تفكيك العلاقة القاتلة:كيف صنع حزب الإصلاح أمجد خالد ثم انقلب عليه؟
أمجد خالد، الضابط السابق في القوات الخاصة، لم يكن اسماً عابراً في المشهد الأمني والعسكري في مناطق الشرعية، بل تحول إلى ورقة عسكرية استخدمها حزب الإصلاح، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، لتنفيذ أجندات خفية تتقاطع مع مشاريع الفوضى والاغتيالات والتفجيرات التي طالت قيادات جنوبية ورموزاً عسكرية وأمنية تنتمي إلى المجلس الانتقالي الجنوبي أو ترتبط بالتحالف العربي.
بدأت فصول العلاقة بين حزب الإصلاح وأمجد خالد حين تبنّت قيادات إصلاحية بارزة دعمه وتمكينه، وجرى تلميعه كـ”قائد مقاوم” و”رمز للشرعية”، ليتم تعيينه فائداً للواء النقل وتسليمه مواقع عسكرية وأمنية ذات أهمية استراتيجية في العاصمة عدن حيث استُخدم كأداة من أدوات التصفيات والتخريب.
خلال سنوات نشاطه، كان الإرهابي امجد خالد يتمتع بحماية سياسية وإعلامية مكنته من الإفلات من الملاحقة رغم تورطه في جرائم موثقة، بينها اغتيالات واختطافات وعمليات زرع عبوات ناسفة، استهدفت خصوم الإخوان، خاصة في العاصمة عدن.
ومع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية على حزب الإصلاح لتفكيك شبكاته المسلحة، بدأت تظهر بوادر التخلي عن العناصر التي بات وجودها عبئاً على الخطاب السياسي والإعلامي للحزب. وهنا، جاء القرار الغادر بالتخلي عن أمجد خالد، لا سيما بعد تصاعد الاتهامات العلنية التي ربطت بينه وبين تفجير موكب محافظ عدن في اكتوبر 2021م واغتيال اللواء ثابت جواس،وكذلك اغتيال الموظف الاممي مؤيد حميدي في يوليو 2023م وغيرها من العمليات الإرهابية التي تورط فيها الإرهابي امجد بتكليف وتمويل من الحزب المعروف بعلاقته المتجذرة بالتنظيمات الإرهابية
عقب ذلك، بدأت حملة شيطنة ممنهجة من قبل أبواق إصلاحية حاولت تحميل خالد كامل المسؤولية عن عمليات إرهابية سبق أن نُفّذت بأوامر وتنسيق مباشر مع قيادات في الحزب. وجاءت تلك الحملة كجزء من محاولة منهجية للتهرب من تبعات الجرائم، وتقديم خالد كـ”مارق”، بينما تتوارى القيادات الحقيقية خلف ستار الإنكار.
هذه العلاقة بين حزب الإصلاح وأمجد خالد ليست سوى مثال ضمن سلسلة من أدوات التخادم التي انتهجتها الجماعة الإخوانية في اليمن، حيث تصنع أدوات العنف وتوظفها لخدمة أجندتها، ثم تغدر بها حين يقتضي المشهد السياسي التخلص منها. وهي سياسة لطالما استخدمتها الجماعة لتقويض خصومها وتحقيق اختراقات أمنية، ثم غسل اليد من الدم.
ما جرى مع أمجد خالد هو شهادة إضافية على خطورة بقاء الجماعات المؤدلجة داخل مؤسسات الدولة، لما تشكله من تهديد دائم للسلم والاستقرار، ليس فقط في اليمن، بل في المنطقة برمتها، عبر أساليب مزدوجة في صناعة العنف، وتقمص دور الضحية، ثم القفز من مركب الجريمة عند اقتراب لحظة الحساب.
صناعة الإرهاب داخل مؤسسات الدولة
تحوّل اسم أمجد خالد من ضابط سابق إلى رمز للعنف المنفلت في العاصمة عدن، بعد أن بات العقل المدبر لسلسلة من العمليات الإرهابية التي استهدفت قيادات جنوبية بارزة وشخصيات مدنية وعسكرية مؤثرة.
فالرجل الذي وفّرت له جماعة الإخوان المسلمين غطاءً سياسياً وعسكرياً عبر تعيينه قائداً لما يُعرف بـ”لواء النقل”، لم يلبث أن أصبح أداة فتاكة لتنفيذ مخطط اغتيالات وتفجيرات هدفت إلى ضرب الاستقرار وتصفية الخصوم وإرباك المشهد السياسي.
من أبرز العمليات الإرهابية التي وُجّهت فيها أصابع الاتهام إلى أمجد خالد كانت عملية تفجير موكب محافظ عدن أحمد حامد لملس في أكتوبر 2021، حين انفجرت سيارة مفخخة لحظة مرور موكب المحافظ في منطقة التواهي، ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من مرافقيه والمدنيين، بينما نجا المحافظ بأعجوبة.
التحقيقات اللاحقة، سواء المحلية أو الصادرة عن جهات إقليمية، أكدت أن الخلية المنفذة للعملية تلقت دعماً وتدريباً في معسكر يديره أمجد خالد في محافظة تعز وأنها استخدمت تقنيات تهريب متطورة لعبت فيها شبكة تابعة له دور الوسيط والمموّل والمنفّذ.
وفي مارس 2022، شهدت عدن واحدة من أكثر العمليات الإرهابية بشاعة حين تم اغتيال اللواء البطل ثابت جواس، القائد العسكري الجنوبي المعروف بمواجهته للحوثيين بتفجير سيارة مفخخة ركنت على جانب الطريق واستهدفت سيارته في المدينة الخضراء من خلال تفجيرها عن بُعد.
تشير كافة المعطيات إلى تورط مباشر لأمجد خالد، خصوصاً أن توقيت الاغتيال تزامن مع تحركات مشبوهة لعناصر تنتمي للوحدات التي يشرف عليها، وقد أكدت تقارير استخباراتية أن أوامر التنفيذ خرجت من معسكرات خاضعة له بشكل مباشر.
ولم تتوقف الجرائم عند هذا الحد، إذ سُجّلت عشرات العمليات المشابهة، شملت اغتيال ضباط في قوات الدعم والإسناد والحزام الأمني، إلى جانب استهداف مقرات أمنية وعسكرية بعبوات ناسفة، وتفخيخ سيارات وممرات تستخدمها القيادات الجنوبية في تحركاتها.
رغم كل هذا السجل الدموي، ظل أمجد خالد يتمتع بحماية سياسية وإعلامية من أطراف في الشرعية اليمنية محسوبة على حزب الإصلاح، حيث تمتع بالغطاء الكامل داخل التربة وطور الباحة، واستمر في استغلال موقعه القيادي داخل لواء النقل لتجنيد العناصر وتدريبها على تنفيذ العمليات الإرهابية، وسط صمت رسمي وتواطؤ مكشوف. لقد تحوّل هذا الرجل إلى خنجر مسموم بيد الإخوان، وورقة قذرة وُظفت لضرب الجنوب، وحين بدأ الخناق يضيق حوله، تبرأ منه داعموه لتجنب الإدانة، دون أن تتغير الحقيقة: أن أمجد خالد لم يكن سوى صنيعة مشروع إرهابي متكامل، لا يزال يشكل تهديداً للأمن والاستقرار في الجنوب والمنطقة برمتها.
إرهابي برتبة عميد
كشفت اللجنة الأمنية العليا عن «شبكة إرهابية يديرها المدعو أمجد خالد، مرتبطة مباشرة بقيادات حوثية عليا، على رأسهم رئيس أركان المليشيات المدعو محمد عبدالكريم الغماري، ونائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات للحوثيين المدعو عبدالقادر الشامي، كأبرز مهندسي العمليات الإرهابية والتخريبية في المحافظات المحررة».
واتهمت اللجنة شبكة خالد بـ«تنسيق التخادم بين مليشيات الحوثي والتنظيمات الإرهابية»، مشيرة إلى أن هذه الشبكة «ارتكبت عددًا من الجرائم الإرهابية البشعة، منها اغتيال مدير برنامج الغذاء العالمي في مدينة التربة، مؤيد حميدي، عام 2023، ونجاح الأجهزة الأمنية في ضبط المنفذين الرئيسيين للعملية، وعشرات المتورطين في الاغتيالات والتفجيرات الأخرى».
بعد تحرير عدن بدعم من قوات التحالف العربي وبمشاركة إماراتية فاعلة عام 2015، بدأ الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي بإعادة تشكيل «ألوية الحماية الرئاسية»، ومن ضمنها تعيين أمجد خالد قائدًا للواء النقل العام، وذلك بدعم كبير من نائب الرئيس السابق علي محسن الأحمر.
وظل الرجل في عدن حتى عام 2018، عندما شارك في المواجهات إلى جانب حزب الإصلاح ضد قوات المجلس الانتقالي، التي نجحت في تأمين العاصمة المؤقتة ودحر عناصر التنظيم.
تلقى أمجد خالد هزيمة ساحقة، ففرّ عام 2019 إلى مدينة التربة جنوب محافظة تعز، بعد أن وفّر له تنظيم الإخوان ملاذًا آمنًا له ولقواته، التي أعادت تموضعها في مديريات الشمايتين والمقاطرة، التابعة إداريًا لمحافظة لحج (جنوب).
واستغل خالد منصبه العسكري لتوفير مظلة للعناصر الإرهابية، التي ظلت تنطلق من مقراته نحو عدن والمحافظات المحررة، لتنفيذ تفجيرات واغتيالات طالت قيادات عسكرية وسياسية كبيرة
أكدت وثائق صادرة عن النيابة العامة المتخصصة في مكافحة الإرهاب، بتاريخ 25 يوليو/تموز، وقوف أمجد خالد وآخرين خلف 7 عمليات إرهابية، منها التفجير الذي استهدف موكب محافظ عدن أحمد لملس ومرافقيه، وتفجير بوابة مطار عدن الدولي في أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي أودى بحياة عشرات المدنيين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بثّت شرطة عدن تسجيلات مرئية حصلت عليها من خلية إرهابية، تظهر الرجل وهو يدير عناصر إرهابية ويوجّهها لتنفيذ عمليات ضد قيادات في المجلس الانتقالي.
وفي 27 فبراير/شباط 2024، أطاح المجلس الرئاسي بأمجد خالد من قيادة لواء النقل العام، فيما أصدرت المحكمة المتخصصة بقضايا الإرهاب، في 29 إبريل/نيسان من العام نفسه، حكمًا بإعدامه وأعضاء عصابته، لتورطهم في تنفيذ أعمال إرهابية.
أمجد خالد.. أداة حزب الإصلاح لتصفية خصومه
لم يكن الإرهابي أمجد خالد مجرّد ضابط متمرّد أو قائداً عسكرياً خرج عن طاعة القيادة الشرعية، بل كان أداة خفية تتحرك في الظل بتوجيه مباشر من قيادات نافذة في حزب الإصلاح، وعلى رأسهم الجنرال علي محسن الأحمر والقيادي البارز في مقاومة تعز حمود سعيد المخلافي، ضمن مشروع متكامل يهدف إلى تفكيك الجنوب من الداخل عبر التفجيرات والاغتيالات وتأسيس الميليشيات غير النظامية.
العلاقة بين أمجد خالد وعلي محسن الأحمر لم تكن مجرد تقاطع مصالح عابرة، بل كانت شراكة مبنية على التنسيق الأمني والعسكري وتحديداً بعد تحرير العاصمة عدن،حيث بدأت الخلايا المرتبطة بمحسن تعيد تموضعها تحت لافتة “الشرعية”، وكان من بين تلك الأدوات أمجد خالد، الذي تم تمكينه داخل العاصمة الجنوبية تحت غطاء رسمي، وتعيينه قائد لواء النقل بينما كانت أوامره وتوجيهاته الفعلية تصدر من مكتب علي محسن في مأرب.
وفي المقابل، وفّر حمود المخلافي الغطاء الميداني لأمجد خالد بعد خروجه من عدن، حيث استقبله في مناطق نفوذه في التربة، ووفّر له المقرات والسلاح والحماية الكاملة، وسهّل له التنقل وتأسيس المعسكرات خارج إطار الدولة، أبرزها معسكر العفا في شرجب، الذي تحوّل إلى وكر لتدريب الخلايا المنفذة للاغتيالات والعمليات الانتحارية.
ولعب المخلافي دوراً محورياً في تسهيل تواصل خالد مع قيادات الإصلاح في تعز ومأرب، وجعله جزءاً من شبكة عسكرية موازية للدولة، تنفذ أجندة الإخوان وتستخدم موارد الدولة لتمويل نفسها.
كما أُدرج لواء النقل الذي يقوده خالد ضمن القوات الرسمية، وتم منحه تمويلاً مالياً ولوجستياً تحت إشراف محسن والمخلافي، وهو ما سمح له بتجنيد المئات من العناصر المتطرفة، بعضهم على صلة مباشرة بجماعات متشددة، بينما كانت قيادات حزب الإصلاح تروج له كرمز من رموز “المقاومة”.
التحالف بين خالد وقيادات الإصلاح لم يكن مجرد علاقة ولاء، بل تحوّل إلى تحالف إجرامي تقاطعت فيه المصالح السياسية مع الأعمال الإرهابية. فكل عملية اغتيال أو تفجير نُفّذت في عدن خلال السنوات الماضية، كانت تحمل بصمة مباشرة أو غير مباشرة لخلايا تابعة له، وبتنسيق مع شبكات تحركها تلك القيادات النافذة، بهدف ضرب الاستقرار في الجنوب وإفشال مشروع استعادة الدولة الجنوبية.
عقيدة التنصل:كيف يتبرأ الإصلاح من أدواته الإرهابية
في مشهدٍ مكرر من سيناريوهات الإنكار والغدر التي اشتهر بها حزب الإصلاح، يسعى الحزب اليوم إلى التخلص من أحد أبرز أدواته العسكرية والإرهابية، العميد أمجد خالد، بعد أن بات عبئًا ثقيلاً يصعب الدفاع عنه أمام المجتمع المحلي والدولي، خصوصًا مع توالي الفضائح الأمنية، وارتباط اسمه بسلسلة من العمليات الإرهابية.
لسنوات، كان أمجد خالد نموذجًا واضحًا للصناعة الإخوانية، منذ فراره من عدن ولجوئه إلى مناطق سيطرة حزب الإصلاح في تعز، حيث تم احتضانه، وتوفير الملاذ الآمن له، وتسليمه قيادة “لواء النقل العام”، وتخصيص معسكرات له في شرجب، وإدماجه ضمن البنية العسكرية الرسمية، بل وتم منحه رتبة “عميد” بغطاء سياسي ومالي، مع تسهيلات واسعة النطاق من قبل شخصيات بارزة في الحزب، وعلى رأسهم علي محسن الأحمر وحمود المخلافي.
ومع تصاعد الضغوط الدولية بشأن تفشي الفوضى والإرهاب في مناطق الشرعية، بدأ حزب الإصلاح بإعادة تموضعه السياسي، في محاولة لتقديم نفسه كلاعب “معتدل”، وهو ما دفعه إلى قلب الطاولة على أمجد خالد، وسحب الغطاء عنه، وفتح الطريق لتقديمه كـ”كبش فداء” يحمّله وحده مسؤولية جرائم نُفّذت بتوجيه وإشراف من قيادات الحزب.
التوقيت الذي اختاره الإصلاح للتخلي عن خالد لم يكن عشوائيًا. فعملية اغتيال مدير برنامج الغذاء العالمي في التربة شكّلت صدمة كبيرة على المستوى الدولي، خاصة أنها طالت موظفًا أمميًا يعمل في المجال الإنساني. ومع تصاعد الغضب الأممي، رأت قيادات الإصلاح أن تقديم أمجد خالد كمتهم أول، وربما وحيد، في الجريمة، سيكون خطوة كفيلة بامتصاص الغضب، وغسل أيدي الحزب من دماء الضحية.
هذا التحرك ليس جديدًا على حزبٍ دأب على استخدام أدواته الأمنية والعسكرية ثم التخلص منها عند أول منعطف. وقد سبق أن تجاهل كل التحذيرات التي أطلقتها جهات جنوبية وأمنية منذ سنوات، بشأن خطر أمجد خالد وعلاقاته بالحوثيين وشبكات التهريب والخلايا الإرهابية. بل إن إعلام الحزب كان يتعامل مع تلك التحذيرات على أنها “تحريض سياسي”، وواصل الدفاع عن خالد، وتقديمه كبطل مقاومة، في وقت كانت فيه الدماء تُراق في شوارع عدن على يديه.
اليوم، يحاول حزب الإصلاح تبرئة نفسه من تاريخ طويل من الرعاية والتبني لأمجد خالد، متجاهلًا كل الحقائق، وكأن الشعب اليمني – والشارع الجنوبي على وجه الخصوص – لا ذاكرة له، أو يسهل استغفاله بمجرد خطاب إعلامي مشوّه. لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن أمجد خالد لم يكن يتحرك من فراغ، بل كان يعمل في سياق مشروع أكبر، تقف خلفه قيادات سياسية وعسكرية محسوبة على الإصلاح، سخّرت نفوذها ومواقعها لتمكينه من تنفيذ أجندة تخريبية استهدفت أمن الجنوب واستقراره، وعرقلت جهود التحالف العربي في مواجهة الحوثيين.
من معاقل الإخوان إلى حضن الحوثي
رغم ملاحقته قضائيًا، تمكّن خالد مطلع العام الجاري من العودة إلى مدينة التربة، بعد عام من هروبه خارج البلاد، ما دفع المجلس الرئاسي لإصدار توجيهات بضبطه وتسليمه للسلطات في عدن.
وفي 11 فبراير/شباط 2025، أوقفت قوات أمنية وعسكرية موالية للإخوان أمجد خالد في التربة جنوب تعز، بناءً على التوجيهات الرئاسية، لكن الرجل تمكّن من الفرار من السجن، بتواطؤ من حزب الإصلاح.
ومطلع يونيو/حزيران الجاري، داهمت قوات أمنية وعسكرية موالية للإخوان مقرات خالد وأتباعه في التربة، ما دفعه للخروج في مقطع مصوّر يهدد فيه بنشر «غسيل» حزب الإصلاح وقياداته، داعيًا الحزب للتدخل واحتواء الأوضاع قبل فوات الأوان.
وقال خالد: «لدي عهود واتفاقات مع الإخوة في حزب الإصلاح، من أكبر كبير إلى أصغر صغير، ومعظم هذه الاتفاقات موثقة…»، داعيًا الحزب إلى «لملمة الأمور بشكل مستعجل، وإلا فإن لدينا توثيقات وتسجيلات عن لقاءات وتفاهمات كثيرة، سيتم عرضها للناس حتى لا يُعتقد أننا خرجنا عن طوع مشايخنا وقيادتنا».
«شهر العسل» انتهى.. والمسرحية مستمرة
وقال مصدر أمني لـ«العين الإخبارية» إن حزب الإصلاح لا يزال يناور، ويدير ما يشبه «مسرحية» بشأن التعامل مع أتباع الرجل من العناصر المتطرفة، محاولًا استخدامه كورقة لمقايضة الشرعية وأطرافها.
وأوضح أن الحزب نقل أتباع خالد من التربة إلى بلدة «المنصورة» المجاورة جنوب تعز، رغم ضبط بعضهم في عمليات إرهابية، من بينها اغتيال الموظف الأممي مؤيد حميدي قبل عامين.
وكانت اللجنة الأمنية العليا قد اتهمت خالد بالعمل لصالح مليشيات الحوثي، وتنفيذ «عمليات اغتيال واختطافات، وإخفاء قسري، استهدفت محققين، وقيادات وحدات، وشخصيات دينية ومجتمعية، ومحاولات اغتيال عدد من القيادات العسكرية والأمنية في محافظات عدن ولحج وتعز والبيضاء».
وأكدت اللجنة ضبط معامل لصناعة المتفجرات، وتجهيز سيارات مفخخة، وضبط عبوات ناسفة وألغام داخل منازل سكنية تابعة للعصابة الإرهابية في مديرية الشمايتين، واستخدام وسائل توثيق مرئية لعمليات الاغتيال والتصفية، والتخابر مع الحوثيين، وتقديم إحداثيات ومعلومات أمنية حساسة، ضمن مخطط واسع لإسقاط المدن من الداخل.
وأقرّت اللجنة العليا بملاحقة المطلوبين أمنيًا، ومخاطبة الدول الشقيقة والصديقة والشرطة الدولية (الإنتربول) لاستردادهم ومحاكمتهم في الداخل، في إشارة إلى ملاحقة أمجد خالد، الذي يقيم حاليًا في دولة إقليمية داعمة للحوثيين، بحسب المصادر.
حزب الإصلاح:واجهة سياسية لتنظيم إرهابي
رغم تصنيفه شكلياً كـ”حزب سياسي” ضمن خارطة العمل الحزبي في اليمن، إلا أن الواقع والتجربة على الأرض أثبتا بما لا يدع مجالًا للشك أن حزب الإصلاح اليمني – الذراع المحلي لتنظيم الإخوان المسلمين – ليس كيانًا مدنياً أو ديمقراطيًا كما يدّعي، بل جماعة أيديولوجية مغلقة، تقوم بنيتها الفكرية والتنظيمية على الولاء المطلق للمرشد والأهداف العابرة للحدود، وتمارس نشاطًا سياسيًا شكليًا فيما تمارس إرهابًا منظمًا في العمق.
لقد عمل حزب الإصلاح، منذ ظهوره في تسعينيات القرن الماضي، على التغلغل داخل مؤسسات الدولة ليس للمشاركة في بنائها، بل لاختراقها وتفكيكها من الداخل والسيطرة على مفاصل القرار السياسي والعسكري والديني، وتحويل الدولة إلى مظلة لأنشطته الحزبية والأيديولوجية الخاصة، ثم إلى حاضنة للتنظيمات المتطرفة.
لا تختلف بنية الإصلاح عن بنية الجماعات المتطرفة الأخرى، فهو لا يؤمن بالتعددية، ويرى في خصومه السياسيين “أعداء للدين”، ويكفّرهم حين يخرجون عن طاعته أو يهددون مشروعه. وقد وثّقت السنوات الماضية حالات متكررة من تحالفاته مع تنظيم القاعدة، وتنسيقه مع الحوثيين، وتبنيه لقيادات عسكرية وميدانية متورطة في أعمال إرهابية، مثل العميد أمجد خالد، الذي احتضنه الحزب ومكّنه من قيادة لواء رسمي، واستخدمه كأداة لضرب أمن واستقرار العاصمة عدن عبر تفجيرات واغتيالات طالت قيادات مدنية وعسكرية.
لقد تجاوز الإصلاح حدود العمل السياسي ليتحول إلى راعٍ رسمي للإرهاب، سواء عبر توفير الغطاء الشرعي لخلايا متطرفة، أو تسهيل عبور السلاح والمقاتلين، أو عبر حملاته الإعلامية التحريضية التي تشرعن العنف تحت لافتات “المقاومة” و”الشرعية”. وكلما حاولت القوى الوطنية كشف هذه الحقيقة، سارع الإصلاح إلى اتهامها بـ”خدمة الحوثي”، في ازدواجية صارخة لا تخفى على أحد، خصوصًا في ظل تقارير عديدة أثبتت تنسيقه مع جماعة الحوثي في جبهات متعددة لضرب القوات الجنوبية.
تاريخ الحزب حافل بالأمثلة، بدءًا من استخدامه المعسكرات الدينية لتفريخ جماعات متشددة، مرورًا بتورطه في أحداث الحروب الست، وانتهاءً بتدمير مؤسسات الدولة عقب اجتياح صنعاء وعدن، ودوره المباشر في ضرب التحالف العربي من الداخل، وتخادم عناصره مع أجندات إقليمية تناهض الأمن العربي.
إن الإصرار على التعامل مع الإصلاح كـ”حزب سياسي” لا يخدم السلام، بل يكرّس الإرهاب تحت غطاء مدني مخادع. فالجماعة التي تحولت إلى مصنع للعنف والتكفير لا يمكنها أن تشارك في بناء الدولة، بل تسعى لإعادة إنتاج نظام شمولي باسم الدين، وفرض مشروعها الإخواني مهما كان الثمن.
الإصلاحيون حموا القاتل…والانتقالي كشفه مبكراً
منذ سنوات، أطلق المجلس الانتقالي الجنوبي سلسلة من التحذيرات المبكرة بشأن الخطر الذي يمثله الإرهابي أمجد خالد، واتهمه بشكل مباشر بالوقوف وراء عمليات إرهابية استهدفت أمن الجنوب واستقراره.
لم تكن تلك التحذيرات مبنية على خصومة سياسية، بل على معطيات استخباراتية وتحقيقات ميدانية رصدت تحركات خالد بعد فراره من عدن، وارتباطه بخلايا إرهابية تلقت دعماً وتنسيقاً من حزب الإصلاح.
الانتقالي، ومنذ 2018، حذر مراراً من نشاط خالد، واتهَمه بإنشاء خلايا سرية تعمل على تنفيذ عمليات اغتيال وتفجير تستهدف قيادات جنوبية وضباطاً في الحزام الأمني والدعم والإسناد، واتهمه كذلك بالتنسيق مع جماعة الحوثي وتنظيمات متطرفة، لتنفيذ عمليات مزدوجة في عدن ولحج. وكان موقف الانتقالي واضحًا: “أمجد خالد يشكّل تهديداً للأمن القومي الجنوبي، ويجب محاكمته على جرائم إرهابية”.
لكن حزب الإصلاح، بدلاً من الإصغاء لتلك التحذيرات، شنّ حملة إعلامية شعواء ضد المجلس، واتهمه بـ”التخوين” و”التحريض”، فيما كان خالد يُحصّن في معسكرات التربة وشرجب، ويُدعم بالمال والسلاح، ويمنح الصلاحيات الكاملة لتجنيد المئات من العناصر الموالية له.
اليوم، وبعد أن انفجرت القنابل التي زرعها خالد على الأرض، وتكشفت خيوط عشرات الجرائم، أثبتت الوقائع الميدانية والمعلومات الاستخباراتية صحة اتهامات المجلس الانتقالي الجنوبي. فقد أكدت التحقيقات تورط أمجد خالد في تفجير موكب محافظ عدن أحمد لملس ومدير الأمن مطهر الشعيبي، وفي اغتيال اللواء ثابت جواس، وفي عمليات تفخيخ واغتيال طالت جنودًا وضباطًا جنوبيين، إلى جانب جرائم اختطاف وتهديد وتهريب سلاح.
الأحداث التي تلاحقت خلال السنوات الماضية أظهرت أن الانتقالي لم يكن يبالغ أو يصعّد سياسيًا، بل كان يطلق نداءات واقعية تستند إلى معلومات حقيقية عن تنامي خطر خالد، وتحوله إلى أداة بيد حزب سياسي يستخدمه لتصفية حساباته بالدم.
والمفارقة، أن الأصوات التي دافعت عن خالد بالأمس، وعملت على تلميع صورته، هي نفسها التي تحاول اليوم التنصل من علاقتها به، بعد أن انكشفت جرائمه للرأي العام، وسقطت ورقة التوت عن غطاء “الشرعية” الذي كان يخفي مشروعاً تخريبياً تقوده جماعة الإخوان.
ما جرى ليس فقط فضيحة لأمجد خالد، بل فضيحة سياسية وأخلاقية لحزب الإصلاح الذي تستّر على إرهابي، ومكّنه من تنفيذ جرائمه، ثم حاول التبرؤ منه حين أصبح عبئًا. ويؤكد ذلك أن تحذيرات المجلس الانتقالي لم تكن مجرد مواقف سياسية، بل كانت نابعة من حرص حقيقي على الأمن والاستقرار، في مقابل مشروع إخواني لا يتردد في استخدام العنف لفرض أجندته.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة 4 مايو , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من 4 مايو ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.