اخبار حضرموت | حضرموت بين الفعل السياسي والشعبي: قراءة في الرسائل الموجهة من فعاليات الاستقلال الجنوبي

تقرير (حضرموت21) خاص 

في عرض غير مسبوق للقوة الشعبية والتماسك الوطني، تحولت مدينة سيئون، قلب وادي حضرموت، اليوم الأحد 30 نوفمبر 2025، إلى منارة للمطالبة بتقرير المصير الجنوبي، وذلك بالتزامن مع الاحتفالات بالذكرى الثامنة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني.

لقد مثلت هذه الفعالية الجماهيرية الضخمة تتويجاً لمسار طويل من النضال السياسي والشعبي، مؤكدة أن المجلس الانتقالي الجنوبي لم يعد قوة فاعلة في الساحل الجنوبي فحسب، بل بات الممثل الحقيقي والأوحد لتطلعات السواد الأعظم من أبناء محافظة حضرموت، بما في ذلك المناطق التي لا تزال تحت سيطرة القوات العسكرية التابعة للسلطة الشرعية المعترف بها دولياً.

وأفاد مراقبون سياسيون ومصادر أمنية حضرت الفعالية أن حجم الحشد، الذي قدر بمئات الآلاف، يتجاوز بكثير القدرة التنظيمية المعتادة، ما يشير إلى تحول عميق في الولاءات الشعبية داخل الوادي.

وقد جاءت هذه المليونية لتكون بمثابة استفتاء ميداني يكسر حاجز الوادي الجغرافي والسياسي الذي طالما استخدمته القوى المناهضة للمشروع الجنوبي كخط دفاع أخير.

وتشكل رسائل 30 نوفمبر من سيئون تحدياً مباشراً للمؤسسات التي حاولت عرقلة المد الجنوبي، وأبرزها قيادة المنطقة العسكرية الأولى المتمركزة في الوادي والكيانات السياسية المتحالفة معها، والتي ترفع شعارات “الشرعية” في الوقت الذي ترفض فيه تنفيذ الشق العسكري والأمني لاتفاق الرياض المتعلق بإعادة التموضع.

بهذا الحشد، يكون المجلس الانتقالي الجنوبي قد عزز موقفه السياسي والتفاوضي، ليرسخ قناعته بأن أي تسوية شاملة للأزمة اليمنية يجب أن تنطلق من الاعتراف الكامل بإرادة الجنوبيين في حضرموت.

استفتاء شعبي يكسر حاجز الخوف

لم يكن نجاح المجلس الانتقالي الجنوبي في حشد هذا العدد الهائل من الجماهير في سيئون ليأتي لولا سنوات من العمل السياسي المنظم وتنامي الوعي الشعبي بحقوق أبناء الجنوب. فمدينة سيئون، التي تُعد مركزاً للثقل العسكري للقوات الموالية لصنعاء، كانت تمثل تحدياً لوجستياً وأمنياً كبيراً. وقد أشارت تقارير إلى أن الفعالية كانت استعراضاً لليقظة الحضرمية ضد محاولات تهميش قضيتهم.

شهدت المليونية مشاركة واسعة من كافة المديريات، بما في ذلك مناطق القبائل في الوادي والصحراء، التي لطالما كانت ركناً أساسياً في أي معادلة سياسية أو أمنية في حضرموت. وقد أكدت هذه المشاركة أن الدعوات الداعمة للمجلس الانتقالي هي دعوات عميقة الجذور، وليست مجرد حراك سطحي أو موسمي.

لقد حملت الهتافات واللافتات التي رفعت في سيئون رسائل لا لبس فيها: المطالبة بتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم الأمنية والعسكرية والاقتصادية، والانسحاب الفوري للقوات التي يصفونها بقوات الاحتلال، واستكمال عملية التحرير التي بدأتها قوات النخبة الحضرمية المدعومة من الجنوب في الساحل.

هذا الحشد هو “شرعية الشارع” التي تتجاوز شرعية البيانات والتصريحات التي تصدرها الكيانات السياسية الهشة.

انهيار شرعية الكيانات البديلة

لقد أثبتت مليونية سيئون اليوم أن القوى السياسية والإدارية التي حاولت منافسة المجلس الانتقالي الجنوبي أو إضعاف مشروعه في حضرموت قد فقدت مصداقيتها وقدرتها على التأثير على الأرض. فقد فشلت هذه الكيانات، التي غالباً ما تتلقى دعماً من قوى إقليمية أو شمالية، في تقديم نموذج حقيقي للحكم الرشيد أو الاستقرار الأمني.

ويُعزى هذا الفشل إلى عدة عوامل، أبرزها ارتباط هذه الكيانات بـ “أجندات صنعاء” ورفضها تمكين أبناء حضرموت من السيطرة على موارد المحافظة. وفي المقابل، نجح المجلس الانتقالي في بناء مصداقية عبر دعم القوات المحلية (النخبة الحضرمية) التي ثبتت كفاءتها في مكافحة الإرهاب وحماية الساحل.

وتأتي هذه الفعالية لتضع الكيانات المعارضة، في وضع لا تحسد عليه، إذ باتت بياناتهم مجرد حبر على ورق لا يمثل الإرادة الشعبية التي تجلت اليوم في الشوارع.

وقد أكدت مصادر مطلعة أن السلطات المحلية الموالية للشرعية لم تتمكن من منع الحشود أو تقليل زخمها، ما يعكس مدى ضعف قبضتها الإدارية والأمنية في وجه الإرادة الجنوبية الجارفة.

في هذا السياق، قدم الكاتب السياسي محمد لحمدي لـ “حضرموت21” تحليلاً معمقاً لضعف الكيانات المضادة ونجاح المجلس الانتقالي في استيعاب التطلعات الشعبية، وقال: “ما شاهدناه في سيئون اليوم هو عملية تفويض شعبي مكتملة الأركان. لقد تبلور المشهد السياسي في حضرموت بشكل نهائي؛ لم يعد هناك مكان للأجسام التي تشكلت بهدف إطالة أمد بقاء الاحتلال القديم أو خدمة أجندات حزبية ضيقة. الرسالة واضحة: السلطة الشرعية الفعلية على الأرض، سواء كانت إدارية أو عسكرية، أصبحت في حكم المنتهية شعبياً”.

وبشأن فشل الكيانات الموالية لصنعاء في إحباط المد الجنوبي، أضاف لحمدي: “هذه الكيانات لم تدرك أن زمن البيانات قد ولى. الحشود المليونية التي تخرج في أصعب الظروف الأمنية واللوجستية تؤكد أن المشروع الجنوبي لم يعد خياراً، بل هو إرادة شعبية جازمة لا يمكن التراجع عنها. الدعم الذي يلقاه المجلس الانتقالي الجنوبي يرتكز على أنه أثبت قدرته على حماية المكتسبات، وتحويل القضية الجنوبية من حالة دفاع إلى حالة تثبيت إداري وسياسي وعسكري. هذه الجماهير تدرك أن صمود المجلس الانتقالي هو صمود يحمي هويتهم ويفتح الباب أمام تأسيس دولة قوية وعادلة”.

وأشار لحمدي إلى أن نجاح الانتقالي يكمن في واقعيته السياسية: “المجلس الانتقالي يقرأ المشهد بواقعية، حيث يعتبر أن أي تسوية لا تستند إلى إرادة شعب حضرموت في تقرير مصيره هي تسوية هشة ومحكوم عليها بالفشل. لقد نجح المجلس في تحويل قضية الجنوب، بفضل هذا الزخم الحضرمي تحديداً، إلى جوهر أي نقاش حول مستقبل اليمن. لم يعد بالإمكان تجاوز حضرموت أو التلاعب بورقة وحدتها المصطنعة”.

التداعيات الاستراتيجية

تتعدى رسائل سيئون البعد السياسي إلى الجانبين العسكري والاقتصادي، فهذه المحافظة هي خزان النفط والغاز الرئيسي الذي يعتمد عليه الاقتصاد اليمني المنهار. وقد أكدت الجماهير في هتافاتها أن السيطرة على الثروات هي حق لأبناء حضرموت في إطار الدولة الجنوبية القادمة.

ويضع هذا الحشد الهائل ضغطاً متزايداً على القوات المتمركزة في الوادي، والتي ظلت تتجاهل مطالبات الانسحاب تنفيذاً لاتفاق الرياض. فالمطالبة بتمكين قوات النخبة الحضرمية وقوات الدعم الأمني الجنوبية لم تعد مجرد مطلب سياسي لقادة المجلس الانتقالي، بل أصبحت مطلباً جماهيرياً لا يمكن تجاهله من قبل أي وسيط إقليمي أو دولي.

وتشير التقديرات إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي يخطو بثبات نحو مرحلة “التطويق السياسي” لوادي حضرموت، بحيث تصبح القوات المتواجدة هناك معزولة شعبياً وسياسياً، ما يسهل عملية إحلال القوات المحلية المدربة والمجهزة لحماية المصالح الجنوبية. إن الجماهير الحضرمية تدرك أن “النخبة” هي التي هزمت الإرهاب ومهدت الطريق لاستعادة القرار الحضرمي لأبنائه.

وفي هذا الصدد، تناول الصحفي طاهر بن سريع، دلالات المليونية على الواقع العسكري والاقتصادي للمحافظة: “مليونية 30 نوفمبر اليوم في سيئون هي نقطة تحول تاريخية. لقد تجاوز الجنوب، بقيادة المجلس الانتقالي، مرحلة الدفاع عن وجوده بالدخول إلى مرحلة تثبيت الحضور السياسي والإداري في مناطق الوادي. هذه المناطق التي كانت تعتبر خطاً أحمراً، أصبحت اليوم ساحة لفرض الإرادة الشعبية الجنوبية”.

وأضاف بن سريع لـ “حضرموت21” مشدداً على أن هذه الفعالية هي بمثابة تفويض لإدارة الملف الأمني: “ما نراه هو تظهير واضح لإرادة الجماهير في إدارة شؤونهم. لقد نجح المجلس الانتقالي في تحويل القضية الجنوبية من ملف أمني إلى مشروع وطني شامل يحمي الأرض والثروات. إن هذه الملايين هي التي تفرض على القوى الإقليمية والدولية التعامل مع المجلس الانتقالي بوصفه الشريك الوحيد القادر على تحقيق الاستقرار في هذا الشريان الحيوي، بعيداً عن صراعات الشمال التي لا تنتهي”.

وبشأن الجانب الاقتصادي، أشار بن سريع: “فشل الكيانات المعارضة في السيطرة على إدارة الموارد النفطية ومنعها من الخروج، كما حدث مؤخراً مع محاولات تمرير ناقلات النفط التي عارضتها القبائل، يثبت أن القوة الشعبية الفاعلة تقف إلى جانب المشروع الجنوبي”.

وأردف: “هذه الحشود هي الغطاء الشرعي لاستعادة السيطرة على الثروات وتوجيهها لخدمة أبناء المحافظة، بعيداً عن جيوب الفساد في صنعاء أو مأرب. هذا الصمود الشعبي يفرض على القوى الداعمة للمجلس الانتقالي مضاعفة جهودها لتطهير الوادي من كل أشكال الاحتلال”.

الدولة الجنوبية الفيدرالية

تشير القراءة الختامية لرسائل سيئون إلى أن حضرموت، بثقلها السياسي والجغرافي والاقتصادي، تتجه بخطى متسارعة نحو الانضمام لباقي محافظات الجنوب في إطار دولة جنوبية فيدرالية. فالمشاركون رفعوا علم الجنوب وشعارات الاستقلال، مؤكدين أن الوحدة القسرية قد انتهت وإلى غير رجعة.

وفي نهاية المطاف، يمكن القول إن المجلس الانتقالي الجنوبي استطاع تعزير موقفه بصفته الجهة التي تتبنى رؤية واضحة لمستقبل حضرموت، قائمة على تمكين أبنائها وإدارة شؤونها المحلية ذاتياً ضمن إطار الدولة الفيدرالية. وهذا يمثل نموذجاً مغايراً تماماً للنماذج التي تبنتها القوى التقليدية، والتي كانت تهدف فقط إلى الإبقاء على الوصاية المركزية.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة :
حضرموت 21، ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وإنما تم نقله بمحتواه كما هو من حضرموت 21، ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكره.

اترك تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى