تصفيات وحملات أمنية.. لماذا يصعّد الحوثيون “حربهم” على القبائل اليمنية؟

يواصل الحوثيون تصعيدهم ضد القبائل في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، في خطوة يقول محللون وحقوقيون إنها “تعكس سعي الجماعة لتقويض النفوذ القبلي، الذي ظلّ يشكل عبر التاريخ أحد أهم مراكز التوازن في المجتمع اليمني”.
ومساء الجمعة الماضي، فرض الحوثيون حصارا خانقا بالآليات والعربات العسكرية، على بلدة “المزرب” في منطقة “بني عرجلة”، التابعة إداريا لمديرية صوير، غربي محافظة عمران، تحت ذريعة “ملاحقة مطلوبين” أطلقوا النار على زفاف أحد أقارب قيادات الميليشيا الميدانية.
لكن مصادر حقوقية، أكدت أن “مزاعم إطلاق النار غير صحيحة”، وأن الحصار المفروض ناتج عن خلاف بين أهالي المنطقة مع قيادي حوثي ميداني، على خلفية “مظاهر الإسراف والبذخ” التي شهدتها مراسم حفل زواج أحد أقاربه بالبلدة؛ وهو ما دفع القيادي إلى شنّ حملة عسكرية انتقامية لترويع السكان.
يأتي ذلك بعد يوم واحد على حملة أمنية أخرى، قُيّدت على إثرها حرية سكان إحدى قرى منطقة “الناصفة” بمديرية الزاهر، جنوب شرق محافظة البيضاء، وسط البلاد، بحجة “ملاحقة مطلوب أمني”؛ ما تسبب في نشوب حالة من التوتر بين السكان المسلحين والوحدات الأمنية والعسكرية التابعة للحوثيين.
ومنذ سيطرتها على محافظات شمالي البلاد في العام 2015، لا تُعدم مبررات ميليشيا الحوثي لممارسة انتهاكات إنسانية ضد مناهضيها في بعض المجتمعات القبلية المحلية، أسفرت في كثير المرات عن سقوط عشرات القتلى والجرحى والمختطفين، خاصة في محافظات البيضاء وعمران والجوف.
وغالبا ما يتذرع الحوثيون بملاحقة مطلوبين أمنيا أو مواجهة رافضي التجنيد والأوامر والجبايات المفروضة، أو بمزاعم “الحرب على الإرهاب”، لتنفيذ عمليات عسكرية وأمنية لمداهمة واقتحام البلدات والقرى المأهولة ومحاصرتها وقطع إمداداتها وتفجير بعض منازلها، في عمليات متكررة وقاسية تتجاوز أهدافها المعلنة.
نهجان متوازيان
وتشير الباحثة المتخصصة في شؤون النزاعات بمعهد “الشرق الأوسط”، ندوى دوسري، إلى أن جماعة الحوثي اتبعت على مدى السنوات الماضية، نهجين متكاملين للتمكّن من القبائل في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وأضافت في حديثها لـ”إرم نيوز”، أن النهج الأول يقوم على ترويض القبائل عبر استيعاب عناصر ومظاهر قبلية تحت مظلة الولاء للجماعة، فيما يعمد الآخر على القهر والإضعاف عند استحالة الانصهار، “وكلاهما يهدف إلى خلق بيئة قابلة للتحكّم السياسي”.
وأكدت دوسري، أن هذه السلوكيات لا ترمي بالضرورة إلى كسب ولاء حقيقي مبني على قبول أيديولوجي، بقدر ما تسعى إلى تفكيك شبكة الولاءات القبلية المعقّدة، التي تشكّل عقبة أمام مشروع الحوثيين المركزي.
وذكرت أن قيم المجتمع القبلي في اليمن، تتصادم جذريا مع خطاب الحوثيين المتشدّد، “ومن ثم فإن الجماعة ترى أن عليها ترويض هذا الكيان أو تحييده، لضمان بقاء النظام القيادي والأمني القائم على الولاء القائم لمعتقداتها”.
خطر مركب
وقال رئيس منظمة “سام” للحقوق والحريات، المحامي توفيق الحميدي، إن القبيلة تمثّل وحدة أساسية في البنية السياسية والاجتماعية لليمن منذ عقود طويلة؛ إذ اعتادت السلطات المتعاقبة على الاستعانة بها لحسم مواقف أو لتحييدها على الأقل؛ “لأن الصدام معها يقود غالبا إلى حالة من عدم الاستقرار”.
وفيما يتعلق بالمواجهة مع الحوثيين، أشار الحميدي لـ”إرم نيوز” إلى أن موقف القبيلة كان غير إيجابي في كثير من المواقف سواء بدوافع قسرية أو اختيارية، بينما لعب بعض مشايخ القبائل أدوارا سلبية في الأحداث الأولى لصالح الجماعة.
وأضاف أنه وبعد 10 أعوام من ذلك، انقلب الحوثيون على القبيلة بعد أن فككوها وأضعفوا بنيتها الداخلية، وبدأوا بممارسة انتهاكات متعددة، تصل إلى حدّ مقتل بعض المشايخ، “وهذه الانتهاكات المتكررة ضد المجتمعات القبلية تمثّل خطرا مركبا، ليس على النسيج الاجتماعي، بل على مستقبل الاستقرار الداخلي، بما فيه الحوثيون أنفسهم”.
وأوضح الحميدي أن القبيلة ليست مجرد مكوّن اجتماعي، بل هي إطار للحماية والضبط الأهلي، وعندما تُستهدف بالإذلال والحصار تتفكك الروابط الداخلية، وتبدأ مرحلة النزاعات الثأرية طويلة الأمد؛ ما يجعل فرص المصالحة الوطنية أكثر تعقيدا.
وذكر أن استهداف القبائل يخلق بيئة خصبة لتنامي نزعات الانتقام والاصطفاف المسلّح، ويقوّض أي إمكانية لبناء دولة عادلة قائمة على القانون.
وأكد أن ما يجري اليوم في محافظتي البيضاء وعمران، يعيد انتاج منطق الهيمنة بالقوة، الذي لا يمكن أن يصنع سلاما، بل يزرع بذور صراع مستقبلي أعمق، “ولهذا فإن صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الانتهاكات وعدم توثيقها مساءلة مرتكبيها، سيُعد مشاركة ضمنية في تدمير البنية الاجتماعية اليمنية”.
محاولة إخضاع
وترى رئيسة مؤسسة “تمكين المرأة اليمنية”، زعفران زايد، أن ممارسات الحوثيين “الغاشمة” تجاه أبناء القبائل “ليست مجرد تصرفات أمنية عابرة، بل سياسة ممنهجة هدفها كسر استقلال المجتمع القبلي وإخضاعه بالكامل”.
وقالت زعفران لـ”إرم نيوز”، إن هذه الانتهاكات تُستخدم لترهيب الناس وإسكات الأصوات الحرّة، في محاولة لإعادة هندسة الولايات المحلية بالقوة، من خلال حملات اعتقال جماعي وتجويع القرى وتجنيد الأطفال وارتكاب ممارسات تعسفية لا تمتّ للقانون أو للأخلاق بصلة.
وأشارت إلى أنه من الناحية القانونية والإنسانية “فنحن أمام جرائم جسيمة ترقى إلى جرائم حرب، تُكسر خلالها كرامة الإنسان اليمني، وتتفكك البنية الاجتماعية وتُغتال فكرة العدالة نفسها”.
وختمت حديثها بالتشديد على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي موقفا حازما ومسؤولا لوضع حدّ لهذه الممارسات، وحماية المدنيين وضمان محاسبة المتورطين.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارم نيوز , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارم نيوز ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.