شرق اليمن أمام معادلة جديدة.. الانتقالي يملأ الفراغ ويعيد هندسة النفوذ في حضرموت

شهدت حضرموت في الساعات الماضية أحد أكثر تحوّلاتها حساسية منذ اندلاع الحرب اليمنية، فدخول قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مدينة سيئون – مركز وادي حضرموت – كان لحظة مفصلية أعادت رسم شكل النفوذ داخل المحافظة الأكبر جغرافياً، ووضعت الجنوب أمام اختبار جديد في إدارة المناطق الحيوية.
مشهد السقوط الهادئ
منذ الساعات الأولى لاقتحام سيئون، كان واضحاً أن المنطقة العسكرية الأولى – بتاريخها الطويل وعتادها الضخم ومنشآتها الممتدة – لم تعد تمتلك القدرة أو الإرادة للقتال.
وبحسب ما أفادت به مصادر محلية يمنية، لـ”إرم نيوز”، فقد انسحبت الوحدات تباعاً، وسقطت المواقع العسكرية بلا مقاومة تُذكر، في مشهد كرّس حقيقة ظلّ المسؤولون المحليون يتجنبون الاعتراف بها طوال سنوات، وهي أن تلك القوة التي وُصفت لسنوات بأنها “عمود الدولة في الوادي” فقدت تماسكها الداخلي، وتفككت شبكات ولائها، ولم تعد قادرة على الدفاع عن مواقعها.
بالمقابل، تقدّمت قوات الانتقالي بانضباط لافت، حيث كانت وحداتها تتحرك في خطوط واضحة، وُزّعت وفق خطة ميدانية سبقت العملية بأيام، وتقدّمت إلى المطار والقصر الجمهوري ومقر القيادة العسكرية بخطوات محسوبة، ما جعل السيطرة تتخذ شكل “استلام” أكثر مما بدا أنه معركة.
إعادة هندسة القوة في حضرموت
في حين يؤكد مصدر سياسي يمني تحدث لـ”إرم نيوز” أن ما جرى مثّل لحظة انهيار سياسي لمنظومة نفوذٍ ظلت قائمة على التوازنات أكثر من استنادها إلى قوة حقيقية.
وأضاف أن المنطقة العسكرية الأولى كانت تمتلك السلاح، لكنها فقدت القدرة على الإقناع والشرعية المحلية.
وتابع بالقول “القبائل لم تعد ترى في هذه القوى طرفاً ضامناً، والشارع لم يعد يثق بها، والسلطة المركزية تركتها تتآكل من الداخل”.
لقد جاء تقدّم الانتقالي ليملأ فراغاً لم يعد قابلاً للتجاهل، فالمجتمع الحضرمي، بتحفظه التاريخي وحرصه على الاستقرار، كان يبحث عن قوة منضبطة تكبح التوترات المتصاعدة وتمنع تمدد جماعات أكثر خطراً من أي صراع جنوبي – جنوبي. هذا الإدراك الشعبي وفق المصدر ساهم في خفض مستوى المعارضة الفعلية للتحرك، ووفّر للألوية المتقدمة مساراً شبه مفتوح داخل المدينة، رغم ما رافق الساعات الأولى من فوضى وهواجس.
لكن ما يجعل الحدث أكثر عمقاً من مجرد تقدم عسكري هو ما يمكن تسميته بـ”إعادة هندسة الخرائط في الشرق اليمني”. فحضرموت هي بوابة اقتصادية وسياسية، تحمل ثقلها الجغرافي والاقتصادي، وتضم حقول النفط والموانئ والمطارات والطرق الدولية التي تربط اليمن بحدوده الشرقية.
وبالتالي، يعتبر المصدر السياسي بأن أي طرف ينجح في تثبيت حضوره في الوادي يكتسب تلقائياً موقعاً أعلى في معادلة القوة اليمنية، سواء على مستوى الجنوب أو على مستوى البلاد ككل.
رهانات إعادة تنظيم حضرموت
المصدر السياسي اليمني، قال في تصريحاته لـ”إرم نيوز” إن المجلس الانتقالي الجنوبي تحرك في سيئون ضمن تصور واضح للمرحلة، فقد جاء تدخله منسجماً مع مطالب شرائح واسعة من أبناء حضرموت الذين كانوا يبحثون عن سلطة قادرة على اتخاذ القرار.
وبحسب قوله، فإن الانتقالي “استطاع أن يملأ فراغاً أمنياً تراكم لسنوات، مستفيداً من بنية عسكرية تمتلك الانضباط والإرادة، ومن قيادة سياسية تنظر إلى الوادي باعتباره منطقة محورية يجب أن تُدار بكفاءة”.
وأضاف المصدر إنّ الخصوصية الجغرافية والاقتصادية لحضرموت تحتاج إلى نمط إدارة واضح، وإنّ “الانتقالي تحرّك وفي ذهنه هذا المعطى”. مشيراً إلى أن المجلس دخل المحافظة ليضع أسساً لمرحلة أكثر استقراراً، خصوصاً في المناطق المتصلة بالطرق الدولية ومحيط الحقول النفطية.
بينما اعتبر أن المرحلة المقبلة في حضرموت ستكون اختباراً مهماً للمجلس الانتقالي، مشيراً إلى أنها ستكون “فرصة لإرساء نموذج إدارة محلية ناجح”.
وبحسب تعبير المصدر، فإن الانتقالي “يمتلك اليوم فرصة نادرة لإعادة تعريف مفهوم السلطة في المناطق الجنوبية والشرقية، وإثبات أن الفاعل القادر على حماية الأرض هو ذاته الفاعل القادر على بناء إدارة مستقرة وفعّالة”.
إعادة ترتيب موازين النفوذ
قالت مصادر دبلوماسية غربية متابعة لمجريات المشهد اليمني، إنّ التطورات التي شهدها وادي حضرموت تعكس تحوّلاً عميقاً في توازنات القوة داخل الجنوب، وتُظهر أن المجلس الانتقالي الجنوبي بات يمتلك القدرة العملية على إدارة مناطق واسعة بطريقة مستقرة وواضحة.
وأوضحت المصادر في حديثها لـ”إرم نيوز” أنّ ما حدث في سيئون كان “نتيجة ديناميات تراكمت خلال العامين الماضيين، كان فيها الانتقالي الطرف الأكثر تنظيماً وانضباطاً، والأقدر على تنفيذ رؤية أمنية محلية متماسكة”.
وأضافت أنّ دخول قوات الانتقالي إلى المدينة “جاء ليعيد تشكيل الخريطة الأمنية شرق اليمن”، وأن القوى الدولية تتابع هذا التحول بوصفه مؤشراً على صعود فاعل محلي قادر على فرض الاستقرار في مناطق حيوية لم تشهد خلال سنوات أي إدارة واضحة المعالم.
وتابعت المصادر قائلة إن “هذا التحرك كان بمثابة خطوة سياسية دقيقة، عبّرت عن قدرة المجلس على التنسيق بين مستويات القرار الميداني والتنظيم الإداري”.
واعتبرت المصادر أنّ حضرموت “لم تكن طوال السنوات الماضية تحت إدارة متجانسة، وكانت هناك مستويات متعددة من النفوذ المتداخل”، وأنّ التحول الأخير “أعاد ترتيب هذه المستويات، ووضع السلطة الفعلية بيد قوة واحدة تمتلك رؤية مكثفة للملف الأمني”. وأضافت أنّ “المشهد الدولي ينظر باهتمام إلى هذا النمط من التماسك، نظراً لكونه يخفّف من حالة التعدد التي كانت تعطل الاستقرار”.
وختمت المصادر الدبلوماسية حديثها بالتأكيد على أنّ “المرحلة المقبلة ستكون اختباراً لنموذج الإدارة الذي يريد الانتقالي ترسيخه في الشرق”، مضيفةً أنّ نجاح هذه التجربة “قد يعيد تعريف كيفية إدارة المحافظات الغنية بالموارد في اليمن، ويفتح الباب أمام معادلة تستند إلى الفاعلية الميدانية وليس إلى الهياكل التي فقدت حضورها في السنوات الأخيرة”. مشيرة في نهاية حديثها إلى أنّ “الاستقرار الناتج عن التحرك الأخير سيحمل انعكاسات واسعة على مستوى الجنوب ككل، وهو ما تنظر إليه العواصم الغربية باعتباره تطوراً يمكن البناء عليه في مقاربة مستقبل المنطقة”.
مسارات جديدة يصوغها الانتقالي
من جانبه قال الباحث السياسي جوليان واربرتون، المتخصص في ديناميات الصراعات المحلية وإعادة تشكيل النفوذ في البيئات الهشّة، إن التطورات الأخيرة في وادي حضرموت تأتي كتحوّل يعكس قدرة فاعل محلي منظم – هو المجلس الانتقالي الجنوبي – على صياغة واقع جديد، في منطقة كانت تتعامل خلال سنوات طويلة مع تشتت القوى وفقدان مركز واحد للقرار.
وأوضح خلال حديثه لـ”إرم نيوز” أن دخول قوات الانتقالي إلى سيئون أعاد تعريف مفهوم القوة في الشرق اليمني، من زاوية قدرة طرف محلي على فرض انتظام سياسي وأمني في مساحة شديدة التعقيد.
ولفت واربرتون إلى أنّ ما يجري في الوادي هو جزء من نمط عالمي تُظهر فيه القوى المحلية المنظمة قدرة أكبر على إدارة الجغرافيا من المؤسسات المركزية المرهقة، وأن هذا النمط يتكرر في مناطق عديدة من العالم حيث تعجز البنى التقليدية عن إنتاج استقرار.
ويرى أن الانتقالي قدّم مثالاً واضحاً على هذا المنحى، من خلال تحرك محسوب يستند إلى استعداد لوجستي وعسكري مكّنه من تثبيت حضور سريع، دون إثارة صدامات واسعة أو اضطرابات مجتمعية.
وفي سياق تحليله، أشار واربرتون إلى أن قدرة الانتقالي على بناء علاقة مباشرة مع المجتمعات المحلية في الجنوب والشرق، بما فيها حضرموت، تُعدّ واحدة من أهم عناصر قوته. فالتفاعل بين القوة العسكرية وبين الحساسية للمحيط الاجتماعي – كما يقول – هو ما يصنع الفرق بين الفاعلين العابرين وبين القوى التي تستطيع ترسيخ وجود طويل الأمد. وبرأيه، هذا ما ميّز تحرك الانتقالي، لأن العملية في سيئون جرت ضمن سياق تُحترم فيه البنية الاجتماعية المحلية، ولا تُفرض عليه ترتيبات خارجة عن طبيعته.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارم نيوز , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارم نيوز ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.







