اخبار سوريا : عائلة البلعوس والكرامة: مسيرة درزية من التمرد على الأسد إلى شراكة مع الدولة

×
منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، تباينت مواقف أبناء الطائفة الدرزية، الذين يشكلون الغالبية في محافظة السويداء جنوب البلاد، بين التردد والتأييد والتحفظ، وهي مواقف ازدادت حدة بعد سقوط نظام الأسد، وظهور حكومة جديدة برئاسة الرئيس السوري أحمد الشرع.
ومع تولي الشرع زمام الحكم في دمشق، بدأ الانقسام يظهر بوضوح في مواقف رجال الدين ومشايخ العقل في السويداء، خصوصًا حول العلاقة مع الحكومة الجديدة ومكانة المحافظة ضمن الدولة السورية الموحدة.
تصدّر الشيخ حكمت الهجري التيار المعارض لدمشق، بينما أيد الشيخ حمود الحناوي القيادة الجديدة، مؤكدًا تمسكه بوحدة سوريا، أما الشيخ يوسف جربوع فقد سعى إلى لعب دور الوسيط، محاولًا الوصول إلى تفاهمات تحفظ للسويداء خصوصيتها ضمن الدولة.
غير أن اللافت في المشهد كان بروز عائلة البلعوس، بدءًا من الشيخ وحيد البلعوس ووصولًا إلى أبنائه، وعلى رأسهم الشيخ ليث البلعوس، الذين انتقلوا من موقع المعارضة الصريحة لنظام الأسد إلى التعاون مع الحكومة السورية الجديدة، من دون التنازل عن مبادئهم.
الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس “حركة رجال الكرامة”، وُلد في قرية صميد شمال السويداء، إلا أن نشأته العملية كانت في قرية المزرعة غرب المدينة. خدم البلعوس في جهاز الأمن السياسي، ثم التحق بسلك الشرطة في العاصمة دمشق، قبل أن يتقاعد ويعود إلى منطقته حيث عمل في البناء. لاحقًا، انخرط في المسار الديني ضمن مؤسسة مشيخة عقل الطائفة الدرزية، وتدرج في رتبها، لكنه ظل بعيدًا عن الضوء حتى عام 2011.
مع اندلاع الحراك الثوري في السويداء، أسس البلعوس عام 2012 تشكيل “رجال الكرامة”، داعيًا أبناء طائفته إلى عدم المشاركة في الحرب إلى جانب النظام. هذا التوجه منحه دعمًا شعبيًا متزايدًا، خصوصًا مع تفاقم الانتهاكات الأمنية في المحافظة. رغم التباينات بينه وبين مشيخة العقل، فإن العلاقة لم تتحول إلى صدام مباشر، حتى وإن حاولت المشيخة تحجيم نفوذه، دون جدوى.
تميّز خطاب الشيخ وحيد بجرأته ووضوحه، ووقف بصلابة في وجه الأجهزة الأمنية، محمّلًا إياها مسؤولية الفوضى والاختطاف، ورافضًا محاولات إدخال الطائفة الدرزية في صراعات طائفية. دعا الشباب لرفض الخدمة العسكرية، وشجّع على حمل السلاح للدفاع عن السويداء وليس لخدمة النظام، ما أكسبه تأييدًا واسعًا من الجيل الجديد، الذي رأى فيه زعيمًا مختلفًا عن القوالب التقليدية.
في منتصف عام 2014، اقتحم البلعوس وعدد من أتباعه خيمة انتخابية بعد أن أُجبرت امرأة مضطربة عقليًا على رفع صورة بشار الأسد والرقص بها. وبدأت المواجهة المباشرة مع النظام تتصاعد تدريجيًا، تزامنًا مع دعوته لحملات “الخطف المضاد” ردًا على ظاهرة اختطاف أبناء السويداء. أبرز محطاته كانت “العراضة المسلحة” أمام مقام عين الزمان، وهو ما تبعته حملة أمنية واعتقالات بحق مقربين منه.
رفض البلعوس خطاب الفتنة، وأكّد أن أبناء الجبل من كل المذاهب والطوائف هم في حماية أهله. ومع اتساع حالة الغضب الشعبي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، اتّهم النظام بمعاقبة السويداء وحرمانها من المحروقات بشكل ممنهج.
في يناير 2015، اقتحم أنصاره حاجز المزرعة التابع للمخابرات الجوية، بعد اعتداء عناصره على حافلة، وأزالوه بالكامل. هذه الحادثة كانت بمثابة إعلان مواجهة مفتوحة مع النظام. وفي خطاب جماهيري ببلدة المزرعة، اتّهم الأسد صراحة بـ”بيع سوريا لإيران”، مؤكدًا: “نحن وطنيون أكثر من بشار الأسد”.
لم تمر هذه المواقف دون ردّ من النظام، الذي ضغط على مشايخ العقل لإصدار بيان يُبعد البلعوس عن المشيخة، ويتهمه بالخروج عن القيم الأخلاقية والدينية. وبعد أسابيع، وتحديدًا في 4 سبتمبر/أيلول 2015، قُتل البلعوس وعدد من مرافقيه بانفجار عبوة ناسفة استهدفت موكبه في منطقة ظهر الجبل، في عملية أثارت صدمة كبيرة واتّهم الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط النظام السوري بالوقوف خلفها.
بعد اغتيال الشيخ وحيد، تسلم يحيى الحجار قيادة “رجال الكرامة”، غير أن أبناء البلعوس، وعلى رأسهم الشيخ ليث، اختاروا تشكيل فصيل مستقل باسم “شيخ الكرامة”، مع الإبقاء على علاقة ودية مع “رجال الكرامة”. تابع ليث البلعوس نهج والده في مواجهة الانفلات الأمني، وشكّل مجموعات محلية للدفاع عن السويداء، خصوصًا في بلدة المزرعة، للتصدي لمحاولات تسلل الميليشيات والنظام.
في صيف عام 2023، ومع تصاعد الحراك السلمي في السويداء، عاد اسم ليث إلى الواجهة عبر تأييده للتظاهرات ومطالب الإصلاح، ورفضه لأي حوار مع النظام دون تغيير سياسي، كما أعلن إعادة تفعيل قوات “شيخ الكرامة”، مؤكداً استقلاليتها عن النظام والمعارضة الرسمية. وفي تسجيلات مصورة، هاجم إيران، متهمًا إياها بنشر المخدرات وتصفية معارضيها في الجنوب السوري.
وفي معركة “ردع العدوان” أواخر 2024، شارك فصيل البلعوس في غرفة عمليات الجنوب التي حررت السويداء وأسقطت نظام الأسد. وبعد انتصار فصائل المعارضة ودخولها دمشق في 8 ديسمبر/كانون الأول، بادر ليث البلعوس إلى الحوار مع الإدارة الجديدة، وأسفر ذلك عن اتفاق لتفعيل الأمن العام في السويداء، بشرط أن يكون من أبناء المحافظة فقط.
في تصريحات للجزيرة نت، أكد البلعوس تمسكه بوحدة سوريا، قائلاً: “لا وطن لنا غير سوريا”، مشيرًا إلى أن الحكومة الجديدة تتفهم وضع السويداء وتسعى لإرساء دولة عادلة. كما أعلن عن خطة لتأسيس قوة عسكرية من أبناء الجنوب لتأمين الحدود ومكافحة التهريب والتطرف، وتحفيز التنمية.
وفي 24 فبراير/شباط 2025، التقى البلعوس مع الرئيس أحمد الشرع ضمن وفد من وجهاء السويداء، في لقاء وُصف بأنه محطة مهمة لإعادة ترميم العلاقة بين دمشق والجبل. بعده، صرّح البلعوس بأن السويداء لا تحتاج إلى أي وصاية خارجية، وأن عمقها الجغرافي والسياسي هو سوريا فقط، مشددًا على أن “دعوات التعاون مع إسرائيل امتهان للكرامة”.
لم تخلُ مسيرة الشيخ ليث من المخاطر، فقد نجا من محاولتي اغتيال، إحداهما في مايو 2023 أصيب فيها بساقه، والأخرى في مايو 2025 حين استُهدفت سيارته في طريقه إلى مدينة شهبا. رغم ذلك، استمر في التأكيد على وحدة سوريا ورفض مشاريع التقسيم أو التدويل.
في يوليو/تموز 2025، ومع اندلاع اشتباكات بين قوات العشائر العربية وميليشيا الهجري، برز البلعوس مجددًا داعيًا إلى التهدئة، مؤكداً على ضرورة تدخل الدولة لوقف الانتهاكات، وعلى أن الدروز لا يحتاجون لحماية إسرائيل، بل لموقف وطني جامع يُنهي حالة الفوضى.
وبهذا المسار، تُجسد عائلة البلعوس نموذجًا فريدًا في المشهد السوري، يجمع بين مقاومة الاستبداد ورفض التدخل الخارجي، وبين التمسك بالكرامة والمصالحة مع الدولة على قاعدة الشراكة لا التبعية، في سعي دائم للحفاظ على السويداء ضمن سوريا موحدة.
المصدر: موقع الجزيرة نت
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة شام الإخبارية , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من موقع شام الإخبارية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.