اخبار اليمن : ما مصير السلاح الإيراني في لبنان واليمن؟

لفتت الانتباه خلال الأسبوع الماضي حِدة الجدل وتباري الأفكار في بيروت وعواصم أخرى في الشرق الأوسط والغرب بشأن إمكانية نزع سلاح ميليشيات “حزب الله” اللبناني من عدمها، وفرص احتكار الدولة لهذا السلاح.
أمر مهم ومفيد جدا أن يصل النقاش إلى هذا الحد لنفهم جوهر المشكلة، بصرف النظر عما إذا كان هذا أحد أهداف الحرب الإسرائيلية وشروط اتفاق وقف إطلاق النار، ذلك أن لبنان كان في الأساس بحاجة إلى مثل هكذا وضع بعد أن ساعد امتلاك “الحزب” للسلاح على خلق دويلته داخل الدولة.
استرعى الانتباه في هذا السياق مطالبات في بيروت بعدم إضاعة الوقت في الحوار مع “حزب الله”، وضرورة التوجه بالحديث مباشرة مع إيران باعتبار أن هذا السلاح هو سلاحها وما ترسانة “حزب الله” منه سوى مستودع إيراني في جنوب لبنان، وما يصدر عنه هو ما تقرر طهران إطلاقه على إسرائيل بحسابات الظروف ومعادلات المواجهة.
لا ينبغي التكهن بإمكان أو استحالة تجريد “الحزب” من السلاح الإيراني، أو ما بقي منه بحوزته، فهذا السلاح في النهاية هو “حزب الله”، و”الحزب” هذا هو ذلك السلاح، المهرَّب من إيران أو المطوَّر منه على أراضي الجنوب اللبناني بواسطة خبراء وخبرات وأموال إيرانية طائلة، طوال عقود.
يأخذنا هذا الحديث إلى الجانب الآخر منه، أي إلى كيفية إعادة إيران إلى وضع طبيعي لا يجردها من امتلاك سلاح تدافع به عن حقوقها ومصالحها وفقا للقانون الدولي، ولكن لا أن يصبح هذا السلاح حقول ألغام تفخخ مستقبل كامل المنطقة بالكثير من الحروب والنزاعات التي ثبت أن تدخل إيران فيها كان غير ذي جدوى تخدمها بمقدار ما تسبب من كوارث إنسانية كبرى في سائر البلدان التي امتدت يدها إليها.
غابة من السلاح في اليمن
في منتصف سبعينات القرن الماضي كانت التقديرات الدولية لحجم وكمية السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل الذي يمتلكه أفراد القبائل، وحتى القبائل، في اليمن بنحو 60 مليون قطعة، أي بنحو قطعتي سلاح لكل فرد، مسدس وبندقية، حيث كانت مخزونات الأفراد والعائلات والقبائل من السلاح قد تراكمت خلال حرب الستينات من القرن الماضي، نتيجة الحرب بين الجمهوريين والإماميين، ثم بين الشمال والجنوب، وكذلك خلال حرب الجنوب بين جبهات التحرير الشعبية والوطنية والقومية وقوات الاحتلال البريطاني.
تنامت هذه الإمكانات التسليحية أكثر لاحقا خلال الحروب التي نشبت بين شطري البلاد وأثناء دورات العنف التي اندلعت لاحقا داخل كل شطر.
بكل تأكيد، كانت طهران على علم بكل ذلك، لكنها منذ أول وهلة لانفجار الصراع بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين استغلت ذلك ليس فقط بإمداد هذه الجماعة بالمال الكافي لشراء السلاح من أسواقه المحلية المزدهرة بتجارته، ولكن أيضا بتلغيم اليمن، حديث عهد بالصواريخ والمسيرات وإنتاج الذخائر والمتفجرات، بمنظومة تصنيع حربي متقدمة تعتمد على تجربتها المستقاة من حربها مع العراق لتلغي فاعلية الطائرات الحربية والدبابات والدروع بالقتال في حرب عصابات تعتمد على التخفي وتجنب المواجهة النظامية.
كيف تغيرت العقيدة العسكرية لإيران؟
كنت في بغداد حين أطلقت إيران أول صاروخ “سكود” أهداه لها الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، وسقط على أحد الأحياء الراقية في العاصمة العراقية، وأحدث أثرا معنويا وسياسيا وإعلاميا على العراقيين أكثر بكثير من ذلك الذي كانت تنجزه القوات العراقية على الحدود مع إيران وحتى داخلها مما لم تكن تسجله كاميرات التلفزيون العراقي أو الإعلام الدولي، ومنذ ذلك اليوم شعرت وكثير من الكتاب والأدباء والشعراء والصحافيين والمراقبين الذين كنا نزور بغداد معهم خلال إحدى دورات مهرجان “المربد” أن “الصواريخ” سوف تغيِّر مسارات الحروب من الجبهات النائية إلى داخل المدن حيث يُصنع القرار، وتعمل السفارات، وتنشط الاستخبارات العالمية، ويعمل الإعلام الدولي على نقل صورة مغايرة لما يدعيه العراق من انتصارات.
محطة فارقة
بعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق عام 1988 اتجهت طهران فورا إلى التصنيع الحربي ذاتيا وتركز اهتمامها وعملها على إنتاج الصواريخ في بادئ الأمر قبل أن يتطور إلى صناعة المسيَّرات، خصوصا بعد أن راجت صناعتها وانهمك نحو 76 دولة في تطويرها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية فالصين وبعدهما كل من إسرائيل وتركيا. وبات من اليسير جدا استيراد الخبرات والاستفادة من خبرات أطراف في تصنيع وإنتاج واستخدام هذا النوع من السلاح.
ساعد على ازدهار وسرعة نجاح صناعة المسيرات أن أليافا صناعية تدخل في إنتاجها مما يسهم في دعم قدرتها على امتصاص الذبذبات التي ترسلها رادارات المراقبة أو عكسها في زوايا مختلفة في الفضاء.
لو لم يكن “حزب الله” والحوثيون والفصائل الشيعية أذرعا مسلحة خاضعة لإيران وتعمل بإمرتها وتخدم مصالحها لما كانت هناك مشكلة في إدماج هذه الأذرع بأسلحتها في جيوش بلدانها.
والأمر في اليمن يبدو أكثر تعقيدا بعد أن أمكن لإيران أن تعمل على إيجاد صناعة حربية لأسلحتها داخل الأراضي اليمنية وباستخدام خبراء وخبرات إيرانية دخلت إلى البلاد بهويات مزورة وجوازات مزيفة.
كيف تأثر اليمن بهذا التغير؟
وأكد لي سياسي يمني كبير، كان مقربا من جماعة الحوثيين، أن كل السلاح الذي تتم صناعته في اليمن ويتم استخدامه انطلاقا من أراضيه “إيراني بالكامل” ويتم إنتاجه بأيدي خبراء من “الحرس الثوري” الإيراني وتعاون مساعدين لهم من “حزب الله” اللبناني، وقد دعمت هذه الإفادة رواية أخرى لطبيب جراح بأن إصابات بليغة تم عرضها عليه كانت لخبراء إيرانيين تعرضوا لها خلال غارات على بعض ورش التصنيع أو منصات الإطلاق طوال سنوات التدخل العسكري الإيراني في اليمن.
لكن المشكلة لا تكمن فقط في تصنيع السلاح، ولكن أيضا في استمرار تهريب مكوناته وتقنياته المختلفة من إيران إلى اليمن، إذ نقل موقع “سبتمبر.نت” التابع للجيش اليمني عن الخبير العسكري، علي الذهب، أن المواد الكيميائية التي ورد الحديث عنها في اعترافات مهربي الأسلحة التي بثت مؤخرا “يمكن أن تكون مركبات الصوديوم والكربونات، وهي مواد خطرة تدخل في صناعة العبوات الناسفة شديدة الانفجار، وتُستخدم كوقود للصواريخ وفي صناعة المتفجرات البحرية”، كما قال.
وأكد العميد الذهب أن عمليات التهريب لم تتوقف، بل ازدادت وتيرتها رغم الإجراءات المشددة، معتبرا أن سفينة “الشروا”، التي كانت تحمل قرابة 750 طنا من الأسلحة والأجهزة المتنوعة، تمثل فقط “رأس جبل الجليد”، فيما نجحت شحنات أخرى في التسلل والوصول إلى الحوثيين عبر منافذ برية وبحرية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اعتراض شحنات أسلحة وذخائر ومكونات وتقنيات متطورة للتصنيع العسكري أرسلتها إيران، تهريبا، إلى الحوثيين، إذ كشفت تقارير عدة خلال السنوات الماضية عن قيام القوات الدولية التي تعمل في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وحتى المحيط الهندي عن ضبط شحنات عدة كانت في طريقها إلى السواحل اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين
أهداف قريبة غير مستهدفة
ما يبرهن على استخدام إيران لأسلحتها في اليمن لخدمة أجندتها أنها لا تطال مصالح عسكرية لإسرائيل والغرب عموما موجودة بالقرب من اليمن في دول كجيبوتي وإريتريا، ولكنها مخصصة لإصابة أهداف بعيدة، وإن كانت غير ذات قيمة فالأهم لإيران هو تحقيق انتصارات دعائية تتناقلها وسائل الإعلام الدولية ولا علاقة لها بمسألة كبح جماح الجرائم الإسرائيلية في فلسطين ولبنان.
الكثير يتساءل عما تخطط له إيران في المستقبل، وإلى أي مدى تريد الإبقاء على مناطق نفوذها ووكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن مناطق عازلة تدرأ عنها خطر تكرار المواجهة المباشرة مع إسرائيل والغرب.
ماذا بعد؟
صحيح أن إيران مُنيت بهزيمة خلال حربها التي لا يبدو أنها ستكون الأخيرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن جزءا من سلاحها في الداخل وفي سوريا ولبنان واليمن تعرض للتدمير والاستيلاء عليه في الجنوب اللبناني، لكن جزءا آخر من هذا السلاح لا يزال موجودا، لا نعرف حجمه ولا نوعيته وكمياته، ومن الأرجح أن يكون ذخيرة لأي حروب وصراعات مسلحة قادمة، فقد نجحت إيران خلال عقود وفي غفلة من الجميع في أن تخلق وضعا يشكل تحديا للكل لا يمكن التعامل معه دون حل استراتيجي شامل وجوهري مع طهران.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مأرب برس , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مأرب برس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.