حادثة الزايدي تُوقظ المخاوف من الاختراق الحوثي في المهرة

منذ سنوات، بقيت المهرة بمنأى عن المواجهات المباشرة في الحرب داخل البلاد. غير أن هذا الاستثناء الجغرافي لم يكن إلا غطاءً، تسترت خلفه تحركات حوثية متزايدة، وجماعات مسلحة استفادت من ضعف الدولة..”
مركز سوث24 | عبد الله الشادلي
في صباح الثامن من يوليو الراهن، شهد منفذ صرفيت الحدودي بين جنوب اليمن وسلطنة عُمان في محافظة المهرة حادثةً أمنية لافتة، عندما أوقفت قوة أمن المنفذ، القيادي القبلي في جماعة الحوثيين، محمد أحمد الزايدي، أثناء محاولته مغادرة البلاد إلى سلطنة عُمان بطريقة غير قانونية، مستخدمًا جوازًا دبلوماسيًا صادِرًا عن سلطات صنعاء غير المعترف بها دوليًا.
الريبة التي أثارها هذا التوقيف السريع تعمّقت عندما تمّ رصد طقم مسلح يتمركز قرب المنفذ، وهو ما استدعى رفع درجة التأهب وإرسال قوة تعزيزية من محور الغيضة العسكري. لكن التطورات التالية جاءت صادمة، القوة الأمنية التي تحرّكت لتعزيز القبض على الزايدي، وقعت في كمين ناري بمنطقة دمقوت الجبلية. أسفر الهجوم عن مقتل قائد القوة، العقيد عبدالله زايد، وإصابة اثنين من مرافقيه.
لم يكن هذا مجرد اشتباك طارئ. بل كان، بحسب كثير من المراقبين، دليلًا على وجود منظم لشبكات مسلحة مترابطة داخل محافظة المهرة، تعمل بتنسيق مسبق لصالح الحوثيين، وهو ما كان متداولًا خلال السنوات الماضية.
ارتبطت شبهات ما حصل من كمين مسلح بالشيخ علي سالم الحريزي، الزعيم القبلي النافذ، الذي يقود “لجنة الاعتصام السلمي” في المحافظة، والمعروف بمواقفه المناهضة للتحالف العربي بقيادة السعودية، وارتباطاته بالحوثيين. لكن في الوقت الذي نفت فيه لجنة الاعتصام السلمي أي علاقة لها بالحادثة، واعتبرت ما جرى شأنًا أمنيًا منفصلًا، سارع الحوثيون إلى إصدار بيان يندد باعتقال الزايدي، مدّعين أن الرجل لا علاقة له بالسياسة.
لكنّ رواية الحوثيين لم تجد صدىً كبيرًا، في ظل حجم التحركات المسلحة التي رافقت الحادثة، بالإضافة لمشاهد مصورة بثتها قناة المسيرة التابعة للجماعة في فترات سابقة تظهر الزايدي وهو يحشد المقاتلين لصالح الحوثيين ويقر بوضوح بولائه لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
وفي ظل كل ذلك، عاد النقاش مجددًا حول مدى اختراق الحوثيين لمحافظة المهرة. تساؤل بدا مشروعًا في ظل تكرار مؤشرات التسلل الهادئ إلى عمق الجغرافيا الجنوبية، لا سيما في مناطق تتسم بالهشاشة الأمنية وغياب القوات الجنوبية المسلحة. علاوة على كونها أبرز مسارات التهريب البرية المعروفة لنقل السلاح للحوثيين، كما كشفت سلسلة من حوادث التهريب خلال السنوات الماضية.
مُتعلق: من يسيطر على الأوضاع العسكرية في المهرة؟
تهديدات تحيط بالمهرة
منذ سنوات، بقيت المهرة بمنأى عن المواجهات المباشرة في الحرب داخل البلاد. غير أن هذا الاستثناء الجغرافي لم يكن إلا غطاءً، تسترت خلفه تحركات حوثية متزايدة، وجماعات مسلحة استفادت من ضعف الدولة وتداخل السلطات. الحادثة الأخيرة مثّلت لحظة كاشفة، دفعت بالمجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظة إلى إصدار بيان حاد اللهجة في 11 يوليو، حذّر فيه من وجود “تحالفات مشبوهة” بين جماعات محلية ومليشيا الحوثي، واصفًا ما حدث في المنفذ بأنه “اختراق خطير يهدد أمن المحافظة”.
البيان لم يكتف بالإدانة، بل دعا إلى تحقيق عاجل وشفاف، وإعادة ترتيب الوضع الأمني في المنافذ البرية، مع تشديد الرقابة على الطرق الدولية. كما طالب الحكومة اليمنية والسلطة المحلية باتخاذ موقف واضح من الجماعات المسلحة المتعاونة مع الحوثيين. في المقابل، عبّر المجلس عن امتنانه لسلطنة عمان، معتبرًا أن لها دورًا إيجابيًا في تسهيل حلحلة الإشكالات المرتبطة بالمنفذ، ومشيدًا بمواقفها الساعية إلى الحفاظ على استقرار المنطقة الحدودية.
غير أن الإشادة بالدور العُماني لم تحجب التساؤلات المتزايدة حول مدى قدرة المهرة، بوضعها الأمني الحالي، على مقاومة الاختراق الحوثي. ففي تصريح صحفي، قال عبد الرحيم الصادق، رئيس القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي في المهرة، لمركز سوث24، إن “المحافظة تشهد تحديات أمنية متفاقمة نتيجة تسلل عناصر حوثية إليها، متهماً قوى شمالية وأخرى محلية بالتواطؤ والارتباط بها والتسهيل لدخول هذه العناصر”.
وأشار الصادق إلى أن عملية اعتقال الزايدي لم تكن لتتم لولا أن القوة في منفذ صرفيت محسوبة على أبناء المهرة وتقترب، مع قيادة محور الغيضة العسكري في توجهها من القوات المسلحة الجنوبية.
مضيفًا: “لو كانت القوة الأمنية المكلّفة من الجهات الموالية للسلطة المركزية في مأرب أو سيئون، بحسب تقديره، لكان من المرجّح تهريب الزايدي بسهولة. هذا التقدير يسلّط الضوء على انقسام أمني فعلي داخل المحافظة، حيث توجد قوى مختلفة الولاء، بعضها أقرب إلى المشروع الحوثي، وبعضها الآخر يدور في فلك تيارات شمالية، بينما تسعى بعض التشكيلات إلى فرض نموذج أمني محلي جنوبي مستقل.
وفي هذا السياق، تحدّث الصادق عن وجود خلايا نائمة تسهّل تحركات الحوثيين عبر طرق صحراوية معروفة، لافتًا إلى وجود “تسهيلات من قبل قوات متواطئة في مأرب وسيئون”، تسهّل عبور هذه العناصر من الشمال إلى المهرة. كما أشار إلى “قوى محلية تدير فعاليات احتجاجية”، مثل لجنة الاعتصام التي يرأسها علي الحريزي، واصفًا إياها بأنها “واجهة سياسية وعسكرية لحزب الإصلاح المدعوم من قوى شمالية”، ومتهمة بالتخادم مع الحوثيين.
هذا الاتهام لا يُعدّ جديدًا، لكنه في السياق الحالي يكتسب خطورة مضاعفة، خاصة مع استمرار الأحداث على الأرض، وتراجع قدرة السلطة المحلية على فرض سيادتها على كامل التراب المهري. ما يجعل من المهرة، وفق الصادق، “الحلقة الأضعف في الجنوب”، محذرًا من أن سقوطها بيد الحوثيين سيمكّنهم من “منفذ بحري وخطوط إمداد مفتوحة”.
سلطنة عُمان، الوساطة وحدود المسؤولية
في أعقاب الاشتباكات المسلحة عند منفذ صرفيت، التي أعقبت اعتقال القيادي الحوثي محمد علي الزايدي، لم يكن بالإمكان تجاهل الدور المحوري لسلطنة عُمان، التي وجدت نفسها في صلب التوترات الأمنية داخل المحافظة، رغم خطابها التقليدي القائم على الحياد والوساطة.
الحادثة أدّت إلى إغلاق الطريق الدولي بين اليمن وسلطنة عمان لساعات، في تطوّر وصفه يشكّل سابقة قد تفتح نقاشًا واسعًا حول حدود الدور العُماني في الملف اليمني، لا سيما في محافظة المهرة التي تشترك بحدود جغرافية طويلة ومعقّدة مع السلطنة، وتتمتع بارتباطات قبلية ومجتمعية واسعة مع منطقة ظفار العمانية.
وتواجه السلطنة اتهامات بدعم الحوثيين، نظرًا لاستضافتها وفدهم السياسي وعلاقتها المميزة بإيران.
في هذا السياق، قال عبد السلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات والأبحاث، لمركز سوث24، إن “استمرار دعم عُمان للحوثيين هو إيذاء لليمنيين”، مطالبًا السلطنة بعدم الانجرار إلى صراعات خارج حدودها.
وقدم الخبير اليمني قراءة لطبيعة التغلغل الحوثي في المهرة، حيث أشار إلى أن الجماعة تعتمد على نمطين أساسيين:
1. معسكرات تابعة لحليفهم المحلي، علي الحريزي، الذي وصفه بأنه “حليف مشترك مع الحوثيين وعُمان”، في إشارة إلى شبكة النفوذ المزدوجة التي تجمع بين العوامل القَبلية والدعم الإقليمي.
2. خلايا متخفية تعمل تحت لافتات متعددة، تقوم بأنشطة إجرامية أو تحركات سرية بهدف زعزعة استقرار المحافظة.
وقد طرح عبد السلام محمد فرضيتين بشأن الطريقة التي وصل بها الزايدي إلى المنفذ:
• الأولى، أنه خرج من صنعاء بهوية مزورة وانكشف أمره عند المنفذ.
• الثانية، وهي الأكثر ترجيحًا بحسب تحركاته، أن الزايدي سلك طرق التهريب الصحراوية المعروفة التي تمتد من شمال اليمن إلى المهرة ومنها إلى عُمان.
القبيلة والدولة، اختبار السيادة
يرى رئيس مركز أبعاد، عبد السلام محمد، أن حادثة اعتقال الزايدي تشكل فرصة ثمينة للدولة لاختبار قدرتها على استعادة هيبتها. وبحسبه، فإن الخيار الحقيقي أمام السلطات ليس التفاوض أو إطلاق سراح الزايدي، بل إحالته إلى القضاء، واتخاذ موقف صارم من شأنه أن يعيد ثقة المجتمع في الدولة ويهز صورة الحوثيين كحلفاء أقوياء للقبائل.
ولفت إلى أن استمرار احتجاز الزايدي سيمنح الدولة مصداقية في أوساط القبائل، وسيبعث رسالة بأن القوة القانونية والمؤسسية ما زالت ممكنة، وقادرة على فرض الانضباط، حتى في المناطق التي تُدار تقليديًا بعُرف القبيلة.
وتزداد هذه التساؤلات عمقًا في ظل تطورات متسارعة على صعيد المواجهة مع جماعة الحوثيين، كان آخرها اعتقال وزير خارجيتهم السابق هشام شرف عبد الله في مطار عدن الدولي، يوم الأربعاء الماضي (9 يوليو)، أثناء محاولته السفر إلى إثيوبيا.
ساحة جديدة
كشفت حادثة منفذ صرفيت عن ثغرات أمنية في المهرة، أظهرت أن المحافظة لم تعد استثناءً من الصراعات السياسية والعسكرية، بل ربما قد تكون ساحة مفتوحة جديدة لهذه الصراعات.
وضمن تداعيات هذه الأحداث، عقد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، اللواء عيدروس الزبيدي، لقاءً مع محافظ المهرة، يوم 10 يوليو، عبّر خلاله عن دعمه للسلطة المحلية ودعا إلى تمكين أبناء المهرة من إدارة شؤونهم بأنفسهم.
هذا التصريح لم يكن شكليًا، بل يحمل في طيّاته رغبة واضحة في إعادة صياغة معادلة السلطة داخل المحافظة، بعد أن بات واضحًا أن البنية الأمنية والإدارية الحالية غير قادرة على حماية المنفذ أو ضبط خطوط التهريب والنفوذ.
واليوم الأحد، 13 يوليو، شهدت مدينة المكلا لقاءً عسكريًا جمع قائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء الركن طالب سعيد بارجاش، وقائد المنطقة العسكرية الأولى اللواء الركن صالح محمد الجعيملاني، لبحث تطورات الأوضاع الأمنية في محافظة المهرة على خلفية حادثة اعتقال القيادي الحوثي محمد الزايدي والكمين الذي أعقبها.
اللقاء، تمخض عنه الإعلان عن تشكيل قوة عسكرية مشتركة من المنطقتين الأولى والثانية لتأمين الطرق والمنافذ الحدودية بين حضرموت والمهرة، وتعزيز محور الغيضة والمواقع الحيوية داخل المحافظة.
ويُنظر إلى هذا اللقاء والإجراءات المنبثقة عنه كمفارقة لافتة، إذ لطالما شكّلت المنطقة العسكرية الأولى، التي يتركز قوامها من جنود شماليين، محلّ انتقادات واسعة من أبناء حضرموت، الذين طالبوا مرارًا بإخراجها من المحافظة.
وتجدر الإشارة إلى وجود قوات عسكرية في المهرة ضمن ما يعرف بـ (قوات درع الوطن) التي أنشأتها السعودية في جنوب اليمن في 2023. ولم تتحرك هذه القوات خلال الأحداث الأخيرة، أو تعلن عن أي موقف حتى الآن.
عن مركز سوث 24 للاخبا، والدراسات
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.