بعد سنوات من الحرب.. الأحزاب التاريخية في اليمن تتلاشى أمام صعود القوى المسلحة

أثرت الحرب التي اندلعت نتيجة انقلاب الحوثيين على العديد من الملفات والأوراق السياسية في اليمن، بما في ذلك العملية السياسية والدور المهم الذي لعبته الأحزاب التقليدية على مدار أكثر من 24 عامًا، منذ إعلان الوحدة اليمنية في عام 1990 وحتى سقوط العاصمة صنعاء بيد الميليشيات عام 2014.
إذ زخرت تلك المرحلة بالتعددية السياسية، وبانتشار واسع للأحزاب والتحالفات التنظيمية، على الرغم من انفراد حزب واحد بالحكم طيلة عقدين ونصف، إلا أن ما كانت تتمتع به تلك الأحزاب في رسم المشهد السياسي، لم يعد متوفرًا لديها خلال العقد الأخير، وباتت مجرد مسميات تذيّل في البيانات والتقارير دون إحداث أي تأثير فعلي.
وأسفرت سنوات الحرب بروز قوى عسكرية ومكونات محلية داخل مناطق جغرافية محددة، خصوصاً في مناطق سيطرة الشرعية، بينما في الوقت نفسه في المحافظات الخاضعة للميليشيات، فكما انقلب الحوثيون على السلطة الشرعية، انقلبوا على حلفائهم السياسيين خصوصًا حزب المؤتمر الشعبي العام جناح صنعاء، أقوى الأحزاب في البلاد.
في هذا الصدد، يقول وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية فياض النعمان “أفرزت الحرب والانقسامات الجغرافية واقعًا جديدًا تجاوز حدود الأحزاب التقليدية التي كانت فاعلًا رئيسيًا قبل الانقلاب على مؤسسات الدولة”.
وأضاف النعمان، في حديثه لـ”إرم نيوز”: “تراجعت قدرة هذه الأحزاب على أداء دورها في إعادة صياغة المشهد السياسي، وملأت القوى الجديدة والكيانات المحلية الفراغ السياسي في مناطق مختلفة”.
وأشار إلى أن “صعود القوى المسلحة كان انعكاسًا لانهيار النظام السياسي التقليدي، ما أدّى إلى تهميش الأحزاب التاريخية التي افتقرت إلى آليات جديدة تتواءم مع متغيرات الحرب”.
ويرى النعمان، بأن “القيادات الحزبية القديمة لا تمتلك مشروعًا وطنيًا جديدًا، وما زالت تتعامل بعقلية الماضي، ما جعلها عائقًا أمام تجديد الحياة السياسية وإشراك الشباب”، منوهًا إلى أن “مستقبل الأحزاب مرهون بقدرتها على إعادة إنتاج نفسها فكريًا وتنظيميًا والانفتاح على جيل جديد يمتلك الوعي والقدرة على قراءة الواقع وإدارته “.
ونوه إلى أن عدم إقدام الأحزاب على مراجعة شاملة لبنيتها الداخلية وأدائها التنظيمي، سيُبقيها ذلك “مجرد ديكور سياسي فاقد للحيوية والتأثير، فيما تواصل القوى الجديدة فرض حضورها على الأرض والمشهد العام”.
ولفت المسؤول اليمني، إلى أن “إنقاذ الحياة السياسية لن يتحقق إلا عبر تمكين الشباب وتغيير أدوات العمل السياسي وبناء مشروع وطني جامع، وتجاوز الحسابات الحزبية الضيقة”.
من جانبه، يرى الباحث والناشط السياسي نبراس الشرمي، بأن “الحرب على مدى 10 سنوات أحدثت شرخًا عميقًا في البُنية السياسية اليمنية، وأضعفت حضور الأحزاب التقليدية التي كانت تمتلك في السابق دورًا فاعلًا في صياغة القرار الوطني”.
وقال الشرمي، لـ”إرم نيوز”، إن “الانقسامات الجغرافية وظهور سلطات أمر واقع حوّلا الأحزاب إلى كيانات مشتتة، بعضها فقد الاتصال بقاعدته الشعبية وآخر يعيش حالة شلل تنظيمي بسبب الضغوط الأمنية وتقييد النشاط السياسي، تماماً كما يحدث اليوم في العاصمة صنعاء”.
وأفاد الشرمي، بأن “ظهور القوى المسلحة والكيانات الجديدة على الساحة الوطنية “شمالًا وجنوبًا” أعاد تعريف المفهوم السياسي في اليمن، حيث أصبحت السيطرة الميدانية هي التي تمنح الشرعية والنفوذ، لا العمل الحزبي أو القاعدة الجماهيرية كما كان”، مُبينًا أن ذلك “أضعف التأثير التاريخي للأحزاب الكبرى، ودفع بعضها إلى التحول نحو أدوار ثانوية أو شكلية داخل التحالفات الراهنة”.
وعن مدى إمكانية استعادة الأحزاب لنفوذها، يُشير الشرمي إلى أن “الطريق أمامها لا يزال صعبًا”، مُستدركًا “ولكنها تملك فرصة إذا أعادت بناء هياكلها الداخلية، وقدمت رؤية وطنية واقعية تتجاوز خطاب الماضي وتتعامل بجدية مع واقع تعدد القوى والنفوذ”.
ومضى الشرمي، قائلًا، إن “أي تسوية سياسية قادمة لن تكون قابلة للحياة دون عودة التوازن بين العمل السياسي المدني والقوة العسكرية، وإشراك الأحزاب في صياغة مستقبل الدولة على أسس شراكة وعدالة وتمثيل حقيقي”.
و قال المدير الإقليمي لمركز “سوث 24” للدراسات السياسية والإعلامية يعقوب السفياني، إن “الأحزاب التقليدية التي تأسست على فكرة “اليمن الواحد” وجدت نفسها فجأة أمام واقع جديد متعدد الهويات والمراكز”.
وأضاف السفياني، “في الجنوب تحديدًا، انكمش حضور تلك الأحزاب بشكل شبه كامل بعد عام 2015، لأن المزاج العام الجنوبي تغيّر نحو استعادة الهوية السياسية الخاصة به، ونشأت كيانات جديدة تعبّر عن هذا التحول مثل المجلس الانتقالي الجنوبي”.
وتابع السفياني حديثه لـ”إرم نيوز” “أظهرت الحرب هشاشة الأحزاب أمام التحولات الجذرية، وكشفت أن مشروعها لم يعد يمتلك شرعية اجتماعية أو جغرافية حقيقية، خصوصًا في الجنوب، في ظل بقاء الأحزاب رهينة خطابها المركزي الذي لم يعد يجد صدى، أو يُلبّي التطلّعات”.
وأكد السفياني، على أن “القوى المسلحة والكيانات الجديدة التي برزت خلال الحرب، لا سيما في المحافظات المحررة، فرضت واقعًا مختلفًا أعاد توزيع السلطة والنفوذ”، مُسلطًا الضوء على المشهد الجنوبي، حيث قال “لم يكن صعود المجلس الانتقالي مجرد نتيجة فراغ سياسي، بل نتيجة طبيعية لفشل الأحزاب القديمة في تمثيل تطلعات الناس”.
ويرى السفياني، بأن “هذه القوى الجديدة أصبحت أكثر التصاقًا بالميدان وبقضايا الناس، بينما ظلت الأحزاب التقليدية تعيش على ذاكرة الماضي وتتحرك من منطلقات نخبوية بعيدة عن الواقع”، ملوحًا إلى أنه “في هذا السياق، يمكن القول إن تهميش الأحزاب لم يكن قسرياً فقط بفعل السلاح، بل كان أيضًا استحقاقًا شعبياً نتج عن فقدانها للمصداقية والفاعلية”.
ولفت السفياني، إلى أنه “إذا أرادت بعض الأحزاب أن تظل جزءًا من المشهد، فعليها أن تعيد تعريف نفسها وفقًا لهذا الواقع، وأن تقرّ بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم دون وصاية”، مضيفًا “غير ذلك، ستبقى مجرد أسماء في التاريخ السياسي، لا فاعلين في حاضره أو مستقبله”.
تجدر الإشارة، إلى أنه في 5 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، جرى في العاصمة المؤقتة عدن إشهار تكتّل سياسي جديد، ضم أكثر من 20 حزبًا ومكونًا سياسيًا، أطلق عليه “التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية اليمنية”، في محاولة بدت لإعادة البريق لعمل الأحزاب التقليدية، إلا أنه لم يُحدث ذلك أي تغيير أو حضور حقيقي على مستوى المشهد السياسي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارم نيوز , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارم نيوز ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.


 






