المناضل الجسور أديب العيسي.. رحيل موجع لرجل التصالح والتسامح

في يوم حمل كل معاني الحزن، ودّعت مدينة عدن واحدًا من أبرز رجالاتها، المناضل الجسور أديب محمد صالح العيسي، الذي رحل الأربعاء الماضي عن عمر ناهز الخمسين عامًا إثر ذبحة صدرية مفاجئة. منذ اللحظة الأولى لانتشار خبر وفاته، خيّم الصمت والدهشة على الشارع العدني، وبدت ملامح الفقد على وجوه الجميع، وكأن المدينة فقدت أحد أعمدتها.
أُديت صلاة الجنازة على الفقيد في مسجد نور الإيمان بحي ريمي في مديرية المنصورة، قبل أن يُوارى جثمانه الثرى في مقبرة الممدارة الجديدة. مشهد التشييع كان مهيبًا، إذ امتلأت الساحات بقيادات سياسية وعسكرية واجتماعية، إلى جانب جموع المواطنين الذين تقاطروا من مختلف المناطق، ليودّعوا رجلًا عاش بينهم وشاركهم أحلامهم وآلامهم.
لم يكن المشهد مجرد وداع رسمي، بل كان لحظة تفيض بالوفاء والعرفان، لرجل حمل هموم وطنه ووقف صلبًا في وجه العواصف التي حاولت اقتلاع عدن من جذورها.
سيرة نضالية لا تنتهي بغياب الجسد
ارتبط اسم أديب العيسي بالمقاومة الجنوبية منذ اللحظات الأولى لانطلاقتها. ففي عام 2015، عندما عاشت عدن أيّامها الأصعب، كان العيسي حاضرًا في مقدمة الصفوف، يقود الرجال ويشدّ من عزائمهم، ليشكّل مع رفاقه سدًا منيعًا أمام محاولات إسقاط المدينة.
لم يكن دوره محصورًا في ساحات القتال، بل تجاوز ذلك ليصبح أحد أبرز الأصوات الداعية إلى التسامح والتصالح، مؤمنًا أن وحدة الصف الجنوبي هي السلاح الأقوى لمواجهة التحديات.
كما كان من مهندسي ثورة 16 فبراير التي أسقطت العاصمة عدن سلمياً، وساهم في توحيد المقاومة الجنوبية في عدن وأبين والضالع، ودمج اللجان الشعبية ضمن المؤسسات الأمنية والعسكرية. ظل يرفض هيمنة الأحزاب على القضية الوطنية، معتبرًا أن الجنوب أكبر من أي انتماء ضيق.
رجل عاش بين الناس
لم يكن العيسي قائدًا بعيدًا عن الناس، بل عاش بينهم. عرفه المواطنون بحضوره اليومي في تفاصيل حياتهم، يستمع إلى شكاواهم، ويتدخل لحل خلافاتهم، ويسعى لمساعدة المحتاجين. هذا القرب من الشارع أكسبه احترامًا واسعًا وشعبية كبيرة.
كما لعب دورًا مهمًا في توحيد النقابات العمالية والمهنية، وشارك في مختلف المبادرات الوطنية الرامية لتعزيز التسامح والوحدة الجنوبية، مؤكدًا أن معركة الوعي لا تقل أهمية عن معركة البندقية.
جذور من التضحية والإرث الأسري
وُلد أديب العيسي في عدن بتاريخ 13 ديسمبر 1975، في بيت مشبع بروح الفداء والتضحيات. والده هو الشهيد العقيد ركن محمد صالح العيسي، أحد الفدائيين الجنوبيين ضد الاستعمار البريطاني، الذي ارتقى في أحداث 13 يناير 1986. هذا الإرث الثقيل شكّل وعيه المبكر، فكان وفيًّا لمسيرة أسرته التي عاشت التهجير والتشريد، لكنها ظلت راسخة في انتمائها للوطن.
حصل على بكالوريوس في العلوم السياسية، وكان أبًا لابنه محمد وابنته، اللذين سيحملان اليوم إرث أبٍ استثنائي، عاش مناضلاً ورحل مكرمًا.
نعي رسمي ورسائل وفاء
الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، نعاه بكلمات مؤثرة، واصفًا رحيله بالخسارة الجسيمة للجنوب كله. وأكد أن مآثره الوطنية ستظل محفورة في ذاكرة الأجيال، وأن ما تركه من بصمات في مسيرة المقاومة الجنوبية والحراك الوطني سيبقى خالداً.
إلى جانب ذلك، تدفقت بيانات النعي من مختلف الشخصيات والجهات، وكلها تشيد بمناقبه ومواقفه وصلابته، وتؤكد أن رحيله ترك فراغًا كبيرًا في الساحة الوطنية.
شهادة في الفقيد
الصحفي صالح أبو عوذل عبّر عن حزنه بكلمات مؤثرة في منشور له، قال فيه:”لقد كان الفقيد أخاً عزيزاً وصديقاً صادقاً، متسامحاً في خُلقه، صلباً في مبادئه، ومؤمناً بأن الشراكة الوطنية لا تعرف حدوداً ضيقة، بل هي مشروع جامع يليق بالجنوبيين جميعاً. عاش مناضلاً، وجسّد في حياته معنى التصالح والتسامح والتضامن، مستمداً من سيرة والده الشهيد القائد محمد صالح العيسي، ومن معاناة أسرة عانت التهجير والتشريد وظلت راسخة في انتمائها للوطن. أديب – رحمه الله – كان مدرسة في الوفاء، قليل العتاب، كثير الصبر، وواقفاً إلى جانب رفاقه في كل المراحل. رحيله اليوم لا يمحو أثره، بل يخلّده في قلوبنا وذاكرتنا، حيث يظل رمزاً للشراكة الوطنية الصادقة، وصوتاً لا ينطفئ في الدعوة إلى وحدة الصف.”
رحيل الجسد وبقاء الأثر
برحيل أديب العيسي، يخسر الجنوب أحد أبرز رموزه الوطنية والإنسانية. لكن صدى صوته سيبقى حاضرًا، وأثره لن يزول، وسيرته ستظل مصدر إلهام للأجيال القادمة. فقد غاب الجسد، لكن بقيت الروح التي عاش بها، والرسالة التي حملها، والقيم التي زرعها.
سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الجنوب كتجسيد لمعاني النضال والوفاء والتسامح، ورمزًا لرجل عاش للناس ورحل عنهم تاركًا إرثًا لا يُمحى.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.