زيارة الرئيس العليمي إلى موسكو.. رسائل سياسية عميقة وثمرة جهود دبلوماسية متقنة

زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد محمد العليمي الى موسكو تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خطوة وُصفت بأنها تحمل أبعاداً استراتيجية وتاريخية. وقد حظي الرئيس العليمي باستقبال رفيع المستوى عكس عمق ومتانة العلاقات اليمنية الروسية واهتمام القيادة الروسية بالشأن اليمني.
الاحتفاء الروسي بزيارة الرئيس العليمي أكدت المكانة التي يحتلها اليمن والقيادة اليمنية في المعادلة الإقليمية والدولية وعكست أيضاً رغبة روسية صريحة في مساعدة اليمنيين في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة وتزايد أهمية اليمن كدولة محورية في الجنوب العربي والممرات البحرية الاستراتيجية.
*ثمرة جهود دبلوماسية*
هذه الزيارة الرسمية تأتي في سياق تحرك دبلوماسي نشط تقوده وزارة الخارجية بقيادة الدكتور شائع الزنداني ، حيث كانت التحضيرات والاتصالات والزيارات التي سبقتها ومنها زيارة الزنداني إلى موسكو في أغسطس من العام الماضي ولقائه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بمثابة الأساس المتين الذي مهّد لهذه القمة اليمنية الروسية.
سلسلة لقاءات واتصالات بين الطرفين سبقت زيارة الرئيس العليمي، كان آخرها لقاء وزير الخارجية د. الزنداني بالمبعوث الخاص لفخامة رئيس روسيا الاتحادية إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية السيد ميخائيل بوغدانوف في العاصمة بغداد، ما يعكس ديناميكية دبلوماسية يمنية متصاعدة تستثمر الزخم الدولي والإقليمي في خدمة أجندة الدولة اليمنية وإعادة تموضعها على الخارطة الدولية.
ويُجمع كثير من المراقبين على أن التحول الملحوظ في الأداء الدبلوماسي اليمني خلال العام الأخير لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة لعمل منهجي ومدروس أعاد الحيوية إلى السياسة الخارجية، وفعّل أدوات الاتصال الدولي بطريقة أكثر توازنًا وفاعلية تجلّت هذه الديناميكية الجديدة بوضوح في تنوّع الشراكات، واتساع دائرة الحضور اليمني على الساحة الإقليمية والدولية، فضلًا عن التهيئة الدقيقة والاستباقية التي سبقت زيارة الرئيس العليمي إلى موسكو، والتي عكست قدرة المؤسسة الدبلوماسية على استعادة دورها الحيوي، وقراءة المشهد الدولي بذكاء ومرونة.
ويجدر هنا الإشارة الى الدور الفاعل لوزارة الخارجية في الحفاظ على المركز القانوني للدولة ، وترسيخ حضور مجلس القيادة الرئاسي كطرف شرعي وممثل وحيد للشعب اليمني، وهو ما انعكس من خلال إعادة ترتيب علاقات اليمن مع العالم، وفق رؤية مدروسة تخدم السيادة والمصالح الوطنية العليا ولذلك نجحت الدبلوماسية اليمنية في ترسيم علاقات نشطة وفاعلة مع 69 دولة مهمة، بما في ذلك استقبال أوراق 18 سفيراً مقيماَ و51 سفيراَ غير مقيم، في مؤشر واضح على اتساع الاعتراف الدولي بالشرعية، واستعادة الثقة بالمؤسسات اليمنية.
*رسائل سياسية*
تمثل زيارة الرئيس العليمي الى موسكو علامة فارقة في مسار العلاقات اليمنية الروسية ليس فقط لما تحمله من طابع رسمي رفيع المستوى واستقبال حافل غير مسبوق، بل أيضاً لأنها تأتي في توقيت بالغ الأهمية على الصعيدين الإقليمي والدولي. لاسما وأن آخر زيارة لرئيس يمني الى روسيا كانت قبل 12 عام فيما العلاقة بين البلدين متجذرة وتمتد لنحو مائة عام.
مستوى الاستقبال والتغطية الإعلامية الروسية لزيارة الرئيس العليمي تؤكد أن موسكو تنظر إلى اليمن كشريك إقليمي له وزنه، وتُدرك حجم التحديات التي تمر بها اليمن، وتسعى لأن يكون لها دور فاعل في المساهمة بالحلول، خصوصاً في ظل إعادة رسم خارطة التحالفات الدولية في المنطقة.
اللقاء بين العليمي وبوتين لم يكن مجرد بروتوكول سياسي، بل حمل رسائل واضحة في حديث الرئيسين وعكس حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تطوراً في النظرة الروسية تجاه اليمن وخصوصا تأكيده على عمق العلاقة التاريخية ودعمه للحكومة الشرعية وأهمية تعزيز التعاون بين البلدين وان زيارة الرئيس العليمي ستكون فرصة جيدة لتعزيز الشراكة بين البلدين.
حديث الرئيس د. رشاد العليمي اثناء لقاءه الرئيس الروسي حمل رسائل أكثر وضوحاً حين حرص على تفنيد الحقائق بالتأكيد على “الدعم الروسي للحكومة الشرعية لمواجهة انقلاب المليشيا الحوثية المدعومة من النظام الإيراني” وقال العليمي “نتطلع اليوم يا فخامة الرئيس الى أن تكون روسيا امتداد لدعم الاتحاد السوفيتي للجمهورية وأن تكونوا معنا في استعادة الأمن والسلام والاستقرار لليمن وفي استعادة الجمهورية التي اختطفها الانقلابيون في صنعاء وادخلوا اليمن في مشاكل عديدة بما فيها عسكرة البحر الأحمر وخلق مشكلات صدامية مع الجيران في المنطقة”
ورحب الرئيس العليمي بتأكيد الرئيس الروسي على فتح السفارة الروسية في العاصمة المؤقتة عدن موضحاً أن “الدولة اليمنية تنشد السلام وأن آخر المحاولات لإحلال السلم في اليمن كانت قبل الاشقاء في المملكة العربية السعودية من خلال خارطة الطريق وأن الحوثيون وداعميهم انقلبوا على هذا المحاولة”
*أهمية وأبعاد الزيارة*
اهتمام موسكو المتزايد بالشأن اليمني وزيارة الرئيس العليمي لا ينفصل عن التحولات في السياسات الروسية في الشرق الأوسط كون روسيا تدرك أن اليمن يشكل موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية، يتصل بالبحر الأحمر وبممرات الملاحة الدولية، وله تأثير مباشر على أمن منطقة الخليج والقرن الإفريقي، وبالتالي، فإن تعزيز علاقاتها مع الحكومة اليمنية ينسجم مع رغبتها في مد روابط العلاقة وتعميق حضورها في المنطقة.
لا شك أن هذه الزيارة تحمل في طياتها رسائل سياسية متعددة الاتجاهات، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن اليمن لن يمثله سوى قيادته الشرعية المعترف بها دولياً، والمتمثلة بمجلس القيادة الرئاسي.
وفي ظل حالة الانقسام والظروف التي تشهدها اليمن لاسيما بعد التفاهمات التي جرت بما يخص الملاحة لبحرية برعاية سلطنة عمان تأتي هذه الزيارة لتعيد التأكيد على من هو الطرف الشرعي المخوّل بإدارة شؤون البلاد، وتمثيلها في المحافل الدولية، والتحدث باسمها في الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية. وقد جاءت الرسائل الروسية خلال هذه الزيارة واضحة وحاسمة بأن موسكو تتعامل مع القيادة الشرعية اليمنية، وتدعم مؤسسات الدولة اليمنية، وترفض الانجرار خلف الجماعات الخارجة عن إطار الشرعية.
وتكتسب هذه الرسائل أهمية خاصة في ظل استمرار الأنشطة التخريبية والممارسات الإرهابية التي تنفذها ميليشيات مدعومة من إيران، والتي لا تخدم سوى أجندات إقليمية تتعارض مع مصلحة اليمن واستقراره. ومن هنا، فإن الموقف الروسي يشكل صفعة دبلوماسية لهذه الجماعات، ويؤكد أن روسيا لن تكون طرفًا في أي مشروع تخريبي في اليمن، ولا تدعم الكيانات الخارجة عن النظام والقانون.
كما تعزز هذه الزيارة من موقف القيادة اليمنية على الصعيد الدولي، حيث تُوجّه رسالة قوية للمجتمع الدولي مفادها أن أي نقاش جاد حول مستقبل اليمن أو مسار التسوية السياسية لا يمكن أن يتم إلا عبر القنوات الرسمية، وتحت مظلة القيادة الشرعية التي تمثل كافة أطياف الشعب اليمني.
*زيارة أنعشت وجدان اليمنيين*
لم تكن مظاهر الاحتفاء الشعبي بزيارة الرئيس العليمي إلى روسيا مجرد تفاعل إعلامي أو لحظة فخر دبلوماسي، بل عكست حالة وجدانية عميقة يعيشها اليمنيون منذ سنوات، مفادها أن مطلب الجميع دوله يحترمها العالم ولها حضورها في عواصم القرار العالمي.
التفاعل في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتعليقات التي حملت مشاعر الفخر والاعتزاز، كلها دلّت على أن اليمنيين يشعرون بحاجة نفسية وسياسية لأن يروا قيادتهم تمثلهم تحظى بالاحترام الكبيرة مثلما حصل في روسيا ويتعطشون لمثل هذه المشاهد والمواقف التي تنعش الوجدان.
زيارة الرئيس العليمي إلى موسكو، واستقباله من الرئيس بوتين، كانت بالنسبة لكثير من اليمنيين لحظة تعويض رمزي عن سنوات من العزلة والخذلان والفوضى ولذلك فإن الشارع اليمني لم يكن يصفق للزيارة فقط.. بل كان يصفّق للعودة التدريجية للدولة التي ينشدونها، ولليمن الذي يفتخرون به، وللحضور الذي طالما تمنوه بعد سنوات من الانكسار والضياع في الزحام الإقليمي والدولي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة المشهد اليمني , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من المشهد اليمني ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.