اخبار غزة : من يبقى ليروي الحكاية!

غزة – معا- أماني شنينو- “لا أعرف كيف يعيش الناس بعد فقدان أحبائهم؟” هكذا بدأت حديثها الصحفية ريم جعرور، حين سألتها عن تأثير هذه الحرب الطاحنة عليها.

وتوضح ريم:”بالنسبة لي، عندما فقدت بيتي، كان ذلك من أقسى ما مررت به في حياتي. ذلك البيت الذي بنيته بحب وتعب، كنت أسهر الليل فيه وأصلي وأحمي أولادي بين جدرانه. لم نسكن فيه سوى أربع سنوات، لكنه كان كل شيء ليفهو ملاذي وأماني بعد الله”.

بصوت شجي مليء بالبكاء، تُكمل ريم:”ثم فجأة، اختفى كل شيء. خزانة الملابس، الثياب التراثية التي أحبهاوكل ما جمعته طوال سنوات. خرجت بثيابيالتي أرتديها فقط، وتأقلمت مع الواقع كما اعتدت دائماً، لكن الجرح بقي في قلبي. لم أتجاوز صدمة فقدان البيت، حتى جاء الأثقل والأوجع وهو فقد الأحبة، مهند ابن أختي، وأبو أحمد زوج أختي الذي كان بمثابة أخ كبير لي، وآخرهم الأشد إيلاماً ووجعاً كان فقدي لشقيقي وصديقي محمد، هذه الحرب أخذت منا الكثير على كل الأصعدة”

البقاء أم النزوح!

حين سألتها عن سبب بقائها في غزة وعدم النزوح للجنوب منذ بداية الحرب، تقول “بقيتُ في غزة رغم الخطر لأنني كنت أؤمن أن الخطر موجود في كل مكان، لكن هنا في غزة المدينة،هذه الأرض التي نعيش عليها نعرفها ونفهم تفاصيلها. شعرت أنه يجب أن يبقى بعض الناس في أماكنهم، لا أن نرحل جميعًا”.

وتواصل ريم، “رغم أننا نملك أرضًا في الجنوب، اخترنا كعائلة أن نبقى معًا، وكان تماسكنا الأسري سببًا رئيسيًا في قدرتنا على البقاء والصمود. لو لم ندعم بعضنا البعض، لما استطعنا البقاء في غزة حتى لحظة واحدة، وفي آخر الحرب، رغم كل الإشارات التي كانت تدفعني للخروج، بدءاً من العربات المفخخة إلى قصف المباني والأبراج، لكن بقينا، خاصةً بعد ما سمعناه عن معاناة النازحين للجنوب”.

تحدي الأمومة الأكبر

ريم صحفية مستقلة وهي أم لثلاثة أطفال، تقول بأن أبرز التحديات التي واجهتها كأم خلال المجاعة وانهيار الحياة في غزة، هي خوفها على صحة أبنائها الصغار، نقص الأغذية المهمة لنموهم مثل الحليب والبيض والبروتينات، مما أثر على صحتهم بحيث تأخر تبديل الأسنان، وتسوسهم، بالإضافة لنحافتهم وضعف طاقتهم ومناعتهم.

الخوف على أولادها وعلى تعويضهم الفاقد التعليمي، كان يجعل الضغوطات مضاعفة عليها، وعلى قدرتها الاستمرار بعملها، وحتى عندما عُرض عليها منصب ناطق رسمي لإحدى الوزارات رفضت خوفاً على العائلة.

تقول:” خرجنا من المنزل دون أخذ مستلزماتنا الشخصية اللازمة لي وللأولاد، فاعتمدنا لفترة طويلة على نفس الملابس. تضيف ريم بألم:” بعدهاتم قصف منزلنا، لنققد بعدها كذلك المنزلين الذين التجأنا اليهما واستأجرناهما خلال الحرب”.

مواصلة العمل الصحفي سراً

وتواصل ريم بتأثر كبير، “نزحنا لعدة مرات عند أقارب ومعارف لنا، وكان شرطهم دائماً قبل الاستضافة، عدم التصوير وايقاف عملي الصحفي، بسبب خوفهم من الاستهداف الذي لازم الصحفيين/ات، وكنت أضطر للقبول في أوضاع خطرة جداً؛ لانعدام الخيارات، واضطررت في فترات أخرى، التصوير والعمل دون إخبار أحد من حولي، ونشر المواد دون اسم ودون الاحتفاظ بحقوقي المادية، وكان دافعي هو نقل الحقيقة دون انتظار مقابل”.

إضافة لكل هذا، فإن ريم واجهت عقبة أخرى، وهي عدم إيجاد جهة إعلامية للنشر مهمة صعبة جدا وسط الكثير من التضييقات على الصحفيين/ ات في غزة وعلى الرواية الفلسطينية.

تأثير التهديدات

تقول ريم:”كنا نشعر بوجود تهديد مباشر، وتلقى بعضنا مكالمات تهديد من جهات أمنية إسرائيلية. في حروب سابقة وهذه الحرب أيضاً، رغم أن طبيعة عملي كانت بسيطة ومقتصرة على تقديم إفادات عن انتهاكات الاحتلال؛ لذلك قمت بإجراءات وقائية مشددة، أصبحت حذرة جدًا وأتجنب أي تواصل مشبوه؛ فلا أرد على مكالمات غير معروفة، ولا أتواصل مع مؤسسات جديدة، ولا أنضم إلى أي مجموعات، حفاظًا على سلامتي وعلى سلامة أسرتي، الخوف لازمني خلال كل دقيقة من الحرب”.,

في حرب الإبادة الجماعية الأخيرة فقدت غزة 256 صحفيا، منهم 35 صحفية، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فيما فقد غالبية الصحفيين والصحفيات أفرادا من عائلتهم كما فقدوا مقراتهم الصحفية وتضررت منازلهم.

الخوف من الاستهداف جعل باقي الصحفيين والصحفيات يواجهون ضغطاً ورعبا إضافياً، وهذا ما أكدت عليه الصحفية روند التتر، وهي حامل في أشهرها الأخيرة، تقول روند:” ازداد الخوف من الاستهداف لأني صحفية وكان خوفي يتصاعد بعد كل استهداف لصحفي وصحفية، وخاصةً بعد أن أصبحت أم حامل أنتظر مولودي الأول، وهذا ما دفعني للنزوح للجنوب في نهاية أشهر الحرب، رغم أنني أصريت على عدم النزوح من غزة في العام الأول من الحرب”.

تُضيف:” الفترة الأخيرة كانت جدا مرعبة أكثر من بداية الحرب،فما عُرف بالريبوت “العربات المفخخة” كان يُزلزل الأرض من تحتنا، ومن شدة الصوت نشعر بأننا سنفقد السمع، وهو يستهدف أكثر من بيت وأكثر من مبنى في الوقت نفسه، بقيت لآخر نفس في الشمال، ولكن ما زاد الخطر والخوف هو عدم وجود مكان لنهرب له في الشمال، فالجيش الإسرائيلي والدبابات كانت في كل مكان بالإضافة وكذلك خروج المستشفيات عن الخدمة، وأنا حامل بحاجة لرعاية صحية، فاستسلمت لقرار النزوح للجنوب”.

شمالاً أو جنوباً.. الحرب حرب

روند واجهت العديد من التحديات والخطر في بقائها في الشمال منذ بداية الحرب، لاسيما في أوقات انقطاع الانترنت والاتصالات، وعدم جدوى انترنت الشريحة الالكترنية، فتضطر كانت على المجازفة بنفسها والذهاب إلى “كافي_مقهى يتوفر لديه للاتصال بالانترنت؛ لعمل مقابلة أو لانجاز تقرير أو إرسال مواد العمل المواد الصحفية.

وحين اضطرت للنزوح للجنوب، الأمر لم يكن أفضل بكثير من الشمال، الحرب والقصف في كل مكان، تقول:”المنطقة التي نزحت لها في الجنوب،لم يكن فيها انترنت،كنت أستخدم الشريحة الكترونية وكانت لا تعمل دائماً، وحين يُطلب مني عمل سريع أضطر للذهاب لمكان بعيد يوجد به انترنت من الدير للنصيرات، والمواصلات في الحرب بين مكان وآخر أمر صعب ومنهك، بسبب الازدحام الشديد، وسط اكتظاظ أعداد النازحين، فالمسافة التي كان من المفترض أن تكون 10 دقائق تأخذ ساعة أو أكثر”

العمل على سرير المستشفى

فقدت الصحفية المستقلة روند العديد من فرص العمل بسبب الانترنت والنزوح، لكنها واصلت المحاولة، تذكر لنا موقفاً قاسياً حدث لها حينن زحت من الشمال للجنوب:”كان عندي تسليم قصة ضرورية بنفس اليوم، لم أرتح من الطريق، وصلت النصيرات، وضعت أغراضي وذهبت مباشرة لعمل مقابلة مع سيدة في خانيونس، وحين عدت من المقابلة جائتني أعراض ولادة واضطررت فوراً للذهاب إلى المستشفى، وبقيت 3 أيام في المستشفى يحاولون الأطباء ايقاف الطلق المبكر، ورغم الألم واصلت كتابة القصة هناك؛ لأنني أعرف أنه في حال التأخر عن التسليم يمكنهم الاستغناء عني”.

يُضاف للتحديات التي وقفت في وجه روند، خوف الناس منها حين يعرفون أنها صحفية، خاصةً فيما يتعلق باستئجار منزل، وحين تضطر للنزوح من بيتها لبيت آخر تُجبر على إخفاء طبيعة عملها والتوقف عن العمل، حتى لا يتعرضون للاستهداف بسببها.

تضحيات في سبيل الصحافة

تقول روند:” قبل الحرب كنت أعمل مع مؤسسة مثبتة براتب شهري، ولكن الحرب أخذت مني وظيفتي، وبيتي وبيت عائلتي، الحرب أخذت مني الحياة وروحي التي كانت مسبقاً، والآن انحصر طموحي في العيش من أجل طفلي فقط، فتجربة النزوح والحياة في خيمة أمر ثقيل علي فوق التصور”.

“انتهت الحرب، ولم ينته الوجع والألم

في ديسمبر 2023 تم تدمير شقّتي بالكامل

في أبريل 2024 توفيت أختى المريضة بسبب نقص الغذاء والدواء

في سبتمبر 2025 استشهد أخي الصغير محمد

في أكتوبر 2025 تم تدمير بيت العائلة (بيت والدي وأعمامي)، البيت الدي وُلدت فيه وكبرت فيه وتزوّجت فيه، بيت الذكريات والطفولة والشباب.

وما بين هذه الأوجاع العديد والعديد، حيث استشهد الكثير من زملائي وأصدقائي وأقاربي”.

بهذا البوست الذي كتبه الصحفي المصور في وكالة الأنباء الفرنسية عمر القطاع، يختصر الحرب وما سرقته منه، عمر أب لطفلين، كحال العديد من الصحفيين، لم ينزح في بداية الحرب، لكنه اضطر لذلك مع اشتداد القصف والتفجيرات وخطورة الوضع، بعد وصول جيش الاحتلال الاسرائيلي لمنطقة سكنه.

وعن مواصلة عمله الصحفي خلال الحرب، يقول عمر:”بصعوبة بالغة كنت أعمل خاصة في ظل عدم توفر الكهرباء وانقطاع الإنترنت والاتصالات، وأيضًا عدم توفر مواصلات، كنت أضطر للمجازفة والوصول لأماكن فيها كهرباء وانترنت حتى أواصل عملي، وعندما انقطع الإنترنت كنت أضطر إلى استخدام الشرائح الإلكترونية رغم أنها ضعيفة جدا ولا تعمل في كل الأماكن”.

المجاعة وانهيار الحياة في غزة

بملامح تغيرت كثيراً في الحرب، وجه شاحب ونحيف، يقول عمر:”المجاعة بحد ذاتها كانت من أكبر التحديات التي واجهتها في الحرب، كيف أذهب إلى عملي وفي نفس الوقت أحاول البحث عن طعام وغذاء لأطفالي وعائلتي، وأيضًا أنا نفسي كنت أحتاج غذاء حتى أستطيع مواصلة عملي،كنت أذهب لتصوير الأحداث مشيًا على الأقدام على طرقات مدمرة وصعبة ولمسافات طويلة،ما ترك أثره على صحتي وبنيتي الجسدية وقدرتي على التركيز، بالإضافة إلى أن المعدات التي أحملها ثقيلة وتحتاج إلى طاقة”.

استمرار رغم التهديد

في الحرب القيام بواجب الصحافة ونقل الحقيقة، مهمة أخلاقية ورسالة إنسانية أكثر أهمية، فمن سيُخبر القصص والمعاناة تحت وطأة حرب الإبادة، يُؤكد عمر على هذا بقوله:” كنت أشعر بالخطر عندما يتم استهداف زملائي الصحفيين، الشعور بالتهديد الدائم بالاستهداف ترك أثره السلبي الكبير علي، وكنت أشعر بالخوف وأحدّث نفسي بأن أتوقف عن التصوير، ولكني كنت أستمر في عملي وأستمر في نقل الصورة والحقيقة والذي أعتبره من واجبي”.

كل أيام الحرب كانت قاسية، لكن عمر يتفق مع الذين صرحوا صراحةً بأن الفترة الأخيرة من الحرب كانت من أصعب الفترات.

يختتم حديثه:” قبل نزوحي للجنوب كانت فترة صعبة جدًا حيث كنت في منطقة قريبة من تواجد الجيش، وفي آخر أيام كان هناك تواجد مكثّف للطائرات الإسرائيلية المسيرة التي كانت تطلق النار، وتلقي القنابل عشوائيا علينا، وكذلك الطائرات المروحية وتفجير العربات المفخخة بمكان لا يبعد عن تواجدي أكثر من 200 متر وهو ما اضطرني للنزوح إلى الجنوب”.

ويبقى السؤال الذي يتبادر لنا كل يوم في غزة: هل تنتهي المعاناة بانتهاء الحرب؟

والإجابة حاضرة في مشاهدة ملايين الأطنان من الركام، والمخيمات العشوائية التي تجتاح الطرق. لازالت الحياة في غزة منهارة، دمار في البيوت والأحياء، غياب ملامح المدينة التي تعرفنا ونعرفها، لا ماء لا كهرباء ولا انترنت، بالكاد نحصل عليها وعلى الأساسيات بمنتهى التعب والعناء. رغم هذا لفتني الإصرار على الحياة رغم رائحة الموت التي تتسرب من كل زاوية.

إصرار يحضر مثلا في صاحب مقهى يجهد في إنارة الطريق أمام محله بألوان زاهية رغم الدمار الذي حل بباقي الطوابق فوق محله!

وستجد عائدين جدد إلى غزة كل يوم رغم فقدانهم لبيوتهم وأحيائهم، وستجد صحفيين وصحفيات يحملون هواتفهم ومعداتهم التي نجت معهم، ويواصلون رواية الحكاية!

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة وكالة معا الإخبارية , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من وكالة معا الإخبارية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى