تحذيرات الانتقالي الأخيرة .. رسالة مزدوجة للداخل والخارج


تمثل التحذيراتُ الأخيرةُ الصادرةُ عن المجلس الانتقالي الجنوبي، وعلى لسان الدكتور ناصر الخبجي رئيس وحدة شؤون المفاوضات، محطةً سياسيةً جديدةً تؤكد ثباتَ الموقف الجنوبي تجاه مسار التسوية السياسية في اليمن. فهذه التحذيرات ليست مجردَ ردِّ فعلٍ آنيٍّ على تحركاتٍ أو مقترحاتٍ عابرة، بل تأتي في سياق موقفٍ استراتيجيٍّ متراكمٍ يؤكد أن أيَّ عمليةٍ سياسيةٍ لا تنطلق من الاعتراف الصريح بالقضية الجنوبية وممثلها الشرعي، المجلس الانتقالي الجنوبي، لن تقود إلى سلامٍ حقيقيٍّ أو استقرارٍ دائم.

فمنذ حرب صيف 1994، التي شكّلت نقطةَ الانكسار الكبرى في مسار الوحدة اليمنية، دخل الجنوب مرحلةً من التهميش والإقصاء السياسي الممنهج، رافقها نهبٌ للثروات، وتفكيكٌ للمؤسسات، ومحاولاتٌ متعمدةٌ لطمس الهوية الوطنية الجنوبية. هذا الواقع أفرز حراكًا شعبيًا متصاعدًا منذ العام 2007، طالب بالحقوق السياسية والاقتصادية، ثم تطور إلى مطالبةٍ واضحةٍ وصريحةٍ بـاستعادة الدولة الجنوبية المستقلة.

في هذا السياق التاريخي، جاء تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017 كتحولٍ نوعيٍّ أنهى مرحلةَ الشتات السياسي الجنوبي، وبدأ مرحلةً جديدةً من العمل السياسي المنظَّم والمؤسسي. فقد نجح الانتقالي في كسر الحصار السياسي والإعلامي الذي فرضه نظام صنعاء لعقودٍ على الجنوب، وأعاد قضيته إلى الواجهة الإقليمية والدولية.

*تحذيرات الانتقالي الأخيرة..*

تحمل تصريحاتُ وتحذيراتُ المجلس الانتقالي الأخيرة دلالاتٍ متعددةَ الأبعاد؛ فهي من جهةٍ تؤكد رفضَ أيِّ محاولاتٍ لتهميش أو تجاوز الجنوب في التسوية السياسية المقبلة، ومن جهةٍ أخرى تمثل رسالةً سياسيةً تحذيريةً موجهةً إلى الأطراف الدولية والإقليمية التي تحاول صياغةَ حلولٍ انتقاليةٍ تتجاهل واقعَ الجنوب ومتغيراتِه الميدانية والسياسية.

وقد جاء تأكيدُ الدكتور ناصر الخبجي بأن المجلس “يرفض أيَّ تجاوزاتٍ للقضية الجنوبية” ليعيد التذكيرَ بأن القضية الجنوبية ليست قضيةً فرعيةً أو مطلبيةً، بل هي جوهرُ الأزمة اليمنية نفسها. فبدون معالجةٍ عادلةٍ ومنصفةٍ لهذه القضية، لن يكون لأي تسويةٍ سياسيةٍ معنى أو إمكانيةٍ للبقاء.

استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي، خلال سنواتٍ قليلة، أن يحوِّل قضيته من شأنٍ داخليٍّ إلى قضيةٍ إقليميةٍ ودولية. فحضوره في المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة، ومشاركتُه الفاعلةُ في مجلس القيادة الرئاسي، واعترافُ الأطراف الإقليمية بدوره كمكوّنٍ رئيسي، كلها عواملُ جعلت من المجلس رقمًا لا يمكن تجاوزه في أي ترتيباتٍ سياسيةٍ قادمة.

وعلى الصعيد الداخلي، رسّخ الانتقالي شرعيته الشعبية والسياسية والعسكرية عبر مؤسساته المنتشرة في محافظات الجنوب، وامتلاكه قواتٍ منظمةً ومؤسساتٍ خدميةً تمارس دورَ الدولة على الأرض في ظل فراغٍ حكوميٍّ واضح.

أما خارجيًا، فقد تمكن المجلس من بناء شبكةِ علاقاتٍ سياسيةٍ ودبلوماسيةٍ متينةٍ مع أطرافٍ إقليميةٍ ودوليةٍ فاعلة، أبرزها التحالف العربي ودولٌ مؤثرةٌ في الملف اليمني، وهو ما جعله محورًا أساسيًا في أي نقاشٍ حول مستقبل اليمن.

*معادلة السلام من منظور جنوبي*

منذ بداية الصراع اليمني، ظل الحديثُ عن “السلام” يدور في فلك الرؤية الشمالية التي تسعى إلى إعادة إنتاج سلطة المركز، متجاهلةً حقيقةَ أن الجنوب لم يعد خاضعًا لتلك المعادلة القديمة.

إن المجلس الانتقالي الجنوبي، من خلال مواقفه السياسية والعسكرية، فرض واقعًا جديدًا يجعل أيَّ مسارٍ للحل السياسي مرهونًا بالاعتراف بحق الجنوب في تقرير مصيره.

فالتجارب السابقة، من اتفاق السلم والشراكة إلى اتفاق الرياض، أثبتت أن أيَّ تجاهلٍ للجنوب يقود إلى فشل التسويات، ويعيد الصراع إلى نقطة الصفر.

وتحذيراتُ المجلس الانتقالي هي تعبيرٌ عن موقفٍ سياسيٍّ ناضجٍ يقوم على الثبات في المبادئ والمرونة في الوسائل. فالمجلس يدعم جهودَ السلام، وفي الوقت نفسه يرفض أيَّ محاولاتٍ لتذويب القضية الجنوبية في إطار حلولٍ ترقيعيةٍ أو مؤقتة.

وتأتي هذه الرسائل لتذكّر الفاعلين الدوليين بأن الجنوب يمتلك مشروعًا وطنيًا واضحًا ومتماسكًا، وليس مجرد ردِّ فعلٍ على أزمات الشمال. فمشروعُ الدولة الجنوبية الحديثة يستند إلى مرجعياتٍ سياسيةٍ وإداريةٍ وأمنية، وإلى قاعدةٍ جماهيريةٍ واسعةٍ أثبتت حضورَها في كل المناسبات الوطنية.

وتحمل التحذيراتُ الصادرةُ عن المجلس الانتقالي الجنوبي في جوهرها دعوةً لإعادة صياغةِ مفهوم السلام، بحيث يقوم على الاعتراف بالحقائق الميدانية والسياسية، لا على الأوهام القديمة.

فالجنوب اليوم يمتلك أرضًا وشعبًا ومؤسساتٍ، وله قيادةٌ سياسيةٌ موحدةٌ قادرةٌ على تمثيله والتحدث باسمه. وأيُّ تجاهلٍ لذلك يعني القفزَ على الواقع، وهو ما لن يسمح بسلامٍ دائمٍ ولا باستقرارٍ مستقبلي.

وفي المحصلة، تعكس تحذيراتُ المجلس الانتقالي الجنوبي وعيًا استراتيجيًا وإدراكًا عميقًا لطبيعة المرحلة القادمة، حيث تتبلور ملامحُ تسويةٍ جديدةٍ للملف اليمني.

ومن الواضح أن المجلس يريد أن يبعث برسالةٍ واضحةٍ مفادُها أن الجنوب ليس هامشًا في المعادلة، بل هو قلبُها ومحورُها الأساسي، وأن أيَّ سلامٍ لا يمر عبر القضية الجنوبية وممثلها الشرعي هو سلامٌ ناقصٌ محكومٌ عليه بالفشل.

إن الجنوب اليوم لا يدافع فقط عن حقه التاريخي في الاستقلال، بل أيضًا عن حق المنطقة في الاستقرار الحقيقي، انطلاقًا من مبدأ أن العدالة السياسية هي أساسُ السلام، وأن الاعتراف بالجنوب هو الخطوةُ الأولى نحو يمنٍ مستقرٍّ وآمنٍ وعلاقاتٍ إقليميةٍ متوازنة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى