الشاعرة والأديبة المغربية عشار العلوي في حوار صحفي: أخترت الفصحى لأنني أكتب للإنسان لا للهجة وهي اللغة التي تجتمع حولها المشاعر المختلفة

(صوت الشعب) خاص:
– الشعر ليس هواية بل خلاص داخلي نعبر عن ما نعيشه، وقصائدي مستوحاة من مشاهد لا يراها سواي

ـ السينما علمتني الصورة لكن الشعر علمني الحياة فكلاهما مسار تكامل لا تناقض

– اليمن بلد عريق يمتاز بحضارة وتراث وفنون متنوعة وآمل أن أزوره في المستقبل

(مقدمـة)

حين تتهادى الكلمات على ضفاف الإحساس، وتنهل القصائد من نبع الروح، نجد أنفسنا أمام تجربة شعرية تنبض بالحياة، وتجسد في كُل بيت حالة إنسانية تتجاوز حدود اللغة والجغرافيا.
هكذا هي الشاعرة المغربية “عشار العلوي” التي استطاعت أن ترسم بريشة الشعر لوحات تنطق بما يعجز عن وصفه الكلام العادي، وتختصر في سطورها مسافات من الألم والأمل، ومن الوجد والترحل، وبأسلوبها المعبر ونصوصها المتدفقة بالصدق والعمق، تكتب “عشار العلوي” عن الإنسان كما هو.. مخلوق من هشاشة وشموخ، ومن انكسارات وانتصارات.
فـي ديوانها الأخير (ذكرى من الخالدات)، نلمس انتقالًا واعيًا إلى فضاءات شعرية لا تحدها الزمان ولا تقيدها حدود المكان، تنطلق من الذات لتلامس الشعور الجمعي العربي، بلغة تحاكي كُل اللهجات، وبروح تنتمي لكُل العواصم والمجتمعات.
فـي هذا اللقاء، نفتح معها نوافذ الحديث لاكتشاف ملامح تجربتها، ونسبر أغوار الكلمات التي كتبتها، لنعرف من أين تبدأ القصيدة لديها، وإلى أي مدى يمكن للحرف أن يعيد تشكيل المشاعر. فالشاعرة “عشـار” لا تكتب القصيدة فقط، بل تعيشها بجوارحها بكُل ما فيها من وهج وحنين ووجدان.

نص الحـوار:

• متى كانت ولادة أول قصيدة، وبداية رحلة الإبحار إلى عالم الشعر والأدب ؟.

ــ كانت البدايات الأولى مع كتابة قصيدة بعنوان (لكل قصة ثمن)، وأنا في عمر لا يتجاوز الـ16 سنة، وذلك نتيجة تأثري وحبي العميق لأشعار وشعراء كبار نقشت أسمائهم ومآثرهم عبر التاريخ كـ”أبو علاء المعري” و”أبو الطيب المتبني” الذي تأثرت بهِ كثيرًا، وتلمذت على اسلوب الحكمة والموعظة التي يتبناها في أشعاره وأقواله، وهنالك أيضًا كوكبة كبيرة لا تنسى من شعراء وأدباء شكلوا حقبة تاريخية مهمة، وإرث أدبي عظيم في حياة الشعوب والأمم.
طبعًا كانت ولادة أول قصيدة كتبتها صعبة الظروف والمخاض حتى تشكلت ملامحها وروحها، فهي كانت تجربة جميلة أكشتفت من خلالها ذاتي وقدراتي الأدبية في الكتابة والتعبير، والخوض في تفاصيل وتجارب مختلفة عشتها في حياتي، واستطعت من تحويلها إلى تعابير ونصوص، ولعل الأكثر من شجعني لخوض هذا المجال هم الشعراء والأدباء أنفسهم الذين منحوني “جواز سفر” للمغامرة في اكتشاف خفايا الذات، وكان أول كلمة سمعتها ومازلت أتذكرها من مدقق ديواني الأول، حين قال لي: “مرحبا بكِ في عالم الأدباء” ومن هنا أصبح لي في كُل قصيدة قصة لها ثمن.

• لاشك أن الشعر ليست مجرد حالة إنشائية يكتبها الإنسان، بل هي مجموعة مشاعر يتعايش معها الشاعر، فمن أي صورة أو زاوية تستوحين نثراتك وقصائدك ؟.

ــ بالطبع أتفق معك تمامًا، ولن أقول لك أنني كُنت أرنو متشتته بالنظر هنا وهناك من أجل استنساخ جملة أو بيت يملأ قصيدتي، بل كُنت أحضر في مخيلتي مشهدًا حماسيًا ومشوقًا لدرجة كُنت أصطحب (ذرتي المقلية) وأتلذذ في صياغة كُل حرف يسرد خبايا مشهد لا ينظر إليه سواي، وكُنت أحمّلُ نفسي كذلك مسؤولية نقل المشهد بدقة للمتلقي لكي يستطيع رؤية ما أراه بنفس الدقة.
ولكُل قصيدة لها حكايتها وشخوصها، وهناك الكثير من الزوايا المهملة التي يستشف منها الشاعر جوانب وتفاصيل غير عادية بخلاف الأخرين، يظل يتأملها ويفكر فيها، يرسمها صورة حية في مخيلته، ويحولها إلى ملامح نصية يضع فيها بصمته من أحاسيسه وتصوراته وتفاعلاته الأدبية.

• في قصائدكِ نلمس تضادًا بين الأمل والألم، كيف تفسّرين هذا التناقض ؟.

ــ أرى نفسي لوهلات أنني قد بوركت ورزقت حظًا من كُل شيء، وفي نفس الحال وعلى وجه النقيض أرى العكس تمامًا، فأقف حائرة بصدد ذلك !، هل أعبر عن هذا أو ذاك، ولا زلت حتى هذه اللحظة أرى الشيء الثابت وأرى عكسه المتغير، حتى أصبحت أسرد كليهما وأنا على قناعة تامة بذلك، ربما تعمدت ترك مجال التأويل عما يختلج مشاعري للمتلقي في حرية الحكم على حالاتي وحياتي المتضاربة مع بعضها.
فالشاعر دائمًا ما ينظر إلى الأشياء من جوانب مختلفة، ويمنحها حقها في الوصف والشعورية، فالكثير من الأدباء لديهم جوانب غامضة في حياتهم يتركوا متعمدين تفسيراتها للأخرين، لأنهم الأكثر قدرة على فهم المحيط الذي يعيشون بهِ ويتعايشون معهُ، وهم من يملكون ناصية المشاعر والدلالات العميقة ما تخولهم في التعبير عن ضمير وصدق عن محطات ووقائع الحياة، وفهم ظروفها وأوضاعها المتباينة.

• لكن ثمة شيء حزين رأيناه يبكي في بعض قصائدك، وكأنك تلمحين إلى شيء ما، غامض وموجع في حياتك ؟.

ــ مجرد سماعنا لكلمة غامض نفسرها على أنها حزن، أنا لا أريد أن أثبت العكس، ولكنني أريد أن أسلط الضوء على طريقة واسلوب تعبيرنا عن دواخلنا، وقد يساعدنا في ذلك حالة العزلة الذاتية التي تنتاب بعض الشعراء، فأنا وبحكم تجربتي منذ طفولتي لم أكن على احتكاك مع أقراني كان معظم وقتي أقضيه مع أساتذة كبار أو صديقات “أمي” حفظها الله، ومنهم تعلمت الكثير من تجارب السابقون في الحياة، وفهمت أن الكلمة التي لا تحمل معنى كالجسد في الثرى، لذلك وضفت كُل مشاعري وقدراتي بختلاف ظروفها وطبيعتها في كُل تعابيري ونصوصي، وهذا قد يكون السبب الوجيه الذي جعل من قصائدي تتهاوى بين طابع الفرح والحزن حيال كُل إحساس مؤثر، أو مشهد مغاير، وكُلما صدق التعبير في النص، حتمًا ستجد القصيدة تغني أو تبكي من تلقاء نفسها.

• ديوانك الأول “ذكرى من الخالدات” جمع بين الشعر والنثر ببراعة، كيف صغتِ هذه التجربة ؟.

ــ يسعدني التحدث عن هذه التجربة التي مثلت بالنسبة لي محطة هامة في حياتي، والتي كانت بدايتها حُب وميول وشغف للشعر والأدب وأنا طالبة “علمية التخصص”، لكن وبسبب تجارب القمع والوجع التي عانيت منها كثيرًا في حياتي، كانت الملهم والدافع الوحيد للهرب نحو الكتابة كمتنفس ساعدني كثيرًا في ترجمة أحاسيسي وتضمين مشاعري في باكورة كلمات وقصائد نتجت عنها تجربة هذا الديوان الموسوم بـ”ذكرى من الخالدات” الذي صدر عن دار “قهوة للنشر”، وقادتني إليه الصدفة وحدها عن طريق الأستاذة “نجاة” التي كُنت قد اللتقيت بها في “المركز الثقافي” وحالفني الوقت والطريقة وقتها للوصول نحو بلوغ هدفي.
وهذا الديوان هو أول من حمل ملامح “عشار” كشخصية جديدة تعبر عن ذاتها وقوتها بدون حدود ودون أي قيود، شخصية تجمع بين الواقعية والعاطفة، وبين القوة والإرادة، والإصرار والتصميم، الأمر الذي عكس نفسه على وقع قصائد متداخلة بين تركيبة الشعر بنكهة النثر كمزيج عن هوية شخصية جديدة ورؤية لا محدودة تتصف بها “عشار” كإنسانة وكشاعرة.

• يلاحظ من خلال قصائدك وأنت شاعرة مغربية تكتبين بالفصحى، ولم نرى لك قصيدة بالعامية، هل ذلك تعمد لايصال جموح مشاعرك إلى خارج حدود الانتماء ؟.

ــ طبعًا أنا أرى أن اللغة هي الأصل، وهي الأعم والأشمل في قدرة الشاعر على ايصال رسالته ونصوصه خارج حدود الجغرافيا والانتماء لتحلق في فضاءات واسعة، وتحاكي لهجات مختلفة وثقافات متنوعة، وكان ذلك معيار ووزن وضعته في صياغة أشعاري، بلغة تفهمها كُل اللهجات والمشاعر التي تتخطى كُل القوانين المحدودة، لأن فلسفتي الأدبية وطموحاتي الذاتية يفوق حدود لغة أهل البلد، فأنا أحمل رسالات وقصائد ونداءات أسعى إلى ايصالها لأبعد ما يحصره الوجدان، وتحاصره لهجة المكان.
لكن هذا لا ينتقص من اعتزازي وولائي الكبير لبلدي المغرب الذي يتميز بتقاليده الموسيقية المتنوعة، وغنائه التراثي المغربي، وتشكيلاته الأدبية في مجالات متعددة عكست ثقافته وعراقة تراثه.

• نريد معرفة تفاصيل مشروعكِ الأدبي القادم، ما الذي يحمله من جديد ؟.

ــ مشروعي الجديد عبارة عن رواية بعنوان “الصديقة المخلصة” وهي تضمن ثلاث شخصيات رئيسية تتمحور حولها جل الأحداث، وهو عمل أدبي فني يحاكي بواقعية الذات المرهقة، ويُعالج فيهِ الجانب النفسي والروحي بقالب أدبي منطقي يمكنهُ أن يكون المتحكم الرئيسي لكُل شيء يحوم حولنا، وكيف يمكننا معرفة ما إذا كان قد حان الوقت المناسب للهروب من أنفسنا وبدون رغبة مسبقة، أحيانًا قد نكون ضحايا خوف يحاصرنا، لا يسمح لنا بخوض تجربة أو حياة جديدة، وهذه الرواية ربما تبدو الأصعب من بين ما هو متاح فعليًا أن نقرره، أو نحبس أنفسنا داخل دوامة فكرية متشابهة تمنحنا ما نطمح لهُ بشكل وهمي فقط لتفادي السعي وراء أهدافنا وطموحاتنا، سأترك لكم مقصد كلامي الغامض هذا مفصل داخل صفحات الكتاب الذي سيرى النور قريبا بإذن الله.

• درستي مجال “السمعي البصري” في روسيا، لكن اخترتِ طريق الأدب عوضًا عن السينما، هل لكون الشعر بات متنفسًا عامًا للإنسان، أو لكونك ولدتِ شاعرة بالفطرة ؟.

ــ في الحقيقة، لا أجد بين السينما والشعر تعارضًا، دراستي للسينما في – روسيا – منحتني أدوات بصرية وتقنية لفهم الصورة بشكل أعمق وأدق، بينما الشعر كان وسيلتي للتعبير عن المشاعر العميقة والأفكار المكبوتة، وخلال تجربتي ورحلتي اكتشفت أن “السينما” ليست مجرد سرد بصري، بل هي أيضًا تخلق ومضات من نبض وإحساس، تمامًا كما هو الشعر الذي يغلف النصوص بتصاوير وأحاسيس مختلفة، لذلك قررت أن أُزاوج بينهما، فالشعر أغنى نظرتي للصورة، والسينما عمّقت رؤيتي للنص.

• من هم أبرز الأدباء والشعراء الذين تركوا بصمة بداخلك ؟.

ــ لكُل أديب أو شاعر له أسلوبه وفلسفته في الحياة، يعبر عنها كيفا شاء ووقتما يشاء، ويوظفها بطريقته ورؤيته التي تخلق منهُ طابع واسلوب مختلف عن الأخر، لكن تجتمع جميعها في سياق واحد وهو النص المعبر بلغة مشتركة يفهما الجميع.
ويوجد الكثير الكثير من الشعراء الذين أثروا وتركوا بصمة واضحة في طريقة توظيف إمكانياتي الشعرية على رأسهم الشاعر “أبو الطيب المتنبي” الذي شكلت قصادئه وأشعاره المليئة بالحكمة شخصية متجددة بداخلي، إلى جانب الشاعر “نزار قباني” الذي كتب عن السياسة والرومنسبة بلغة بسيطة وعميقة، وكذلك الشعراء الكبار “محمود دوريش”، و”هشام الجخ”، و”صلاح عبد الصبور”، وأخرون، والذي عبر كُل واحدًا منهم عن روحه ولحنه بطريقته الخاصة والفريدة.

• وماذا عن شعراء وأدباء اليمن؟، لمن تقرأين لهم ؟.

ــ عندما نذكر اليمن فأننا نذكر حضارة عربية عريقة متجدرة بالثقافة والأدب والفلكلور والفنون المختلفة، لاسيما الشعر الراسخ في جذور التاريخ القديم، فهذا البلد المتنوع بفنونه وأدبه الجميل لاشك ساعد في تشكيل هوية الأمة العربية، وصياغة ثقافتها وأدبياتها بصورة رائعة عكست عادتها وتقاليدها.
فهناك أدباء وشعراء مررت على مؤلفاتهم ووجدت في كتاباتهم الكثير من المتعة والدهشة، أمثال الشاعر الفقيد “عبدالله البرودني” و”محمد عبده غانم”، والعديد منهم، لكنني أجد نفسي الأقرب قراءة كونني شاعرة شابة لـ”فوزية العدني” الذي يلفتني اهتمامها بالمواضيع الإنسانية والاجتماعية، والشيء الذي يميزها هو تناولها للمرأة بطريقة رائعة من خلال قصائدها التي أوفت المرأة حقها.

• كلمة أخيرة تودين قولها ؟.

ــ بداية سعدت جدًا بهذا اللقاء الذي أطل فيهِ من خلال منبركم الإعلامي المميز لأول مرة للجمهور اليمني، والتي أشكرها من أعماق قلبي لكونها اتاحت لي هذه الفرصة، حيث كنت ومازلت أطمح أن تتسنى لي فرصة زيارة هذا البلد الجميل الذي سمعتُ عنهُ الكثير وعن شهامة وأصالة شعبه، وأتمنى أن يُحالفني الحظ بزيارته.

كما أود أن أوجه رسالة شكر لعائلتي وأصدقائي في بلدي المغرب، ولأساتذتي الأجلاء “ياسين الحراق” و”مصطفى يونس” و”زكريا الساحلي” الذين كانوا داعمين لي في بداية مشواري الأدبي، وكذلك لا أنسى أن أتوجه بالشكر الكبير لُكل متابعي صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي، وأتمنى أن أكون من خلال ديواني “ذكرى من الخالدات” قد نجحت في نقل الصورة الكافية والكاملة عن كُل ما تحتويه مشاعري من أشعار وأفكار مستنبطة من تجارب شخصية، وأخرى معبرة عن حياة الأخرين.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صوت الشعب , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صوت الشعب ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى