تقرير حقوقي يكشف تصاعدًا مروّعًا في حالات الانتحار باليمن خلال عقد الحرب

كشف تقرير حقوقي صادر عن مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF) بعنوان “بين القهر والخذلان: الانتحار في اليمن” عن تصاعد مروّع في معدلات الانتحار خلال السنوات العشر الماضية، خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، مؤكدة أن الانتحار بات “ظاهرة مجتمعية مقلقة تعكس انهيار منظومة الدعم النفسي والاجتماعي في البلاد”.
 
ووثّقت المؤسس في تقريرها انتحار 200 حالة موثقة بالأسماء والتفاصيل في 18 محافظة، غالبيتها في مناطق سيطرة الحوثيين، من بينها 34   طفلًا و32 امرأة و64 معلمين وموظفين حكوميين، في حين تتصدر محافظات إب، تعز، صنعاء، وذمار معدلات الانتحار. مشيرةً إلى أنّ 78% من إجمالي الحالات وقعت في مناطق الحوثيين، في حين أن الابتزاز الإلكتروني والعاطفي بات سببًا مباشرًا فيما لا يقل عن 22 % من حالات الانتحار بين النساء والفتيات.
 
ورصد التقرير انهيارًا كاملًا في البنية الوطنية للصحة النفسية، إذ لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في اليمن 60 طبيبًا فقط، مع إغلاق   % 80 من المراكز والعيادات النفسية، وغياب أي برامج وقائية أو خطوط طوارئ. مؤكدًا أن “الانتحار في اليمن لم يعد قرارًا فرديًا بقدر ما هو نتيجة تراكمات قهرية تواطأت فيها الحرب والفقر والعزلة وانعدام العدالة”.
 
وقالت المؤسسة في بيانها المرفق بالتقرير “إن الحرب لم تكتفِ بقتل اليمنيين بالقذائف، بل دفعت الآلاف منهم إلى قتل أنفسهم تحت وطأة الفقر، والخذلان، واليأس. إن السكوت عن الانتحار هو تواطؤ مع الألم، وإنقاذ من تبقى مسؤولية وطنية وأممية”.
 
وطالبت مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF) بـ إنشاء برنامج وطني للدعم النفسي والاجتماعي بإشراف منظمة الصحة العالمية واليونيسف، وإعادة تفعيل إدارة الصحة النفسية في وزارة الصحة اليمنية، وإطلاق خط ساخن وطني مجاني لتقديم الاستشارات والدعم النفسي، وتمكين المجتمع المدني من تنفيذ حملات توعية واسعة لكسر الصمت حول الظاهرة.
 
ودعت مؤسسة تمكين المرأة اليمنية المجتمع الدولي إلى النظر في الظاهرة كـ قضية حقوق إنسان وليست قضية طبية فقط، مشددة على أن “الحق في الحياة لا يكتمل إلا بوجود الأمل”.

بين القهر والخذلان: الانتحار في اليمن | تقرير حقوقي صادر عن مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF) بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية | 10 أكتوبر 2025

المقــــدمة / 

الفصل الأول : الإطار العام

تُعد ظاهرة الانتحار أحد أبرز المؤشرات على الانهيار المجتمعي والنفسي في الدول التي تعيش نزاعات مسلحة طويلة الأمد.
في اليمن، تزامنت هذه الظاهرة مع:

• انهيار المنظومة الصحية والنفسية.

• تفكك شبكات الدعم الاجتماعي.

• تفشي الفقر والبطالة.

• تزايد القهر الأسري والاجتماعي.

• غياب العدالة والقانون.

واتخذت الظاهرة بعدًا أكثر مأساوية في مناطق سيطرة الميليشيا الحوثية حيث تُقمع الحريات العامة وتُختطف الطفولة ويُغيب الأمل.

الفصل الثاني: الإطار الإحصائي والتحليلي الوطني

اعتمد هذا التقرير على دمج عدة مصادر لتقدير الحجم الحقيقي للظاهرة:

المصدرالفترةعدد الحالات المبلغ عنهاالملاحظات
ملفات YWEF الميدانية2015–2025200 حالة موثقة تتضمن أسماء وصورًا وتقارير طبية
WHO Global Health Estimatesحتى 20191,660 حالة سنويًامعدل انتحار 5.2 لكل 100,000 نسمة
WHO EMRO (2021)2020–20211,780 حالة تقديريةزيادة 7 ٪ عن 2019
تقارير إعلامية محلية ودولية2018–20241,500–1,900 حالة خلال عقد الحرب
تقدير إجمالي وطني2015–2025بين 13,000–16,000 حالةأكثر من 60 ٪ منها في مناطق الحوثيين

هذه البيانات تؤكد أن معدلات الانتحار في اليمن تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 2014، في ظل غياب أي برامج وطنية للصحة النفسية. 

الفصل الثالث : الانتحار في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية

شهدت محافظات إب، تعز، صنعاء، ذمار، ريمة، عمران، والحديدة النسبة الأعلى من الحالات.
الأسباب الأكثر شيوعًا شملت:

• الفقر الشديد وانقطاع الرواتب.

• الخوف من الاعتقال أو الإذلال في السجون.

• القهر الأسري الناتج عن الوضع الاقتصادي.

• العزلة الاجتماعية والانقطاع عن التعليم.

• الابتزاز الإلكتروني والاجتماعي، خصوصًا ضد النساء والفتيات.

كما برزت أنماط متكررة في المناطق الخاضعة للحوثيين، حيث يُستخدم الخطاب الديني الممجد للموت لتبرير الألم والمعاناة بدل مواجهتها بالعلاج أو الدعم.

الفصل الرابع : الابتزاز كسبب من أسباب الانتحار

في السنوات الأخيرة، تصاعدت حوادث الانتحار بين النساء والفتيات في صنعاء وذمار وإب نتيجة الابتزاز الإلكتروني والعاطفي.
في ظل غياب قانون فعّال أو حماية مجتمعية، تجد الضحايا أنفسهن بين خيارين مريرين: الفضيحة أو الموت.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن “العار الاجتماعي والوصم” يمثلان من أبرز دوافع الانتحار في المجتمعات المحافظة التي تفتقر إلى الدعم النفسي.
شهادات ميدانية أكدت أن الخوف من الفضيحة والسكوت القسري للأسرة كان السبب المباشر في أكثر من 22 ٪ من حالات الانتحار بين الإناث.

الفصل الخامس : انهيار منظومة الدعم النفسي في اليمن

منذ 2014 توقفت وزارة الصحة العامة والسكان عن إدارة أي استراتيجية وطنية للصحة النفسية.
ووفق بيانات منظمة الصحة العالمية (WHO – EMRO 2021):

• لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في اليمن 60 طبيبًا فقط.

• أُغلقت 80٪ من العيادات والمراكز النفسية.

• لا توجد خطوط طوارئ أو برامج وقائية.

• معظم خدمات العلاج النفسي تعتمد على المبادرات الفردية والمنظمات الأهلية.

هذا الانهيار جعل مئات الآلاف يعيشون صدمات متراكمة دون علاج، وأسهم في انتشار الاكتئاب وتعاطي المهدئات ومحاولات الانتحار.

الفصل السادس : التحليل الحقوقي والقانوني

1. الحق في الحياة : المادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

2. الحق في الصحة: المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

3. حماية الطفل: المواد (19) و(28) من اتفاقية حقوق الطفل.

4. المساءلة القانونية: سلطات الأمر الواقع (ميليشيا الحوثي) تتحمل المسؤولية المباشرة عن غياب مؤسسات الرعاية والدعم النفسي.

استمرار هذه الانتهاكات يرقى إلى جريمة “الإهمال الممنهج” بحق السكان المدنيين، وهي جريمة تقع ضمن نطاق القانون الدولي الإنساني.

الفصل السابع : النتائج

1. تضاعف معدل الانتحار ثلاث مرات خلال عقد الحرب.

2. 78 ٪ من الحالات وقعت في مناطق سيطرة الحوثيين.

3. النساء والأطفال يمثلون أكثر من 40 ٪ من الضحايا.

4. غياب الدولة أدى إلى تفكك منظومة الحماية النفسية.

5. الابتزاز الإلكتروني أصبح عاملًا رئيسيًا للانتحار.

6. لا توجد إحصائية حكومية رسمية.

الفصل الثامن : التوصيات

إلى الأمم المتحدة ووكالاتها:

• إنشاء برنامج وطني للدعم النفسي في اليمنبإشراف WHO وUNICEF.

• إدراج ظاهرة الانتحار ضمن تقارير “الأطفال والنزاع المسلح”.

إلى الحكومة اليمنية:

• إعادة تفعيل إدارة الصحة النفسية بوزارة الصحة.

• إطلاق خط ساخن وطني مجاني للاستشارات النفسية.

• اعتماد خطة وطنية للوقاية من الانتحار.

إلى منظمات المجتمع المدني:

• تنفيذ حملات توعية لكسر الصمت حول الصحة النفسية.

• تدريب الكوادر التربوية على رصد المؤشرات النفسية لدى الطلاب.

• توثيق الحالات ونشر تقارير دورية.

المراجع /

1. منظمة الصحة العالمية (WHO) – Global Health Estimates 2019

2. منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط (EMRO) – Situation Analysis 2021

3. مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR)

4. مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF) – ملفات الرصد الميداني 2015–2025

5. تقارير إعلامية 2018–2025

نمــــاذج لشهــــادات من الميـــــــــدان

ملحق لتقرير: بين القهر والخذلان – الانتحار في اليمن

صادر عن مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF)

بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية – أكتوبر 2025

التمهيد

يأتي هذا الملحق ضمن جهود مؤسسة تمكين المرأة اليمنية(YWEF) في توثيق القصص الإنسانية لضحايا الانتحار في اليمن، كجزء من عملية الرصد والتحليل الميداني للانتهاكات النفسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال سنوات الجائحة الحوثية في اليمن .
تهدف هذه الشهادات إلى إضفاء صوت إنساني على الأرقام والإحصائيات، لتذكير المجتمع الدولي بأن وراء كل رقم قصة إنسان، ومعاناة، ونداء استغاثة لم يُسمع.

1- الطفل أحمد الحسيني – إب (12 عامًا)

كان أحمد طفلًا هادئًا يحب مدرسته ويبيع الحلوى بعد الدوام لمساعدة أسرته.
بعد توقف راتب والده المدرس وانقطاع الكهرباء والماء، اضطر لترك المدرسة.
في إحدى ليالي 2023، عُثر عليه مشنوقًا بحبل داخل غرفته.
التحقيقات أشارت إلى أنه كان يعاني من ضغوط نفسية شديدة وإحساس بالعجز، ولم يجد من يسمعه.

قال قبل أيام فقط: ما فيش حياة في هذا البلد.”

2- الشابة مثنّى – صنعاء (22 عامًا)

طالبة جامعية متفوقة، خضعت لابتزاز إلكتروني بعد اختراق هاتفها.
تلقت تهديدات بنشر صورها إن لم تدفع المال أو تستسلم لمطالب مسيئة.
رفضت الاستسلام، لكنها لم تجد جهة قانونية أو أسرية تحميها.
في اليوم التالي، وُجدت منتحرة بعد تناول كمية من الحبوب المنوّمة.

قصتها كشفت هشاشة الحماية الاجتماعية للنساء، وأعادت تسليط الضوء على ظاهرة الابتزاز كأداة قتل معنوي ونفسي.

3- المعلم ياسر جنيد – تعز (45 عامًا) 

مدرس رياضيات معروف بانضباطه وحبه لطلابه.
انقطع راتبه لعامين وتراكمت عليه الديون، وتعرض للسجن بتهمة “التعامل مع التحالف”.
بعد الإفراج عنه، دخل في اكتئاب حاد وكتب في دفتره:

“لم يعد للعلم معنى في بلد يُهان فيه المعلم.”
بعد أيام، أنهى حياته شنقًا داخل منزله تاركًا خلفه أسرة بلا معيل.

4- الطفلة ليث – ذمار (10 سنوات)

يتيمة من أسرة نازحة من الحديدة.
كانت تتعرض للضرب والإهانة اليومية من زوجة والدها.
في يوم صيفي من عام 2024، وُجدت معلقة في شجرة قريبة من المنزل.
أثبتت تقارير الميدان أنها لم تتحمل القسوة والشعور بالنبذ.

حالة ليث أصبحت رمزًا لمعاناة الأطفال بلا حماية نفسية أو اجتماعية.

5- المخترع عبدالمجيد علوس – صنعاء (32 عامًا)

شاب موهوب حائز على براءة اختراع في الطاقة البديلة.
تمت مضايقته من قبل سلطات الحوثي وإغلاق ورشته، كما صودرت معداته بحجة “عدم الترخيص”.
دخل في عزلة طويلة أصيب بعدها باكتئاب حاد.
عُثر عليه مشنوقًا في منزله تاركًا رسالة قصيرة:

“لم يبقَ مكان للحلم في هذا البلد.”
قصته تختصر مأساة المبدعين الذين تقتلهم البيروقراطية والقهر السياسي.

6- الحاج عبده نشطان – الحديدة (70 عامًا)

رجل مسنّ يعيش من بيع الخضار أمام منزله.
تعرض لمضايقات متكررة من عناصر الميليشيا لإجباره على دفع “مجهود حربي”.
حين صودرت عربته الأخيرة، جلس على الأرض يبكي، ثم عاد إلى منزله وشنق نفسه.

كتب قبل موته على الجدار: “أخذوا رزقي، فماذا بقي لي؟

صوت الضحايا الذي لا يجب أن يُنسى

تُظهر هذه القصص الوجه الإنساني الكارثي للحرب التي تشنها المليشيات الحوثية ضد اليمنيين ، حيث لم يعد الموت يأتي فقط من الرصاص، بل من الانكسار الداخلي واليأس النفسي.
كل حالة من هذه الشهادات تمثل نداءً لإنقاذ من تبقى على قيد الحياة من براثن الاكتئاب والعزلة والخذلان.
إن الصمت على هذه المآسي هو تواطؤ مع القهر، وفضحها هو أول الطريق نحو العدالة الإنسانية والنفسية.

تم إعداد هذا الملحق بواسطة وحدة الرصد الميداني – مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF )

صنعاء – عدن، أكتوبر 2025

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى