الجنوب في الذكرى 31 لفك الارتباط شعب لا يتراجع وحق لا يسقط بالتقادم

في الثاني والعشرين من مايو عام 1990 وفي خطوة متسرعة وغير مدروسة دخلت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) وتحت أوهام الوحدة العربية في وحدة مع الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، لتتكون بذلك دولة جديدة سُميت بـ”الجمهورية اليمنية”، في خطوة وُصفت آنذاك بأنها تجسيدٌ لطموحات الشعبين في تحقيق الوحدة العربية، وإنهاء حالة الانقسام والصراعات التي عاشها اليمن لعقود.
غير أن هذا الحلم الوطني لم يلبث أن تحول إلى كابوس، بعد أن أخل نظام الرئيس علي عبدالله صالح باتفاقيات الوحدة وتنكر لشركائه الجنوبيين. فبدلاً من ترسيخ شراكة حقيقية وعدالة في تقاسم السلطة والثروة، لجأ النظام إلى الإقصاء والتهميش والتصفية السياسية، حيث تم اغتيال عدد من القيادات الجنوبية، وبدأ مسلسل ممنهج لتفكيك مؤسسات الدولة الجنوبية السابقة، ونهب الممتلكات العامة والخاصة، وفرض سياسات الإذلال والتجويع والتضييق على أبناء الجنوب.
وفي صيف عام 1994، شن النظام اليمني حربًا شاملة على الجنوب استخدم فيها كل أنواع الأسلحة، ما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير البنية التحتية، واجتياح المدن، ونهب المنازل والأراضي والممتلكات، في واحدة من أبشع صور العدوان الداخلي. وفي ظل هذا الواقع المرير والانقلاب الصريح على مشروع الوحدة، لم يكن أمام القيادة الجنوبية آنذاك إلا إعلان فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية في 21 مايو 1994، كخطوة للدفاع عن الأرض والكرامة، وتأكيدًا على رفض الاحتلال والاستبداد.
*الوحدة الموءودة:كيف تحول الحلم إلى مشروع هيمنة؟*
منذ إعلان الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، دخل الجنوب مرحلة جديدة اتسمت منذ بدايتها بعدم التوازن والشراكة غير المتكافئة، لكن ما لبثت أن تحولت هذه المرحلة إلى واقع مأساوي بعد حرب صيف 1994، حين شن النظام اليمني بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح حربًا شاملة على الجنوب، انتهت باجتياحه عسكريًا وإخضاعه بالقوة. ومنذ ذلك الحين، بدأت فصول طويلة من الانتهاكات الممنهجة التي طالت كل جوانب الحياة في الجنوب، وتحولت إلى سياسة ممنهجة هدفت إلى كسر إرادة الشعب الجنوبي ومحو هويته الوطنية.
تعرض مئات الآلاف من الضباط والجنود والموظفين الجنوبيين للإقصاء والتهميش والتسريح القسري من مؤسسات الدولة تحت ذرائع مختلفة، ما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية لعشرات الآلاف من الأسر، وحرمان الجنوب من الكفاءات والخبرات التي كانت تشكل ركيزة مهمة في بناء دولته السابقة.
تم استهداف النخب السياسية والعسكرية الجنوبية من خلال حملات اغتيال، واعتقالات تعسفية، ومطاردات مستمرة، إضافة إلى تغييب أصوات الجنوب في مؤسسات الحكم، وتحويل الوحدة إلى غطاء للهيمنة والاستحواذ الكامل على الثروة والسلطة.
إلى جانب ذلك، جرى نهب الأراضي والممتلكات العامة والخاصة، وتمت السيطرة على الشركات والمنشآت الاقتصادية في الجنوب، وتحويلها لصالح قوى النفوذ في الشمال.
كما تعرضت المدن الجنوبية لسياسات إفقار متعمدة، وتدهورت فيها الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وكهرباء ومياه، رغم غنى الجنوب بموارده وثرواته. ورافقت هذه السياسات عمليات قمع ممنهج للحراك السلمي الجنوبي منذ انطلاقه في العام 2007، عبر استخدام القوة المفرطة في مواجهة المظاهرات والاحتجاجات، واعتقال الناشطين والزج بهم في السجون، وتعريضهم للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية.
إن هذه الجرائم والانتهاكات، المتراكمة على مدى عقود، لم تكن مجرد ممارسات فردية أو أخطاء عابرة، بل كانت تعبيرًا عن نهج سلطوي قائم على الإقصاء والاحتلال والاستعلاء على الجنوب، وهي التي رسخت في الوجدان الجنوبي قناعة راسخة بأن الوحدة قد تم الانقلاب عليها وتحولت إلى أداة قمع وتهميش.
لهذا السبب فإن مطالبة الجنوبيين بفك الارتباط لم تأتِ من فراغ، بل جاءت كنتيجة طبيعية لتلك المعاناة، وكرد فعل مشروع على حرب فرضت عليهم، وعلى سنوات طويلة من الظلم والنهب والإقصاء، ولتأكيد حقهم في استعادة دولتهم الجنوبية المستقلة، والعيش بكرامة في ظل نظام عادل يمثل تطلعاتهم ويحترم إرادتهم.
*قضية شعب لا تقبل المساومة
تحمل ذكرى 21 مايو 1994 رمزية وطنية وسياسية عميقة في الوجدان الجنوبي، حيث يُحيي الجنوبيون هذا اليوم كل عام كتاريخ مفصلي أعلنوا فيه فك ارتباطهم بالجمهورية اليمنية، عقب حرب صيف 1994 التي اجتاحت فيها قوات نظام صنعاء الجنوب عسكريًا، وأجهضت مشروع الوحدة السلمية التي أُعلنت في 22 مايو 1990 بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية.
يُمثل 21 مايو في ذاكرة الجنوب خطًا فاصلًا بين مرحلتين تاريخيتين متباينتين: مرحلة الوحدة المغدورة التي قامت على التوافق والشراكة ثم انتهت بالغدر والتهميش، ومرحلة المشروع الوطني الجنوبي المتجدد لاستعادة الدولة الجنوبية وبناء مستقبل يعبّر عن إرادة الشعب الجنوبي. لقد أدرك الجنوبيون بعد تلك الحرب الظالمة أن الوحدة لم تُبنَ على أسس متكافئة، بل تحولت إلى غطاء للهيمنة والاستيلاء، وبدلاً من تحقيق العدالة والمواطنة المتساوية، جلبت الوحدة الدمار والنهب والانتهاكات التي طالت كل مناحي الحياة في الجنوب.
لا يعد إحياء ذكرى فك الارتباط مجرد احتفاء بحدث سياسي مضى، بل هو تجديد للعهد مع الأرض والتاريخ، وإعلان متواصل بأن الجنوب يرفض الاستبداد ويرنو إلى مستقبل حر ومستقل.
ففي كل عام، تتحول هذه الذكرى إلى منصة وطنية للتأكيد على أن مشروع الدولة الجنوبية لا يزال حيًا ومتجددًا، ينهل من نضالات الماضي ويتطلع إلى بناء دولة حديثة على أسس العدالة والديمقراطية والسيادة.
وتأتي رمزية هذا اليوم أيضًا من كونه لم يكن قرارًا فرديًا أو نخبويًا، بل كان ثمرة لوعي شعبي واسع عبّرت عنه جماهير الجنوب بمختلف أطيافها، وكرسته لاحقًا عبر الحراك السلمي الجنوبي منذ 2007، ثم عبر الانخراط في مقاومة الاحتلال والسياسات الإقصائية، وصولًا إلى بناء مؤسسات سياسية وأمنية وعسكرية جنوبية على طريق الاستقلال الكامل.
إن 21 مايو لا يُقرأ فقط في سياق الماضي، بل يُقرأ كعنوان لمرحلة مستمرة تتجسد اليوم في تمسك الجنوبيين بحقهم في تقرير المصير، وفي سعيهم لبناء دولتهم المنشودة، وفي تضحيات الشهداء والجرحى الذين قدموا أرواحهم دفاعًا عن الهوية والكرامة. وبالتالي، فإن هذا اليوم أصبح أكثر من ذكرى؛ إنه محطة نضالية متجددة تؤكد أن الجنوب قد تجاوز مرحلة الخضوع، وبدأ مرحلة استعادة الحقوق وبناء الحاضر والمستقبل على أسس وطنية خالصة تعكس تطلعاته المشروعة.
*من الشراكة إلى الإقصاء مسار سقوط الوحدة
بعد أكثر من ثلاثة عقود على إعلان وحدة 22 مايو 1990 بين جمهوريتي اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، تتزايد القناعة لدى قطاع واسع من أبناء الجنوب بأن هذه الوحدة قد سقطت عملياً منذ سنوات، بفعل ما آلت إليه من ممارسات أحادية، حولت الشراكة المعلنة إلى شكل من أشكال الاحتلال، أفضى إلى تدمير مؤسسات الدولة الجنوبية وطمس هويتها الوطنية.
لقد بدأت مؤشرات الانقلاب على روح الشراكة منذ وقت مبكر، لكن المحطة الفاصلة كانت حرب صيف 1994م، حين اجتاحت قوات الشمال أراضي الجنوب بقوة السلاح، وتم إقصاء الجنوبيين من كافة مؤسسات الدولة، وفرض واقع مركزي قائم على النهب والاستحواذ والتهميش.
ومنذ تلك الحرب، أصبح الجنوب فعلياً أرضاً محتلة لا شريكاً، وصارت الوحدة، التي رُوّج لها بأنها خيار تاريخي، مجرد غطاء لنهب الثروات، وقمع الكفاءات، وإقصاء القيادات، وتهميش الهوية والثقافة الجنوبية.
في ظل هذا الواقع، يرى سياسيون وقانونيون جنوبيون أن فك الارتباط عن الشمال لم يعد مجرد رغبة سياسية، بل أصبح حقاً مشروعاً، يستند إلى مبدأ “حق تقرير المصير”، المنصوص عليه في المواثيق الدولية، وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة.
ويؤكد هؤلاء أن الوحدة لا يمكن أن تُفرض بالقوة، وأن سقوط الشراكة وسقوط العقد السياسي المؤسس لها، يمنح الجنوبيين شرعية كاملة لاستعادة دولتهم، خاصة في ظل الفشل المستمر لبناء دولة عادلة مشتركة تحترم التنوع والشراكة الحقيقية.
من أخطر نتائج ما بعد 1994م، كان السعي الممنهج لطمس الهوية الوطنية الجنوبية، من خلال تغيير المناهج التعليمية، وتغيير أسماء الشوارع والمؤسسات، وإحلال رموز الشمال محل الرموز الجنوبية. غير أن هذه السياسات ووجهت بمقاومة شعبية وثقافية صلبة، حافظت على الروح الجنوبية، بل وأعادت إحياءها بقوة في العقدين الأخيرين.
اليوم، تبرز الهوية الجنوبية أكثر تجذراً ووعياً، وتتجلى في الحراك السياسي، وفي مؤسسات المجلس الانتقالي الجنوبي، وفي الحضور الشعبي المتزايد الذي يطالب بفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.
*صناعة الوعي الجمعي
في ظل التحولات السياسية العميقة التي يشهدها جنوب اليمن، تتصاعد الدعوات بضرورة اضطلاع النخب السياسية والفكرية والمجتمعية الجنوبية بدورها التاريخي في بلورة مشروع وطني جامع، يستند إلى خيار الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة بحدودها المعترف بها دولياً قبل 22 مايو 1990م، وهو اليوم الذي شهد إعلان الوحدة اليمنية.
تكتسب هذه الدعوات أهميتها من حالة التوافق الشعبي الجنوبي الواسع حول خيار الاستقلال، خاصة بعد سنوات من التهميش والإقصاء والهيمنة المركزية التي مارستها الأنظمة المتعاقبة في صنعاء.
ويؤكد مراقبون أن إعادة إنتاج الوعي الوطني الجنوبي بات ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات الراهنة، وترسيخ مشروع الدولة الجنوبية الفيدرالية القادمة، كخيار عادل ومشروع يعبر عن تطلعات شعب الجنوب.
يرى محللون أن النخب السياسية والأكاديمية والثقافية تقع على عاتقها مسؤولية توجيه الرأي العام، وإعادة صياغة الخطاب الوطني بما يتناسب مع المرحلة الحالية، التي تتطلب خطاباً عقلانياً موحداً، يعكس تطلعات الجنوبيين ويحشد تأييدهم داخلياً وخارجياً.
كما أن على النخب أن تلعب دوراً ريادياً في تعزيز مفاهيم المواطنة، والعدالة، والتعددية، ضمن إطار الدولة الفيدرالية الجنوبية القادمة، بما يضمن عدم تكرار مآسي الماضي، ويؤسس لدولة مؤسسات تسود فيها سيادة القانون.
يؤكد ناشطون في المجلس الانتقالي الجنوبي أن تحشيد الرأي العام الجنوبي لا يجب أن يقتصر على الداخل فقط، بل يجب أن يمتد إلى المحافل الإقليمية والدولية، من خلال توظيف الإعلام، والحقوقيين، والجاليات الجنوبية في الخارج، لإيصال صوت الجنوب وقضيته العادلة.
كما دعوا إلى ضرورة توحيد الجبهة الجنوبية خلف رؤية سياسية موحدة، تضمن احترام التنوع الجنوبي في إطار الدولة الفيدرالية، وتقدم مشروعاً متكاملاً للمجتمع الدولي باعتباره بديلاً حضارياً للاستقرار والتنمية في المنطقة.
*مجلس القيادة:حديث عن الشراكة ورفض لحقوق الجنوب*
رغم الخطاب السياسي الرسمي الذي ترفعه بعض الأطراف الشمالية في إطار الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ومجلس القيادة الرئاسي، والذي يتحدث عن “الشراكة” و”الوحدة الوطنية”، إلا أن ممارسات هذه الأطراف على الأرض تكشف عن ازدواجية صارخة في المواقف، تتجلى في رفضها الاعتراف بالقضية الجنوبية كقضية سياسية محورية، وإنكارها لحقوق شعب الجنوب المشروعة في تقرير مصيره واستعادة دولته.
يؤكد مراقبون أن ما يسمى بالشراكة الوطنية بين الشمال والجنوب لا تزال محصورة في الشعارات، إذ تسعى بعض القوى السياسية الشمالية إلى إعادة إنتاج هيمنة ما قبل 2015م، من خلال اختراق مؤسسات الدولة ومحاولة السيطرة عليها من الداخل، دون أن تقدم أي خطوات عملية نحو حل عادل للقضية الجنوبية أو حتى الاعتراف بها.
وفي المقابل، ترفض هذه الأطراف أي حديث عن الاستقلال أو الفيدرالية أو حتى الشراكة الندية، وتتعامل مع الجنوب كمنطقة تابعة يجب إخضاعها مجدداً بالقوة الناعمة أو العسكرية إذا لزم الأمر، في تجاهل صارخ للتاريخ والواقع والتضحيات.
منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، بمشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي وممثلين عن أطراف شمالية متعددة، ساد أمل بأن يمثل هذا المجلس إطاراً سياسياً متوازناً للتعامل مع كافة القضايا، وعلى رأسها القضية الجنوبية. غير أن تصرفات بعض أعضاء المجلس، خاصة من المحسوبين على قوى النفوذ التقليدية، كشفت عن استمرار العقلية الإقصائية ورفض الاعتراف بالتعددية الوطنية.
وقد شهدت هذه المرحلة محاولات لعرقلة خطوات بناء المؤسسات في الجنوب، وتجميد ملفات الخدمات، إلى جانب خطاب إعلامي معادٍ، يشكك في تمثيل الجنوبيين ويسيء لتضحياتهم في مواجهة الحوثي والإرهاب.
ويشدد قياديون جنوبيون على أن القضية الجنوبية لم تعد قضية هامشية أو ورقة تفاوض تستخدم عند الحاجة، بل هي قضية شعب ووطن، تحمل مشروعية نضالية وقانونية وشعبية، وتتطلب حلاً عادلاً يعترف بحق الجنوبيين في استعادة دولتهم على حدود ما قبل عام 1990م.
يؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي في كل المحافل الدولية أن أي محاولة لإعادة إنتاج المركزية أو الالتفاف على القضية الجنوبية ستُواجه برفض شعبي واسع، وأن الشراكة الحقيقية تبدأ بالاعتراف بحقوق الجنوب، لا بالمناورات السياسية أو الشعارات الفارغة.
إن ازدواجية الخطاب والمواقف لدى بعض الأطراف الشمالية في الحكومة الشرعية ومجلس القيادة تمثل تهديداً مباشراً لأي عملية سياسية عادلة وشاملة. فالشراكة لا تُبنى على الإقصاء، ولا يمكن تحقيق الاستقرار دون الاعتراف الكامل بالقضية الجنوبية كمدخل رئيسي لأي تسوية مستقبلية تضمن سلاماً دائماً وعادلاً في اليمن.
*التجاوز السياسي للقضية الجنوبية
تتواصل التحركات والجهود الدولية والإقليمية الهادفة إلى إيجاد تسوية شاملة للأزمة اليمنية التي دخلت عامها العاشر، وسط تعقيدات سياسية وإنسانية وأمنية غير مسبوقة. وفي خضم هذه الجهود، تتصاعد الأصوات الجنوبية المحذّرة من مغبة القفز على القضية الجنوبية أو تجاوز إرادة شعب الجنوب، باعتبارها قضية محورية في أي تسوية سياسية قادمة.
خلال الأشهر الأخيرة، كثفت الأمم المتحدة والدول المعنية بالازمة اليمنية لقاءاتهم مع الأطراف اليمنية والإقليمية، في محاولة للتوصل إلى اتفاق يوقف الحرب ويؤسس لعملية سياسية شاملة.
وشهدت العاصمة السعودية الرياض وسلطنة عُمان لقاءات مكثفة بين ممثلين عن التحالف العربي وجماعة الحوثي ومجلس القيادة الرئاسي، في إطار مساعٍ لتحقيق تهدئة طويلة الأمد تمهيداً للتسوية النهائية.
غير أن هذه التحركات، وفقاً لمحللين جنوبيين، ما زالت تفتقر إلى رؤية واضحة تجاه القضية الجنوبية، وتتعامل معها كـ”ملحق تفاوضي”، لا كقضية شعب ووطن يسعى لاستعادة دولته كاملة السيادة.
من جانبه، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتباره الحامل السياسي للقضية الجنوبية، تأكيده أن أي حلول لا تعالج جذور القضية الجنوبية، ولا تعبر عن تطلعات الجنوبيين في استعادة دولتهم، ستكون حلولاً مؤقتة وهشة، مصيرها الفشل.
وفي هذا السياق، شدد قياديون في المجلس على أن شعب الجنوب قدم تضحيات كبيرة، ولا يمكن القبول بإعادة إنتاج الشراكة الفاشلة التي كانت سبباً في حرب صيف 1994م وما تبعها من تهميش وظلم.
يرى مراقبون أن تجاهل القضية الجنوبية أو محاولة فرض حلول تتجاوز الإرادة الشعبية في الجنوب، لن يؤدي إلا إلى تعميق الانقسام وفتح جبهات صراع جديدة. ويشير هؤلاء إلى أن الحل العادل والشامل في اليمن يجب أن يقوم على الاعتراف بالحق الجنوبي في تقرير المصير، ضمن عملية سياسية شفافة وبرعاية دولية، تضمن التمثيل العادل لكافة الأطراف دون وصاية أو إقصاء.
في ظل الجهود الدولية المستمرة، يبقى مستقبل السلام في اليمن مرهوناً بمدى جدية المجتمع الدولي في التعاطي مع القضية الجنوبية كعنصر أساسي في المعادلة، لا يمكن تجاوزه أو الالتفاف عليه.
فشعب الجنوب اليوم أكثر تمسكاً من أي وقت مضى بخيار الاستقلال، وأي حلول لا تلبي هذا التطلع، ستكون مجرد تسويات هشة مآلها الفشل.
*المجلس الانتقالي حامل مشروع الجنوب
في ظل ما تشهده اليمن من صراعات متداخلة، وأزمات ممتدة، برز المشروع الوطني الجنوبي، الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي، كحل واقعي وضروري لضمان الأمن والاستقرار في الجنوب واليمن والمنطقة ككل.
ويؤكد مراقبون أن هذا المشروع، بما يحمله من رؤية سياسية واضحة وإرادة شعبية راسخة، يمثل المخرج الوحيد من دوامة الحروب والصراعات التي أنهكت البلاد منذ أكثر من عقد.
منذ تأسيسه في العام 2017، برز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة سياسية وتنظيمية متماسكة، استطاعت أن توحد الغالبية العظمى من أبناء الجنوب خلف رؤية واحدة، تقوم على استعادة الدولة الجنوبية بحدود ما قبل 22 مايو 1990م، على أسس فيدرالية حديثة تضمن العدالة والتمثيل والمواطنة المتساوية.
وقد تمكن المجلس من بناء مؤسسات سياسية وعسكرية ومدنية، وأسهم في فرض الاستقرار في المحافظات الجنوبية، في وقت كانت فيه معظم المناطق اليمنية تعاني من الفوضى الأمنية والانهيار المؤسساتي.
يعتمد المشروع الوطني الجنوبي على قراءة واقعية للتاريخ والجغرافيا والتحولات السياسية، ويستند إلى تطلعات شعب الجنوب الذي ناضل لعقود من أجل استعادة دولته وهويته. ويؤمن المجلس الانتقالي الجنوبي بأن الدولة المستقلة هي الضامن الوحيد لإقامة نظام سياسي عادل، وإنهاء الفشل المتكرر في إدارة الدولة الموحدة، التي تحولت إلى أداة إقصاء وهيمنة منذ حرب صيف 1994م.
*استقلال الجنوب ضمان للأمن الإقليمي والدولي
لا يقتصر أثر المشروع الجنوبي على الداخل فحسب، بل يمتد إلى الإقليم برمته فموقع الجنوب الاستراتيجي على باب المندب وخليج عدن يجعل من استقراره ضرورة إقليمية ودولية. وقد أثبتت القوات الجنوبية، بإسناد من التحالف العربي، فاعليتها في مواجهة الحوثيين والتنظيمات الإرهابية، وحماية خطوط الملاحة الدولية، وهو ما يعزز من أهمية دعم هذا المشروع كركيزة أمنية واستراتيجية في المنطقة.
يطالب نشطاء وقيادات جنوبية المجتمع الدولي بالتعامل الجاد مع المشروع الوطني الجنوبي، والتوقف عن تجاهله أو تأجيل الاعتراف به، باعتباره الخيار الوحيد القابل للحياة، القادر على خلق توازن سياسي حقيقي في اليمن، ووضع حد للفوضى والتنازع المستمر بين القوى المتصارعة في الشمال.
في الوقت الذي تنهار فيه مشاريع الوحدة القسرية وتتآكل شرعية الحكومة المركزية، يتقدم المشروع الوطني الجنوبي كخيار واقعي مدعوم بإرادة شعبية ومؤسسية، يقدم نموذجاً لاستعادة الدولة، وتحقيق الأمن، وضمان الاستقرار الإقليمي والدولي. فدعم هذا المشروع لم يعد خياراً سياسياً فحسب، بل بات ضرورة استراتيجية لحفظ ما تبقى من أمل في مستقبل آمن ومستقر لليمن والمنطقة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة 4 مايو , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من 4 مايو ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.