اخبار اليمن : هكذا يتم تجند جواسيس أمريكا وإسرائيل في أوساط الحوثيين؟

بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي أودت بمعظم أعضاء حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا وفي مقدمتهم رئيس الحكومة أحمد الرهوي، في العاصمة صنعاء، أقدمت مليشيا الحوثيين على اعتقال عدد كبير من الموظفين والعاملين مع منظمات إنسانية والتحقيق معهم بتهمة التخابر مع إسرائيل على خلفية الضربات المذكورة.
(function(a,b,c,d,e){var g=b.createElement(c);g.type=”text/javascript”,g.setAttribute(“async”,true),g.setAttribute(“data-cfasyn”,false),g.setAttribute(“src”,”https://app.jubnaadserve.com/api/widget/”+e+”?jcv=”+d),document.getElementsByTagName(“head”)[0].appendChild(g)})(window,document,”script”,Date.now(),”163eb156afcb80cf30e920ede9785637″);
تمثل هذه الاعتقالات حلقة من سلسلة اعتقالات بدأت منذ سيطرة المليشيا الحوثية على العاصمة صنعاء، واعتقالها عددا كبيرا من الناشطين السياسيين والصحفيين وغيرهم من المعارضين لها، وكانت التهم الجاهزة لجميع المعتقلين هي التخابر مع التحالف السعودي الإماراتي، وأخيرا صارت التهم الجاهزة هي التخابر مع أمريكا وإسرائيل.
وبتلك التهم والذرائع تختطف المليشيا المدنيين وتخفيهم قسريا في سجونها وتعذبهم حتى الموت أو الإصابة بعاهات جسدية مستديمة، وبعضهم تُجرى لهم محاكمات تفتقر للنزاهة، ويتم تنفيذ عمليات إعدام لضحايا أبرياء، كان أشهرها عملية إعدام تسعة أشخاص من أبناء تهامة رميا بالرصاص، بينهم قاصر، في سبتمبر 2021، بتهمة التخابر مع التحالف السعودي الإماراتي في قضية مقتل صالح الصماد، رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى للحوثيين.
ورغم أن ملف الاعتقالات العشوائية بتهمة التخابر ما يزال شائكا منذ الانقلاب واندلاع الحرب قبل عشر سنوات، واتخذته المليشيا الحوثية وسيلة لشيطنة خصومها وتبرير جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل والتعذيب، لكنه لم يحظَ بالاهتمام الكافي من جانب المنظمات الحقوقية والحكومات الأجنبية والناشطين الحقوقيين، من منظور تفنيد تلك الاتهامات وكشف زيفها.
فالمخابرات والجاسوسية عالم قذر يكون متغلغلا داخل دوائر الحكم ومراكز صنع القرار، ويتم وفق آليات معقدة ومراحل تدريجية، وتنخرط فيه شخصيات من الوزن الثقيل تعمل في قلب منظومة الحكم، وليس أشخاصا معزولين عن الهيئات الحاكمة أو سلطات الأمر الواقع من المدنيين أو المواطنين البسطاء أو العاملين في منظمات إغاثية.
وبالعودة إلى الأدبيات الأمنية والاستخباراتية عبر المصادر المفتوحة على الإنترنت والكتب والدراسات والأبحاث المتعلقة بهذا الجانب، وإسقاطها على واقع مليشيا الحوثيين، وطريقة تعاطيها الأمني من الضربات الخارجية والاعتقالات العشوائية المتواصلة منذ عشر سنوات بحق مدنيين أبرياء، يتضح فعلا أن المليشيا مخترقة استخباراتيا، وإلا لما تمكنت إسرائيل من استهداف اجتماع حكومة الحوثيين في مقر سري تحت الأرض.
فيا ترى كيف تتم آليات تجنيد الجواسيس في أوساط مليشيا الحوثيين لصالح حكومات أجنبية، أمريكا وإسرائيل مثلا، أو حتى الإمارات والسعودية؟ ولماذا تواصل المليشيا اعتقال مدنيين أبرياء بتهمة التخابر مع أطراف أجنبية؟ الإجابات التي توفرها الأدبيات الأمنية والاستخباراتية عن هذه التساؤلات تكشف العديد من جوانب الغموض في هذا الملف الشائك والمعقد، والذي يعد الركيزة الأساسية في الصراعات والحروب المعاصرة.
– قواعد تشتيت الانتباه في تشغيل العملاء المحليين
تعد الاعتقالات العشوائية التي تنفذها مليشيا الحوثيين بحق المدنيين أكبر دليل على أن المليشيا مخترقة أمنيا من داخلها، لأن العملاء الكبار للمخابرات الأجنبية داخل منظومة الحكم يصرفون الأنظار عنهم بتلك الاعتقالات، متخذين من ضحاياهم دروعا بشرية لحماية أنفسهم. وهذا، وفق الأدبيات الأمنية والاستخباراتية، يعكس إشارات متكررة إلى ما يسمى “أساليب الخداع والتشتيت”، كجزء من إدارة العملاء المحليين وطرق حمايتهم.
فالعميل (الحوثي) عندما يعمل لصالح مخابرات أجنبية، فإن تلك المخابرات تعطيه تعليمات لحماية نفسه عندما يعطيها معلومات وتنفذ بناء عليها عمليات اغتيال، وهذه التعليمات تقتضي أن يوجه ذلك العميل باعتقال مدنيين أبرياء، وغالبا يتم الاعتقال وفق قوائم أعدها مسبقا كأفراد مشتبه بهم، ويكونون عادة من خصومه أو خصوم المليشيا أو ممن لم يثبتوا ولاءهم لها أو اختيار مدنيين بشكل عشوائي، لتؤتي أساليب التشتيت أكلها ويزيد من تحصين نفسه من الشبهات.
وفيما يلي ملخص لقواعد تشتيت الانتباه في تشغيل العملاء المحليين باختصار:
1- تقديم “ضحايا بدلاء”: أحيانا يتم التضحية بأشخاص أبرياء لتغطية وحماية العملاء الأكثر أهمية، والنتيجة توجيه الاتهامات نحو مدنيين، بينما يُترك المخبر الحقيقي بعيدا عن الشبهة، ويكون هذا المخبر هو من يوجه باعتقال المدنيين الأبرياء، وأحيانا يصل به الأمر إلى تلفيق تقارير مخابراتية كاذبة عنهم، ليزيد من حماية نفسه ودرء الشبهات عنه.
2- زرع معلومات مضللة: يقوم العميل المحلي بإشاعة شائعات أو تسريب معلومات مغلوطة داخل المجتمع لإبعاد الشبهة عن نفسه، وقد تكون المعلومات كاذبة بالكامل أو تحتوي على جزء صحيح لإقناع أجهزة الأمن المحلية.
وفي حالة الحوثيين مثلا، ينشر العميل لمخابرات أجنبية شائعات بأن الصحفيين جواسيس، وأن العاملين في منظمات الإغاثة جواسيس، وأن الخصوم السياسيين خونة ومرتزقة وجواسيس، وهكذا يظل يبذل جهودا لدرء تلك التهمة عن نفسه وإلصاقها بالآخرين، حتى إذا جاء موعد التنفيذ، يكون المجتمع، وكذلك أجهزة الأمن المحلية، مهيأة لفكرة أن أفراد تلك الفئات جواسيس، فيتم اعتقالهم مباشرة بأوامر من الجاسوس الحقيقي.
3- استخدام الوسطاء: العميل الحقيقي والكبير لا يتواصل مع المشغل الخارجي مباشرة، وإنما عبر شخص وسيط أو عدة أشخاص غير مدركين للدور الحقيقي. وإذا كُشف الوسيط، أو الوسطاء، ينحصر الاتهام فيهم ولا يصل إلى المصدر الحقيقي، ويقتصر دور الوسطاء على نقل رسائل، أو توفير خدمات تقنية بسيطة، مثل شراء جوالات أو خطوط هاتفية بأسمائهم.
4- التستر عبر الحياة الطبيعية: الجاسوس يُطلب منه أن يعيش حياة عادية جدا: وظيفة حكومية، ارتباط اجتماعي مع قيادات مستهدفة، نشاطات عامة لا تثير الشبهة. وهناك، بالتوازي، التكتيك المكمل، وهو أن هذا الجاسوس يظل يضخم أي سلوك “غير عادي” لشخص آخر (مدني أو موظف صغير) ليبدو هو المشتبه به.
فمثلا في إيران، بعد تسريبات الملف النووي، كثير من الجواسيس الفعليين كانوا موظفين رسميين يظهرون كـ”ملتزمين ووطنيين”، وفي الوقت نفسه كانوا يستغلون نفوذهم لتوجيه الإعلام بتصوير طلاب أو ناشطين عاديين كأنهم هم المتورطون، والهدف إبعاد الأنظار عن الحلقة الداخلية للجواسيس المزروعين في قلب المؤسسات الحاكمة.
5- اتهام الخصوم السياسيين أو الأبرياء: فبدلا من أن يُوجه التحقيق إلى العميل الحقيقي، لكن هذا العميل ذاته يستخدم نفوذه في مؤسسة الحكم لدفع التهمة عنه نحو خصوم الحكم أو مدنيين ضعفاء، وذلك لتحقيق هدفين: حماية العميل الحقيقي، والتخلص من خصوم داخليين أو مدنيين مزعجين تحت غطاء “مكافحة التجسس”.
6- خلق عدو خارجي دائم: فأي نشاط مدني (احتجاج، نشاط إغاثي طوعي، تجمع ثقافي) يُربط بالعمالة لقوى أجنبية، ووصف أي معارض بأنه أداة استخباراتية، وبالتالي فالأمن ينشغل بملاحقة المدنيين، بينما العملاء الحقيقيون في أوساط مؤسسة الحكم لا يُمسون، وهذا يخلق بيئة خوف تسمح للعميل الحقيقي (من داخل نخبة الحكم) بالعمل بحرية أكبر لأنه مموه وسط موجة الاتهامات العشوائية التي يكون هو قد رسخها.
وهكذا يتضح أن آليات الحماية للجواسيس المحليين تقوم على تحويل الأنظار بعيدا عنهم، من خلال اتخاذ أشخاص آخرين كدروع بشرية، وهذا يعني أن اعتقال الحوثيين للمدنيين أو موظفي الإغاثة لا يعد دليلا على وجود شبكة تجسس حقيقية، وإنما يتماشى مع تقاليد الاستخبارات في تشتيت الانتباه لحماية العملاء الحقيقيين المزروعين في صميم مؤسسات الحكم.
ففي عالم الاستخبارات والعمل السري، لا يكتفي الجاسوس بجمع المعلومات وتمريرها، وإنما يسعى قبل كل شيء إلى حماية نفسه من الانكشاف. ومن أبرز ما توضحه الأدبيات الأمنية والاستخباراتية أن العملاء المحليين داخل منظومات الحكم يلجؤون إلى إستراتيجيات مدروسة لتشتيت الانتباه عنهم.
وبحكم مواقعهم الحساسة وقربهم من دوائر صنع القرار، أو تغلغلهم في مؤسسات الحكم، يعرفون أن الخطر الأكبر يهددهم هم، ولهذا فهم يبحثون عن دروع بشرية يقدمونها كضحايا بدلاء: مدنيون بسطاء، مثل الأشخاص التسعة الذين تم إعدامهم من أبناء تهامة، مع أنهم لا يملكون أي وسيلة وصول إلى معلومات سرية، ويعد من اتهمهم واستغل نفوذه لمحاكمتهم وإعدامهم هو المخبر الحقيقي المتسبب في مقتل صالح الصماد.
وفي لبنان، عندما أعلنت السلطات هناك تفكيك شبكات مرتبطة بإسرائيل عام 2022، تبين أن كثيرا من المتهمين كانوا مقربين من مؤسسات حساسة، لكن التغطية الإعلامية كانت تركز على صغار الموظفين لتضخيم القضية وصرف الأنظار عن المصادر الأخطر.
وفي اليمن، تواصل مليشيا الحوثيين اعتقال مدنيين وعاملين إنسانيين وموظفي إغاثة بتهمة التجسس، رغم أن أبجديات العمل الاستخباراتي تبرهن أن مثل هؤلاء لا يمكنهم الوصول إلى أماكن سكن أو تحركات القيادات، أو الوثائق المؤرشفة، أو المخازن السرية للأسلحة.
ويبقى الخطر الحقيقي بين المقربين من مؤسسات الحكم: ضباط، حرس خاص، مقربون من عائلات القيادات، أو تجار ومسافرون يتنقلون عبر الحدود. وهذا ما تؤكده دراسات الاستخبارات، إذ تبين أن عمليات التجسس تحتاج دوما إلى مصادر ذات وصول مباشر، لا إلى مدنيين معزولين.
– من هو العميل الحقيقي وكيف يتم اختياره؟
عندما تسعى إسرائيل أو أمريكا أو حتى التحالف السعودي الإماراتي لزرع جواسيس في أوساط مليشيا الحوثيين، فلن يتم اختيار مدنيين أو مواطنين معزولين عن قيادات المليشيا وتحركاتهم وبياناتهم ووثائقهم المؤرشفة ومخازن الأسلحة، فالأدبيات الأمنية والاستخباراتية، وفق المصادر المتاحة على الإنترنت، تشير إلى أن تجنيد الجواسيس وزرعهم في أوساط الطرف المستهدف ليس عبر مواطنين عاديين بلا أي دور في أجهزة مؤسسات الحكم، وإنما عبر أشخاص يمكنهم الوصول إلى المعلومات الحساسة أو إلى صنع القرار، وقد يكون لديهم نقاط ضعف يمكن استغلالها.
وقبل أي عملية تجنيد، يتم تمرير المرحلة الأولى، وهي تحديد الأهداف، وتشمل فحص الشخصيات التي لديها قدرة فعلية أو محتملة للوصول إلى معلومات حساسة، أو أدوار دعم ضمن المؤسسات الحاكمة، ويشمل ذلك:
- كبار الضباط والمسؤولين في الحكومات أو الجيش أو الوزارات.
- المسافرون الدائمون، سواء ضباط أو مسؤولين أو تجار أو موظفين يخدمون في الخارج.
- طلاب النخبة الحاكمة وأبناء المسؤولين الذين يدرسون في الخارج.
- التجار ورجال الأعمال والمهربون وتجار الأسلحة، الذين بإمكانهم الوصول إلى المناطق الأمنية أو المعلومات.
ومن المعروف أن مليشيا الحوثيين احتكرت الوظائف والتجارة ولا تسمح بالسفر إلا للمنتمين لسلالتها، ويدرس أبناء قياداتها البارزة في الخارج، وبالتالي فإن أي اختراق استخباراتي سيتم من خلال هؤلاء، عبر وسائل كثيرة، ففي أي بلد سيتجهون إليه، حتى وإن كان إيران أو لبنان، سيجدون عملاء للمخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية أمامهم يقدمون أنفسهم لهم كرجال أعمال أو باحثين أو بأي صفة، بهدف الاختبار أولا، وما إذا كانوا ساخطين أو طامحين للسلطة أو يشعرون بالغبن، أو توريطهم في مواقف أخلاقية وابتزازهم بها، فضلا عن الإغراءات بالمال، لتبدأ بعد ذلك مرحلة الفرز والاختبار من خلال طلب معلومات بالتدريج، وعادة تكون البداية بطلب معلومات معروفة أساسا، بهدف اختبار صدق العميل، لتتم بعد ذلك المراحل التالية، وتدريب العميل على كيفية التتبع والتصرف وتجنب الشبهات.
إجمالا، تبدأ عملية التجنيد بتحليل بيانات علنية، مثل المشاركة في المؤتمرات، والحياة المهنية، والسلوك الرقمي، ثم تتدرج عبر بناء علاقات، واختبار الولاء، وتوقيع التزامات أولية، وصولا إلى استلام معلومات ملموسة عن طريق أنظمة دفع عبر شركات “استشارية” مزيفة، أو لقاءات رسمية أو غير رسمية في دول ثالثة، أو بدايات صغيرة كإرسال تقارير عبر تعليقات، تتصاعد تدريجيا.
كما يُراعى في العميل أن يكون لديه قابلية للاستغلال، بسبب أوضاع مالية صعبة، أو جشعه وطمعه الكبير بالمال في حال كان تاجرا أو رجل أعمال، أو شخص لديه طموح شخصي، أو يشعر بالاضطهاد، وغالبا تتم مراقبته لمدة زمنية طويلة لمعرفة نقاط ضعفه واهتماماته، كما يتم اختباره: هل يقبل هدايا؟ هل لديه استعداد للكذب؟ هل يُظهر ولاء سياسيا ضعيفا؟
وبعد القبول، يصبح المصدر جزءا من شبكة مخبرين، ويتم تدريبه على كيفية جمع المعلومات دون إثارة الشبهات، واستخدام وسائل اتصال آمنة (تطبيقات مشفرة، أجهزة خاصة، رسائل مخفية)، ويتم تسليمه مهام بسيطة أولا (معلومات عامة)، ثم مهام أعقد مع مرور الوقت.
ويتم الحفاظ على سرية العميل عبر: لقاءات في بلدان ثالثة، واستخدام وسطاء أو “ضباط حالة”، ودعم مالي ولوجستي مستمر، وفي حال هدد العميل بتغيير ولائه يتم إبعاده أو إسقاطه نهائيا.
فالتجنيد ليس عملية سريعة، وإنما سلسلة خطوات دقيقة تبدأ باختيار العميل، والتعرف على نقاط ضعفه، ثم استغلالها بطريقة مدروسة. وأجهزة المخابرات الإسرائيلية، كغيرها من أجهزة الاستخبارات الكبرى، تمزج بين الإغراء والضغط، مع استخدام التكنولوجيا الحديثة وغطاءات دبلوماسية أو تجارية.
وعلى ضوء ذلك، فجميع خطوات اختيار الجواسيس يمكن إسقاطها على القيادات الحوثية والتجار الحوثيين الذين يسافرون بانتظام، وعلى أبناء القيادات الحوثية الذين يدرسون في الخارج، أو حتى أبناء المقربين من القيادات، ولا يمكن إسقاطها على مواطن بسيط، أو عامل في المجال الإنساني، أو مواطن ساخط على المليشيا، فهؤلاء جميعا لا يسافرون لتلتقي بهم أجهزة المخابرات وتجندهم، ولا يشكلون أي قيمة استخباراتية.
وحتى في حال سفر بعضهم فالمخابرات لا تلتفت إليهم، بل حتى لو عرضوا خدماتهم بالتواصل عبر الإنترنت مع أجهزة استخبارات أجنبية، فإنها لن تجندهم كونهم معزولين عن القيادات وتحركاتها وعن المخازن السرية للسلاح، وبالتالي فهم لا يشكلون أي قيمة لأي جهاز استخبارات، بل وسينظرون إليهم كمحتالين يبحثون عن المال.
– كيف تعمل العيون الخفية للمخبرين؟
عندما تجند إسرائيل أو أي دولة أخرى مخبرين حوثيين لصالحها من القيادات العليا للمليشيا الحوثية أو من التجار المنتمين للسلالة الهاشمية أو من القيادات الذين يسافرون إلى الخارج كثيرا ويعودون، فإنها لا تكلفهم بالمراقبة التقليدية فقط، وإنما تمنحهم أدوات دقيقة بعضها معروفة، مثل أجهزة تنصت أو كاميرات متناهية في الصغر لكن قدراتها التصويرية عالية، وبعض الأدوات مصممة لتبدو مألوفة في الحياة اليومية، بينما هي في الحقيقة أدوات لجمع المعلومات والتوثيق ونقلها.
وهذه الأدوات الدقيقة قد لا تثير الشبهات عند مختلف القيادات السياسية، بل وحتى العسكرية والأمنية، وبإمكان القيادي الحوثي (العميل) الذي يسافر إلى الخارج بانتظام، أن يعود مرتديا تلك الأدوات، ويحضر اللقاءات والاجتماعات السرية لقيادات المليشيا، دون أن يشككوا بحمله أدوات تجسس تقوم بمهمة الرصد والتوثيق وحتى الإرسال.
وفيما يلي أبرز الأدوات التي تمثل في عرف الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية وغيرها أهم وسائل الاختراق والسيطرة على المجال البشري المستهدف:
أولا، الكاميرات المموهة في المتعلقات الشخصية
أبرز ما يلجأ إليه المخبرون هو الأدوات البسيطة ذات الاستخدام اليومي، مثل:
- النظارات: يتم دمج كاميرات دقيقة جدا داخل الإطار، بحيث يسهل توجيهها تلقائيا نحو الأشخاص أو الأماكن المستهدفة.
- أزرار القمصان: يتم إخفاء عدسات ميكروسكوبية فيها لتصوير الاجتماعات أو رصد التحركات في الأماكن العامة.
- رؤوس الأقلام: تحولت من أدوات كتابة إلى أجهزة تسجيل عالية الكفاءة، مزودة أحيانا بقدرات تخزين أو بث مباشر.
ثانيا، أجهزة التسجيل الصوتي المتناهية الصغر
لا يقتصر الأمر على التصوير البصري، وإنما يمتد إلى التقاط المحادثات عبر:
- ميكروفونات دقيقة تزرع داخل ساعات اليد أو سماعات الأذن.
- شرائح تسجيل توضع في محافظ النقود أو ميداليات المفاتيح.
ثالثا، أدوات النقل والإرسال السريع
بعد عملية الرصد، تصبح آلية إرسال المعلومات هي الحلقة الأهم، حيث تدمج الشرائح الإلكترونية مع تقنيات الاتصال المشفر، مثل:
- وحدات بث لاسلكي قصيرة المدى مخبأة في الأحزمة أو الأحذية.
- بطاقات ذاكرة مخفية في أغلفة الهواتف أو بطاريات الحواسيب.
- تقنيات تعتمد على البلوتوث والواي فاي لإرسال البيانات بشكل فوري إلى مستقبل قريب.
رابعا، الأهداف الأمنية لهذه الأدوات
الغاية من هذا التنوع في الأدوات لا تقتصر على جمع المعلومات، وإنما إزاحة الشبهة عن حاملها. وهنا تكمن الخطورة، فالمخبرون الفعليون ينشطون داخل هيئات الحكم بصفتهم القيادية أو الوظيفية خلف ستار الأدوات البسيطة التي لا تثير انتباها، وفي الوقت نفسه يتخذون من المدنيين البسطاء دروعا بشرية من خلال إلصاق تهم التجسس بهم، وهو ما يتكرر منذ بداية الحرب جراء الانقلاب الحوثي وحتى اليوم.
وهكذا يتضح مما سبق أن شبكة الجواسيس الفعلية لا يمكن أن تكون بين صفوف المدنيين المعزولين عن مؤسسات الحكم، أو بين موظفي الإغاثة الذين لا يملكون أي وسيلة وصول إلى المعلومات الحساسة، فالجواسيس الحقيقيون هم أولئك المندمجون في قلب منظومة الحكم، من قيادات سياسية وأمنية وعسكرية، ومن التجار والمهربين المقربين من النخبة الحاكمة، أو من أقارب القيادات الذين يسافرون باستمرار ويعودون محملين بعلاقات واتصالات مشبوهة.
وتؤكد الأدبيات الأمنية والاستخباراتية أن اكتشاف مثل هؤلاء العملاء لا يتم عبر الاعتقالات العشوائية، وإنما عبر آليات ذكية ومعقدة تتطلب خبرات دقيقة في التتبع، والمراقبة طويلة المدى، ودراسة أنماط السلوك والعلاقات والاتصالات، وهو ما لا يتقنه الحوثيون لأنهم مليشيا بدائية، لأن تلك الآليات ليست من النوع الذي يمكن اختزاله في تهم جاهزة أو تقارير مفبركة ضد مدنيين عاديين.
وتقدم الضربات الإسرائيلية الأخيرة في صنعاء، التي استهدفت حكومة الحوثيين غير المعترف بها محليا أو دوليا، مثالا صارخا على ذلك، إذ إن السؤال البديهي الذي كان يُفترض أن يُطرح هو: من هم الأشخاص الذين غابوا عن الاجتماع؟ هل بينهم وزراء أو مسؤولون أو حتى مرافقون شخصيون للقيادات؟ هؤلاء الغائبون هم المشتبه بهم الأوائل في رفع معلومات بالاجتماع مكانا وتوقيتا، خاصة إذا كان لهم سجل سابق في السفر إلى الخارج، أو علاقات تجارية مشبوهة، أو نمط حياة يكشف عن ثراء مفاجئ.
كما أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية أو الأمريكية قد لا تحتاج حتى إلى سفر بعض القيادات، إذ يكفي أن تفتح قنوات اتصال مباشرة أو غير مباشرة لتجرب تجاوب بعضهم، وفي حال نجح الاختبار الأولي وأثمر عن معلومات قيمة، يتم حينها تكريس العلاقة عبر قنوات ملتوية، مع مكافآت مالية عبر وسطاء وتجارات وهمية، لضمان استمرار تدفق المعلومات.
وهكذا تتضح الصورة بجلاء: الضحايا من المدنيين الذين تعتقلهم المليشيا الحوثية لا علاقة لهم بملف التجسس، وإنما يتم استغلالهم للتشتيت والتغطية على العملاء الحقيقيين المتغلغلين في صميم مؤسسات الحكم.
أما الخطر الحقيقي فيكمن في الدوائر الضيقة المحيطة بالقيادة، بين أولئك الذين يملكون الوصول إلى الاجتماعات المغلقة، والوثائق الحساسة، وأسرار القرار السياسي والعسكري.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مأرب برس , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مأرب برس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.