اخبار سوريا : "فضل عبد الغني" يوضح دور التوثيق وكشف الحقيقة في الوقاية من تجدد الصراع

×
أكد “فضل عبد الغني” مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في مقال له بعنوان “دور التوثيق وكشف الحقيقة في الوقاية من تجدد الصراع“، أن منع تجدد الصراع في مجتمعات ما بعد الحرب كسوريا يمثل أحد أكثر التحديات إلحاحا في مسارات بناء السلام المعاصرة؛ ومع تعرض ما يقارب 33% من هذه المجتمعات لانتكاسة إلى العنف المسلح خلال خمس سنوات، تصبح إقامة آليات مستدامة للسلام أولوية قصوى.
وأوضح عبد الغني في مقاله الذي نشره موقع “الجزيرة نت” أنه في هذا السياق يبرز التوثيق وكشف الحقيقة بوصفهما تدخلات أساسية؛ فهما ليسا مجرد حفظ للسجلات التاريخية، بل هما ركيزتان تأسيسيتان لبنية الوقاية من النزاعات، إذ تنتج هذه العمليات سجلات موثوقة ترسي أسسا واقعية للتفاهم المشترك، وتيسر آليات المساءلة ذات الأثر الرادع، وتوفر مؤشرات منهجية لتقدير احتمالات عودة العنف.
ويستند الإطار النظري لوظيفة التوثيق الوقائية إلى قدرته على تفكيك بنى الإنكار، وبناء ذاكرة مؤسسية، وتثبيت أسس اجتماعية مقاومة للتلاعب بالمظالم التاريخية لأغراض التعبئة السياسية.
لجان الحقيقة والذاكرة المؤسسية
يتجلى البعد المؤسسي للتوثيق عبر لجان الحقيقة التي تعد من أكثر أدوات الوقاية تطورا من خلال آليات منهجية لتقصي الحقائق؛ تنتج هذه اللجان اعترافا رسميا يعيد تشكيل مشهد الخطاب التاريخي ويضيق هوامش التلاعب بالروايات مستقبلا.
ويعبر إطار العدالة الانتقالية في الاتحاد الأوروبي عن هذا المبدأ بصورة واضحة، مؤكدا أن تجاهل مظالم الماضي، وعدم معالجتها بالتوثيق المنهجي وتقصي الحقائق يضعفان استدامة السلام ويفاقمان مخاطر تجدد العنف.
يبين هذا التصور الوظيفة الوقائية للتوثيق في كسر دوامات الإفلات من العقاب وإرساء أنماط من المساءلة تولد أثرا رادعا ضد الانتهاكات اللاحقة، وتركز الفلسفة التشغيلية للجان الحقيقة عمدا على مكامن القصور المؤسسي بدلا من حصر المسؤولية في الأفراد، فتوجه عملها نحو توصيات للإصلاح الهيكلي تعالج الأسباب الجذرية للصراع.
ويتيح هذا التركيز المؤسسي تحديد الأنماط المنهجية داخل البنى العسكرية والأمنية والقضائية التي تتطلب تحولا بنيويا لمنع تكرار الانتهاكات.
وفق عبد الغني، يعمل المنطق الوقائي عبر مسارات متعددة منها اعتراف رسمي يرسخ أسسا تاريخية مشتركة تحد من قابلية توظيف المظالم، وتوصيات إصلاح مؤسسي تعالج نقاط الضعف الهيكلية التي مكنت الانتهاكات سابقا، وعملية توثيق تقيم سوابق للمساءلة تعدل حسابات الجناة المحتملين عند التفكير في ارتكاب انتهاكات مستقبلية.
توثيق المجتمع المدني وتكامل منظومات الإنذار المبكر
تحتل منظمات المجتمع المدني، كالشبكة السورية لحقوق الإنسان، موقعا محوريا في منظومة التوثيق من خلال إنشاء أرشيفات مجتمعية ومشاريع ذاكرة تكمل الإجراءات الرسمية وتعالج قيودها؛ وتحقق هذه المبادرات آثارا وقائية عبر مسارات متوازية:
وهي :تعزيز التماسك الاجتماعي بإبراز المعاناة المشتركة عبر خطوط النزاع، صون المعارف المحلية التي قد تغفلها الآليات الرسمية، وتدعيم المؤسسات الديمقراطية عبر توسيع قنوات المساءلة، ويرتكز الأساس لتوثيق المجتمع المدني على بناء قاعدة شعبية داعمة لجهود الوقاية ومعالجة الأسباب الجذرية من منظور مجتمعي قد لا تلتقطه الآليات الرسمية بالقدر الكافي.
ويمثل دمج التوثيق مع منظومات الإنذار المبكر تطورا مهما في منهجيات الوقاية؛ إذ يتطلب الإنذار الفعال جمعا منهجيا للبيانات وتحليلا للمؤشرات الدالة على احتمالات تكرار العنف، وهو ما يستلزم توثيقا شاملا للانتهاكات السابقة؛ لتوفير خطوط مرجعية واكتشاف الأنماط القابلة للتكرار. وبدون معالجة العوامل الهيكلية المغذية للصراع عبر توثيق شامل ومحاسبة، تبقى المجتمعات عرضة لتوظيف المظالم التاريخية في المكاسب السياسية.
ويتطلب التوثيق الفعال عمليات سريعة وشاملة وجامعة وتشاركية ومراعية للسياق ومتمحورة حول الضحايا ومراعية للفوارق بين الجنسين، بما يضمن معالجة الأسباب الجذرية لا مجرد سرد الوقائع، وينتج هذا التكامل أطرا تحليلية قادرة على رصد الأنماط في الانتهاكات الموثقة واستشراف المخاطر الناشئة، بما يحول الأرشيفات من مخازن ساكنة إلى أدوات وقائية ديناميكية.
أنظمة الحفظ الرقمي وتحدياتها
وقال “فضل عبد الغني” إن الثورة الرقمية أحدثت تحولا نوعيا في القدرة الوقائية للتوثيق، إذ وفرت إمكانات غير مسبوقة للحفظ الآمن وإتاحة الوصول على المدى الطويل؛ ويرسي بروتوكول بيركلي للتحقيقات الرقمية مفتوحة المصدر معايير منهجية تضمن بقاء القيمة القضائية للتوثيق عبر العقود، بما يخلق أثرا رادعا مستداما من خلال إبقاء إمكانية المساءلة قائمة في المستقبل.
وتظهر الأرشيفات الرقمية كيف يسهم التوثيق الجمعي في ترسيخ القيمة الإثباتية، فضلا عن دوره الإبداعي في عمليات التعافي المجتمعي، وتتبدى الأهمية للحفظ الرقمي الآمن في قدرته على صون توافر الأدلة أمام آليات المساءلة المقبلة، حتى عند تعذر العدالة الفورية بسبب استمرار النزاع أو القيود السياسية.
وينتج هذا الامتداد الزمني لإمكانات المساءلة ما يمكن تسميته “الردع المؤجل”، حيث يضطر الجناة المحتملون إلى احتساب كلفة فورية وأخرى مستقبلية غير محددة سلفا.
تواجه جهود التوثيق تحديات بنيوية في المجتمعات شديدة الانقسام التي تحتفظ بفهم متعارض جذريا للوقائع الماضية؛ وإدراك أن التوثيق وحده قد لا يكفي لتعديل المعتقدات الراسخة، ما يستدعي إستراتيجيات متكاملة تركز على الاعتراف المشترك بالصدمات، بدلا من الاتكال على الدقة التاريخية وحدها.
ويشير هذا التصور النظري إلى أن الوقاية عبر التوثيق تتطلب مناهج متقدمة توازن بين دقة الحقائق وشمولية السرد، على نحو يفسح المجال لتعدد وجهات النظر مع الإبقاء على معايير الأدلة الأساسية.
كما يفترض تحدي الاستدامة التزاما مؤسسيا طويل الأمد يتجاوز الفترات الانتقالية المباشرة لما بعد النزاع، عبر تحصين الأرشيفات وآليات البحث عن الحقيقة بالتنظيم القانوني والتمويل المستدام لضمان استمرار فاعليتها الوقائية.
ويتطلب التخطيط لسيناريوهات عدم اليقين تصميما مؤسسيا خاصا يوازن بين الإتاحة والأمن، وبين المشاركة والحماية، وبين الشمولية والجدوى.
خاتمة
يتجاوز التوثيق وكشف الحقيقة حدود حفظ السجلات ليشكلا بنية تحتية للوقاية المستدامة من النزاعات؛ فهما ينشئان ذاكرة مؤسسية وروايات مشتركة وآليات مساءلة قادرة على كسر دوامات العنف وترسيخ سلام صامد.
ويبين هذا التحليل أن التوثيق يعمل عبر قنوات وقائية متعددة: بناء سجلات تاريخية موثوقة تقاوم التلاعب، وفتح مسارات للإصلاح المؤسسي تعالج مواطن الضعف البنيوية، وتعزيز التماسك الاجتماعي عبر عمليات الاعتراف المشتركة، والحفاظ على إمكانات مساءلة دائمة تعيد تشكيل حسابات الجناة. ويعزز التوجه نحو الأنظمة الرقمية هذه القدرات الوقائية، مع إدخال تعقيدات جديدة تتطلب منهجيات أكثر تطورا.
وفي مجتمعات ما بعد النزاع كسوريا، يكمن التحدي في تحويل التوثيق الشامل إلى آليات وقائية فاعلة عبر عمليات شاملة للبحث عن الحقيقة والعدالة، وإصلاحات مؤسسية، ومشاركة مجتمعية مستدامة تشيد ذاكرة جماعية تخدم السلام بدلا من إعادة إنتاج النزاع.
وتكمن القوة الوقائية للتوثيق في توظيفها الإستراتيجي داخل أطر شاملة لبناء السلام تعالج الأسباب البنيوية والانقسامات الاجتماعية التي تبقي قابلية النزاع حية.
المصدر: الجزيرة نت
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة شام الإخبارية , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من موقع شام الإخبارية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.








