اخبار اليمن | لماذا زيارة موسكو خطوة في الاتجاه الصحيح؟

في خطوة دبلوماسية بالغة الأهمية، قام فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني بزيارة رسمية إلى العاصمة الروسية موسكو، حاملاً معه تطلعات الشعب اليمني نحو السلام والتنمية وإعادة الإعمار، وسط مرحلة دقيقة تمر بها البلاد والمنطقة على حد سواء. جاءت الزيارة تلبية لدعوة رسمية من القيادة الروسية،

عقد الرئيس العليمي في موسكو سلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى مع كبار المسؤولين في الحكومة الروسية، وفي مقدمتهم الرئيس فلاديمير بوتين، حيث ناقش الجانبان جملة من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وفي مقدمتها تطورات الأزمة اليمنية، وسبل تحقيق السلام الشامل والمستدام، إضافة إلى آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين.

تأتي الزيارة لتعيد تسليط الضوء على القضية اليمنية في ظل التغيرات الدولية وتعدد الأجندات، وهي دعوة صريحة للمجتمع الدولي، ولا سيما الكرملين، للعب دور إيجابي في دعم مسار السلام ووقف التدخلات المزعزعة للاستقرار. وتكتسب هذه الزيارة أهمية استثنائية لانها تعكس رغبة اليمن في تنويع شراكاتها الدولية والانفتاح على قوى عالمية فاعلة مثل روسيا، التي تحتفظ بدور محوري في ملفات إقليمية ودولية عديدة،

ومن المأمول أن تفتح الزيارة آفاقاً جديدة للتعاون في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والزراعة، والنقل، والتعليم مما قد يسهم في تحريك عجلة التنمية وتحسين معيشة المواطنين. وبالفعل تم الاتفاق على تفعيل اللجان المشتركة، وتشجيع الاستثمارات الروسية في مشاريع إعادة الإعمار، والبنية التحتية، وتوفير المنح الدراسية للطلاب اليمنيين في الجامعات الروسية. ومن جانبها، أعربت القيادة الروسية عن دعمها للجهود المبذولة لإحلال السلام في اليمن، وشددت على أهمية احترام سيادة اليمن ووحدته، ورفض أي تدخلات خارجية من شأنها زعزعة استقراره.

الاهداف الرئيسية للزيارة

تجديد تأكيد الدعم السياسي والدبلومسي: اذ ان هذه المباحثات تؤكد عن موقف روسي داعم للشرعية اليمنية وجهود مجلس القيادة الرئاسي في استعادة الدولة وتحقيق الاستقرار.

• التوازن في العلاقات الخارجية: ترسي الزيارة مبدأ التنوع في التحالفات الدولية بما يضمن استقلالية القرار الوطني ويعزز من موقع اليمن في المعادلات الإقليمية.

• توسيع افاق التعاون الفني والعسكري: امكانية فتح قناة للتعاون في مجالات التدريب والدعم اللوجستي، مما يعزز قدرات السلطة الشرعية في مكافحة الإرهاب وتأمين الملاحة البحرية.

وهذا ما اكده فخامة الرئيس، في تصريحاته عقب اللقاءات، اذ اكد على حرص مجلس القيادة الرئاسي على بناء علاقات متوازنة مع مختلف القوى الدولية، بما يخدم مصالح الشعب اليمني، ويعزز من فرص إنهاء الحرب، واستعادة مؤسسات الدولة، وتحقيق التنمية المستدامة.

النتائج الإيجابية المأمولة

• إحياء دور اليمن على الساحة الدولية ورفع الوعي بالقضية اليمنية من على اعلى المستويات.

• تشجيع بقية القوى العالمية على الانخراط البنّاء في الملف اليمني، وتقديم دعم ملموس لإعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي.

• تقوية موقف الحكومة الشرعية في مواجهة الانقلاب الحوثي، من خلال توسيع الدعم الدولي وتحقيق اختراق سياسي قد يُفضي إلى حل دائم وشامل.

خيار واقعي في ظرف استثنائي

ومن المهم التأكيد على أن زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمن إلى موسكو لم تكن مجرد محطة بروتوكولية عابرة، بل جاءت في توقيت بالغ الحساسية، ضمن خارطة إقليمية ودولية شديدة التعقيد، ما يمنحها دلالات عميقة تتجاوز الطابع السياسي إلى أبعاد استراتيجية تمس مستقبل اليمن كدولة ومجتمع.

كسر جمود المسارات المغلقة

ففي المشهد اليمني الذي طالت فيه الحرب وتعمقت الجراح، يصبح الانفتاح المتوازن على القوى الدولية الكبرى خطوة ضرورية لا بد منها. واليوم، حين يختار اليمن أن يمد يده إلى روسيا، فإنه لا يبحث عن اصطفاف جديد، بل عن إعادة تموضع ذكي يعيد الاعتبار لقضاياه العادلة، ويكسر طوق العزلة المفروض عليه منذ سنوات.

وفي عالم السياسة، لا يُمكن تجاهل الدور الروسي، لا سيما في الشرق الأوسط، حيث تملك موسكو تأثيرًا وازنًا، وقدرة على التواصل مع أطراف متضادة. ومن هذا المنطلق، فإن اليمن حين يفتح قنوات مباشرة مع الكرملين، فإنه يراهن على كسر جمود المسارات المغلقة، ويعزز من حضور قضيته في المحافل الدولية.

من جانب اخر شكك البعض في اهمية الزيارة وجدواها وتوقيتها خصوصًا من زاوية ملف الحرب الروسية الأوكرانية، وما قد يترتب على ذلك من حساسية مع الغرب، وتحديدًا مع الاتحاد الأوروبي.

ومن المهم هنا أن نُميز بين الشعارات والمواقف الأخلاقية من جهة، وضرورات السياسة الواقعية من جهة أخرى. فالعلاقات الدولية لا تُدار بالعواطف، ولا بمنطق القطيعة، بل بلغة المصالح المتبادلة والمكانة الاستراتيجية، وهو ما ينطبق تمامًا على هذه الزيارة التي حملت دلالات مهمة لليمن، داخليًا وخارجيًا.

كما يستدعي ايضا استحضار نماذج واقعية لمواقف عدد من الدول القيادية في المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، الذين احتفظوا بعلاقات متميزة مع موسكو، رغم أن لكل منهم موقفه المعلن من الحرب في أوكرانيا، مع الاحتفاظ بمستوى عالي من عدم الانحياز او القطيعة، بل على العكس، ساعد ذلك في دخولهم كوسيط في قضايا إقليمية ودولية، خاصة في ملف الحرب الروسية-الاوكرانية، واستُقبل قادتهم في الكرملين باحترام، دون أن ان يفقدوا مصداقيتهم أو مكانتهم لدى أوروبا والغرب.

فلماذا يُلام اليمن إن هو سلك الطريق ذاته؟ ولماذا يُطلب منه ما لا يُطلب من غيره، وهو الذي يخوض معركة بقاء، ويبحث عن استعادة الدولة، وتحقيق السلام، وسط ظروف إنسانية واقتصادية كارثية؟!

دلالات بروتوكولاية لايستهان بها

ما يجب التوقف عنده هو أن الزيارة حملت أكثر من مجرد رمزية سياسية:

• أولًا، اللقاء كان على أعلى مستوى، ما يعكس اعترافًا واضحًا بمجلس القيادة الرئاسي باعتباره السلطة الشرعية في اليمن، وهو ما يمثل مكسبًا سياسيًا مهمًا لا يمكن تجاهله.

• ثانيًا، الاستقبال الذي حظي به الرئيس العليمي كان لائقًا بمستوى يليق بمكانته وبمكانة اليمن، كتأكيد على احترام الشرعية اليمنية رغم تعقيدات المرحلة وصعوبة الظرف، وهو ما يضفي على اللقاء بعدًا رمزيًا وسياسيًا لا يمكن تجاهله. ما يؤكد أن اليمن لا يزال حاضرًا على طاولة اللاعبين الكبار، رغم محاولات تهميش قضيته في كثير من المحافل، وازدواجية التمثيل.

• ثالثًا، العلاقات مع روسيا ليست ترفًا سياسيًا، بل هي حاجة موضوعية في ظل انقسام العالم وتعدد مراكز القوة، ولليمن مصلحة في أن يُبقي قنواته مفتوحة مع كل الأطراف المؤثرة، شرقًا وغربًا.

الدبلوماسية لا تعني الانحياز

الزيارة إلى موسكو لا تعني بالضرورة تأييدًا للحرب أو تخليًا عن القيم الإنسانية، بل تعني ببساطة أن اليمن يتعامل مع الواقع الدولي بعقلانية. فالدبلوماسية الناجحة تقوم على الانفتاح، لا على العزلة، وعلى التوازن، لا على الاصطفاف الأعمى.

في النهاية، ما يُنتظر من القيادة اليمنية ليس أن تُرضي الجميع، بل أن تُراكم المكاسب السياسية والاقتصادية التي تخدم مصلحة الشعب اليمني، وتُعيد لليمن مكانته ودوره. ومن هذه الزاوية، فإن زيارة موسكو تمثل خطوة جريئة ومحسوبة في الاتجاه الصحيح. تعكس إدراك القيادة اليمنية لأهمية الدبلوماسية المتوازنة، والسعي الحثيث نحو شراكات استراتيجية تُمكّن اليمن من تجاوز محنته.

بقلم: وسام باسندوه

محلل سياسي، خبير في العلاقات الدولية

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن الغد , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن الغد ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى