وأصولهم الخاصة. الاقتصاد الموازي الذي أسسوه يعتمد على شركات ومؤسسات تحت سيطرتهم، مما يزيد من تهميش المواطن العادي ويضعف قدرة الدولة على توفير الخدمات.

كما أن الممارسات الحوثية في البحر الأحمر أدت إلى فرض عقوبات اقتصادية دولية على الشركات والمؤسسات المرتبطة بالمليشيات، ما زاد من عبء الأزمة على المواطنين. الاقتصاد اليمني، الذي يعاني أصلاً من ضعف البنية التحتية والتضخم المرتفع، أصبح تحت سيطرة المليشيات بشكل كامل، فيما المواطن اليمني هو من يدفع الثمن باهظاً.

6. التغير الاجتماعي للقيادات الحوثية

خلال السنوات الماضية، تحول العديد من قيادات الحوثيين من فقراء أو منتمين لطبقات متوسطة إلى أثرياء يمتلكون عقارات وشركات ضخمة. هذا التحول السريع يعكس مدى الاستفادة الشخصية للقيادات من النهب، غسيل الأموال، تهريب المخدرات، وتزوير العملة، في حين يظل المواطن اليمني يعيش تحت وطأة الفقر المدقع.

تظهر الصور الاقتصادية والاجتماعية للبلاد فجوة هائلة بين القيادات الحوثية الغنية والمواطن العادي، ما يعمّق شعور الظلم ويزيد من الاحتقان المجتمعي، ويجعل المواطن اليمني عاجزاً عن تحسين ظروفه المعيشية بسبب السيطرة الاقتصادية الكاملة للمليشيات.

7. حرب اقتصادية ممنهجة على المواطن اليمني

يؤكد الخبراء أن الحوثيين لا يشنون حرباً عسكرية فحسب، بل يشنون حرباً اقتصادية ممنهجة على المواطن اليمني. عمليات النهب، غسيل الأموال، تزوير العملة، وتهريب المخدرات كلها أدوات لضمان استمرار السيطرة على السكان وتجويعهم. المواطن اليمني يجد نفسه عاجزاً عن تأمين مستلزماته الأساسية، ويعيش في حالة من الفقر المستمر وسط أزمات غذائية وصحية غير مسبوقة.

8. تأثير الفساد على الخدمات العامة

تسببت سياسات المليشيات في تدهور الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية. المستشفيات تعاني من نقص الأدوية والمعدات الطبية، والمدارس غير قادرة على تقديم تعليم مستمر بسبب قلة الموارد وارتفاع تكاليف التشغيل، فيما تواجه الأسر صعوبة في تأمين احتياجاتها اليومية. هذا الواقع يجعل المواطن اليمني أكثر عرضة للفقر والجوع ويقلل من فرصه في حياة كريمة.

الأزمات الصحية تتفاقم بسبب انقطاع التمويل عن المستشفيات والمراكز الصحية، ونقص الأطباء والأدوية، فيما تزداد الأمراض المزمنة والمتوطنة. الأطفال يعانون من سوء التغذية بسبب ارتفاع أسعار الغذاء وانعدام الرقابة على المواد الغذائية، ويصبح المستقبل الصحي والاجتماعي للمجتمع مهدداً بشكل خطير.

9. هشاشة السوق والمواطن اليمني

تؤدي سيطرة الحوثيين على الاقتصاد إلى هشاشة السوق وفقدان التوازن بين العرض والطلب. المواطن اليمني العادي يجد نفسه أمام سوق مليئة بالسلع المدفوعة بأسعار مبالغ فيها أو غير متوفرة، فيما تستفيد قيادات المليشيات والشركات التابعة لهم من أسعار مرتفعة وعوائد ضخمة.

كما أن غياب رقابة الدولة على الأسواق يجعل المواطن اليمني في موقف ضعيف، حيث لا توجد جهة تحميه من الغلاء أو من الاحتكار الذي تمارسه الشركات المملوكة للحوثيين. هذا الواقع يزيد من شعور الاستياء ويضعف القدرة الشرائية بشكل كبير، بينما المليشيات تعزز من ثروتها في الوقت نفسه.

10. التهديد المستمر للمستقبل الاقتصادي

إذا استمرت سياسات المليشيات بهذا الشكل، فإن المستقبل الاقتصادي والاجتماعي للمواطن اليمني سيكون أكثر هشاشة. انهيار الريال، تفاقم البطالة، تدهور التعليم والصحة، واستمرار تهريب الأموال والمخدرات، كلها عوامل تجعل المواطن عاجزاً عن تحسين وضعه أو الاعتماد على نفسه.

الاقتصاد اليمني بحاجة إلى إصلاح شامل يوقف سيطرة الحوثيين على الموارد ويعيد توزيع الثروة بطريقة عادلة، لكن حتى الآن، يبقى المواطن اليمني هو الضحية الأساسية في حرب اقتصادية ممنهجة تستهدف تجويعه وإبقائه تحت السيطرة التامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى