ضربة حظ أم تصفية مدروسة؟ تساؤلات حول مقتل قيادات حوثية بارزة بغارة إسرائيلية

لا زال المستهدف في الغارات الإسرائيلية التي شنتها، في آخر خميس من أغسطس الماضي، على العاصمة المختطفة صنعاء، غامضًا وتتكتم عنه مليشيا الحوثي، ترفض حتى الإفصاح عن أسماء من سقطوا أو أُصيبوا فيه، بشكل يثير ويرفع حجم التكهنات والتحليلات بشأنه.

ورغم المراوغة والنفي ثم الإقرار باستهداف اجتماع وصفه زعيم المليشيا “عبدالملك الحوثي” بأنه اجتماع ورشة عمل حكومية، للتقليل من أهميته، إلا أنه يبقى حدثًا مفصليًا في تاريخ المليشيا التابعة لإيران.

حدث الخميس في صنعاء المختطفة، خلّف قتلى وجرحى من القيادات والمشرفين والعناصر ذات المهام الإرهابية المختلفة، تأرجحت التقديرات حول أعدادهم بين 30 و40 صريعًا ومصابًا على رأسهم أحمد غالب الرهوي- رئيس حكومة المليشيا غير المعترف بها.

ملف صنعاء السري

يظل الاجتماع المستهدف في العاصمة المختطفة صنعاء، لغزًا وملفًا سريًا، وُصف حوثيًا بـ”ضربة حظ”، وإسرائيليًا بـ”قطرة حظ”، لكن خيوطه ما زالت تُنسج وتتلون معطياته وفقًا لما يُنشر من تحليلات وروايات وتوقعات.

الرواية الحوثية التي قُدمت للرأي العام كانت عبارة عن “غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعًا للحكومة غير المعترف بها، وصفه زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير، بأنه مجرد “ورشة”، وذلك ليس مجرد زلة لسان منه، وفقًا لمحللين محليين، بل اعتراف رسمي بأن “مجلس وزرائه”، لم يكن سوى واجهة تُدار من مكان ثانوي، لا يليق حتى بمؤسسة محلية، فكيف بحكومة تدّعي السيادة مع أن لا أحد يعترف بها؟!

وفي إجابته عن سؤال تردد كثيرًا عقب الاستهداف: لماذا كانوا صيدًا بهذه السهولة؟ كان رد زعيم المليشيا- التابعة لإيران- اتهامًا: “اختراق في الجبهة الداخلية”، وهو اعتراف صريح بأن العملية لم تكن مجرد تفوق تكنولوجي، بل خيانة من الداخل.

الاختراق الممكن

وهنا طُرح سؤال مثير للسخرية، لماذا كان الاختراق ممكنًا؟ فجاء الجواب من مقربين للحوثيين؛ لأن “دماغ نظام إيران في صنعاء” كان مشغولًا بالكامل بمطاردة خصومه السياسيين، والتحضير لعمليات عسكرية في مأرب وتعز والساحل والجنوب، وفرض جبايات المولد السنوية والتي تفوق هذا العام ما فُرض في الأعوام السابقة من أجل تعويض ما خسرته المليشيا جراء العقوبات والحصار وعمليات تجفيف تمويل إرهابها.

لكن رئيس وأعضاء لجنة الجبايات والتحضير للاحتفال بمولد الجبايات، لقوا مصرعهم في غارات الخميس، وهذا قد يكون أحد أهداف العملية.. لذا في المجمل وفقًا للرواية الحوثية، “انشغلوا في الداخل”، وأداروا ظهورهم للخطر القادم من السماء.

خطر الحضور والغياب

يلفت أغلب المحللين والمراقبين للشأن اليمني إلى نقطة وصفوها بالخطيرة تتمثل في “قائمة الحضور والغياب”؛ فالذين حضروا وماتوا هم “وزراء الديكور”، بينما غاب أصحاب الملفات الثقيلة: الداخلية، والدفاع، والمالية، والواجهة العقائدية ثالوث القوة (السيف والدرع والذهب)، الذين كانوا في مكان آمن، فيما تُرك الحاضرون أمام فوهة الاستهداف.

وما أثار استغراب الجميع بعد الضربة، واعتُبر أكثر كشفًا من الضربة، يتمثل في الصمت المطبق لثلاثة أيام، ثم إعلان عن تشييع رسمي لمن حضروا وماتوا؛ إذ بدا كعملية تجميل متأخرة.

أما الرد العاجل، فكان اختطاف موظفي إغاثة دوليين. هكذا تعمل الأنظمة المهزومة: حين تعجز عن ضرب عدوها الحقيقي، تستعرض قوتها على الحلقة الأضعف.

يرى العديد من المتابعين والمراقبين أن ما حدث لم يكن مجرد عملية استهداف، بل نتيجة حتمية لنظام مأزوم مصاب بـ”بارانويا” داخلية، جعلته مستعدًا للتضحية بـ”الكومبارس” لحماية المخرجين الكبار.

ويبقى السؤال معلقًا: من هو صاحب “الاختراق” الذي اعترف به الحوثي؟ هل هو عميل صغير، أم أن هناك من همس في أذن الطيار من قلب غرفة التحكم؟

الكشف عن سر جديد

تمثل ذلك في ما ورد في بيان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبيرغ، حول الضربات الإسرائيلية الأخيرة على صنعاء الخميس الفائت، وكشف فيه عن وجود وسطاء سياسيين سقطوا في الغارات إلى جانب مدنيين وقيادات حوثية بارزة.

وجاء في نص إحدى فقرات بيان المبعوث بهذا الخصوص ونشره مكتبه يوم الأحد (31 أغسطس):” وفقًا لبيانات صادرة عن الحوثيين، فقد أسفرت هذه الهجمات عن مقتل وإصابة عدد من كبار مسؤولي الحوثيين وبعض الوسطاء السياسيين”.

السؤال الذي يطرح نفسه: من يا ترى أولئك الوسطاء، هل هم إقليميون أو دوليون أو محليون؟ ولماذا حضروا اجتماع ورشة عمل حكومية حسب وصف زعيم الحوثيين للاجتماع المستهدف؟

إذن- وفقًا للمحللين والمراقبين- لم يكن اجتماع صنعاء الدامي مجرد ورشة عمل، بل هو اجتماع لبحث عرض جديد يناسب التطورات الراهنة بشأن العودة إلى مباحثات سلام لا ترغب قيادة المليشيا الإيرانية بها؟ فكان لا بد من وقوع تلك الحادثة، في محاولة للتنصل أو الهروب مما سيُفرض عليها من بنود تتناسب مع وضعها المنهار اقتصاديًا وماليًا وحتى عسكريًا، إلى جانب فقدانها للتأييد الشعبي.

قراءة من زاوية أخرى

في تطور جديد، ظهر تحليل وقراءة لواقع قد يكون أحد دوافع الاستهداف يؤكده عدم إعلان الحوثيين الحِداد على قتلاهم رغم مكانتهم الهيكلية في صفوف المليشيا، وهي التي أعلنت سابقًا الحِداد على الهالك حسن نصر الله، والرئيس الإيراني الذي قضى بتحطم طائرة عمودية.

لكن؛ يبدو أن دماء من عملوا لصالحها لا ترقى لقداسة دماء الإرهابيين الإيرانيين، لتُعد تلك نقطة اتهام لقيادة الحوثيين بالوقوف وراء تلك العملية التي يتكتمون حول أسماء من سقطوا فيها صرعى وأشلاء ومتفحمين ومصابين.

أصوات من الداخل

أصوات الانتقاد للمليشيا جاء هذه المرة من الداخل والمحيط القريب من قادتها، حيث تناول كلٌّ من صلاح الدكاك وخالد العراسي- بالانتقاد- عملية تجميع كل أولئك القادة في مكان واحد، ووصفوها بما يشبه تجميع بيض فاسد في سلة واحدة للتخلص منهم.

كما أطلقوا على ما حدث وصف “النكسة”، التي سترفع من حماسة منابر زعماء المليشيا خلال الفترة المقبلة، حد وصفهما الساخر أو المؤكد، حيث يتوقع الجميع أن تستغل قيادة المليشيا الواقعة في عدة اتجاهات.

لكنهما انتقدا بشدة عملية تجميع ذلك القدر الكبير من القيادات والمسؤولين في مكان واحد رغم قدرتهم على تنظيم اجتماعات عبر دوائر إلكترونية، مؤكدين وجود هدف من وراء ذلك.

دعوات وتجميع مكشوف

وحسب المصدرين، فإن قادة المليشيا العقائدية وجهت دعوات إلى أشخاص لحضور الاجتماع، وأخرى لأشخاص بعدم الحضور، وهم بالعادة لا يفوتون مثل تلك الورش لبث سموم فكرهم، فضلًا عن أنهم “غير المدعوين” لا يفارقون ما يسمى رئيس الوزراء إطلاقًا منذ تعيينه، وهنا تمحى فرضية “ضربة حظ”، التي تحدث عنها القيادي مهدي المشاط عقب الغارات.

ومن الانتقادات الموجهة ضد قيادة المليشيا أنه تم تجميعهم في مكان مكشوف وغير محصن، رغم إمكانية نقلهم عبر باصات بطريقة سرية من منطقة تجميعهم إلى مكان أكثر أمانًا وتحصينًا.

فضائح وجرائم فساد

ومما تم كشفه أن من بين الحاضرين أشخاصًا تعتبرهم مليشيا الحوثي مؤثرين على سمعتها أمام الرأي العام، وتخشى أن يكشفوا ملفات فسادها وانتهاكاتها.

وأشارت المصادر إلى أن جميع المرافق الإيرادية والاقتصادية الخاضعة لسيطرة الحوثيين تشهد فسادًا واسعًا منذ سنوات، مع وجود اختلالات وقصور كبير في إدارتها. وتصدرت قائمة هذه الجهات شركة النفط- التابعة للمليشيا- المتورطة في فضيحة الوقود المغشوش، ومؤسسة التأمينات التي نُهبت أرصدة صناديقها، إضافة إلى المؤسسة العامة للحبوب التي تحولت إلى ثقب أسود لابتلاع مليارات الريالات، حيث فشلت لجنتان شُكلتا مؤخرًا في حصر حجم الفساد داخلها.

كيانات حوثية مرتبطة بإسرائيل

وكشفت تقارير عن قضايا فساد مرتبطة بالحوثيين ذات صلة مباشرة بإسرائيل، من خلال ما يُعرف بوحدة التدخلات التنموية وصندوق دعم وتنمية الحديدة، حيث جرى استنزاف مبالغ طائلة عبر إدخال كميات كبيرة من ألواح الطاقة الشمسية الموردة من شركة “ترينا سولار” الإسرائيلية. كما طالت الاتهامات هيئة المواصفات والمقاييس، التي سمحت بتمرير منتجات غير مطابقة للمواصفات، بينها صناعات وبضائع تعود لشركات إسرائيلية.

وامتدت المخالفات إلى مرافق وإدارات تابعة لوزارة زراعة المليشيا، التي سهلت دخول مبيدات زراعية إسرائيلية المنشأ، بينها مبيدات منتهية الصلاحية ومحظورة وعالية السمية. وأشارت مصادر إلى أن شحنة من هذه المبيدات وصلت مؤخرًا إلى اليمن بطريقة التهريب رغم انتهاء صلاحيتها، ومع ذلك صُرح بفك التحفظ عنها ونقلها إلى مخازن أحد التجار في محافظة صعدة لاستخدامها بدلًا من التحفظ عليها.

جهات تحمل ملفات فساد أخرى

ومن أبرز ملفات الفساد، ما شهدته شركة “يمن موبايل” التي تعاقدت مؤخرًا على برنامج حماية إلكتروني أمريكي مثير للجدل، يُستخدم في أعمال تجسس، وبتكلفة قُدرت بملايين الدولارات جرى الاستحواذ عليها كعمولات لصالح قيادات حوثية.

كما برز فساد مؤسسة الإسمنت، التي قامت مؤخرًا ببيع شحنة من مادة “الكلنكر” غير المطحون بمبلغ سبعة مليارات ريال، في حين أن طحنها كان سيضاعف قيمتها لتصل إلى نحو 14 مليار ريال، بحسب تقارير رسمية. واللافت أن المشترين هم ذات الأطراف التي وجهت بعملية البيع، ما يجعل الصفقة أقرب إلى بيع المؤسسة لنفسها في واحدة من أبرز عمليات الاحتيال.

وتتسع دائرة الفساد لتشمل مؤسسة الاتصالات وغيرها من المكاتب والمؤسسات الرسمية المختطفة من قِبل المليشيا الحوثية في صنعاء وعدد من المحافظات المنكوبة بسيطرتها.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة 2 ديسمبر , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من 2 ديسمبر ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى