حلف قبائل حضرموت بين التراجع وفقدان أوراق الضغط


كانت حضرموت تعيش على حافة اختبار جديد؛ طرقٌ أثقلتها نقاط الجباية العشوائية، وشارعٌ أنهكته السوق السوداء للوقود، وسجالٌ مفتوح بين السلطة المحلية ومن يريد أن يحوّل العوائد النفطية إلى أوراق تفاوض. في هذا المناخ، خرج بيان حلف قبائل حضرموت بعنوان “توضيح” . لكنه، منذ جملته الأولى، بدا وكأنه يحاول أن يُسكت الصدى لا أن يشرح الصوت؛ لغة مرنة تُخفي خيبة مفاوضات قيل إنها “صفقة لم تكتمل” لا أحد يعرف مع من تمت ولا أين ولا كيف.

تقدّم الحلف في بيانه بكلمات مطمئنة عن “التفاهمات” و”الحرص على الأمن والاستقرار”، غير أنه ظل يدور حول الفكرة الأكثر إيلامًا دون أن يقترب منها: عوائد المشتقات النفطية وآلية اقتسامها. كان المشهد واضحًا لمن تابع تفاصيل الأسابيع الماضية؛ ضغوط سياسية وإعلامية، محاولات لتحويل “ورقة الطريق” إلى قوة ابتزاز، ثم عودة مرتجلة إلى خطاب “حسن النية” بعد أن استهلكت الأدوات مفعولها. وحين ختم البيان بالاعتراف بأن “الأمور وصلت إلى طريق مسدود” ، كان ذلك اعترافًا مؤجَّلًا بسقوط الرهان لا أكثر.

في الميدان، كانت المؤشرات تتكلم بلغة أبسط. نقاط جباية تنتشر كعدوى، رسوم تُحصَّل خارج القانون، أموال تتسرّب بلا رقابة نحو وجهات مجهولة، وتهريب وقود يتسلّل من مناطق الامتياز إلى الحراج في البراميل والصهاريج الصغيرة. هكذا تداخلت الحكاية: فوضى على الطريق تُضعف هيبة الدولة وتخلق ممرات رخوة للتهريب، وسوق سوداء تنتعش كلما ضعفت الرقابة، فيما يدفع المواطن الفاتورة على شكل ارتفاع في النقل والسلع، وانقطاعات كهرباء أطول، وبيئة استثمار تُصاب بالذعر. ومع تآكل شرعية “ورقة الجباية” وقبح آثارها أمام الناس، بدأ الحلف يخسر بالتدريج قدرته على الضغط، فمال بيانه إلى الاستعطاف، وهو يطوي صفحة الأيام الماضية على استحياء.

لم تكن ردود الشارع أقل وضوحًا. سخر يوسف العمودي من “حلف الديزل” الذي “تتزايد معه النكبات والكذبات” كما قال، وكأنه يصف انتقال المعركة من الواقع إلى شاشة الهاتف. ورأى سالم علي أن العودة إلى شعارات “الحكم الذاتي” ستكون الملاذ القديم بعد فشل المكاسب المادية: “الله يعين الناس في حضرموت” ، ختم بمرارة. أما عبدالعزيز بن حميد فصاغ اتهامًا مباشرًا: “من يلهط أكثر من عقد لن يأتي بحقوق حضرموت… يفكّر في مصلحته فقط” فيما اختصر ياسر البريكي الصورة في عبارة صغيرة وكبيرة المعنى: “الحلف يدور مصالح شخصية” .

على هذا الخيط الرفيع بين البيان والواقع، يمكن قراءة القصة كلها. بدأ الخطاب من باب “حقوق حضرموت” ، لكنه انتهى — كما يرى مراقبون — عند عتبة “مفاوضات مصالح” سقطت بسقوط “ورقة الطريق” التي بُنيت على فوضى الجبايات وتهريب الوقود. وحين تُستبدَل قنوات الدولة بشبكات ظلّ، لا يُنتج ذلك سوى ضجيج قصير العمر وندوبٍ طويلة في جسد المجتمع. البيان، وهو يجرّ مفردات التهدئة إلى واجهته، لم ينجح في إخفاء ارتباك الداخل، ولا في سدّ الفجوة المتّسعة بين قيادة الحلف والناس الذين صاروا يرون آثار الفوضى على فواتيرهم وثلاجاتهم ومصابيح بيوتهم.

إن كانت ثمة خلاصة، فهي أن أوراق الضغط التي تنبت في الهامش تسقط سريعًا حين تُعرّيها التكلفة العامة. الطريق لا يحتمل مرجعيتين، والعوائد لا تُدار خارج خزينة الدولة، و”التوضيح” لا يكون بتخفيف النبرة بل بمراجعة المسار. ما تحتاجه حضرموت اليوم ليس صفقة لا تكتمل، بل عودة صريحة إلى القنوات المؤسسية الشفافة، وتجفيف منابع الجبايات والتهريب، واستعادة حق الناس في طريقٍ آمن ومالٍ عام لا يتيه بين بيانات تتجمّل وفوضى تتغوّل. وفي ما بينهما، يتعلّم الشارع درسًا لا ينساه: كل رهان على الفوضى خاسر، ولو تزيّن بكلمات ناعمة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى