هل حان الوقت لاسترجاع زمام المبادرة في البحر الأحمر؟

في عام 2023 شهد البحر الأحمر أكثر من 60 حادثة استهداف لسفن تجارية أو ناقلات نفط، و بحسب تقارير المنظمة البحرية الدولية (IMO)، من بينها الهجمات على السفن:

“Galaxy Leader” في 19 نوفمبر 2023، والتي تم الاستيلاء عليها من قبل الحوثيين،

واستهداف ناقلة النفط “Strinda” في ديسمبر،

إلى جانب هجمات بطائرات مسيّرة ضد سفن مثل “Unity Explorer” و**”Number 9″** في يناير 2024.

كل ذلك يشير إلى تحوّل البحر الأحمر وباب المندب من ممر ملاحي دولي إلى ساحة صراع مفتوحة، تتداخل فيها أبعاد الأمن العربي والإقليمي والدولي. في هذا السياق، تزداد أهمية طرح السؤال:

هل تأخرنا في استعادة زمام المبادرة؟

الإجابة باختصار: نعم وبكلفة باهظة جدا، فإلى جانب الخسائر الأمنية، فقد تحولت مسارات شحن دولية كثيرة نحو طريق رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى زيادة كلفة التأمين والشحن بنسبة تجاوزت 300% لبعض الشركات، وفقًا لتقديرات شركة Lloyd’s of London في مطلع 2024.

الواقع الأمني المقلق بالتحالف الحوثي-الإيراني لم يعد يُخفي أهدافه.

ومحاولة الحرس الثوري الإيراني تفعيل هلال بحري شيعي يمتد من ميناء بندر عباس حتى موانئ الحديدة الثلاثة (الحديدة-الصليف-رأس عيسى)

فقد أعلنت جماعة الحوثي عبر متحدثها العسكري، يحيى سريع، في عدة مناسبات (منها بيان بتاريخ 14 يناير 2024)، أنها “تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل أو أمريكا أو بريطانيا”. هذا الخطاب، مترافقًا مع أدلة جمّة عن توريد إيراني مباشر لمنظومات صاروخية وبحرية متقدمة، كما وثّق تقرير فريق خبراء مجلس الأمن الصادر في فبراير 2024، يجعل من التدخل الدولي أمرًا عاجلًا لا يحتمل التأجيل.

وإذا أردنا الاستفادة من تجارب دولية مشابهة، فإن تجربة البحر الأسود خلال الحرب الروسية–الأوكرانية تُظهر كيف يمكن للصراعات الإقليمية أن تعيد تشكيل موازين القوى البحرية وتُهدد أمن الملاحة العالمية. فمنذ اندلاع الحرب عام 2022، تحوّل البحر الأسود إلى ساحة مواجهة استراتيجية بين روسيا وأوكرانيا، نظراً لأهميته العسكرية والتجارية لكلا الطرفين وخاصة

بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، عززت موسكو وجودها البحري في المنطقة، في حين طورت أوكرانيا استراتيجيات هجومية غير تقليدية شملت استخدام الزوارق والطائرات المسيّرة لاستهداف الأسطول الروسي، كما حدث في الهجوم على ميناء سيفاستوبول وإغراق الطراد “موسكفا”.

وادى الى انسحاب روسيا من “اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود” في 2023 فاقم الأزمة، ورفع من حدة التهديدات لأمن الغذاء العالمي. هذه التطورات حولت البحر الأسود إلى نقطة توتر دولي تتجاوز أبعاد الحرب نفسها، وهو ما يُشير إلى أن ترك ساحة استراتيجية بحرية دون ردع مبكر قد يؤدي إلى تداعيات جيوسياسية عميقة.

وإذا كانت أوكرانيا، رغم ظروفها الصعبة، استطاعت تطوير أدوات ردع بحرية مؤثرة، فإن اليمن – بدعم إقليمي ودولي منسق – قادر على إعادة بناء قدراته البحرية، وتأمين واحد من أهم الممرات العالمية وهو مضيق باب المندب، بوابة البحر الأحمر.

ولذا نجد ان الحل اليمني لاستهداف الملاحة في البحر الأحمر من قبل الميليشيات الحوثية يمكن ايجاد الحلول التي تبدو عملية وواقعية، من خلال إعادة تأهيل قوات خفر السواحل اليمنية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا.

هذه القوات تأسست رسميًا عام 2003، وتلقت تدريبات في الولايات المتحدة وإيطاليا ومصر، كما شاركت في دوريات مشتركة لمكافحة القرصنة بين 2009 و2013.

لكن بعد انقلاب الحوثيين في 2014، وتدمير البنية المؤسسية، تراجع دور هذه القوات إلى الحد الأدنى، رغم أن نواةها لا تزال موجودة في مناطق الشرعية، مثل عدن والمكلا والمخا.

تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عام 2022 أشار إلى أن تأهيل هذه القوة يتطلب:

تحديث البنية التحتية البحرية (رادارات، زوارق سريعة، أجهزة اتصال).

إنشاء مركز عمليات بحري مشترك يربط بين عدن والمخا وسقطرى.

تدريب 800 عنصر على المهام الخاصة بالمراقبة البحرية والتعامل مع التهديدات غير التقليدية.

الدروس والتجارب إلاقليمية القابلة للتكرار:

1.الصومال:

في ذروة القرصنة عام 2011، سُجلت أكثر من 200 حالة اختطاف لسفن. لكن، منذ بدء بعثة EUCAP Somalia عام 2012، وبدعم من النرويج والاتحاد الأوروبي، تم تأهيل خفر السواحل الصومالي، وانخفضت الحالات إلى صفر تقريبًا بحلول 2019.

2. جيبوتي:

بدعم فرنسي وأمريكي، أنشأت جيبوتي مركز مراقبة ساحلية متقدم في 2017، وهو اليوم يعتبر نموذجًا في تتبع السفن التجارية والعسكرية.

3. الخليج العربي – مضيق هرمز:

منذ 2019، كثّفت دول الخليج (خاصة الإمارات وسلطنة عُمان) جهود الربط الإلكتروني بين وحدات خفر السواحل.

وأُنشئ مركز “التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية” (IMSC) في البحرين، وهو يضم 11 دولة ويشكل شبكة ردع قوية ضد التهديدات الإيرانية أو الهجمات العابرة للحدود.

ومن حيثيات السيناريو اليمني من الممكن لا المستحيل

إذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم اللوجستي فإن بناء منظومة بحرية يمنية قادرة على المساهمة في تأمين مضيق باب المندب ممكن.

يقترح الخبراء في مركز الأزمات الدولي (ICG) إنشاء

وحدة خاصة سريعة التدخل في المخا وجنوب البحر الأحمر.

مركز قيادة تكتيكي في عدن.

من خلال تعاون ثلاثي بين كلا من الحكومة اليمنية الشرعية و التحالف العربي و والاتحاد الأوروبي (على غرار بعثة “أتلانتا” الأوروبية لمكافحة القرصنة).

الدور الدولي يجب أن ينتقل من التصريحات إلى الأفعال

حيث أن

الجميع يُدرك أهمية البحر الأحمر، لكن ما ينقص هو العمل التنسيقي المؤسسي.

تجديد ولاية بعثة “أونماها” التابعة للأمم المتحدة في يونيو 2024 كان مؤشرًا إيجابيًا، لكنه يظل غير كافٍ و

المطلوب الآن

تحرك دبلوماسي تقوده الحكومة اليمنية بدعم خليجي لإقناع المجتمع الدولي بتمويل مشروع تأهيل شامل لخفر السواحل من خلال

ربط القوات اليمنية بمراكز عمليات إقليمية في جدة، عدن، ومقر قيادة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين و

تحويل الموانئ المحررة (المخا، عدن، بلحاف) إلى قواعد دعم لوجستي لعمليات التأمين البحري.

الخاتمة: ان استعادة زمام المبادرة ضرورة لا رفاهية و

أمن البحر الأحمر مسألة استراتيجية وجودية، تتجاوز اليمن إلى أمن الطاقة العالمي (حيث يمر حوالي 20-30% من امدادات نفط وغاز العالم من هذه الممرات البحريةالحيوية)، واستقرار التجارة الدولية.

تأخير التحرك يعني:

إطالة عمر المليشيات و

زيادة الكلفة على الاقتصاد الإقليمي بالإضافة إلى

تقليص الثقة الدولية بالشركاء العرب في ضمان أمن الممرات البحرية وبخاصة في البحرالأحمر وخليج عدن.

إن إطلاق مشروع إعادة بناء خفر السواحل اليمني ليس مجرد استثمار أمني، بل هو رهان على الاستقرار والسلام في المنطقة.

حيث ان التاريخ لا ينتظر و البحر الأحمر لن يحرسه غير أهله.

المصادر:

1. International Maritime Organization (IMO) Incident Reports, 2023–2024

2. UN Panel of Experts on Yemen – Final Report, February 2024

3. Lloyd’s of London Risk Bulletin – January 2024

4. EUCAP Somalia Mission Annual Report – 2022

5. UNDP Yemen Coastal Security Assessment – 2022

6. IMSC Coalition Updates – Bahrain Naval Command, 2023

7. International Crisis Group – Yemen Conflict Monitoring Series, June 2024

8. بيانات جماعة الحوثي الرسمية – المتحدث العسكري، يناير وفبراير 2024

*محلل سياسي وأكاديمي يمني

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى