اخبار اليمن : المكتب الجهادي للمليشيات الحوثية في اليمن.. على خطى الباسيج الإيراني في التعبئة والتجنيد

 

يهدف هذا المقال التحليلي إلى فهم طبيعة المكتب الجهادي للمليشيات الحوثية في اليمن ودوره التنظيمي والفكري داخل بنية الجماعة، مع محاولة تتبع خلفيات نشأته وتأثيره في منظومة التجنيد العقائدي والقتالي، وتأثيره على المجتمع والدولة، وصولًا إلى مخاطره الإقليمية والدولية.

فالمكتب الجهادي لا يُعدّ مجرد وحدة دعوية أو فكرية، بل هو جهاز مركزي يربط بين العقيدة والسلاح، بين الحوزة والجبهة، وبين الخطاب الديني والتوجيه الميداني، وقد تشكّل هذا الجهاز بشكل تدريجي منذ النواة الأولى لحركة “الشباب المؤمن” في محافظة صعدة مطلع التسعينيات، مستلهماً نموذج “الباسيج” الإيراني في التعبئة والتجنيد وفق أدبيات ولاية الفقيه، ثم تحوّل بعد عام 2014م إلى كيان مؤسسي يملك سلطة توجيهية على المستويين العقائدي والعسكري (تقرير فريق الخبراء الأممي المعني باليمن 2024، وهيومن رايتس ووتش 2023).

 


ما هي النبذة التعريفية عن “المكتب الجهادي” ودوره التنظيمي داخل بنية الجماعة؟

المسمّى الرسمي قد يختلف داخل هياكل المليشيات الحوثية لكنه يشير إلى جهاز فكري-دعوي-تنظيمي ينسّق صلاحيات دينية وتعليمية وتعبوية مرتبطة بتبرير العمليات العسكرية، وتشكيل الخطاب العقائدي داخل الجماعة، وبلورة سياسات التجنيد والتعبئة، ويعمل هذا الجهاز بالتكامل مع الأجنحة العسكرية والإدارية (القيادة السياسية، الأمن، الحوزات والمراكز الدعوية)، فيهيئ المشروعية الدينية اللازمة لتحويل النزاعات السياسية إلى مشروع قتال “جهادي” بحسب لغتهم الداخلية، وتشير دراسات ميدانية وتحليلات استخبارية إلى وجود تنسيق مركزي وهيكل قيادي يدير هذا الجانب ويستمد عناصره أمنيًا وفكريًا من مستويات عليا داخل الحركة، خصوصًا من مكتب زعيم الجماعة ودوائر التعليم والتعبئة المرتبطة به (تقرير مجموعة الأزمات الدولية، 2023).

 


كيف يسهّل المكتب الجهادي عمليات التجنيد العقائدي والقتالي؟

المكتب يبني سردًا دينيًا ووجوديًا يحوّل الخسائر والأزمات إلى «محنة» وطنية أو عقائدية، ويضع استقطاباً مرحليًا يبدأ بالتجنيد أماميًا في المدارس والحوزات ثم التحول إلى تدريب شبه عسكري وإلزام بمراكز التعبئة، كما يوفر آليات لفرز المجندين وتوزيعهم على تشكيلات قتالية أو وحدات دعم لوجستي، ويستخدم أيضاً أنظمة إدارية (سجلات، قوائم، مكافآت مالية أو امتيازات اجتماعية) لتثبيت التجنيد وتحويله إلى بنية مستمرة وليست حملة موسمية فقط، وتشير تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في 2024م إلى أن هذا المكتب يقف خلف إدارة وتنسيق برامج التجنيد في المدارس والمراكز الصيفية بمناطق سيطرة الجماعة، حيث يتم استدراج الأطفال عبر ما يسمى “الدورات الثقافية” ثم نقلهم إلى معسكرات التعبئة في صعدة وعمران وحجة.

 


ما أبرز أدوات الحوثيين في استقطاب الشباب عبر الخطاب الديني؟

الأدوات ثلاثية: أولاً، تأطير النص الديني عبر فتاوى ومحاضرات تضع الصراع في خانة فرض عين أو دفاع عن الأمة، ثانيًا، استغلال الأحداث الإقليمية مثل الحرب في غزة أو الغارات الأميركية لتعبئة وجدانية تربط بين “الجهاد” المحلي والمواجهة العالمية ضد “الاستكبار”، ثالثًا، استغلال الضغوط الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية لاستمالة الشباب عبر وعود مادية أو امتيازات رمزية، أو عبر استهداف الأيتام والفقراء بمنح تعليم أو مراكز تدريب مقنّعة، وهذه الأدوات تعمل ضمن منظومة دعائية متكاملة عبر الإعلام الرسمي والحوثي والمنابر والمدارس، كما توثق تقارير منظمة العفو الدولية (2023) وجود استخدام مكثّف لخطاب ديني تعبوي قائم على الكراهية والتحريض المذهبي في المدارس والجامعات.

 


كيف توظف المليشيا المنابر والمناسبات الدينية لخدمة أهداف التجنيد؟

المناسبات الدينية كأيام عاشوراء، والاحتفالات بالمولد النبوي، وخطب الجمعة، واللقاءات الحسينية، تتحول إلى منصات لتقديم نماذج بطولية ومشاهد رمزية للتضحية، كما تُستغل المخيمات الصيفية والمراكز الثقافية المدرسية لنشر مضامين تعبويّة وعسكرية في قالب أنشطة دينية أو تعليمية، مما يسمح بانتقاء شباب قابلين لتلقّي التدريب لاحقًا، وتشير تقارير فريق الخبراء الأممي إلى أن المليشيا حوّلت 80% من المراكز الصيفية عام 2023 إلى مراكز تعبئة فكرية وتنشئة عقائدية تمهّد لتجنيد القاصرين والمراهقين.

 


وما علاقة المكتب الجهادي بالحوزات والمراكز الثقافية التابعة للجماعة؟

الحوزات والمراكز الثقافية تُعدّ شبكات إيديولوجية أساسية للمكتب الجهادي، فهي تزوّده بالشرعية الدينية والنخبة المدربة على الخطاب، وتُستخدم كمخازن بشرية لترويج فتاوى ومناهج تُطوّع الفقه لصالح أهداف الجماعة، والعلاقة عادة تكاملية: الحوزات تضع الإطار الفقهي، والمكتب يوفر الاتجاه السياسي والتسيير الميداني، مع تقاطع في التمويل والإدارة أحياناً، والنتيجة هي دمج ديني للمشروع السياسي والعسكري عبر مؤسسات مدنية-دينية، وقد وثّقت تقارير مركز صنعاء للدراسات (2022) هذا التكامل بين الحوزات والمكاتب الجهادية، مشيرة إلى أن بعض المشرفين على الحوزات يتولون مسؤوليات عسكرية ميدانية.

 

كيف يؤثر هذا المكتب على النسيج الاجتماعي والمذهبي في اليمن؟

آثاره عميقة ومتشعبة، إذ يُغذّي الانقسام الطائفي والمذهبي عبر خطاب يستثمر الاختلافات المحلية، ويضعف مؤسسات التعليم والحيّز المدني بصبغها أيديولوجيًا، ويصنّف المجتمع إلى فئات مؤيدة ومعارضة بصيغ تؤدي إلى استقطاب وملاحقات اجتماعية (الطرد من العمل، العزل المؤسسي، الضغط على الأسر)، كما تُخضع شبكات التضامن المحلي لولاءات جديدة تُغيّر ديناميكيات القبائل والمجتمع المدني، وتشير دراسة صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (2023) إلى أن المكاتب الجهادية للحوثيين أدت إلى تآكل النسيج الاجتماعي وتحويل الانتماء المذهبي إلى معيار ولاء سياسي.

 


ما حجم تورط المكتب الجهادي في تجنيد الأطفال والزج بهم في الجبهات؟

المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية وثقت أنماطًا مستمرة ومنهجية لتجنيد الأطفال من قبل الحوثيين، واستخدامهم في القتال والدعم اللوجستي والفصائل الأمنية، وأكدت تقارير الأمم المتحدة (2023) تجنيد أكثر من 2000 طفل خلال عام واحد، بعضهم دون سن 15 عامًا، وتزايد هذا النشاط بعد الحرب في غزة في أكتوبر 2023م، وهو سلوك مصنّف كجريمة حرب وفق المعايير الدولية، وأشارت هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية إلى أن المكتب الجهادي يشرف على هذه العمليات ميدانيًا بالتنسيق مع قادة الوحدات الميدانية ووزارة الدفاع الحوثية.

 


ما هي طرق مواجهة هذا النشاط الإجرامي ومناهضته؟

المواجهة تحتاج مزيجاً من الأدوات، منها التوثيق المنهجي للانتهاكات، وحملات إعلامية مضادة تعيد التأطير الديني والإنساني، وبرامج بديلة لحماية الأطفال (التعليم والدعم الاجتماعي للأسرة)، وضغط دولي وسياسي يحمّل القادة الحوثيين مسؤولية الانتهاكات، مع تعزيز مؤسسات التعليم الأهلي والرسمي وتقنين المنابر الدينية وتدقيق مناهج الحوزات، والمنظمات العاملة بإنصاف يجب أن تنسق مع الحكومة الشرعية والهيئات الدولية لوضع آليات حماية وتتبّع وإعادة تأهيل.

 


ما دور الحكومة الشرعية والمنظمات الحقوقية في التصدي وفضح الآليات وتوثيق الانتهاكات؟

دور الحكومة الشرعية يجب أن يكون مزدوجاً: داخلي عبر جمع الأدلة وتقديم القضايا أمام محاكم وطنية ودولية عندما يسمح الظرف، وخارجي عبر شراكات مع الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية لرفع الوعي الدولي وفرض قيود وقرارات، والمنظمات الحقوقية الدولية تقوم بالتوثيق والضغط الدبلوماسي، وعلى الحكومة تسهيل وصولها وإمدادها بالبيانات والضمانات لحماية الشهود والضحايا، كما على المجتمع المدني حشد الروايات الشفوية وتحويلها إلى ملفات قانونية، وفضح الآليات يتطلب أدلة ميدانية وشهادات مصورة وسجلات تجنيد وبيانات مالية حيث أمكن، وفق توصيات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (2024).

 

الخطر يمتد من عنصرين: أمنيًا — عبر تحويل اليمن إلى منصة للتدخلات الإقليمية والتوسع بعمليات هجومية أو تهديد الملاحة في البحر الأحمر والخليج العربي، وسياسيًا — عبر تصدير خطاب تجنيدي طائفي يثير استقطاباً في دول مجاورة ويخلق حواضن محلية للصراع، إذ أن وجود جهاز يدمج خطاباً دينياً متطرفاً مع قدرات عسكرية يرتّب مخاطر على الاستقرار الإقليمي، فالنتيجة قد تكون تهديداً للممرات البحرية والحدود والعمليات الإرهابية العابرة للدول، وهو ما حذرت منه تقارير الأمن الإقليمي العربي الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب في 2023م.

 

ولابد أن يكون لدى الحكومة الشرعية القدرة على البدء بالخطوات العملية المقترحة للتعامل مع التوثيق والبحث الميداني

 

أولاً: البدء بملف توثيق مركزي يتضمّن شهادات ناجين، وصورًا وفيديوهات للمراكز الصيفية، وقوائم أسماء المجندين، وسجلات مالية إن أمكن، وتواريخ دقيقة لكل حدث.

ثانيًا: التنسيق مع منظمات حقوقية دولية (هيومن رايتس ووتش، العفو الدولية، مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان) لتوثيق وتقديم تقارير مشتركة.

ثالثًا: إنشاء حملات بديلة على المنابر الشرعية يظهر فيها فقهاء مستقلون يرفضون تجنيد الأطفال ويعيدون قراءة النصوص الدينية بما يحمي المجتمع.

رابعًا: برامج إعادة تأهيل نفسية وتعليمية للأطفال العائدين، وشبكات حماية اجتماعية للأسر لتقليل اقتصاد الاستغلال.

خامسًا: الضغط الدولي لقضايا المساءلة وفرض عقوبات موجهة على القيادات والممولين المسؤولين عن تجنيد الأطفال، وربطها بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة (القرار 2624 لسنة 2022).

 

إن المكتب الجهادي للحوثيين يمثل اليوم حجر الأساس في مشروع الجماعة الفكري والعسكري، وتحليله وكشف بنيته هو الخطوة الأولى في مواجهة خطره، لأنه يجسّد التقاء العقيدة والسياسة والسلاح في كيان واحد، يهدد المجتمع اليمني أولًا، والمنطقة بأسرها ثانيًا.

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مأرب برس , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مأرب برس ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى